اليوم السادس.. هل يواجه الإنسان القدر؟

د. مريم وحيد

سيمفونية على أوتار الحزن تجسد العلاقة بين إرادة الإنسان والقدر المحتوم.. معزوفة تعبر عن الحب والأسى، والحزن والخوف، والمعاناة والأمل، والرغبة في غدٍ أفضل. الحياة والموت هي التيمة الأساسية في الفيلم، غير أن الموت ليس فقط موتاً جسدياً أو على مستوى المادة، ولكنه موت معنوي أيضاً؛ موت للشعور والإحساس.

 



اليوم السادس.. بين المكتوب والمرئي

فيلم اليوم السادس للمخرج يوسف شاهين، هو في الأصل رواية كتبتها الشاعرة والروائية آندريه شديد Andrée Chedid. وهي فرنسية مصرية ذات أصول لبنانية. ولدت أندريه شديد بالقاهرة في 20 مارس 1920، لأسرة تعود إلى الشوام المتمصريين. تعود عائلة أبيها إلى "بعبدا" في لبنان، وعائلة أمها من دمشق في سوريا. وتم إرسالها إلى مدرسة داخلية، وهناك تعلمت الإنجليزية والفرنسية. وفي الـرابعة عشر من عمرها سافرت إلى أوروبا، ولكنها عادت مرة أخرى إلى مصر لتدرس بالجامعة الأمريكية بالقاهرة. كانت شديدة الولع بمصر، وتحدثت عن الريف المصري، وعن مصر القديمة والحديثة في عدد من أعمالها القصصية، ومنها: "الرماد المعتق 1952"، و"جوناثان 1955"، و"اليوم السادس 11960".

كتبت عن حال الفقراء البسطاء في روايتها اليوم السادس "Le sixième jour" المنشورة عام 1960 باللغة الفرنسية2، تعبر فيها عن قصة امرأة أربعينية ناضجة، ماتت ابنتها وتركت لها حفيدها حسن. تسافر إلى رشيد للعزاء في أحد أقاربها الذين توفوا بالكوليرا، ويكون الموقف شديد الصعوبة عليها، فالكوليرا قضت على الجميع من حولها مما أصابها بالحزن الشديد. وبعد عودتها من رشيد سرعان ما يمرض حفيدها بالكوليرا، وتحاول إنقاذه بأي شكل. تلتهم الكوليرا المدن والقرى كما ورد في الرواية. وأهل القرية هم أكثر من تضرر من الكوليرا، كما جاء في صفحاتها الأولى "إن الكوليرا لا تهم أهل المدن في شيء؛ إنها تهمنا نحن فقط"، ففي القرية ينتشر الجهل والفقر والمرض3.

نقلت الروائية حال المهمشين والفقراء في مصر في زمن الوباء، واستطاعت بكل دقة أن تشرح حال المهمشين في زمان الوباء من خلال عدد من الشخصيات، وبالتركيز على شخصية نسائية واحدة يتمحور حولها العمل. وتناول الفيلم الذي تم إنتاجه عام 1986 حقبة زمنية من تاريخ مصر، هي حقبة حكم الملك فاروق وتحديداً عام 1947. وقد اختارت أندريه شديد مسمى "اليوم السادس"، وهو اليوم الحاسم؛ لأنه هو اليوم السادس فيما بعد إصابة المريض لأول مرة بالكوليرا، والذي يعرف من خلاله ما إذا كان ستكتب له الحياة أم سيموت. وقد اختارت الكاتبة عام 1947؛ لأنه العام الذي انتشر فيه وباء الكوليرا في القاهرة وبعض المدن المصرية، وسرعان ما استشرى الوباء ومات الكثير، وذلك خلال ستة أيام فقط من بدء الإصابة بالمرض.
 

الشخصيات.. الزمان والمكان

بطلة الفيلم السيدة الأربعينية تسمى "صدّيقة" (داليدا). صديقة هي اسم على مسمى، فهي كثيرة الصدق تعرف ماذا تريد، وتعبر عنه بكل وضوح حتى ولو لم يعجب الآخرين، وترفض الكذب والخديعة، مسؤولة ومضحية، ومحملة بأعباء كثيرة تتمثل في زوجها العاجز، وحفيدها الطفل الصغير الذي يمرض بالكوليرا4.

تدور بين البطلة والله أحاديث كثيرة. تُفصِح من خلالها عن أمل بتوافق آمالها مع إرادة الله. في بداية الفيلم أملها أن يُشفى مدرس حفيدها. تطالعنا المشاهد الأولى في الفيلم بصديقة تزور حفيدها في المدرسة، ويبدو أن هناك علاقة صداقة بينها وبينه، وعاطفة لا نعرف مداها. ونراها في مشهد لاحقٍ تُعد له ولأسرتها وليمةً، ونلاحظُ امتعاض الزوج من التقارب بينهما، ونلاحظ التعاطف الجم من صديقة نحوه. يمرض هذا المدرس، ويختفي بعد ذهابه لمخيمات الحجر الصحي، تنتظر صديقة شفاءه وعودته، ولكنه لا يعود.

تعمل صديقة منظفة ملابس (غسالة)، لكنها لا تغسل الملابس فقط ولكن تغسل همومها وأحزانها. وقد تضاعف ما تربحه من أموال بسبب زيادة الإقبال على غسل الملابس في زمن الوباء. تواجه صديقة وباء الكوليرا كما يواجهه الآلاف، وهذا الوباء هو قدر من الله تعالى كما يُصور في الفيلم والرواية. فتبدو صديقة وكأنها تواجه القدر بكل ما أوتي لها من قوة. عندما يصاب حفيدها بالوباء تقرر السفر به إلى الإسكندرية، وذلك للهروب بالطفل حتى لا يبلغ أحد عنه ويموت في مخيمات الحجر الصحي. تريد أن تضحي بنفسها لإنقاذ حفيدها، فهي لا تريد من الدنيا إلا رؤيته بصحة جيدة، وهو ما تجلى في المشهد الذي تتحدث فيه مع نفسها إلى ربها "يا رب خذني أنا وبلاشهو".

وقد اختارت الروائية أن تكون البطلة سيدة لتعبر عن كفاح ومعاناة المرأة في زمن الوباء، وهي امرأة ليست هشة أو ضعيفة أو منكسرة، بل هي سيدة قوية لكن الوباء يصيبها بالوهن والعجز. تبدو منغلقة على ذاتها طوال الفيلم، فحديثها عما تريد موجه لله وليس لمن حولها.

يصور الفيلم أيضاً جوانب أخرى من شخصية صديقة، فهي صاحبة مبادئ مكافحة ثائرة، تنتقد السلطة السياسية المتعاونة مع الإنجليز والمجتمع. فهي ترغب في القضاء على الاحتلال، كما تنتقد المجتمع من حولها المتجسد في الحارة الصغيرة، فترفض عدداً من السلوكيات مثل: فتنة الجيران على بعضهم البعض داخل الحارة؛ فكأنهم يلتهمون بعضهم البعض.

يُعجب كثيرون بصديقة ليس بسبب جمالها بالأساس؛ ولكن بسبب هيبتها. تشعر بالحب تجاه الجميع، ولكن إحساسها بالمسؤولية والواجب هو الإحساس الطاغي عليها. فهي تقدم الرعاية لكل من حولها، فتقوم بعمل وليمة كبيرة للمدرس المغلوب على أمره، وتخدم زوجها المريض. فتساعد الجميع دون أن تنتظر مساعدة من أحد.

صديقة هي نموذج للبطل المأسوي التراجيدي، الذي يواجه مأساة أكبر من إمكانياته يفرضها عليه القدر؛ إنها شخصية نبيلة ذات مصير مأسوي. فكأن البطلة التراجيدية وقعت في مشكلة النقيصة، أو الزلة التراجيدية "الهامارتيا" Hamartia، وهو الخطأ الذي يقترفه البطل التراجيدي، ويسبب له الكثير من المتاعب. فهي تخطئ في إصرارها على السفر بالحفيد بما في ذلك من خطورة شديدة عليهما، بدلًا من أن يُرسل لمخيمات الحجر الصحي، وبدلًا من أن يظل في المنزل لتلقي العلاج. في الواقع كان أمام صديقة الكثير من الحلول، ولكنها اختارت حل المغامرة، وأصرت على تنفيذه عن طريق تجنيد كل المحيطين بها، بدايةً من الشباب الثوري وإخفائه في منزل الفنانة، وتجنيد أوكا وتصديه للسلطات التي تفتش المركب إلى أن تصل لهدفها. ولكن مع هذا يباغتها القدر، ويموت الحفيد وتصل وحدها إلى مبتغاها. تُصرّ على ما تريد رغم التنبيهات الشديدة التي ترد إليها من المحيطين بها لإثنائها عن موقفها.

الشخصية الثانية المحورية في الفيلم هي؛ شخصية أوكازيون أو أوكا أو عوكا (محسن محيي الدين) كما ينادونه، وهو المهرج الذي يحبه الأطفال. ليس لديه مهنة محددة أو مبادئ واضحة، ولكنه محب للحياة. وهو بالإضافة إلى ذلك شخصية حالمة، فهو يحلم أن يكون فناناً مشهوراً، فيحاكي جين كيلي في مشهد الاستعراض الشهير بالفيلم. وهو شخصية متطلعة دوماً يتطلع لما هو أفضل منه، كما أنه مغرم بصديقة، ويذكر لها صراحة أن الإنسان يجب أن يتطلع إلى ما هو أعلى منه، ولكنه لا يريد أن يصل على أكتافها. يحاول في عدة مواقف أن يثنيها عن موقفها الرافض للحياة دون جدوى.

يبدو أن صديقة تحب عوكا ولكنها تصطدم به كثيراً. في أحد المشاهد الرئيسة في الفيلم يواجهها عوكا، بعدما يشعر أنها لا تريد أن تبادله حبه، فيقول لها: "عميتي قلبك بإيدك"، وعندما تذكر له أن ما تريده في الحياة هو أن يُشفى حفيدها، يقول لها: "اللي راح بالنار.. بالصدفة.. بالكوليرا يروح.. تدق ساعته يروح، هي عافية؟! اللي راح راح، واللي يموت يموت.. وإحنا نعيش".

عوكا بمثابة البطل المضاد Anti-Hero الذي يفكر بمادية وواقعية، ولا يسعى لليوتوبيا التي تحلم بها صديقة. فعلى سبيل المثال انتقد عوكا حلم صديقة بأن تجعل من حسن مهندساً، فيقول لها: "عايزاه يطلع مهندس تدوري وتتفشخري بيه، لكن لو عايز يطلع رقاص تحرقي قلبه"؛ فكأن هناك صراعين أمام البطلة: صراع غير مختار مع القدر، وصراع آخر مختار مع عوكا.
ومن جوانب شخصية عوكا: الجبن والخوف، فهو يخاف من مرضى الكوليرا ويخشى السلطات، ولكنه لا يخشى من صديقة، ويحاول أن يدافع عنها بكل ما أوتي من قوة، رغم انتقاده لعدة جوانب في شخصيتها وتصرفاتها. ومن المشاهد الدالة على عدم إمكانية هروب الإنسان من قدره، عندما يظن عوكا أن حسن قد مات في منتصف الفيلم، ويذهب وراء صديقة وهي تهرب بالمركب، ظناً منه أنها وحدها بعد موت الزوج والحفيد. فيعرف في المركب أن حسن ما زال حياً ولكنه مريض. فيحاول أن يلقي بنفسه من المركب، ولكنه لا يجيد السباحة فينقذه المراكبي.

الشخصية الثالثة في الفيلم هي سعيد (حمدي أحمد)، الذي هو على نقيض اسمه. وهو زوج صديقة العاجز الذي تزوج عليها. هو عاجز يكتفي فقط بمشاهدة الحارة من غرفة حجرته، وهي فقط تخدمه نظراً لعجزه، وعندما تذهب صديقة بالطفل للعلاج في الإسكندرية يشعر سعيد أنه لا أحد له فيقرر الانتحار.
الشخصية الرابعة هي شخصية أبو نواس المراكبي (يوسف العاني)، الذي يساعد صديقة لكي تذهب بالطفل المريض؛ كي يرى البحر في الإسكندرية، ويشفى في مناخ نظيف بعيداً عن الحارة. ويساعدها دون أي مقابل، كما يرى قصة الحب التي تجمع بين صديقة وعوكا، ويعتقد أنها كانت من الممكن أن تنجح لولا الظروف.
الشخصية الخامسة هي شخصية رفحي (يوسف شاهين)، صاحب السينما الذي يحب صديقة أيضاً، ولكن يعود إلى بلده فلسطين ويحاول أن يقنعها بالذهاب معه.
الشخصية السادسة هي الطفل حسن (ماهر عصام)، الذي هو أمل صديقة الوحيد، فحلمها أن يصبح مهندساً، ولكنه يُصاب بالكوليرا وسرعان ما يموت مع شروق شمس اليوم السادس.
الشخصية السابعة هي شخصية المدرس (حسن العدل)، وهو شخصية حالمة ومثالية ووطنية ونقية، يحب صديقة ويمرض بالكوليرا، لكن؛ لأنه مؤمن بالعلم فيرفض مساعدتها له بعدما تبادر بمساعدته وعلاجه. يذهب إلى مخيمات الحجر الصحي لتلقي العلاج ولا يعود، وكأنه قد اختطف منها.

يتناول الفيلم ثلاثة عوالم. العالم الأول هو عالم البرجوازية المتحالفة مع القصر والإنجليز، وهي مهمشة في الفيلم، يتمثل هذا العالم في شخصية النجمة السينمائية لاعبة القمار، وأميرات الأسرة المالكة، أما المهمشون الحقيقيون في الواقع هم في صدارة المشهد في الفيلم، وهم من يجسدون العالم الثاني. فالبطل هو القرداتي عوكا الذي يُسعِد الأطفال ويجيد الغناء والرقص، وأيضاً صديقة التي تعمل كغسالة، كذلك هناك عالم ثالث من النصابين في الحارة مثل: الزوجة الثانية لسعيد، وشخصيات أخرى استغلالية تنجح في الكسب باستغلال الوباء لينهشوا في المجتمع.

بالنسبة للمكان السينمائي، فالفيلم يدور في عدة أماكن في الحارة الفقيرة والمقابر والنيل، ومخيمات الحجر الصحي وكوبري عباس والإسكندرية. تدور معظم الأحداث في إطار الحارة الفقيرة، وهنا تبدأ الأحداث.. وكان من المفترض أن تنتهي بالإسكندرية التي تمثل الحلم المنشود. كان الأمل في الإسكندرية أن تكون بعثاً جديداً لحسن.
 


 

دلالة الرموز البصرية والسمعية

الرموز في العمل السينمائي شديدة الوضوح، منها: رمز البحر؛ فالبحر له دلالة واضحة في الفيلم. فهو رمز للحب والحرية. يحلم الطفل الصغير بأن يرى البحر لكي يشفى، وتسعى صديقة وأوكا لأن يحققا هذا الحلم، ولكن للأسف يموت الطفل قبل أن يرى البحر. كما يحاول عوكا أن يشجع صديقة في عدد من مشاهد الفيلم، محاولا أن ترمي همومها في البحر وتنسى كل ما مضى، وتفكر في نفسها فقط. فالطفل الصغير يحلم أن يرى البحر الذي هو رمز للتحرر، كما تحلم صديقة بالبحر للهروب إلى مكان أفضل خارج الحارة المحاطة بالفقر والجهل والوباء.

الموقف من السلطة السياسية في العصر الملكي واضح، فقد كتبت أندريه شديد هذه الرواية في عام 1960 إبان العهد الناصري. ويبدو نقدها الشديد لفترة الملكية واضحاً في الفيلم، فالأميرات في الفيلم يستقطبن جنود الإنجليز من الشارع، وهي صورة غير حقيقية لأميرات الأسرة المالكة المصرية. حتى صورة المقاومة مشوشة فالشباب المقاوم مستهتر، يظهر ذلك في صورة الشباب الذي يقيمون مع نجمة سينمائية شهيرة كبيرة في السن تلعب القمار.

رمز المكان واضح في العمل السينمائي من خلال اختيار الحارة الفقيرة، فلا تمتلك صديقة سوى وزة، وبيت بسيط به طبلية وعدد من الأواني، وأيضاً كان لاختيار المقابر في مشهد أغنية "حدوتة حتتنا" دلالة؛ لأنه يغني في المقابر كدلالة على التغلب على محنة الموت والوباء.

وفيما يتعلق بالرموز البصرية، فأحد اللقطات الأساسية في الفيلم هو شمس الشروق التي تسطع من وراء صديقة في اليوم السادس، وتهلل لها ترقباً وظناً منها بإنهاء معاناتها، ولكن الشمس في هذا المشهد تبدو وكأنها تغرب. وفيما يتعلق بالصورة أيضاً؛ فبالرغم من الموضوع المأساوي للفيلم، فقد استطاع يوسف شاهين أن يُبرِز بعض الجوانب الجمالية داخل الحارة المصرية، من خلال الاستعراضات داخل المقابر وداخل البيت الفقير.. وفي مشاهد كثيرة يظهر جسد المرضى، وهو جسد وهن وضعيف وعاجز، وهو تعبير وتجسيد لجسد الوطن في زمن الملكية، الذي أصيب بالظلم والفقر والعجز.

وللموسيقى دلالة واضحة أيضاً؛ فالجملة الموسيقية الأساسية التي يبدأ وينتهي بها الفيلم، تظهر في عدد من المشاهد داخل الفيلم. تبدأ وكأنها إنذار وتنبيه من الخطر مع تصاعد الجملة اللحنية، والتي عبرت عن تصاعد الأحداث بالفيلم. ينتهي الفيلم بأغنية "بعد الطوفان" للفنان محمد منير، كلمات الشاعر الكبير صلاح جاهين، وألحان الفنان عمر خيرت، وهي التي تحمل مضمون الفيلم الأساسي "The Moral Premise".
 

"بعد الطوفان ~ نلقى الصديق الزين، نتسندوا على بعض بالكتفين. ونقول: ده والله حرام ما نبتديش العلام غير بالطوفان يعني.. لازم طوفان لازم طوفان طوفان طوفان. بعد الطوفان الجو شبورة، ننده لبعض بهمسة مذعورة بشويش، نمد الايدين يا اللي جنبي انت فين بشويش، نمد الايدين ياللي انتي جنبي انت فين. بعد الطوفان الجو شبورة، ننده لبعض بهمسة مذعورة بشويش، نمد الايدين ياللي انت جنبي انت فين. كان فيه طوفان، وخلاص مبقاش طوفان ~ كان فيه طوفان، وخلاص مبقاش طوفان.. المسني ونسني ~ أنا حيران.. حيران".
 

أسئلة بلا أجوبة

اليوم السادس ليس هو الفيلم الوحيد الذي تناول الأوبئة في السينما المصرية، فقد تناولت السينما المصرية بأشكال شتى الأوبئة والأمراض من خلال عدد من الزوايا، فيدور فيلم "صراع الأبطال" أيضاً حول وباء الكوليرا في عام 1947. بطل الفيلم هو الطبيب الذي يحاول أن يخدم أهل القرية؛ لينقذهم من الفقر والجهل والمرض.

أما ما يميز فيلم "اليوم السادس"؛ فهو البطولة النسائية والتركيز على منظور المهمشين للوباء، كما يحمل الفيلم العديد من الرموز التي تتعدى مرض الكوليرا في حد ذاته. الخطاب السائد في الفيلم هو خطاب نسوي لامرأة مهمشة تواجه القدر المتمثل في محنة المرض والموت. وبالرغم من تركيز الفيلم على حقبة زمنية واحدة هي فترة أربعينيات القرن العشرين، لكن الخطاب الذي طرحه الفيلم يتعدى الزمان والمكان. نهاية الفيلم هي نهاية مفتوحة، التساؤلات التي قد ترد على ذهن المشاهد في نهاية الفيلم "هل كان على صديقة ألا تغامر بالسفر مع الطفل المريض"؟ و"هل كان على صديقة أن تستمر مع عوكا لتبدأ حياة جديدة بلا معالم واضحة"؟ و"هل كان عليها أن تنسى كل أحزانها وتفكر في البدء بحياة جديدة، خاصة أنها لم يبق لها أحد سوى عوكا؟ و"هل كان لا بد لها أن ترضى بإرادة الله وتتيقن من قدرتها الحقيقية"؟

كما يمكن طرح تساؤل آخر "هل إذا توفرت الإرادة لدى الشخص يمكنه أن يجند من حوله لتحقيق رغبته"؟ فبالرغم من عدم اقتناع أوكا بما تراه صديقة، وعدم اقتناع من حولها بما تريده صديقة، إلا أنهم ساعدوها وكانت سعيدة بذلك ومتفائلة، ولكن لم تكن تعلم أن مصير الطفل الصغير هو الموت.

أخيراً؛ لقد تم انتقاد الفيلم، والمخرج يوسف شاهين بصورة كبيرة من قبل النقاد والمشاهدين، من زاوية عدم الاختيار الموفق لداليدا لتكون بطلة الفيلم "صديقة"، نظراً لأنها لا تنطق العربية بصورة سليمة، ولعدم قدرتها على إقناع المشاهد بكونها فلاحة مصرية نشأت وتربت في حارة فقيرة، وهذا من جوانب الضعف في الفيلم بلا شك. ولكن بالرغم من ذلك تكاتفت جهود كثيرة ضمن عناصر الفيلم، من: إخراج وتصوير لإيضاح الفكرة الأساسية من الفيلم، وهو ضرورة أن تتغلب إرادة الحياة على الاستسلام للحزن، ففي مشهد النهاية تصعد صديقة السلم لتصل إلى الشاطئ في نهاية رحلتها وصراعها، ويختتم الفيلم بنهاية مفتوحة.


هوامش:
1) أندريه شديد.. الأديبة الفرنسية المصرية صاحبة "اليوم السادس" (2020/2/6)،
https://al-ain.com/article/french-writer-andr-chedid-egyptian-origin
2) للاطلاع على النسخة العربية من الرواية: أندرية شديد، اليوم السادس، حمادة إبراهيم (مترجم)، القاهرة: المشروع القومي للترجمة.
3) محمود قاسم، أندرية شديد: الروائية المفتونة بجذورها المصرية، 10 فبراير 2011،
http://www.jehat.com/ar/Sha3er/Pages/9-2-2011.html
4) فيلم اليوم السادس (1986)، يوسف شاهين (مخرج)، أفلام مصر العالمية وليريك انترناسيونال، إنتاج مصري فرنسي مشترك.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها