الإبداع.. يقوم على التّجديد ومواكبة العصر

حوار مع الفنانة كوثر صبري

حاورها: هشام أزكيض


ولدت الفنانة التشكيلية كوثر صبري بسوريا عام 1940م، تخصصت في الجرافيك والحفر والتصوير عام 1965م، وشاركت في معرض الخريف عام 1967م، كما شاركت في معرض فنانات من القطر العربي السوري في المركز الثقافي في دمشق عام 1974م.


انتقلت الفنانة كوثر صبري مع أسرتها إلى دولة الإمارات العربية المتحدة منذ عام 1975م. وشاركت في بينالي الشارقة في دورته الرابعة، وعملت مشرفاً عاماً لجماعة الفن الخاص VSA التابع لمدينة الشارقة للخدمات الإنسانية عام 1996م. ونظمت معارض على مدار العام، ومعارض سنوية لطلاب مركز جماعة الفن الخاص، وشاركت في العديد من اللقاءات التلفزيونية، وقدمت فقرات أسبوعية لتعليم فنون الرسم والأشغال اليدوية حتى عام 2013م.


يصف د. عمر عبد العزيز أعمال الفنانة بقوله:
''تسافر الفنانة كوثر صبري مع رواد معرضها الاستعادي الباذخ في عوالمها الفنية البانورامية، والجامعة لسيرتها الفنية الكبيرة.. فقد استقت معارفها، ودربتها الإبداعية من خلال الأصول الأكاديمية، والروافد التجريبية التي منحتها مثابة خاصة في الاشتغال الدؤوب والمتواصل.. وهو ما سيلحظه المتابع النّابه للوحاتها المعروضة في سرديتها الفنية الاستعادية.
 مقترحاتها الفنية لا تترك رافداً نوعياً إلا ومنحته حقّ الانتماء لروافد جديدة.. بحيث يمكننا توصيف مشروعها الفني بوصفه تمازجاً إبداعياً بين مختلف المدارس الفنية.. وسياحة أُفقيّةً في أنماط التعبير البصري.
من الكلاسيكية.. إلى النيوكلاسيكية.. إلى الرومانسية.. فالوقائع التعبيرية.. وحتى الانطباع الفني قرين المدرسة التأثيرية.. وصولاً إلى الغنائية البصرية المترامية الأبعاد".


وقد التقينا بالفنانة كوثر صبري، وكان لنا معها الحوار الآتي:



 دعيني أولاً أُوجّه إليك شكري العميق، على سعة صدرك لإنجاز هذا الحوار بهذا الشكل، وأود في البداية أن أسألك عن الفن، فماذا تقصدين به؟

أحييك، وأنا سعيدة بهذا اللقاء، أما بالنسبة لسؤالك، فأنا أرى بأن الفنّ هو قدرة الإنسان على التعبير عن نفسه أو محيطه بشكل بصري أو صوتي أو حركي، ومن الممكن أن يستخدمه لترجمة الأحاسيس والصراعات التي تنتابه في ذاته الجوهرية، وليس بالضرورة تعبيراً عن حاجته لمتطلبات في حياته رغم أن بعض العلماء يعتبرون الفنّ ضرورة حياتية للإنسان كالماء والطعام.

فالفنّ هو موهبة وإبداع وهبها الخالق لكل إنسان لكن بدرجات تختلف بين الفرد والآخر. بحيث لا نستطيع أن نصنف كل الناس بفنّانين إلا الذين يتميزون منهم بالقدرة الإبداعية الهائلة، فكلمة الفنّ هي دلالة على المهارات المستخدمة لإنتاج أشياء تحمل قيمة جمالية... ومن ضمن التعريفات أن الفنّ: (مهارة – حرفة – خبرة – إبداع – حدس –محاكاة).


 بنظرك ما أهمُّ العناصر التي يجب أن يرتكز عليها الفنان في لوحاته؟

من عناصر بناء العمل الفني ما يلي:
الترابط: ويمكن أن يسمى كذلك اسم الوحدة، وهو العنصر الأولي، والمهم من عناصر العمل الفني، والذي يمكن أن يشير إلى أهمية تناسق، وترابط جميع مكوّنات العمل الفني حتى تساعد في أداء الهدف الخاص بها، وتحقيق منظر جمالي، أو صورة مبدعة متناسقة مع العمل الفني، ويمكن تقسيم الترابط إلى مجموعة من الأنواع، وهي: ترابط التصميم، وترابط الفكرة، وترابط الأسلوب.
التوازن: وهو عنصر تكافؤ جميع مكوّنات العمل الفني، والذي يساعد في تقسيم الأعمال سواء كانت الأعمال الفنيّة تتم بشكل مقبول أو غير المقبول، فالعمل الفني المقبول الذي يتصف بالتوازن هو الذي تتوازن جميع مُكوّناته، وعناصره، ويؤدي الهدف الخاص به بشكل صحيح، وضمن المحتوى والمجال الإبداعيّ.
 
أمّا العمل الفني الذي يكون غير مقبول، وبصورة غير متوازنة فهو لا يتضمن أي هدف معين، ولا يساعد في توضيح طبيعته، أو الأفكار التي قام الفنان بالاعتماد عليها في الصياغة، وافتقاده لأي شكل أو تصميم يقوم بالتعبير عن الحالة الفنية الخاصة به.

الحركة: وهي العنصر الذي يقوم بالتأثير على متابعة العمل الفني، فالأشخاص يفضلون مشاهدةَ الأعمال الفنية التي تتضمن على أكثر من حركة في وقت واحد، ولا يُعنى بالحركة هنا معناها الحرفي فقط، بل تشتمل على حركة الخطوط، والألوان، والتفاصيل التي تتميز بالدقة في العملِ الفنيّ، كحركة الممثلين خلال تأديتهم لعمل فنيّ مسرحي، أو خلط لون أسود مع القليل من اللون الأبيض من أجل الحصول على انعكاس للظلّ في اللوحةِ الفنية.
الانسجام: وهو ذلك العنصر الذي يقوم بالربط بين مكوّنات العمل الفنيّ، وقد يستطيع متابع العمل من متابعته بصورة مباشرة، أو قد يحتاجُ إلى وقت حتى يستوعب الانسجام الموجود في تفاصيل العمل الفنيّ، ويركز الانسجام على ربط المكونات المتشابهة، أو التي تكمّل بعضها البعض داخل إطار واحد يساعد في بيان فكرة العمل الفني.



 معرضك الاستعادي البانورامي يظهر صلتك الأفقية بالفن التشكيلي.. فأنت على مسافة واحدة من مختلف الأساليب والتيارات الفنية.. فهل يمكنك تلخيص تنقلاتك الفنية بين الكلاسيكي، والرومانتيكي، والانطباعي والتجريدي؟

الفنان في مسيرته الفنية يتنقل بين المدارس الفنية المختلفة حتى يكتسب الكثير من الخبرات، والمهارات التي توصله لاكتساب الأسلوب الذي يجد نفسه فيه، ويبدأ مرحلة التجارب، والاستكشاف بالخامات المختلفة، للوصول إلى البصمة التي تميزه ويبدع فيها، ويمزجها بالفكر الذي يمتلكه، ويتناول مواضيع أعماله بهذه الأساليب التي ابتكرها، وتنعكس بشكل إبداعي مبتكر في أعماله الفنية.


 كيف اكتشفت موهبة الرسم؟

ترعرعت في أسرة فنية، أمي رحمة الله عليها كانت فنانة تشكيلية، تعشق الفنان وملأتْ البيت بالحياة والسعادة من خلال أعمالها الفنية، وكنت أشعر بالسعادة معها وهي ترسم، وتبدع في أعمالها الفنية، وتعايشي لهذا الجو المليء بالطاقات الفنية الإيجابية جعل مني شخصية تتنفس الإبداع وتهواه، فكنت من المتميزات في الرسم في مراحل دراستي، وشاركت في العديد من الفعاليات، والمسابقات الفنية، وحصلت على المراكز الأولى، والجوائز... كما كان الفضل أيضاً يعود إلى معلماتي اللاتي تعلمتُ منهن أساسيات الرسم، والعمل الفني.. ثم التحقت بمعهد الفنون في سوريا، وكان تخصصي غير بعيد عن مجال الحفر والطباعة، هكذا بدأ مشواري الفني الأكاديمي، فأنتجت العديد من اللوحات الفنية، وهذا كان نتيجة حبي للفن إلى يومنا هذا.


 ما شعورك عندما تسمعين أن لوحاتك الفنية أتت ثمارها في الجمهور المتلقي؟

لحظات النشوة، والفرح كلما وجدت أن لوحاتي تلامس قلوب الجمهور، فلكل لوحة حكاية، وذكريات أجدها تتشارك مع ذكريات أحدهم، وتعيده إلى لحظات سعادة، أو حزن أو نجاح عاشها... لأن لوحاتي تحاكي الواقع، والطبيعة، وتصور... وتجسد انفعالات مختلفة.

اشتغالك على لوحات الأبيض والأسود ينمُّ عن بنائية محكمة، وحسن توظيف للتباينات ما يمنحها تعبيرية مقرونة بتوثيق الشواهد والمشاهد. أخبرينا عن تلك الشواهد والمشاهد المحمولة على جناحي الأبيض والأسود؟

تبرز قوة الفنان في التعبير عن الموضوع، ومضمونه باستخدام الألوان المحايدة، وهي الأبيض والأسود، وهما يعبران فنياً عن الظل والنور والتباين في عناصر العمل الفني، وهو ما يبرز العمل الفني، ويظهر قوته، وهذا الأسلوب لا يتقنه إلا الفنان المتمكن الذي يملك قوة التعبير بالظلال، والإضاءات في أعماله الفنية، وتتفرد أساليبه، وقوة التعبير عن الفكرة.


 لديك تجليات خاصة في المدرسة التأثيرية وألوانها البهية.. ما السر في ذلك؟

هذه نتيجة الخبرات، والممارسات الفنية التي مارستها مباشرة في حضن الطبيعة الغناء المليئة بالألوان والحياة.. والرسم المباشر، والتعايش مع الأجواء الطبيعية، وجمال صنع الخالق يثري عين الفنان، وبصيرته الفنية، ويغني لوحاته، وتتمازج جميع حواسه، وتظهر في العمل الفني، وتنعكس على المشاهد، ويحس باندماجه في اللوحة والشعور، وكأنه في حضن الطبيعة، وتتداخل حواسه مع حواس الفنان وانفعالاته في اللوحة.

 لوحاتك الزيتية بدت متباعدة الحضور في المعرض.. ما السبب؟

تم عرض مجموعة جيدة ما يقارب أكثر من 10 أعمال فنية تقريباً، وهي المجموعة المميزة من لوحاتي الزيتية، والتي تنوعت مواضيعها، منها ما عبر عن قضايا معينة، ومنها ما عبر عن جمال الطبيعة، وأنغام الموسيقى، وتم اختيارها بما يناسب مساحة المعرض... وتم توزيعها بطريقة تنظيمية مدروسة، تتجاور مع لوحاتي المنفذة بالخامات المختلفة، وبطريقة تنقل عين المشاهد من لوحة لأختها بسلاسة وارتياح، ويستمتع بكل التفاصيل الجمالية فيه.



 نود أن نسمع رأيك في الحركة التشكيلية العربية، والإماراتية منها خاصة؟

الحركة التشكيلة في دولة الإمارات ليست بأقل من أي حركة تشكيلية في دول العالم.. اهتمام الدولة بالثقافة الفنية والفنون والحركة الفنية جعلها متصدرة على خارطة الفنون العالمية.. وجعل من دولة الإمارات هدفاً لاستضافة المعارض والفعاليات الفنية العالمية؛ حيث تقام العديد من الفعاليات الفنية في جميع إمارات الدولة، وهناك مواسم فنية عالمية تنفذ، ويحضرها الفنانون والمهتمون والمفتنون من جميع أنحاء العالم لحضور هذه الفعاليات الفنية، وبالمناسبة فقد تم إنشاء العديد من المباني، والمتاحف الفنية التي يقصدها الزوار من مختلف الدول العربية والأجنبية، مثل متحف الشارقة للفنون في الشارقة، ومتحف اللوفر في أبو ظبي.


 كيف تنظرين إلى مستقبل الفن التشكيلي في زمن الثورة الرقمية؟

الفنان الواعي يستثمر كل الظروف المحيطة به، ولا يمكن لأحد اليوم أن ينكر الدور الهام للوسائط الرقمية، والبرمجيات الحديثة في واقعنا اليومي، فهي تسهل قضاء شؤوننا بدقة وبسلاسة، وتمكننا من إجراء متطلبات حياتنا في وقت قياسي ووجيز. فأضافت التكنولوجيات الرقمية، والبرامج العالمية المتخصصة على واقعنا الراهن طابعاً آنياً، وأعطت لحاجياتنا صبغة فورية إلى درجة أنه صار من المحال الاستغناء عنها.

وفي ميدان الفنون البصرية يعتبر دور التكنولوجيات الرقمية ريادي. فالفن التشكيلي يصنف ضمن أهم الميادين الفنية التي تواكب الواقع، وتلبي نداء متطلبات العصر. إن الفنون تقوم على ملكة الخلق، والانحياز لكل موقف إبداعي جديد ومعاصر، فلا يمكن أن يقوم الإبداع إلا بالتجديد المتواصل ومواكبة متطلبات العصر


 ما الصعوبات التي تواجهك في هذا المجال؟

نحن في هذه الحياة نعيش كل اللحظات الصعبة منها والسهلة، ونذلل الصعاب للوصول للمراحل، والأهداف التي رسمناها لنا، ولمستقبلنا في المجالات التي نبدع فيها.


 نلاحظ اهتماماً لافتاً في جل رسوماتك بالبيئة والبادية.. ما سبب اهتمامك بهذين الموضوعين المترابطين أصلاً؟

بطبيعتي كفنانة واقعية تجذبني المناظر الطبيعية، وإحساسي بها وتداخل جميع حواسي وترابطها بتلك المناظر الطبيعية لأجد نفسي أعبر عنها، وأنا كفنانة سورية أجد نفسي أعبر عن جمال سورية وبيوتها وحاراتها وجبالها، وعندما أتيت للعيش في دولة الإمارات أقمت في رأس الخيمة، وهي الإمارة الجميلة التي تتداخل جماليات الطبيعة فيها بين الجبال والسهول والشواطئ ووجدتها بيئة غنية، ومن الطبيعي تأثر الفنان واندماجه مع هذه الطبيعة، ومن ثمرات ذلك بروز لوحاتي المعبرة عن لحظات جميلة في الطبيعة والتراث والعادات والتقاليد.


 كيف تنظرين للتطور الرهيب في وسائل الاتصال الحديثة، وتأثيره في الفن التشكيلي؟

لوسائل التواصل الاجتماعي المتطورة أثر في الجانب الإبداعي، ولها تأثير إيجابي كبير، وهكذا أصبحت السهولة في الحصول على المعلومة الفنية والاطلاع على البحوث والتجارب الفنية، وجانب التغذية البصرية متوفرة وبسرعة.. وقد أصبح العالم في متناول يد الفنان والموهوب والهاوي... حيث التطور في أساليب الفنان ناتج من اطلاعه على تجارب وأساليب الفنانين من مختلف دول العالم والجنسيات والثقافات.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها