كان ياما كـان في نوليـوود

بقلم: فرنسوا فوريستيي François Forestier

ترجمة: سهام الوادودي



تنتج نيجيريا ما بين ألفين إلى ثلاثة آلاف فيلم سنوياً، وهي بذلك تعد ثالث أكبر صناعة سينمائية في العالم بعد هوليـوود وبوليـوود. ومن بين هذه الأفلام "African Apocalypse نهاية العالم الإفريقية": تحفة فنية بكل المقاييس.
 

إنه سفر إلى جوف الظلام الدامس، رحلة تمر بنا عبر بلاد يختلط ترابها بالدم. فعلى طول الطريق الإفريقية المتربة، تنتصب أشباح تراجيدية. يحكي فيلم «African Apocalypse» للمخرج روب ليمكين Rob Lemkin، والذي يمكن مشاهدته عبر منصة معهد الفيلم البريطاني، قصة شاعر نيجيري اسمه فيمي نايلاندر Nylander Fémi، يتقدم نحو الشرق من مدينة نياماي، على الطريق الوطنية رقم 1، صوب قرية ماي جيرجي (الموجودة في النيجر). فهناك ترقد، في قبر أنيق ومعتنى به، بقايا جثمان القبطان بول فولي Paul Voulet، الذي قتل في سنة 1899 أعداداً كبيرة من السكان الأصليين باسم فرنسا.

إنه لشريط مفجع حقاً: فبعد أكثر من مائة وعشرين عاماً على الهجمة الوحشية التي نفذتها البعثة العسكرية الفرنسية فولي-شانوان Voulet-Chanoine، ما تزال الذاكرة تتحدث. وقد مرت أجيال عديدة، ولكن فيمي نايلاندر ما يزال يسمع أصداء هذه البعثة، التي قام خلالها القبطان فولي بـ«إحلال السلم" بين قرى بأكملها مستعملاً مدفعه، ومستعيناً بجنوده الستمائة ومائة فرد آخرين من جنود السباهيس. وقد تم محو مدينة بيرني نكوني من الخريطة، وقتل سكانها البالغ عددهم 000 15 نسمة بكل بساطة. "إنه تمظهر للعنف شكل العالم الحديث" حسب رؤية فيمي نيلاندر. أما مخرج الفيلم روب ليمكين فيرى أن "الامبراطوريات عندما تتقدم فحينها تبدأ الفظائع".

عندما عرض هذا الفيلم في المهرجانات كان ذلك دلالة على بزوغ سينما إفريقية عالية المستوى في الساحة الدولية. إذ لطالما ظلت آلاف الأفلام التي تنتج في نوليوود، موطن صناعة السينما في لاغوس، محصورة وموجهة إلى الجماهير المحلية، أو المجموعات المحلية المهاجرة في كل من نيويورك وبريتوريا. أما الآن فقد انتهى كل ذلك: يكفي أن تكتب Netflix nollywood على شاشة حاسوبك لتظهر لك العشرات من العناوين. هل تكون نهاية العالم الإفريقية قد تحولت إلى غزو بالصورة؟ ربما كانت سخرية القدر، ولكنها سخرية في منتهى العدل.

"مع نهاية القرن، كان هناك بريطانيون في السودان وألمان في ناميبيا، وبلجيكيون في الكونغو... لقد علمونا أن بدايات الرأسمالية البريطانية تعود إلى اختراع الآلة البخارية والثورة الصناعية، ولكنهم أبداً لم يتحدثوا لنا عن نهب موارد العمل البشري". يعلق فيمي نايلاندر، الذي تلقى تعليمه في أكسفورد. ومن الغريب أن رواية كونراد القصيرة "في قلب الظلام" نُشرت في فبراير 1899، عندما كانت الفرقة العسكرية فولي-شانوان قد بدأت في ارتكاب المجزرة. لقد كان مرض "الحمى الحادة"، مرض ذلك الزمان، يفتك بالقوى العظمى، فيما كان الزهري ينخر جسد بول فولي.
 

في فيلم روب ليمكين، تتجسد اللحظة الأكثر حزناً في لقطة الاستماع إلى تسجيل يعود لسنة 1970، تروي فيه امرأة تبلغ السابعة والتسعين من العمر أنها كانت واحدة من ثمانمائة أسيرة اختطفهن الفرنسيون. يستمع فيمي نايلاندر إلى هذا الصوت الذي يتردد صداه من الماضي وقلبه يعتصر من شدة الحزن. وفي الخارج، تلفح رياح الهارماتان الجافة الأرض، وتتغطي الطريق الوطنية رقم 1 بغبار قادم من الصحراء.

"حتى ذلك الحين، كان الاستعماريون هم من يحكي تاريخ الأفارقة ويصف ثقافتهم. لقد استخدموا السينما لتغيير سلوكنا، كما يوضح فيمي أودوغبيني، وهو منتج في لاغوس. الأفلام تبين لك بأنك لن تكون متحضراً ما لم تستخدم الشوكة. وإذا كان لديك إله، تقترح عليك الأفلام إلهاً آخر، أفضل منه...". وقد وضعت نوليوود حداً لهذا المصادرة الثقافية.

بدأ كل شيء سنة 1990 من خلال الاتجار في أشرطة الفيديو التي كانت تعرض على الأرصفة، وتشترى ليعاد استخدامها في تسجيل بعض الأفلام البسيطة بوسائل جد متواضعة. ومع اختفاء أشرطة VHS وظهور أقراص الفيديو الرقمية DVD الأرخص كلفة، تغير الوضع. وأصبح يوم الإثنين من كل أسبوع، يشهد ظاهرة جديدة: عشرات العناوين الجديدة التي تتدفق على الطرق المزدحمة في أسواق لاغوس وأبوجا وآبا. إذ يتنقل صبية ينتعلون أحذية التزلج بين السيارات ليبيعوا أفلاماً بلهجة الإيغبو igbo ("Living in Bondage"، حيث الأغنياء يغتنون من خلال التضحية بشخص عزيز)، وباللغة الإنجليزية ("The Convocation"، حيث تتهم طالبة معلمها بالاغتصاب)، وبلهجة اليوروبا Yoruba ("Sonto Alapata"، حيث يموت جزار في ظروف غامضة)، ولكن أيضاً بلهجة الهوسا hausa، والأورهوبو urhobo أو الإيفيك efik.

ومع نجاح هذه الأفلام، ظهر جيل كامل من الفنيين والمخرجين أمثال هوبير أوغوندي Hubert Ogunde، دانيال أورياهي Daniek Oriahi، ليلى بالوغون Lila Balgun. وابتداء من 2015، أصبحت البنوك تولي اهتمامها لصناعة السينما. كان المجال مفتوحا،ً وفرص الاستثمار به مغرية بالفعل: 196 مليون نسمة، وعشرون قاعة للسينما والملايين من المتفرجين المحتملين، الذين يشترون الأفلام المقرصنة بأثمنة بخسة، أفلام يتم استنساخها، أو حتى سرقة أفكارها وإعادة تصويرها من جديد. وعندما قرر المنتج غابرييل أوكوي Gabriel Okoye أن يبدأ بالتصدي لمراكز القرصنة، التي تقع أحياناً في الأحياء الفقيرة، "كان الرجال ينتظرون[ه] بالسواطير". القرصنة إذن أمر واقع وحتمي، ولا بُدّ من التعايش معه. ولكن من الضروري الاستمرار في إرضاء الجمهور.

وتتنوع الأفلام النيجيرية التي تنتج حالياً بين الميلودراما والكوميديا غير المألوفة (نسخة محولة من فيلم "سائق التاكسي")، ومواضيع تاريخية بالأساس (الملكة أمينة في القرن السادس عشر، وتجارة الرقيق في زمننا، وغارات بوكو حرام). تتوخى هذه الصناعة بلوغ هدف واضح ومعلن: غزو سوق الهواتف الذكية؛ إذ يرى شيك مادويغبونا Chike Maduegbuna، مؤسس منصة أفريولي بأن "هناك تلفزيوناً واحداً لكل أسرة، ولكن عشرة إلى اثني عشر من الهواتف الذكية." ويبلغ بالفعل عدد الهواتف الذكية في نيجيريا ثلاثين مليوناً، بينما يصل هذا العدد إلى ثمانمائة مليون في إفريقيا بأكملها.

فيما يتعلق بغزارة الإنتاج، فبعد هوليوود، تأتي بوليوود في المرتبة الثانية، وهناك أيضاً المسلسلات التلفزيونية المطولة التي تنتجها بعض بلدان أمريكا اللاتينية والمسلسلات الكورية، كل منها يستند إلى صناعة قوية ومكتسحة. وتنحو نوليود إلى عكس ما تنحو إليه الإنتاجات الأمريكيّة. يقول أوكي أوغونجيوفور Okey Ogunjiofor، وهو ممثل سابق حول نشاطه إلى الإنتاج: "تبدأ الأفلام الأمريكيّة عادة بمشاهد تدمير وتنتهي بمشاهد تدمير أيضاً، أما نحن فنحتفي بحياتنا المجتمعية، وبطريقتنا الخاصة في العيش". هذا وقد شهدت السينما النيجيرية ميلاد نجمات جدد أمثال جينيفيف نناجي Geneviève Nnaji، "جوليا روبرتس إفريقيا"، نادية بواري Nadia Buari، وباسيانس أوزوكوور Patience Ozokwor.

لعل أكثر ما يميز صناعة السينما وتلقيها في نيجيريا، هو فترات التصوير القصيرة جدّاً، والاستهلاك الفوري والأرباح المنخفضة (ففيلم «The wedding Party 2»، وهو الفيلم الأنجح في عام 2019، لم يجلب سوى 500 مليون نيرة؛ أي ما يزيد قليلاً على مليون يورو). وعلى الرغم من انقطاع التيار الكهربائي بكثرة وضيق الميزانيات، تنتج نوليوود ألفي إلى ثلاثة آلاف فيلم في السنة، ليست كلها أفلام رديئة، إذ يحصل أن يبرز من بينها عمل فني حقيقي، يقوم بمراجعة نقدية للتاريخ، ويصحح ما شابه من أخطاء أو نقائص، مثلما هو الحال بالنسبة لفيلم "نهاية العالم الإفريقية".

الفيلم يقوم بمراجعة وتصحيح لرواية تاريخية لم يعد من الممكن القبول بها. إنه يمثل، بحسب فيمي نايلاندر، رداً على السردية الاستعمارية. أما فيما يخص القبطان فولي البغيض، فيقال إن قبره في ماي جيرجي فارغ. لكن ذلك لا يهم. فعمدة القرية يعتزم التخلص من هذه "الذكرى المظلمة".

خلاصة القول إذن؛ أن هناك أمريْنِ يمكنهما إعادة بناء الذاكرة الإفريقية: رياح الهارمتان التي تمحو كل شيء، والسينما التي تعيد اختراع كل شيء.
 



المصدر: مجلة L'Obs
"Il était une fois à Nollywood"
(L'Obs, N° 2928, 10/12/2020 p.p. 99-100)

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها