الدَّم لا يَضِيع.. في الفِيلم الإمَارَاتي "كَيْمَره"!

عبد الهادي شعلان

 

أنت في رحلة ترفيهية، تشاهد مجموعة من الشَّبَاب، حين ينتهون من متعة التجوُّل في الصَّحْرَاء يجد أحدهم كاميرا مدفونة في الرمال تستفز فضوله، فيقرِّر أن يطَّلِع عليها، وفي ساعة راحة في البيت يقوم بتشغيلها مع أصدقائه، ويكتشفون أن داخلها جريمة قتل لعصابة مخدرات، قتلت الشَّبَاب الَّذِين كانت معهم الكاميرا، وظلت الكاميرا كدليل في حوزة مجموعة الشَّبَاب العائدين من الرحلة الترفيهية، يشاهدون الوجوه الحقيقة الواضحة للمجرمين، وأنت في حيرة -وأنت تتابع تسجيل الكاميرا- تريد أن تعرف ماذا سيفعلون بالكاميرا، بعد أن شاهدوا عمليات ذبح وقتل الشَّبَاب على يد العصابة؟ هل سيخافون من الإبلاغ عن الجريمة المسجَّلة في الكاميرا؛ لأنهم يخافون من ملاحقة المجرمين الَّذِين يرغبون في الخلاص من الدليل على جريمتهم، الموجود في الكاميرا الَّتِي كانت مدفونة في الرمال؟ يمكنك أن تطالع رحلة جريمة الكاميرا إذا تتبَّعت الفِيلْم الإماراتي "كَيْمَره"، تأليف وإخْرَاج: عبدالله الجِنيبي، شارك في الفِيلْم: عمر الملا، خليفة البحري، ياسر النيادي، حميد العوضي، إبراهيم أستادي، محمد الحمادي.

 

بحر الرمال

كُثْبَان من رمال تبدو من بعيد كموجات بحر هائج وساكن في الوقت نفسه، بحر من ذهب يكاد ينطق، تتحرَّك الكاميرا في تتبُّع شلال الرمال؛ كأنها موجة عالية قادمة من بعيد لتحطّ على القادم، يتخلَّلها صخور بها بعض العُشب الأخضر كطحالب نبتت على الصخور، صخور قائمة في وجه الشمس الَّتِي نَحَتَتْ آثارها فبدت الصخور كلوحة مرسومة بعبقرية، صخور حادة تعلن التحدِّي والقدرة على الجرح، وحين يظهر اسم الفِيلْم camera)) تظهر سيارة مُعَدَّة للخوض في هذه الرمال، تحمل أعلاماً كشراع سفينة وهي تجري في اليَمّ، في بحر الرمال، تتسابق مع مجموعة من السيارات، وكأننا نشاهد سفناً تفرد أشرعتها، تصنع خلف اندفاعها شلالاً من الرمال، وتتراءى الرمال من أعلى كبحر متلاطم الأمواج، تسير داخله سفن صغيرة.

لقد أجاد صُنَّاع الفِيلْم في التَّعَامل مع البيئة الَّتِي سنعيش فيها زمن الفِيلْم، وعلى الرغم من جفاف الصَّحْرَاء، إلا أن المُشَاهد لم يشعر بالملل أثناء متابعة أحداث الفِيلْم، حين يتوقَّف مجموعة الشَّبَاب تأتي لهم رسالة على الهاتف، مفادها أنه تم العثور على سيارة محترقة فيها أربعة جثث لشباب إماراتيين، وجاري التحقيق في القضية، فتبدأ لحظة التَّوَتُّر، ثم يعثر أحد الشَّبَاب أثناء العَودة على كاميرا مدفونة في الرمال، يضعها في جيبة من باب الفُضُول.

مدخل الفِيلْم سريع ومتوتِّر؛ يستعرض مكان التصوير، وفي الوقت نفسه أَنْبَأنا الفِيلْم أننا في قلب منطقة خطرة، ومن هنا دخل الفِيلْم منطقة دوامات الرمال، وموج الرمال، ونجح الفِيلْم في شدّ المُشَاهِد ناحية الكاميرا الَّتِي ستتمحور حولها أحداث الفِيلْم، وستكون السبب في إدراك كل ما يدور من أحداث، استخدم الفِيلْم موقع التصوير بصورة جيدة بعيدة عن الركود، فالصَّحْرَاء موقع الحدث المستخدم في أحداث الفِيلْم، هي نفسها الَّتِي رأيناها في الأحداث الَّتِي داخل الكاميرا، الصَّحْرَاء هي البطل بما تحويه من غموض وقدرة على إخفاء الجريمة، وبما لها من اتساع قادر على الكشف والإخفاء في الوقت ذاته.

 

فِيلْمان وثلاث كاميرات

حين بدأنا نشاهد الكاميرا الَّتِي وُجِدَتْ مدفونة في الصَّحْرَاء، كان الدخول لمتابعة الفِيلْم داخل الكاميرا جيداً، فعند مشهد ذبح قاس ومزعج توقَّفتْ الكاميرا وتساءل أحد الشَّبَاب: "هل ما نشاهده فِيلْماً أم حقيقةً"؟ ومن هنا كان الدافع قوياً لمتابعة ما تم تسجيله في الكاميرا منذ البداية، وأننا صرنا في شوق لمشاهدة أحداث الكاميرا وما تحتويه داخلها.

أصبحنا داخل فِيلْم الكاميرا؛ نتابع ما يتابعه أبطال فِيلْمنا الَّذِي بدأنا معه، فنحن الآن نشاهد ما يشاهدونه، نحن نشاهد فِيلْماً داخل الكاميرا من خلال الفِيلْم الَّذِي بدأنا معه، نشاهد فِيلْمين، استعرضت الكاميرا مجموعة من الشَّبَاب يقومون برحلة لداخل الصَّحْرَاء، ومعهم الكاميرا الَّتِي نتابعها، وهي تسجل وتتابع الحدث من بعيد، وكان شخصاً آخر غير مرئي يروي لنا بالصورة ما حدث مع الشَّبَاب، وبالفعل كنا نتابع كاميرا ثالثة ترصد الأحداث الَّتِي حدثت مع الشَّبَاب أصحاب الكاميرا المدفونة في الرمال، فرأينا بعض المناظر من أعلى بعين الطائر، ورأينا تصويراً للطريق وللسيارة الَّتِي يركبونها من الخارج، كان أبطالنا أمام التلفزيون يتابعون الكاميرا، ونحن نشاهد الحدث بأكمله، نحن ندرك الحقيقة كاملة كما حدثت في الواقع، نحن نشاهد الفِيلْم الحقيقي لما حدث، وأدركنا أن الكاميرا المدفونة كانت حيلة سينمائية لتُدْخِل المُشَاهد داخل فِيلْم آخر عن طريق كاميرا ثالثة، ترصد ما يحدث داخل الكاميرا الَّتِي وجدت مدفونة في الرمال، فأصبحنا لا نرى الحدث بعين الكاميرا الَّتِي وجِدَت مدفونة في الرمال، أصبحنا نرى الفِيلْم الداخلي بعين أخرى؛ لأن صُنَّاع الفِيلْم لو استخدموا تقنية عرض الكاميرا الضعيفة كانت طريقة عرض الأحداث ستختلف.

قطع بارع

حين سمع الشَّبَاب أصواتاً غريبة وهم يستمتعون برحلتهم، حملوا الكاميرا، والمشاهد وراءهم يشاهد ما يشاهدون وما يقومون بتسجيله، وخلف جبل شاهدوا بشاعة انتقام مجموعة من الرجال المجرمين من رجل أبلغ الشرطة عن مخدرات كانت تخصّ العصابة، وخسرت العصابة خمسين مليون دولار بسببه، لقد جاءت العصابة بالرجل إلى هنا في الخلاء لتصفِّي حسابها معه.

يتوتَّر الفِيلْم ويدخل منعطفاً آخر حين يشعر المجرمون بأن هناك مجموعة من الشَّبَاب قد صوروا ما فعلوه، وانتقل الصراع بين المجرمين والشَّبَاب، المجرمون يريدون الكاميرا الَّتِي صورتهم وهم يستخرجون قلب الرجل ويقتلونه، والشَّبَاب يريدون النجاة بحياتهم، وبدأت مطاردة العصابة للشباب، ولم نكن الآن نتساءل من يقوم بتصوير الأحداث؛ لأننا بالفعل دخلنا في قلب الحدث وصرنا في انجذاب لمتابعة الصراع.

ازداد التَّوَتُّر حين ارتطم أحد الشَّبَاب بصخرة، وتمزَّقت ساقه وأصبح من الممكن أن تلحق بهم العصابة، ودخلوا شِقّاً في صخرة، وصاروا يكتمون أنفاسهم حَتَّى لا تلحق بهم العصابة، وحدث في لحظة وجودهم داخل شِق الجبل قطع بارع، ففي لحظة التشويق المهمة بين المطاردة والخوف سمعنا رنين هاتف، وكان في الوقت نفسه أحد أفراد العصابة يحاول أن ينظر في الشّق، وفزعت القلوب لأن الرنين يمكن أن يكشفهم، لكن الرنين كان مع الشَّبَاب الَّذِي يشاهدون عرض الكاميرا في المنزل، وأوقفوا تشغيل الكاميرا للرد على الهاتف، والآن أصبح المشاهد يشاهد فِيلْماً، ومن يشاهدهم يشاهدون فِيلْماً معروضاً على شاشة التلفزيون في وقت واحد، نحن معلَّقون بأبطال فِيلْمنا منذ البداية، ومعلَّقون بأبطال فِيلْم الكاميرا، أصبح المشاهد يتابع حدثين متداخلين في الوقت نفسه، فِيلْمان يعرضان في وقت واحد.

كانت فرصة رنين الهاتف الخارجي فرصة لقطع مميز للحدث؛ حَتَّى يلتقط المشاهد أنفاسه، ويخرج من هذا التسارع الَّذِي كنا نتابعه، قطع من أجل تحفيز جديد على المشاهدة، وبدأنا استكمال الفِيلْم الآخر داخل الكاميرا مرَّة أخرى.

لن يُفْلِت مجرم

في هذه اللحظات العصيبة من متابعة رجال المخدرات بدأت الشخصيَّات تتكشَّف، ظهر ما في عمق كل شخصيَّة وقت التعرُّض للخطر، وبدا الخوف والرعب؛ فالجميع لا يرغب في الموت، اندفع الفِيلْم في تسارع ومات عبيد من نزيف ساقه، وكان المشهد مؤلماً، وتم قتل الآخرين، وكانت نهاية عرض الكاميرا هو المشهد نفسه الَّذِي انفتحت به مشاهدة الفِيلْم قبل استرجاع ما فيها، بدأنا بمشهد الذبح، وانتهينا بمشهد الذبح، وأصبحنا الآن أمام الكاميرا يحملها أبطالنا في المنزل، وهم في حيرة ماذا سيصنعون في هذه الجريمة والدليل معهم؟ وكان لا بُدّ أن يستريح المشاهد وهو يرى العصابة يتم القبض عليها عن طريق الشرطة.
 


ملصق الفيلم


ويرسل الفِيلْم عَبْر أحداثه المتسارعة مقولته بأن الجريمة مهما كانت مَخْفيَّة في رمال الصَّحْرَاء، ومهما كانت بعيدة عن عين البشر، ومهما ظن الجُناة أنهم أفلتوا بفعلتهم، فلا بُدّ أن يأتي وقت وتظهر الحقيقة، لن يضيع دم في هذه الدنيا، ولن يفلت مجرم بفعلته مهما حاول إخفاء جريمته، فالدم لا يضيع.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها