تخصص الفنان جلال جمعة (74 عاماً) في فن جديد وغريب، وهو تحويل مواد صلبة مثل السلك والزلط والخشب إلى أعمال فنية مبهرة، فمن خلال هذه المواد الموجودة في الطبيعة يعيد اكتشاف الأشياء، وهذا دور الفنان ورؤيته كما يؤمن ويعتقد.
ساعدته خلفيته كمهندس ديكور في معرفة العلاقة بين الخامة والطبيعة والمكان، كما مكنه الانفتاح على المدارك والتصاميم العالمية وعلى الدول الأوروبية، وبالأخص إيطاليا من الأخذ من مشارب الفن المختلفة.
يقول الفنان جلال جمعة في حوار مع "الرافد": إن الخامة تبوح، وتقدم أسرار الحياة، لذلك يتوقف طويلاً أمامها قبل العمل، ويتحاور معها، مؤكداً أن قطعة الزلط التي تبدو صامتة بها حكايات بليغة، وأنه تعلم من الزلط ما لم يتعلمه في الجامعة.
● هل العمل بالسلك كان موجوداً على الساحة قبل اتجاهك له؟
النحت بالسلك لم يكن موجوداً بهذا الشكل في الوطن العربي، ربما كان موجوداً في العالم، لكن الخط الواحد هو ما توصلت إليه، ويعني استخدام سلك واحد دون لحام، وهو بهذه الكيفية صعب، ولكن كان هذا هو التحدي، وهو ما استطعت إنجازه بعد سنوات طويلة من البحث عن الجديد في عالم التشكيل بالسلك.
● الزلط مادة صلدة غير قابلة للتشكيل، كيف تمكنت من تحويلها إلى مادة قابلة للإبداع؟
أنا لم أبحث عن الخامة، هي التي نادتني، وأنا طوعتها فيما أفكر فيه، وما أحلم بانجازه، لقد تمكنت في الزلط من إعادة اكتشاف الأشياء، وهذا دور الفنان ورؤيته، فأنا أرى في الزلط شخوصاً وحيواناتٍ وعوالمَ خفية.
وفي الحقيقة آيات الله حولنا كثيرة، وانشغالاتنا تمنعنا من الصمت ومتعة الاكتشاف، وأود أن أعترف لقد تعلمت من الزلط ما لم أتعلمه في الجامعة، ولي أكثر من قطعة عن الفنان محمد عبلة، والمفكر الراحل عميد الأدب العربي طه حسين، والفنان التشكيلي الكبير جورج البهجوري، والزعيم الراحل جمال عبد الناصر، وصاحب جائزة نوبل الراحل نجيب محفوظ.
● هل لديك طقوس محددة لممارسة هذا الفن؟
أنا لا أقوم بعمل "اسكتش"، وليس لدي تفكير مسبق، قطعة السلك هي التي تقودني، فالإلهام يلعب دوراً كبيراً في عملي، وأحياناً يتغير العمل تماماً، وقبل كل شيء أنا أعمل تبعاً لحالتي المزاجية، وهذه إحدى سمات الفنان. دائماً أنا في حالة عمل فني لا ينقطع أبداً، ولا أعرف كيف أتوقف، حتى عندما أذهب إلى رحلة آخذ معي سلكاً وأشكّلُ منحوتاتي.
● من أين تحصل على المواد سواء كانت السلك أم الزلط؟
المواد متاحة في كل مكان، ولا أحب أن أغير شكلها أو لونها، هنا مكمن الفكرة الإبداعية إعادة تحويل المادة الطبيعية إلى فن دون تغيير في حالتها الأصلية، أستخدم فقط بعد نهاية كل عمل "اسبراي" ليحميها من الصدأ، ويعطيها بعض اللمعان.
● كيف بدأت علاقتك بالخامات مثل الخشب والزلط والسلك؟
أنا خريج من قسم الديكور بكلية الفنون التطبيقية، فكان من الطبيعي أن أتعامل مع كل الخامات، لكن بدايتي الحقيقية كانت مع السلك والزلط، وأخيراً أستخدم فروع الأشجار في عمل منحوتات أضع فيها عالمي الخاص.
وبعد أن تخرجت، وبجوار عملي كمهندس ديكور كان لدي مصنعٌ كبير للأثات، وكانت علاقتي بالخشب علاقة حياة، وكيف لا .. وهي شجرة تسبح بحمد الله، وفيها كل الأسرار، تتحول على يد الصانع لتصبح كرسياً في مطعم، أو كرسياً في البرلمان، أو سريراً لغرفة نوم لعريس وعروسة أو غرفة طفل.
قبل أن تعرف كفنان الأسرار الجديدة هي تبوح بسرها، لذلك عندما أمسك قطعة خشب أشعر أنني أمسك في يدي بعض أسرار الحياة، ولا تستغرب إن قلت لك إنني أستطيع وأنا وحدي الإنصات لقطعة الزلط، فمعها أستمع وأتحاور، وأعرف من خلالها أسرار الكون، قطعة الزلط التي تبدو صامتة لها حكايات بليغة لو استطعت أن تتحاور معها.
وأنت عندما تشاهد عملاً فنياً سوف تعرف ذلك إذا كنت تريد أن تعرف، لكن الكثير لا يسمع ولا يرى، الفن حياة، والخامة التي في يد الفنان سوف تبقى ويفنى هو.
● تحدث عنك صاحب "قنديل أم هاشم" يحيى حقي، كيف بدأت علاقتك به؟ وهل كان لرأيه تأثير ما في حياتك؟
كنت من المحظوظين بأن يفتتح لي الكاتب الكبير يحيي حقي أحد معارضي، ولقد تنبأ لي بمستقبل كبير في عالم الفن، رغم أنني كنتُ صغيراً ولم أكن وصلت لمرحلة النضج الفني، كانت مرحلة الفتوة، لكن تبقى كلماته ترن في أذني مع كل عمل جديد، ومع كل كلمة إطراء من محب أو متابع أو ناقد أو فنان صديق.
● هل تبيع أعمالك أم تحتفظ بها؟ وهل لك مقتنيات في كليات أو متاحف؟
من المهم أن يبيع الفنان أعماله، وجودها في بيوت الآخرين هي إعادة لدورة الحياة، وهي أحد أدوات التثقيف والتعليم ورفع الذائقة عند الناس. كما أن لي قطعاً فنية في كل بلاد العالم، فعملي في مكتبة الجامعة الأمريكية جعل كل الزائرين لمصر يعودون إلى بلادهم ومعهم قطعاً لي، وكثير منها كانت هدايا مني، حرصاً مني على أن تكون مصر في قلب كل زائر أجنبي، كما أحببت أن أقول للعالم أننا أصحاب حضارة وإبداع، وأيضاً أهديت بعض الأصدقاء من دكاترة الفنون بجامعة المنيا بعضاً من أعمالي، وسوف أشارك في متحف الكاريكاتير بجامعة المنيا ببعض البورتريهات الخاصة بنجوم الكاريكاتير الكبار.
● زاملت وعاصرت عدداً كبيراً من الفنانين والمشاهير، ما أبرز ذكرياتك معهم؟
تعاملت مع عددٍ كبير من الفنانين تعاملك كفنان وكمهندس ديكور، ومن أبرزهم الفنانة برلنتي عبدالحميد أرملة المشير عبدالحكيم عامر، والتي لجأت إلي لتغيير ديكور شقتها.
في البداية لم أصدق نفسي، فقد كانت سيدة ودودة ومحتفظة ببريق جمالها، وكانت حريصة أن تذكر المشير عبد الحكيم عامر بكل مودة واحترام وتقدير لحياة مليئة بالدراما، وكانت اختياراتها في تغيير ديكورات شقتها تنم عن ذوق رفيع.
بالنسبة للمشاهير، كنت صديقاً لأبناء المطرب والملحن العبقري موسيقار الأجيال الراحل محمد عبد الوهاب، وكنتُ قريباً جداً منهم، وربما تسربت روحه المبدعة نغمات وألحاناً حلوة في منحوتاتي، أيضاً تعرفت على الفنان فاروق سلامة، والفنان سمير الاسكندراني.
● ما أغرب منحوتة فنية قمت بعملها؟
بعد أن قمت بعمل بورتريه للفنان شيكو طلب مني طلباً غريباً، فقد طلب رأس فيل بالحجم الطبيعي، ورغم غرابة الطلب إلا أنني نفذته، وكان حديث الجميع في معرضي الأخير بقاعة آرت كورنر Art Corner في القاهرة، والذي حضره عدد كبير من نجوم مصر، ومنهم الفنان فاروق حسني وزير الثقافة المصري السابق.