فَلسفة الفِينغ شُوي.. وأثرها في التصميم المعماري

د. محمد أحمد عبد الرحمن عنب


يعتبر فَن الفِينغ شُوي Feng Shui وَاحد مِن أقدم الفُنون وَالعُلوم التي نَشأت فِي الصِين مُنذ أكثر مِن 3000 سنة، وقَد عَرفه الفَراعنة القُدماء أيضاً وَاعتمدوا عَليه، فكان علماً يتداوله الكهنة بسرية تامة، وظهر بوضوح في طريقة بناء المعابد واتجاهاتها وأشكالها، واستمر تَطبيقه خِلال العُصور المُختلفة، وَهُو أحد الفُنون المُرتبطة بِالتَصميم وَالعِمارة.

 

تَعريف الفِينج شُوي Feng Shui

هُو عِلم يَتعلّق بِشَكل أساسي بِالطاقة وَتَأثيرُها الإيجابي أو السَلبي فِي حَياتنا اليَومية؛ عِلم يَبحث فِي فَن التّناغم مَع الفَضاء المُحيط وَتَدفقات الطَاقة مِن خِلال البِيئة وَالتَصالح مَع النَفس، وَمَع الطّبيعة المُحيطة بِالإنسان، ويُمكن تَعريفه ببساطة بأنه عِلم طَاقة المَكان.

وَيُعتبر (الفِينغ شُوي) أحد الطرق التّقليدية التي استُخدمت مِن قِبل الصِينيين مُنذ آلاف السِنين فِي تَنظيم وَتَرتيب الأَماكن المُحيطة بِالإنسان؛ مِن خِلال مَجموعة مِن المَبادئ تَهدف لِخَلق التوازن بَين الطاقات فِي أي مساحة مُحددة، لِتَحقيق التناغم مع عَناصر البِيئة المُحيطة، وخَلق مُؤثرات فَعّالة فِي الحَياة؛ فانسياب الطاقة في المكان يشبه جريان الدماء في شرايين الإنسان، ولا يستطيع الإنسان الحياة بدونها.

وكَلمة (الفِينغ شُوي) في اللُغة الصِينية عِبارة عَن مَقطعين (فِينغ)؛ وَتعني (الرِيّاح)، و(شُوي) وَتَعني (المِياه)؛ وَتَرتبط الفِينغ شُوي بِالكَلمة الصِينية (تِشي CHI)؛ وَالمَقصُود بِها الطَاقة الإيجابية، وَيَشمل مَفهوم الـ تشي في الفِينغ شُوي عَدداً مِن العَناصر مِنها: اتجاه المَباني، وَعُمرها، وَمَدى تَفاعُلها مَع المُحيط البِيئي، وَالنَباتات، وَنُوعية التُربة وغَيرها1، واستخدمه الصينين للرقي بحضارتهم وازدهارها، وقوتها في جميع المجالات، حيث أصبح علماً يدرس للنخبة، وتدرج ليصبح علمًا له أسس وقواعد.
 


الهَدف الأسَاسي مِن فَلسفة الفِينغ شُوي

قَديماً اعتقد الصِينيون أَنّ الفِينغ شُوي هُو أَحد أسباب الحَظ السَعيد وَجَلب الشُعور بِالرَاحة، وَالحَقيقة أن الفِينغ شُوي يَهدف إلى ذَلك عَن طَريق تَحقيق التَناغم مَع البِيئة المُحيطة؛ وَالهَدف الأَسمى مِنه هَو تَحويل الطَاقة السَلبية إلى طَاقة إيجابية في المَكان، من أجل تحسين أسلوب الحياة؛ مِما يُساعد عَلى التَخلص مِن التّوتر والقَلق، وَهَذا لَه مَردُود كَبير؛ فيمنحك السَعادة وَالنَجاح وَالطمأنينة.
 


مَحاور الفِينج شُوي

تَعتمد فَلسفة الفِينج شُوي عَلى عَدد مِن المَحاور؛ وتُعرف هَذه المحاور بالباجوا Bagua أو خَريطة الفِينج شُوي؛ وَهي تِلك التي تُترجم حَركة الطّاقة فِي تِسعة مَحاور، ويَرمز كُل مِحور لِجَانب مِن حَياة الإنسان، وَهذه المَحاور هِي عَلى التَوالي؛ المَاء وَيَرمز للحَياة، وَالأرض وَترمز للعِلاقات، وَالرّعد وَيَرمز للأجداد، وَالهَواء وَيَرمز لِلحَظ، وَالطَاقة وَتَرمز لِلصِحة، وَالجَنة وَتَرمز لِلأَصدقاء، وَالبُحيرة وَتَرمز لِلإبداع، وَالجَبل وَيَرمز لِلحِكمة، وَالنَار وَتَرمز لِلبَصيرة وَالرُؤية2.

فلسفة الفِينج شُوي في تَصميم البيت المثالي

كَما سَبق القَول في تَعريف الفِينج شُوي بأنه فَن تَناغم الفَضاء المُحيط وَتَدفقات الطَاقة؛ ومِن هَذا المُنطلق جَاء اهتمام نظام الفِينج شُوي بِطَاقة البَيت وَاتجاهه، وَتَوزيع الغُرف فِيه وَالأَثاث وَالأَلوان؛ لأنها جَميعُها تَبث طَاقة إذا تَمّ استخدامها بِالشَكل السَليم3؛ وَتَتفاعل طاقة الإنسان مَع هَذه الطَاقة فأنفسنا تلتقط الذبذبات المُنتشرة فِي الأمكنة وَتتفاعل مَعها، وَهَذا يُفسر لَنا مشاعرنا المُختلفة، وَإحساسنا بِالرَاحة أو بِالنُفور فِي مَكان مَا دُون آخر، بِدُون أن يَكون هُناك أسبَاب مَنطقية.

والفِينج شُوي ليس مُجرد دِيكور، بَل هُو نِظام إنساني يَتماشى مَع النِظام العَام لِلكون، لذا فإن اتباعه لا يَعني بالضرورة تَغير مُعتقداتك بَل تَغير نَظرتك لِلأشياء التي تُحيط بك، وَاستغلالها بِطَريقة إيجابية4، لِذا فَعليك التَعامل مَع البَيت كَأنه ابن مِن أبنائك؛ صَديق وَفي لك، وإياك وإهماله فَطَاقته تُؤثر عَليك وَعَلى حَياتك بِشَكل مُباشرة5، وَلا بد مِن الاعتناء بِثَلاث أماكن أَساسية فِي مَنزلك وَهَي؛ غُرفة النّوم، وَالحَمام وَالمَطبخ، وَهذه الأماكن تُمثل طَاقة مُتجددة لأي مَنزل.

وَيُراعي الفِينج شُوي بَعض الأشياء فِي تَصميم المَنزل وَتَوزيع وحداته، مِما يُحقّق لِلفَرد الانسجام وَالرَاحة النَفسية؛ وَأهم مَا فيه هُو مَعرفة الاتجاهات؛ لأن طَاقة المَكان تَرتبط بِالطاقة الكَهرُومَغناطيسية لِلأرض؛ حَيث يَتم تَقسيم المَنزل لِتسعة أَقسام حَسب الاتجَاهات الثَمانية؛ الشَمال: العَمل، الشَمال الشَرقي: المَعرفة وَالحِكمة، الشَمال الغَربي: السَفر وَالسيِاحة، الجَنوب: الشُهرة، الجَنوب الشَرقي: المَال وَالثَروة، الجَنوب الغَربي: الحُب وَالعِلاقات، الشَرق: العَائلة، الغَرب: الأَطفال وَالإبداع، الوَسط: الصِحة6.

مَدخل المَنزل وِفق الفِينج شُوي

يُعتبر مَدخل البَيت مِن أهم الأشياء في نِظام الفِينج شُوي؛ فهو يُمثل المَمر الرَئيس أو مَدخل الطَاقة التي تَصل إلى كَامل البَيت، وَلِذا يَجب الاهتمام به ونَظافته مِن الخَارج وَالدّاخل، وَزِراعة أنواع من النَباتات أو الزهور أمامه، وَتَجنب تَرك القمامة بِالقُرب مِنه حَتى لا تُؤثر عَلى الطَاقة دَاخل البيت وَتُشبعها بِطَاقة سَلبية، وهَذا يَتفق مَع تَعاليم الفِينج شُوي؛ فَإن الجِهة الأمَامية تَرمز للمُستقبل وَإلى مَا يَسعى إليه الإنسان؛ وَلِذا يُفضل أنْ يَكون المَدخل مُريحًا مُشجعًا7.

وَمِن ضِمن المَباديء الأساسية فِي فَلسفة الفِينج شُوي، والتي تُساعد عَلى نَشر الطَاقة الإيجابية فِي أي مَكان سَواء المَنزل أو المَكتب أو أَي مَكان آخر؛ تَرتيب المِساحة ومَلأ الفَراغات، وَيَتحقق ذَلك بِالتَخلص مِن الفَوضى؛ وَالتي تُعد مِن أَكثر أسباب الشُعور بِالتَوتر وَالاكتئاب، كَما تَبعث الفَوضى طَاقة سَلبية وَتَشويش الأفكار فِي المَنزل، وَتُعد عَملية التَخلص مِن الفُوضى فِي حَد ذَاتها خُطوة أشبه بِالعِلاج وَالتَخلص مِن الطَاقة السَلبية فِي حَياتك8.


◅ عُنصرا الهَواء وَالإضاءة الطَبيعية مِن أشهر مَبادئ فَلسفة الفِينج شُوي: يُعتبر الهواء والإضاءة الطبيعية المتمثلة في أشعة الشمس من الوسائل البسيطة والرائعة للتخلص من الطاقة السلبية؛ حيث يساعدان على تجديد طاقة المكان، لذا يفضل زيادة عدد النوافذ خاصةً في غرف المعيشة للسماح لأشعة الشمس بالدخول للمنزل على قدر الإمكان.

◅ وُجود المَاء فِي نِظام الفِنيج شُوي عُنصر مُهم جِداً؛ فَالماء يَرمز إلى الثَروة وَالمَال، لِذَلك يُنصح بوجوده بِشكل مُستقل أو استخدام المَصادر أو الزِينة التي تَشتمل عَلى المِياه مِثل أحواض السَمك وَالتي تُساهم في إحياء الطَاقة بِشَكل كَبير9.

◅ أَهمية الألوان؛ وَتَرتبط الألوان مُباشرة بِالفَرد وَليَس فَقط بِالدِيكور الداخلي، وَقَد حَدّدت فِينغ شُوي الأَلوان الأَكثر مُلائمة لِجَذب الطَاقة دَاخل المَنزل.

***

وأخيراً؛ هَذه بَعض أساسيات نَظرية الفِينج شُوي، وَكُل يُوم يُكتشف سِراً مِن أَسراره، وَقد أصبح استخدام فَلسفة فِينغ شُوي (Feng Shui) فِي تَأسيس المَنازل وَالمَكَاتب وَالمُؤسسات أَمراً مُعترفاً بِه وَمُعتمداً فِي العَديد مِن البُلدان؛ فالشَركات وَالمُؤسسات تَعتمده لِخَلق أَجواء التناغم وَإعطاء الطَاقة وَالنَشاط، وَدِيكورات المَنازل تَلجأ إليه لإضفاء الرَاحة النفسية وَالحُصول عَلى السعادة10؛ هَذه الفَلسفة الرّائعة تَدعو الإنسان لِلتّصالح مَع نَفسه وَمَع كُل مَا يُحيط بِه ليَعيش بِشَكل إيجابي بَعيداً عَن التوتر وَالمَشاكل وَالمَتاعب السّلبية التي قَد لا يَعرف سَببها، وَهو كَامن فِيما حَوله مِن تَصميم وَدِيكور، وَمَفروشات أو ألوان.

 


الهوامش:
1 - https://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/2/2c/Feng_Shui_Bagua
2 - http://mix-art.weebly.com/1601161016061580-158816081610.html
3. كامي بزيغ‎، نعمة المعرفة، ما تبحث عنه يبحث عنك، ص: 188-189.
4. كامي بزيغ‎، نعمة المعرفة: ما تبحث عنه يبحث عنك، ص: 188-189.
5 - https://www.magltk.com/feng-shui/‎
6 - http://avb.s-oman.net/showthread.php?t=2270900
7. فرنر تيكي كوستنمخر، بروفيسر دكتور لوثر زايفرت، بسط حياتك: نحو حياة أسهل وأكثر سعادة مع رسوم كاريكاتورية، نقله للعربية عمار قسيس، مكتبة العبيكان، السعودية، ط1، 2007م، ص: 33.
8. تساي بان شين‎، فنون العمارة الصينية، أطلس للنشر والإنتاج الاعلامي، القاهرة، ط1، 2017م، ص: 131.
9. ولاء عاصم الشريف، علم الفنغ شوي، مجلة جمعية المهندسين المعماريين الشرق الأوسط، مصر، يوليو، 2016م، ص: 35.
10. مي إبراهيم، فينغ شوي؛ فَن استغلال الطّاقة لِبَهجة مَنزلك، مِجلة الشَرق الأوسط، العدد 11941، الإثنيـن 7 رمضـان 1432 هـ/ 8 أغسطس 2011م. 

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها