كيف سيغير الذكاء الاصطناعي حياتنا؟

إسماعيل نسيم


إن الذكاء الاصطناعي بصدد تغيير عالمنا بكيفية جذرية وتحويلِيَّة. فمنذ بضع سنوات، خرج من الظلمة إلى النور، ومن الخيال إلى الواقع. وها هو اليوم في كل مكان: في هواتفنا، وحواسيبنا، وسياراتنا، وأيضاً في بيوتنا. ويُجمِعُ الخبراء على أن الذكاء الاصطناعي سيغير عالمنا تغييراً عميقاً أكثر من أية تكنولوجيا أخرى عرفها تاريخنا. وسيوضح لكم هذا المقال كيف سيغير الذكاء الاصطناعي حياتنا.

 

كيف نُعَرِّفُ الذكاء الاصطناعي؟


الذكاء الاصطناعي هو مجموع تقنيات المعلومات التي تُمَكِّنُ من إبداع وتشغيل أنظمة قادرة على محاكاة، أو إعادة إنتاج السلوكات التي نُظِرَ إليها فيما مضى على أنها أنظمة إنسانية بصورة نموذجية، مثل التعلم، وحل المشكلات، واتخاذ القرار أو التواصل. تقوم هذه التقنيات على خوارزميات معقدة، وعلى تكنولوجيات متقدمة، كالشبكات العصبية، الأنظمة الخبيرة أو التعرف الصوتي.

إن صور تقدم الذكاء الاصطناعي يمكن رؤيتها بوضوح كل يوم. ويمكن استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي لِأَتْمَتَةِ automatiser المهام المُضْجِرة أو الروتينية، من مثل إدخال البيانات وإدارة المخزونات. كما يمكن استخدام هذه الأنظمة كذلك لإجراء التحليلات المعقدة، كالتشخيصات الطبية أو تصميم الطرق.

يخشى بعض الأشخاص أن يصير الذكاء الاصطناعي يوماً ما قادراً على تجاوز الذكاء الإنساني والتحكم في المجتمع. ومع ذلك، يؤيد البعض الآخر فكرة أن الذكاء الاصطناعي يستطيع مساعدتنا على حل بعض المشكلات الأكثر تعقيداً في عالمنا، كالتغير المناخي. ومهما كان من أمر، فالذكاء الاصطناعي موضوع مثير يواصل خلق الكثير من النقاشات والاهتمامات. وسيواصل الذكاء الاصطناعي تطوره بإيقاع سريع، وسيكون له تأثير هام على جوانب متعددة من حياتنا.

كيف سيغير الذكاء الاصطناعي حياتنا: المجالات والصناعات الأكثر تأثراً

يُعَدُّ الذكاء الاصطناعي واحداً من أكثر مظاهر التطور التكنولوجي أهمية إبَّان السنوات الأخيرة، والتي ينبغي أن تُغَيِّرَ شيئاً فشيئاً طريقة عمل الصناعات والشركات.
 

مجال الأمن السيبراني


يمكن للذكاء الاصطناعي في مجال الأمن السيبراني العمل بواسطة قواعد البيانات الضخمة التي تحتفظ بها معظم شركات الأمن السيبراني من أجل البحث عن الهجمات الفيروسية. كما تُتَبنَّى هذه التكنولوجيات أيضاً من قِبَلِ شركات مكافحة الفيروسات بهدف توفير وسيلة استباقية لمحاربة الهجمات السيبرانية.

وبفضل الكم الهائل من البيانات المتاحة حول أنواع الهجمات السيبرانية والبرامج الخبيثة ونواقل الهجوم، يمكن تدريب الذكاء الاصطناعي على استخلاص النتائج. يتيح ذلك للشركات نشر حلول الذكاء الاصطناعي التي تراقب الشبكة بشكل متواصل بحثاً عن أية أنشطة مشبوهة. وإذا اكتشفت الخوارزمية نشاطاً غير مألوف، فهي تستطيع إغلاق الثغرة الأمنية فوراً، أو تحذير المسؤولين من المشكلة. ويسمح هذا بتقليص الزمن الضروري لحل المشكلة، وتقليل المخاطر، وفقدان المعلومات.

ليس هذا فحسب، بل يمكن أيضاً الكشف عن الأهداف ذات الأولوية العالية في وقت مبكر، مِثل الهجمات السيبرانية طويلة الأمد ضد الشركات متعددة الجنسيات، باستخدام حلول الذكاء الاصطناعي. يقوم الذكاء الاصطناعي بمراقبة الشبكات بفعالية بحثاً عن الأنشطة الخبيثة، ويسمح للشركة بالكشف عن هجوم معين في وقت جد مبكر. وهذا أمر مهم لتقليص الأضرار، ولحماية الشركة من الخسائر المالية وانتهاكات البيانات.

 المُواصَلات

ستُغيِّر السيارات ذاتية القيادة، بصورة جذرية، الطريقة التي يتم من خلالها تنظيم الأنشطة الهامة على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي في الوقت الراهن، مثل النقل الطرقي، سواء بالنسبة للأفراد أو بالنسبة للشركات. كما سيتغير تنظيم المدن بشكل ملموس، وستتيح القيادة الذاتية إمكانية تقليل، أو حتى القضاء، على الاختناقات المرورية، وتلافي مشاكل مواقف السيارات، وحتى التخفيف من التلوث.

وسيتم تحقيق هذا الهدف ليس فقط من خلال استعمال الذكاء الاصطناعي في المَرْكَبات، بل أيضاً عبر تطوير تكنولوجيات أخرى كإنترنت الأشياء، أو البيانات الضخمة في المدن الذكية، وذلك لجعل المدن أكثر قابلية للاستعمال بالنسبة للأشخاص، والحيلولة دون تنظيمها بطريقة تجعلنا نمنح الأفضلية للمَرْكَبات على حساب بقية الأنشطة الاجتماعية. ومن المهم كذلك، الإشارة إلى أن كل هذه الأشكال من التقدم التكنولوجي تحدث وَفق إيقاع محموم، وذلك لأن الاستثمارات التي تقوم بها الشركات والمؤسسات هائلة، ومن هذه الوجهة في النظر، فهي لا تعمل على تحسين حياة الناس فحسب، بل أيضاً على تحسين الفرص التجارية الناشئة عنها.

 مجال التسويق

سيستفيد قطاع التسويق من الذكاء الاصطناعي بكيفيتين رئيسيتين: أولا، من خلال تخصيص الرسائل، وثانياً من خلال تحسين الاستهداف. وهناك فوائد أخرى أقل أهمية، موجودة فعلًا ويجري العمل على تنفيذها، من قبيل الأتمتة الذكية، والأدوات القائمة على الذكاء الاصطناعي.

ويمكن أيضاً لحلول التسويق الخاصة بالذكاء الاصطناعي أن تحدد الرسائل الأكثر فاعلية بالنسبة لشركة معينة بناء على تفضيلات الزبائن. فعلى سبيل المثال، إذا طلب أحد الزبائن زوجا من الأحذية، يمكن للخوارزمية أن ترسل رسائل حول منتجات مماثلة، مما يزيد من احتمالية شراء الزبون لمنتَج آخر.

كيف سيغير الذكاء الاصطناعي حياتنا: التأثيرات على طريقة عملنا

سيكون للذكاءات الاصطناعية تأثير قوي على عالم العمل. إذ ستختفي الوظائف، لكن سيتم إنشاء وظائف أخرى لتحل محلها. وقد كانت الوظائف الأقل أو الأكثر مهارة حتى وقتنا الحاضر أقل عرضة للأتمتة.

إن فئات الوظائف ذات المهارات المنخفضة، والتي من المتوقع أن تحظى بأفضل الآفاق خلال العقد المقبل، خاصة منها خدمات المطاعم، والنظافة، والبستنة، والرعاية المنزلية، ورعاية الأطفال، والأمن، هي عموماً وظائف بدنية وتتطلب التفاعل المباشر. وفي لحظة ما، ستكون الروبوتات قادرة على القيام بهذه الأدوار، لكن في الوقت الراهن، لا يوجد حافز كبير لأتمتة هذه المهام، لأن هناك عدداً غير قليل من البشر المستعدين للقيام بها مقابل أجور زهيدة.

سيجري التخلص من الوظائف التقنية والإدارية، وأساساً، من كل الوظائف التي تتطلب مهارات متوسطة. ولن تظل سوى الوظائف ذات المهارات العالية، التي تستلزم مستوى عال من التكوين والتعليم. ومن المؤكد أن زيادةً في عدد الوظائف المتعلقة بالبرمجة، والروبوتات، والهندسة، وغيرها، ستحصل. وفي جميع الأحوال، ستكون هذه المهارات ضرورية لتحسين وصيانة الذكاء الاصطناعي والأتمتة المُستخدَمين من حولنا.

كيف سيعمل الذكاء الاصطناعي على تطوير التعليم والتكوين

تستطيع أشكال تقدم الذكاء الاصطناعي في مجال التعليم أن تُغيِّر قواعد اللعب بالنسبة لكل متعلم. فقد ولَّى ذلك العهد الذي كان علينا فيه أن نُهَرْوِلَ إلى المكتبة لنسخ بضع صفحات من أجل إنجاز واجب مدرسي. فاليوم صار الإنترنت هو المنبع الرئيس للترفيه، والتعليم، والمعلومة. وأصبحت مدارس عديدة في جميع أنحاء البلاد تستخدم الذكاء الاصطناعي بالفعل. ويجب على هذه المدارس أن تكون على دراية بتأثير الذكاء الاصطناعي على التعليم والتعلم. كما يمكن للبيانات الافتراضية أن تكون فعالة، شأنها شأن بيانات التعلم المادية، حينما يتم استعمال تقنية التعرف على الانفعالات. وبما أن أساليب اللعب قد قُرِّرَت، فلا شيء يمنع من تكييف التعلم والتعليم لجعلهما ممتعَيْنِ. وفضلا عن ذلك، يستطيع الذكاء الاصطناعي تحديد الصعوبات التي يواجهها المتعلمون، ومساعدتَهم على التحسن لتحقيق النجاح في النهاية.

كيف سيغير الذكاء الاصطناعي حياتنا: دراسةُ حالةٍ مع المساعِدات الصوتية

تُمارِس المُسَاعِدات الصوتية (سيري Siri، ألكسا Alexa) تأثيراً هائلًا على حياتنا اليومية. فهي تسمح بتأدية مهام عديدة ومتنوعة على الهاتف أو الحاسوب دون إزعاج (إجراء بحوث، الاستماع إلى الموسيقى، قراءة الكتب إلخ...). وفي خدمة الزبائن، تُستخدَم الروبوتات الصوتية للإجابة بشكل حدسي عن أسئلة الزبائن، ومنحهم الانطباع بأنهم يتكلمون مع إنسان بلغة طبيعية. يمكن للزبائن طلب المساعدة من الروبوت الصوتي بنفس الطريقة التي يتعاملون وفقها مع الفاعل المباشر. فليست هناك حاجة للتدخل الإنساني المستمر بالنسبة للأسئلة المتكررة.

 

تقدم الذكاء الاصطناعي


ما الذي يستطيع الذكاء الاصطناعي فعله وما الذي لا يستطيع فعله؟

لقد أحدث الذكاء الاصطناعي ثورة في طريقة عمل البشر، مما مكَّن للمؤسسات من زيادة فعاليتها، وتخفيض تكاليفها، وتحسين إجراءاتها بطرق متنوعة. ومع ذلك، فالذكاء الاصطناعي لا يستطيع أن يفعل كل شيء.

إن برامج الذكاء الاصطناعي لا يمكنها أن تَتَعلَّم إلا بواسطة المعلومات المقدَّمة لها. غير أنه، إذا كانت البيانات المقدَّمة للبرنامج غير تامة أو غير موثوقة، فقد تكون النتائج غير دقيقة أو مُتحيِّزة. ولذلك، لا يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون ذكياً وفعالًا إلا بقدر جودة البيانات التي نقدمها إليه.

يُعْرَفُ الذكاء الاصطناعي بقدرته على التعلم من كميات ضخمة من البيانات، واكتشاف الأنماط الأساسية واتخاذ قرارات مؤسَّسَة على البيانات. ولكن على الرغم من أن النظام يوفر نتائج سريعة ودقيقة في كل مرة، إلا أنه يشتمل عيباً أساسياً، يرتبط بعدم قدرة نظام الذكاء الاصطناعي على أن يفسر، وبشكل واضح، سبب وصوله إلى استنتاجات. وهذا ما يثير، بصورة تلقائية، السؤال حول ما إذا كان بإمكاننا الوثوق بالنظام في المجالات الحساسة مثل الدفاع، والحكومة، أو الصناعات ذات المخاطر العالية.

وقد تكون بُنَى الخوارزميات التي تعمل خلف الذكاءات الاصطناعية مَشوبة بالنقص. ويأتي ذلك، بالدرجة الأولى، من تصميم المُبرمِج للخوارزمية بطريقة مُتحيِّزة، مع إعطائه الأولوية لبعض الجوانب المرغوب فيها أو المثيرة للاهتمام.


مستقبل الذكاء الاصطناعي


منذ فترة، أثارت فكرة الذكاءات الاصطناعية التي ترتقي إلى المستوى الإنساني خيال العديد من العلماء. ومع ذلك، قد لا يحدث هذا في وقت قريب. إذ لا يزال هناك الكثير من التقدم الذي يتعين إحرازه خاصة على الصعيد المعرفي. أما الهدف، فسيكون هو تطوير الذكاءات الاصطناعية التي تقترب قدر الإمكان من علم النفس البشري. كما ستصبح الشركات التي نجحت في دمج مفهوم التعاطف والوعي السياقي في مُنتَجاتها، قريباً، رائدة في السباق من أجل تطوير الذكاء الاصطناعي.
 

 


هذه الترجمة من الفرنسية إلى العربية لمقال بعنوان «comment l’intelligence artificielle va changer nos vies ?»، نشَرته منصة Tableau، وهي منصة للتحليلات المرئية متخصصة في تحويل طريقتنا في استخدام البيانات لحل المشكلات، ولتمكين الأفراد والمنظمات من تحقيق أقصى استفادة من بياناتهم الخاصة.
﹎﹍﹎﹍﹎﹍﹎ رابط المقال ﹎﹍﹎﹍﹎﹍﹎

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها