جميلة الماجري.. الشاعرة التي نطقت بأصوات النساء

ساسي جبيل



ضمن سلسلة أعلام الفكر التنويري عدد 35 التي تصدرها وزارة الشؤون الثقافية التونسية صدر كتاب - جميلة الماجري.. الشاعرة التي نطقت بأصوات النساء- تحت إشراف وإعداد الباحث محمد المي. وجاء هذا المؤلف الجماعي ليكرم شاعرة تونسية قدمت الكثير للساحة الشعرية في تونس وخارجها.


الماجري التي تدير بيت الشعر بالقيروان -إحدى الإنجازات الثقافية العربية ضمن مبادرة لسمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى للاتحاد حاكم الشارقة- هي من الجيل الثاني من الكاتبات التونسيات بعد استقلال تونس عام 1956. قرأت الأخبار في التلفزيون في بداياتها، وكتبت المقال الصحفي، ونشرت إنتاجها الشعري منذ سبعينيات القرن الماضي.
 

الكتاب التكريمي جاء في 128 صفحة، وساهم فيه نخبة من النقاد والمبدعين التونسيين وهم المنصف الوهايبي، أمال مختار، أحمد الجوة، فوزية الصفار الزواق، عبدالرحمان الكبلوطي، حاتم الفطناسي، محمود غانمي والعادل خضر.

تجربة متميزة:

ركز الشاعر الدكتور المنصف الوهايبي في مداخلته على تميز التجربة الشعرية للشاعرة المحتفى بها، معدداً سمات الشعرية الجمالية والمرجعية من خلال شعرية الإيقاع، في عدد من النصوص التي اختارها، مؤكداً أنها منشدة بحكم تكوينها الأدبي المتين إلى الإيقاع الوزني، سواء تعلق الأمر عندها بقصيدة البيت أو قصيدة الشطرين، وللقافية في تجربتها، شأن في تحقيق التناسب والتناغم المطلوبين في الشعر الموزون، وهذا ما يستوقف الناقد في كل القصائد القديمة والجديدة على حد السواء.

الروائية والصحفية التونسية أمال مختار تناولت تجربة الشاعرة في قراءة عاشقة لمسيرتها تحت عنوان -حفيدة أروى القيروانية- مؤكدة أنها انطلقت منذ سبعينيات القرن الماضي، حيث نشأت في فضاء حضري أسطوري بعاصمة الأغالبة القيروان، حيث تشبعت بكل التقاليد، إلا أن الزعيم بورقيبة كان له رأي آخر، حيث أخرج المرأة للتعلم فعادت جميلة الماجري إلى القيروان مبدعة متميزة، ومع الأيام تزايد حضورها وإشعاعها في المشهد الأدبي تونسياً وعربياً، وكل ذلك بفضل مثابرتها ونشاطها الحثيث.

الدكتور أحمد الجوة قال في مداخلته: إن الشاعرة التي نشأت في القيروان المدينة الإسلامية ذات التاريخ المجيد، وواكبت الحياة السياسية والأدبية بتونس وما زالت تتابع الحركة الشعرية فيها بما تعقده في بيت الشعر بالقيروان من نشاطات مختلفة.

وأشار الجوة في سياق حديثه عن الشاعرة إلى أنها في تمثلها العالم الأنثوي تنفتح على الأسطورة، وعلى ضروب من التخيلات، وعلى ما ليس مرئياً أو مدركاً بالحس والابصار، لتشكل بذاتها الأنثوية مدناً بضروب من توسيع القول، وتنويع الكلام تنويعاً لا تثبت به صورة على نحو ما تشكل في قديم الغزل يقدم صفات الذوات.

وخلص الباحث التونسي إلى أن الماجري قدمت في مجموعتها الشعرية - ديوان النساء - تمثلات للذات الأنثوية في وضعيات مختلفة، وداخل فضاءات متنوعة.

الواقع مطعماً بالخيال:

الدكتورة فوزية الصفار الزاوق أكدت في شهادتها عن الشاعرة جميلة الماجري أن الكتاب الشعري ديوان النساء قدمت فيه صاحبته قصائد استوحتها من واقعها وطعمتها بوقائع خيالية، تقاطعت فيها العديد من الأساليب، مبرهنة على أن النص الشعري ليس مجرد متعة بل هو محنة ونضال بغية التخفيف من الضغوط، والتعبير عما يختلج في النفس، من مشاعر وأحاسيس، ومواقف لا تخلو من مآس وعذابات، وأضافت الناقدة التونسية أن المهم هو محاولة الغوص في أعماق كتاب الشاعرة للوقوف عند خصائص هذه التجربة الشعرية جمالية ورؤية، والتجربة النقدية مصطلحاً وموقفاً، انطلاقاً من طبيعة العلاقة بين الإبداع والنقد وحدود التنافذ بينهما، حيث جاء هذا الديوان الشعري تعبيراً صارخاً عن ألم مكتوم، وتوتر خانق، وثورة نفس، وتعطش لامحدود، للانعتاق والتحرر والخلاص من المركبات والعقد، ترنو فيه الأنثى إلى الجمال والحب، في عالم تجاهل حظها من الدنيا.

وخلصت الزاوق في دراستها المطولة حول تجربة الشاعرة إلى أن ديوان النساء يغري صاحبته بالمضي قدماً في رفع الحجب عن المستور، والتورط في وجع الكتابة وآلامها، وهو رحلة مضيئة في سبيل الظفر بمعنى الحياة.

الشموخ من خلال المسيرة:

أما الناقد عبدالرحمان الكبلوطي فقد تناول شموخ القيروان الأصيلة من خلال مسيرة شاعرتها جميلة، مستعرضاً عدداً من المحطات المضيئة في مسيرة الشاعرة والكاتبة والمتابعة الدؤوبة للشأن الثقافي عامة، رابطاً كل ذلك بوفائها الدائم لمدينة القيروان التي احتضنتها طفلة تربت بين أحضانها لتعود لها بعد سنوات من التطواف والسفر.

أما الدكتور حاتم الفطناسي فكتب تحت عنوان تعاشق الفنون عند جميلة الماجري مستعرضاً العلاقة بين الشعر والفنون وإشكالية العلاقة بينهما، ماهية ونوعاً بواسطة تدبر جملة من القضايا والملاحظات النظرية، مع قراءة إجرائية في المدونة الشعرية المخصوصة للشاعرة التونسية.

وأكد الفطناسي أن الشاعرة سعت في جل قصائدها إلى الترميز عبر تعدد الأصوات التي تتجاوب وتتآلف أو تتخالف في حركة لولبية تستقطب في محور دوار هو محور الأنا الذي يوهم بأن الكون الشعري انعكاس للتاريخ، للواقع، للمعيش، فإذا بالقصص الشعبية تتوالى تشكيلًا للصور الشعرية، انطلاقاً من اعتبار الشاعرة للنساء اللواتي ورد ذكرها في مجموعتها الشعرية -ديوان النساء - رموزاً، وانطلاقاً من فهمها الشخصي لرمزيتهن، وانطلاقاً من رؤيتها الذاتية لعذابات المرأة، وصراعها في الواقع وعبر ردهات التاريخ، إضافة إلى استبطانها لعالم المرأة – الأنثى عاطفياً ووجدانياً.

أما الدكتور محمود غانمي فقد تناول المرأة وأنوثة العالم في قراءة جندرية لديوان النساء للماجري، لافتاً إلى أنها اعتمدت معجماً لغوياً يمكن تسميته في الأعم الأغلب بمعجم الأنوثة أكثر من تسميته بمعجم المرأة، مشيراً إلى أن عوالم جل القصائد في كتاب الماجري تسير في ركب الموضوع المتعلق بالمرأة أو بالنساء، إلا فيما ندر، فالعوالم الشعرية الغالبة مشدودة لبؤرة هذه التيمة الغالبة، ومبرر هذا استدعاء الشاعرة القيروانية وفرة من معجم المرأة مفرداً أو النساء جمعاً، لتلفت الانتباه إلى الزعم المعجمي الأنثوي، حيث إن اللغة الشعرية التي وظفتها الماجري صارت قادرة على تسمية كل العوالم والأشياء المتصلة بالمرأة، سواء كانت أعضاء جسدها أو هواجسها الفكرية والوجدانية، وتحديداً تلك الهواجس التي تميزها عن الرجال، ونعني بها المسميات التي هي من أخص خصائص أنوثة المرأة، ما اتصل بالحمل والولادة وضفائر الشعر وغيرها، وعلاوة على هذا الثراء اللغوي الجاهز بطبعه، اعتمدت الشاعرة من المشيرات التي تؤكد رغبتها في إثبات حقيقة اعتقادية قديمة وهي أنوثة الكون.

الدكتور العادل خضر تعرض في دراسة مستفيضة حول الشاعرة التونسية جميلة الماجري إلى أنها من خلال توظيف الزربية القيروانية تقربنا من شعرية النسيج، وهي فضاء جواني منفتح ومنغلق، شبيه بالحديقة الشبيهة بدورها بالسفينة، هذا الفضاء السابح، هذا المكان بلا مكان، المنغلق على ذاته، المتحرر من القيود، والمقيد في الآن نفسه بلا نهائية البحار، المتنقل من مرفأ إلى مرفأ، ومن ضفة إلى أخرى.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها