اللغة العربية

بين تحديات الثورة المعلوماتية واكتساح العولمة

د. عبد الله رمضاني


يشهد العالم شيوع لغات عديدة، وكل لغة تضمر العالم في باطنها. وهي أداتنا لإدراك العالم، وبواسطتها نحيل المحسوس إلى المجرد، ونجسم بها المجرد في صورة المحسوس؛ إنها تمثل الجسر الذي يصل بين خصوصية الذات وعمومية الموضوع. وهي وسيلتنا التي نترجم بها ما في ضمائرنا من معان على حد تعبير ابن خلدون في مقدمته، لتتحول إلى آليات تكوّن الحياة، وتوجه إنجاز أفراد المجتمع وجماعاته ومؤسساته. كما أن بإمكانها أن تكشف عن عقلية الإنسان وإمكاناته ونوازعه الفكرية. وهي غائرة في طيات التشكيل الاجتماعي، ومتاهة العقل البشري، تهيمن علينا من خلال أياديها المتوارية والمستترة، وتمارس عملها في طبقات اللاوعي على اختلاف مستوياته.


ومع بزوغ عصر تكنولوجيا الإعلام وشبكات الاتصال والتواصل، والهندسة الوراثية، واستحال بموجبه العالم إلى قرية صغيرة يسعى فيها الأقوياء تكنولوجياً وإعلامياً إلى فرض لغتهم على الآخرين، باتت اللغة في أمس الحاجة إلى منظور جديد يعيد النظر في جميع جوانب المنظومة اللغوي، إذ أصبحت اللغة على قمة الهرم المعرفي، وتعتبر من أعتى الأسلحة الأيديولوجية شراسة، وذلك بعد أن تمكنت القوى السياسية وقوى المال والتجارة من إحكام سيطرتها على أجهزة الإعلام الجماهيري، التي أصبحت غزارة رسائلها وهوائياتها تفعل مثل ما كانت تفعله في الماضي قواعد الصواريخ الموجهة.

وبهذا الصدد يجدر بنا التساؤل عن واقع استخدام اللغة العربية في مواكبة هذا الانفجار المعلوماتي الذي أصبح ينعت بالقنبلة المعلوماتية، وكيفية تموضعها ضمن وسائل الإعلام الإلكترونية الحديثة التي جاز للبعض أن يطلق عليها: ثقافة الميديا، وثقافة التكنولوجيا، وثقافة الوسائط المتعددة، قبل الحديث عن آفاقها المتوقعة في ظل اكتساح العولمة وما صاحب ذلك من التحولات المتهافتة على جميع الأصعدة محلياً وإقليمياً وكونياً؟

وقبل الحديث عن هذا وذاك، فَقَمِين بنا أن نشير أولا إلى أهمية اللغة العربية اجتماعياً، ثم تحديد بعض الأسباب التي أضعفتها ولم تؤد دورها الطلائعي كما كانت أيام ازدهار علومها ومعارفها وسماقة حضارتها.

 

أولاً: الأهمية الاجتماعية للغة العربية ووضعيتها الراهنة

1- الأهمية الاجتماعية للغة العربية:

تتمتع اللغة في أي مجتمع من المجتمعات الإنسانية بأهمية قصوى بالنظر إلى الدور الذي تقوم به في التواصل الاجتماعي. ولذلك تُعتبر اللغات أصدق سجل لتاريخ الشعوب... واللغة العربية ليست بدعاً من اللغات، فهي، بلا شك، من أبرز ملامح ثقافتنا العربية، وهي أكثر اللغات الإنسانية ارتباطاً بالهوية، وتعتبر سجلاً أميناً لحضارة أمتها في ازدهارها وانتكاسها، والجسر الذي يصل بين الأجيال والحضارات المتعاقبة. وهي اللغة الإنسانية الوحيدة التي تحملت وثبتت في وجه صنوف الهجمات التي أفرزتها تحولات العصر ضدها زهاء 17 قرناً(1).

واللغة العربية باعتبارها مقوماً أساساً من مقومات الثقافة العربية، وعنوان هوية المجتمع العربي الإسلامي، ومسلك إيصال وتواصل بين أفراد المجتمع، تعدّ حاجة ملحة لتشييد قدرات التواصل الإنساني، وهي محورية وارتكازية في منظومة الثقافة لعلاقتها بجملة مكونات: من فكر وتراث وتربية وإبداع وقيم المجتمع العربي الإسلامي.

مما يجعل من اللغة ضرورة حضارية ولازمة إنسانية، وظاهرة اجتماعية لا يمكن الاستغناء عنها في صيرورة حياة المجتمع. مما يقتضي بذل مزيد من الجهد والعناية لجعل اللغة تستجيب لحركية التحولات التي يشهدها راهن المجتمع العربي.

2- وضعيتها الراهنة:

يعترف الجميع بأننا نعيش أزمة لغوية شديدة، شاعت حتى قاربت أن تصبح آفة ثقافية مستديمة. ويرجع ذلك إلى أسباب عدة، نذكر منها ما يلي:
◂ القطيعة المعرفية التي يقيمها البعض لدينا، على تباين نزعاتهم الفكرية، مع التوجهات الفلسفية الحديثة، والتي تولي جميعها عناية فائقة، بأمور اللغة تنظيراً وتطبيقاً.
◂ ضآلة في العتاد المعرفي لدى كثير من المنظرين اللغويين العرب، بعد أن أصبحت مسألة اللغة فضاء ساخناً لتداخل مختلف الحقول العلمية والمعرفية.
◂ خطأ التشخيص في أسلوب وطريقة أدائنا اللغوي، فتارة يوجه الاتهام إلى مدارسنا، وتارة إلى مجامعنا، وتارة أخرى إلى إعلامنا، بل وصل بالبعض إلى إلصاق التهمة باللغة العربية ذاتها، بدعوى أنها تحمل في طياتها كوامن التخلف الفكري والعجز عن تلبية مطالب العصر..
◂ سياسات لغوية حبيسة الأدراج في نفق دامس مسدود، إذ نرى ممانعة قوية وانتقاداً لاذعاً تواجهها حركة التعريب في كثير من دولنا العربية، وتقصيراً كبيراً في شأن العمل والامتثال لما تصدره من تشريعات من قبل تلك الدول بخصوص عملية التعريب، في حين نجد ما تقوم به إسرائيل في هذا الشأن يأخذ طابع الجدية الصارمة، حيث تحرم استخدام المصطلح الأجنبي ما إن يتم إقرار مقابله العبري.
◂ وعي غير كافٍ على مستوى القيادات السياسية بخطورة المسألة اللغوية، ويكفي شاهداً على ذلك أننا أغفلنا تماماً الاحتفال بعيد اللغة القومية، وفقاً لقرار منظة اليونسكو باعتبار 21 من فبراير عيداً سنوياً لها.
◂ هناك هوة شاسعة بين ما اشتملت عليه الخطة الشاملة العربية للثقافة التي وضعتها المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، من توصيات وتوجيهات ومشاريع، وبين مدى جدية الدول العربية في جعلها قيد التنفيذ.
◂ اعتماد الدول العربية على اللغات الأجنبية في تدريس التخصصات العلمية، والعلوم الحقة، والطب والهندسة.
◂ الاقتصار في عملية تعليم اللغة العربية على تلقين القواعد على حساب إكساب المتعلم المهارات التواصلية بها.
◂ اللغة العربية التي تعلم في المدارس بعيدة عن اللغة العربية المتداولة في الحياة اليومية، ولا نجدها إلا في ما كتبه القدماء، ويطغى عليها التكلف.
◂ أزمة الهوية التي تنال من اللغة العربية في المجتمعات العربية، ويتعلق الأمر بالاستخدام المفرط للغات الأجنبية وإهمال العربية. ومما يزيد من تعميق هذه الأزمة اعتماد العرب على لغة "الفرانكو أراب"؛ أي كتابة اللغة العربية بلغات أجنبية.

ثانياً: اللغة العربية وتحديات عصر المعلومات

لقد أفلح المجتمع الإنساني في تحقيق طفرات واسعة جداً في السنوات الأخيرة في مجال التقدم التكنولوجي، مما ساعد الدول المتقدمة تكنولوجياً من تشكيل منظومات علمية ترتكز على البحث والإنتاج في مختلف حقول المعرفة، فضلاً عن الانتقال بالعلوم من مرحلتها الأساسية النظرية، إلى مرحلة الاكتشاف والاستقصاء والتحليل والتركيب والتقويم، وصولا إلى التقانة الفنية المتخصصة، الأمر الذي جعلها تقفز في مجال العلوم التطبيقية قفزة نوعية، أحدثت خلالها أثراً تكنولوجياً متقدماً في مختلف المجالات الإنسانية والاجتماعية والعلمية.

ولعل أهم الإنجازات التقنية المعاصرة تتمثل في ثورة الاتصالات والمعلومات بمختلف وسائلها، ومنها أجهزة الهاتف والمذياع والتلفاز، إضافة إلى وسائل المواصلات، وكذلك محطات الفضاء وشبكات الانترنيت والحاسوب. وهذه الثورة جعلت من العالم المعاصر قرية صغيرة، يتمكن الفرد فيها من الاتصال بأي طرف من أطراف الدنيا من على مكتبه، أو في منزله إذا شاء، وفي أي وقت من الأوقات. فهي التي مهدت السبيل أمام الإنسان المعاصر للحصول على المعلومة التي يريد، متجاوزة بذلك حدود الزمان والمكان، ومختزلة المسافات بين بقاع العالم.

وستبلغ هذه الثورة الاتصالية في بداية القرن الواحد والعشرين ذروتها مع البريد الالكتروني، واكتشاف وسائل التواصل الاجتماعي مثل "تويتر" و"واتساب" و"فيسبوك".

وإزاء هذا الانفجار المعلوماتي نلاحظ أن معظم دراساتنا اللغوية قد أغفلت استخدام اللغة وظيفياً، بمعنى استخدامها في مسار الحياة الواقعية. يتبين ذلك، بصورة مكشوفة، في ضعف مهارة الاتصال لدى الغالبية منا: كتابة وقراءة وشفاهة واستماعاً. وهذا ليس معناه أنه نتيجة حتمية لقصور كائن في العربية. إننا ما زلنا أسرى اللغة المكتوبة غير مهتمين بالروابط اللغوية والتداولية والمقامية التي تربط بين أدائنا الشفهي وأدائنا الكتابي، ويتضح ذلك، بجلاء، في طرائق حوارنا وأساليب تفاوضنا.

ومن الأخطار التي تعاني منها اللغة العربية أيضًا انتشار المكتبات الإلكترونية والآلاف من الكتب على الإنترنيت التي تخضع لتجارة السوق دون معرفة من دقَّق هذه الكتب ومن وثَّقها ومدى مصداقيتها، وهذا يعني أن اللغة العربية تجد نفسها محاصرة بالمعرفة الرقمية التي تعتمد على البرمجيات الحديثة، وتسخر أكبر محركات البحث العالمية في ضخ كم هائل من المعلومات في ثوان معدودة، وبلغة الأكثر تداولا في العالم ألا وهي اللغة الإنجليزية.

وبهذا الصدد يقرّ الجميع، بأن اللغة الإنجليزية هي اللغة الأكثر انتشاراً في العالم، والتي ساعد الإعلام بمختلف وسائله في انتشارها، كما تعتبر لغة دبلوماسية في كثير من المنظمات الدولية(2)، بالإضافة إلى كونها لغة البحث العلمي في شتى حقول المعرفة الإنسانية.

الأمر الذي مكّن الدول المتقدمة بترسانة أدواتها القوية، وخبرتها ونسيجها الثقافي، أن تبسط نوعاً من الهيمنة على الشعوب المستضعفة التي تفتقد أسباب القوة الثقافية الفكرية الإبداعية، وانعدام الثقة في حضارتها، لإعداد نفسها للتجرد والتنكر لأصلها والانصهار والاندماج مع مكونات الثقافات المتمكنة التي تتخذ من اللغة وسيلة استراتيجية لفرض الثقافة الغازية(3).

وبخصوص التقاء اللغة العربية بتكنولوجيا المعلومات فيمكن القول إنه لقاء ينطوي على مواجهة غير متساوية بين اللغة العربية والإنجليزية، وذلك لسيطرة الأساس الإنجليزي على مقاصد تكنولوجيا المعلومات التي حددت مبدئياً لتستجيب الحاجيات الخاصة باللغة الإنجليزية من خلال:
◅ تخطيط غالب لغات البرمجة باللغة الإنجليزية.
◅ توظيف الشفرات لتبادل البيانات والمعلومات مع الأبجدية الإنجليزية.
◅ وضع أساليب محكمة لنظم تخزين المعلومات واسترجاعها على أساس اللغة الإنجليزية.
◅ القسم الأعظم من مكتبة البرامج الجاهزة باللغة إنجليزية.
◅ غالب الكتب والمراجع والدوريات والبحوث معدّة باللغة الإنجليزية.

ومن جملة ما تواجهه اللغة العربية، أيضاً، في ظل التطورات السريعة التي تعرفها شبكة الإنترنيت باعتبارها المصدر الأكبر للمعرفة في عصرنا الحالي، عدم توفرها على أدوات معلوماتية تعتمد على حوسبة اللغة وتحليلها تحليلاً علمياً دقيقاً، ولعل من أهمّ هذه الأدوات محرك البحث. فواقع الحال أن ما تتوفر عليه من هذه المواقع بلغة الأم أقل بكثير مما توفره لغات أخرى كالإنجليزية والفرنسية كمّاً وقوةً وجودة وتميزاً وقدرة. ولهذا السبب وغيره نجد الباحث العربي، في غالب الأحيان، يعتمد على محركات بحث أجنبية، ومواقع غير عربية للبحث والحصول عن المعلومات... فهناك، كما هو معلوم، شركات معروفة تستحوذ على هذه المجالات؛ لأن محركات البحث العربية، على قلتها، تعجز عن منافسة محرك واحد شهير يستطيع أن يفوقها في العثور على المعلومات.

أضف إلى ذلك، نلاحظ، مما لا ريب فيه، أن العالم قد اتجه اليوم إلى رقمنة كل البيانات العلمية، والتقنية، والأدبية والثقافية... وجعل كل ما هو ورقي رقمياً، ولعل هذا ما يزيد في تعميق الجرح في جسد اللغة العربية وتداولها معلوماتياً على نطاق واسع. ويعني هذا أن الرقمنة أمر ضروري في العالم العربي؛ لأن الثورة العلمية وثورة المعلومات الجديدتين تشكلان التحدي الذي ينبغي أن ينخرط فيه العرب إن هم أرادوا أن يكون لهم مكان في عالم الغد.

ثالثاً: اللغة العربية في مواجهة اكتساح العولمة

لقد أكدّت العربية جدارتها على مرّ الحقب، وشهد تاريخ الفتح الإسلامي على سرعة شيوعها وتكيفها مع بيئات لغوية متباينة. كما أنها نجت في عصور الازدهار أن تكون أداة فعّالة لنقل المعرفة، حتى قيل: عجباً لمن يدعي العلم، ويجهل العربية.

ومن منظور فقه اللغة، تتسم اللغة العربية بكونها تجمع بين كثير من خصائص اللغات الأخرى، على مستوى جميع فروعها اللغوية: كتابة وأصواتاً وصرفاً ونحواً ومعجماً. وتتسم منظومة اللغة العربية بتوازن دقيق، وتآخٍ محسوب بين فروع اللغة المختلفة.

ولكن، في ظل العولمة وثورة المعلومات، صرنا نرى اللغة العربية تتعرض، بالمجرد والملموس، لحركة تهميش نشطة، بفعل الضغوط الهائلة الناجمة عن طغيان اللغة الإنجليزية على الصعيد السياسي والاقتصادي والتكنولوجي والمعلوماتي. وتشارك العربية في ذلك معظم لغات العالم، إلا أنها تواجه تحديات إضافية نتيجة للحملة الضارية التي تشنها العولمة ضد الإسلام، وبالتالي ضد العربية، نظراً إلى شدة الارتباط بينهما.

لقدأخذت العولمة السائدة تفضي بالضرورة إلى سيادة لغة من لغات هذه الدول المهيمنة في العلاقات التجارية والاقتصادية، وما يقتضي ذلك من هيمنة منظومتها الثقافية والقيمية الخاصة. وهذا يعني، تهميش اللغات والثقافات القومية، واحتواؤها، تمهيداً لاستتباعها اقتصادياً وثقافياً.

ويؤكد المشهد اللغوي العالمي صحة ما سلفت الإشارة إليه سابقاً، لاسيما في مجال الإعلام والمعلومات. وبمقدم الانترينت جعل طوفاناً معلوماتياً هادراً يكتسح الساحة بلا هوادة، تطغى عليه اللغة الإنجليزية، وهو الأمر الذي أفزع جميع المجتمعات غير الناطقة بها، وقد استولى عليها قلق شديد، وانتابها توتر رهيب على مصير لغاتها القومية، وهي تكاد أن تنكسر شوكتها أمام الفيضان المعلوماتي الإنجليزي الكاسح والعنيف تحت تأثيرات اقتصادية وسياسية وثقافية هائلة(4). إنها الصيغة اللغوية لمصطلح (الإمبرالية الثقافية) الذي ساد استعماله هذه الأيام، أو كما يفضل بعضهم وصف هذه الظاهرة بـ(الداروينية اللغوية) بعد أن صارت غالب لغات العالم متقدمة ونامية على حد سواء، مهددة بالزوال والاختفاء.

 

وفي الأخير نقول: إن حياة اللغة العربية وحيويتها ضرورة حضارية ولازمة إنسانية، وظاهرة اجتماعية لا يمكن الاستغناء عنها في صيرورة حياة المجتمع. مما يقتضي بذل مزيد من الجهد والعناية لجعل اللغة تستجيب لحركية التحولات التي يشهدها راهن المجتمع العربي.

وبالتالي تظل اللغة العربية هي مسؤولية الجميع دون استثناء، بدءاً بالمجامع اللغوية ومؤسسات التربية والإعلام، والمنظمات الثقافية ووجهاء النخبة وبسطاء العامة إلى مسؤولية الكاتب والقارئ والمدرس والطالب... ويعتبر الحرص عليها واجباً إنسانياً وروحياً تجاه المسلمين قاطبة، خاصة في ظل حملة العولمة المسعورة، للدفاع عن الحضارة العربية والإسلامية، والذّود عن الهوية والانتماء العربي الإسلامي، من مواقع أقوى تأثيراً واتصالاً.

ومن جانب آخر، يجب على المجامع اللغوية العربية أن تتجاوب مع المتغير المعلوماتي، وتعمل جادة باستفراغ كل ما في الوسع والطاقة لإقامة مجمع لغوي موحد، تكون له سلطة التشريع اللغوي، وإن كان هذا الأمر ما زال يظنه البعض حلماً بعيد المنال، ولكننا نقول، المهم أن تشمر السواعد بنية خالصة، وإرادة قوية، وعزيمة لا تفلّ، للبدء في التفكير والتخطيط والعمل، فكَمْ حلماً أصبح حقيقة..

فنحن مطالبون جميعاً لتهيئة مجتمعاتنا العربية لعصر المعلومات. فالتحول إلى التكنولوجيا في التعليم، يتطلب تحويل المناهج لتصبح إلكترونية، ونشر الثقافة الرقمية في صفوف الطلاب والمعلمين(5).

وإذا كانت اللغة العربية لغة حضارية كونية وتاريخية، إذن، لا بُد من توليها بالتحديث والتطوير، والسعي وراء إدماجها في مجتمع المعلومات والتكنولوجيا والرقمية.. لكي لا تتموقع في هامش عالم التكنولوجيا والاقتصاد الكوني، وحتى تكون دائماً في مستوى التحديات التي يحفل بها العالم المعاصر.

ولعل خير توصيف لأهمية اللغة ما قاله في حقها شاعر صقلية أجنازيو بوتيتا بقوله: (إن الشعوب يمكن أن تكبل بالسلاسل، وتسد أفواهها، وتشرد من ديارها، فتظل مع ذلك غنية موجودة. إن الشعب يفتقر ويستعبد ما إن يسلب اللسان الذي تركه له الأجداد، عندئذ يضيع إلى الأبد).

 


الهوامش: 1- جميل قيسون، "اللغة العربية وتشكيل الهوية في ظل العولمة" كلية الآداب واللغات، جامعة منتوري- قسنطينة، الجزائر- ص: 4. ┋2- مرداسي الجودي، اللغة العربية وتحديات العولمة، ص: 235.┋3- عبد الرزاق غزال "التنوع الثقافي والتعدد اللغوي في العصر الرقمي، طريف النقاد، المشاركة، والتقاسم العادل للمعارف الإنسانية" مجلة دراسات أكاديمية في المعلومات والمعرفة، قسنطينة، المجلد الأول، العدد 1- 2009- ص: 75.┋4- مرداسي الجودي، اللغة العربية وتحديات العولمة، ص: 236.┋5-إبراهيم أحمد ملحم، الرقمية وتحولات الكتابة، النظرية والتطبيق، ص: 41.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها