الوثبةُ الكُبرى.. والمُحَسَّد

نصوص مسرحية حصدت جائزة الشارقة للإبداع العربي (الدورة 28)

د. سيد الطيب


جائزة الشارقة للإبداع العربي –الإصدار الأول- تمثل الشجرة المثمرة التي تمنح المسرح العربي نصوصًا مميزة كل عام، ضمن الأفرع الستة التي تدعو-دائرة الثقافة بالشارقة- الشباب من مختلف الدول للمشاركة فيها، وذلك منذ نهاية القرن الماضي، لتكون هذه هي الدورة الثامنة والعشرين التي تم تكريم الفائزين بها في منتصف أبريل 2025 في قصر ثقافة الشارقة.

 

نص مسرحي حصل على المرتبة الأولى لجائزة الشارقة (الدورة 28)، وهو من تأليف هدى عبد المنعم (كتابة وشاعرة مصرية، شاركت في عدد من الملتقيات الأدبية وهذه هي التجربة المسرحية الأولى لها).


عنوان المسرحية (الوثبةُ الكُبرى) ورد في عبارة منسوبة إلى لويس ماك في كتابه "ثورة الزنوج"، حيث قال: "إن الحدث الأعظم في تاريخ البشرية يكمن في الوثبةِ الكبرى من العبودية إلى الحرية"، هذا العنوان ينقلنا إلى زمن المسرحية التي تشعّب في عصور مختلفة؛ حيث كانت أحداث الفصلين الأول والثاني، والمشهد الأول من الفصل الثالث في البصرة إبّان ثورة الزنج أثناء الخلافة العباسية، أما المشهد الثاني من الفصل الثالث فيدور في القاهرة المعاصرة.

لغة المسرحية أقرب إلى الشعر المنثور، والملابس وحركات الممثلين مختارة بدقة، شخصيات المسرحية تاريخية ومبتكرة من الكاتبة لنجد على بن محمد: صاحب الزنج، والموفق: قائد الجيش العباسي، والنخاس. كما نجد شخصيات أخرى مبتكرة من المؤلفة مثل سليمان ويحان ويحيى: من قادة الزنج، وبلبل، والوراق، والطالب وغيرها من شخوص المسرحية.

بدأت الأحداث في ساحة سوق البصرة قبل ثورة الزنج بين الطالب والوراق، الذي عرض عليه أن يمنحه تصفح الكتب في مكتبته على أن يساعده في نسخ هذه الكتب في توقيت فراغه من العمل في حقول الملح، التي تعرف بها على الزنج العبيد.

"من يسعى على قديمه يصعب الحكم عليه" هذه هي العبارة التي مثلت رمز المسرحية التي انتقلت بالتدريج من اجتماع الزنج تحت راية "علي بن محمد"، الشاعر الذي كان يحلم بأن تكون ثورتهم لتحقيق العدل، ولكنهم تجاوزوا وقتلوا ونهبوا ومثلوا، فانكفأ القائد على حزنه وأحلامه، ولذا جاء البكاء والعودة إلى أحلام الطفولة بعد فشل الزنوج وفشل ثورتهم على العباسيين، ليكتب القائد بدموعه:
"أحلم أني طفل يلعب في ساحات الريّ حيث ولدت، مع الأصحاب وأعيش العمر صبيًا لا يكبر، هبني اللهم طفولة قلب تصحبني حتى القبر، وابعثني طفلاً بعد الموت، اللهم ابعثني طفلا.. اللهم ابعثني طفلاً".

المشهد الأخير للمسرحية انتقل إلى أحياء القاهرة القديمة في العصر الحديث، وأمام مكتبة يجلس الطالب الذي مثل خيط التواصل بين الزمنين في المسرحية وعلاقته بالوراق، وانشغال الطالب بكتابة مسرحيته على جهاز لاب توب عن ثورة الزنج من ألف سنة من الآن؛ لتظهر بالتدرج شخصيات تحمل نفس الصفات، وكانت تعمل نفس العمل في الزمن الأول العباسي، ولكن بملابس تناسب العصر الحديث، لتقول الكاتبة برمزية مبدعة: الأسماء هي التي تتغير من وظيفة لأخرى ومن عصر لآخر، ولكن إرث الصناعة ونوع العمل تتوارثه نفس الشخصيات، حتى لو مر عليها ألف عام.
 

نص مسرحي حصل على المرتبة الثانية لجائزة الشارقة (الدورة 28)، وهو من تأليف عَمرو عبد الهادي -كاتب وشاعر مصري- عنوان المسرحية (المُحَسَّد.. هذا جناه أبي)، يشير إلى المُحَسَّد هو ابن المتنبي الشاعر المعروف، وقد ذكر المحسد في كتب التراث في أقل من سطرين. (هذا جناه أبي)، عبارة وردت في بيت شعري لأبي العلاء المعري.


أحداث المسرحية وشخصياتها تاريخية، ارتكزت على معاناة المتنبي الشعرية في المدح، وفراره من بلد لآخر هروبًا من الوشاة، ومن الشخصيات: أبو الطيب المتنبي: الشاعر العربي المعروف، ابنه المُحسد، ابن جني: صديق المتنبي ومستودع أسراره بحلب، فاتك الرومي: صديق المتنبي، ابن العميد: وزير عضد الدولة، وغيرهم.

كما احتضنت المسرحية شخصيات متخيلة من المؤلف؛ الذي يتضح من خلال الخيط الدرامي للمسرحية بأنه درس حياة وشعر المتنبي وحكمته، إلى حد الدهشة التي دفعته إلى الشعور بأنه مدين للمتنبي بكتابة نص مسرحي عنه، يحمل أشعاره التي اختارها المؤلف بعناية لتناسب تسلسل الأحداث رغم طول القصائد التي نقلها المؤلف كما هي، ففي انتقال المتنبي من حلب مما قال:
لك يا منازلُ في القلوب منازل
أقفرت أنت وهن منك أواهل
وإذا أتتك مذمتي من ناقصٍ
فهي الشهادة لي بأني كامل

المُحسد ابن المتنبي الذي ينتقل من حبيبة لأخرى حسب محطة الرحلة التي يصطحبه فيها أبوه المتنبي؛ ففي حلب كانت محبوبته "ديمة" التي بثها هموم قلبه في انسياقه وراء أبيه، وعدم وجود حرية الاختيار له، وهو ما دفعه إلى التمرد على شعر أبيه عندما أنشدته (جولستان) في حانة من شعر المتنبي، فلم يعجب بها رغم تمايلها نحوه حتى وصل الحديث بينهما إلى الخلاف والتجريح، حتى ظهر ابن جني صديق المتنبي الذي طلب من المحسد معاونته حتى خروج المتنبي من حلب، بسبب غضب أبي العشائر على أبيه.

تمرد المُحسد انتقل مع أبيه إلى الفسطاط في مصر التي جمعته بها علاقته بجارية فاتك صديق المتنبي، مارية القبطية تعلمت العربية، وتعلقت بالمحسد، وحفظت شعر المتنبي لأنها طمعت أن تنشد شعر المتنبي:
"اخترت تعلم العربية لتكون الحياة أسهل... ولكي أساعد عائلتي كان يجب أن أتعلم العربية".

يهرب المتنبي مع ابنه المحسد من مصر بسبب الوشاية، وينتقل من شيراز، ومنها لدير العاقول، ومنها إلى العراق بعد نصيحة الوزير عضد الدولة:
وما عاقني غير خوف الوشاة
وإن الوشايات طرق الكذب
وما قلت للبدر أنت اللجين
ولا قلت للشمس أنت الذهب

تمرد المُحسد على أبيه وصل لذروته عندما أحرق أشعاره التي كتبها وواجه المتنبي بأمنيته في أن يتخلص من السياسة والتعلق برجالها، ومدحهم ليوافق المتنبي على طلبه حبًا فيها، ولذا قرر المتنبي كتابة خطاب إلى عضد الدولة باعتزاله شعر السياسة، حتى ظهر الوزير ابن العميد المدين للمتنبي بقصائد مدحه فيها، ولذا جاء لنصحه بأن يطلب حماية عضد الدولة؛ لأن رجال عضد الدولة اكتشفوا بأن هناك مَن يراقب المتنبي ويستعد لقتله، ولكن المتنبي رفض وقرر السفر إلى الكوفة مع ابنه المحسد الذي تمرد على أبيه عند منطقة دير العاقول، وقرر العودة إلى محبوبته يارا؛ ليخرج الملثمون ويقتلوه ويقتلوا أباه المتنبي:
إذا اشتبهت دموعٌ في خدود
تبين من بكى ممن تباكا

 


المراجع:
هدى حلمي، الوثبة الكبري، مسرحية، مطبوعات دائرة الثقافة والإعلام، الشارقة، 2025م.
عمرو عبد الهادي ماضي، المُحَسَّد... هذا جناه أبي، مسرحية، مطبوعات دائرة الثقافة والإعلام، الشارقة، 2025م.

 

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها