قسوة الاغتراب وتعدد الثقافات في رواية "المظلّة"

الأمير كمال فرج


الرواية الواقعية هي الأكثر شيوعاً، خاصة في الأدب العربي، وأول رواية عربية "زينب" لمحمد حسين هيكل كانت واقعية، تتناول التفاعلات بين عمال القطن وأصحاب المزارع. يقول الروائي الأمريكي لويس أوشينكلوس "يجب أن تحتوي الروايات على صيغة واقعية".

والرواية الواقعية تتناول الواقع وتكشف خفاياه، تحلل الأنماط الإنسانية فيه، وتسبر العلاقات الاجتماعية بدون اللجوء للخيال، فالمدن والأماكن معروفة، والفترة الزمنية كذلك، والبناء الدرامي مبني على الحقيقة، والشخصيات -واقعية أم متخيّلة- مستلهمة من الحياة الاجتماعية المعاصرة، لذلك كانت الأقرب في ملامسة المجتمع وقضاياه.
 

ومن الروايات الواقعية الاجتماعية "المظلّة" للكاتبة الإماراتية شيخة الإحبابي، التي صدرت عن دار المسك للنشر والتوزيع في القاهرة 2023، وهي الإصدار الثاني للكاتبة بعد قصة الناشئة "البحر" التي صدرت عام 2022.

أهدت الكاتبة روايتها إلى "شهيدة القراءة.. فاطمة غلام"، وهي طفلة جزائرية (17 عامًا) توفيت في حادث سير، وهي في طريقها إلى العاصمة الجزائرية لتشارك في نهائيات تحدي القراءة العربي في دبي.
 

 تعدد ثقافي

ترصد الرواية التنوع الثقافيّ في الإمارات التي تضم أكثر من 200 جنسية، تعيش في تناغم فريد، وتدور الأحداث في حي السطوة جنوب غرب دبي، حيث يعيش العديد من المقيمين من مختلف البلاد والثقافات والمشارب، كل منهم له قصة، وهذا التعدد جعلها بيئة غنية بالقصص والتجارب، ومصدر إلهام للروائي والمبدع على السواء.

زمن الرواية حديث، ومعاصر، يظهر ذلك في العديد من الشواهد الحديثة التي ذكرت في ثنايا السرد مثل "الحرب الروسية الأوكرانية" و"إكسبو 2020"، و"كأس العالم في قطر 2022". وأحداث أقدم من هذا.. بل إن بعض الأسماء تبدو واقعية مثل "مطعم راوي"، و"مركز فخري للحقائب"، و"فندق فورتشن في حي الكرامة"، وهذه ميزة خاصة للرواية التي بدت وكأنها تناقش أحداثًا حيّة وقعت في التو واللحظة.

نسجت الكاتبة روايتها من خلال عدة أنماط شخصية مختلفة هي: عبيد الفلاسي "دبي. المنطقة الخامسة بالجميرا"، وجمعة الشامسي "دبي"، ومظفر الجبوري "قرية الزهيرات. محافظة ديالي. العراق"، وبكر سراج الدين الرفاعي "قرية أم دوينة. السودان"، ومحمود السيد "الحي العاشر. مصر"، وقاسم القنطار "جبل حوران. سوريا"، وامتداداً لهذا التنوع توجد شخصيات أخرى مثل عبد اللطيف الكويتي الذي يعيش في دبي، ومن خلال هذه الشخصيات ترصد الرواية التحولات الاجتماعية في المجتمع الإماراتي.

يعيش "مظفر وبكر ومحمود وقاسم" في غرفة واحدة، ويتقاسمون العيش والأحلام المشتركة، وكل منهم حكاية، تتقاطع وحكايات أخرى لعمال وأصحاب محال وموظفين لتشكل لنا مقطعاً تشريحياً من بيئة المغتربين في دبي الإمارة التجارية الأبرز في الخليج.

 فساد إداري

تتوازى مع قصص المغتربين الأربعة، قصص أخرى تتمحور حول الفساد الإداري تدور في شركة تجارية كبيرة، ومن أبطالها المدير التنفيذي عبدالواحد الذي يدير الشركة بالمحاباة، وبطانته الفاسدة "مارجريت" سكرتيرة المدير العام، و"أنس" الذي صعد فجأة وأصبح من المقربين للمدير، و"إبراهيم" الموظف الصغير الذي اختفى لفترة ثم ظهر في مكتب المدير الأعلى، وأصبح نائب رئيس الشركة، وصديقات مارجريت "منى وهدى ورحاب" أعضاء لجنة اعتماد مشروع "معرض المنتجات الصوفية"، وموظفين آخرين تم تصعيدهم بدون استحقاق مثل "هارون وسلمان" مديرا إدارة، و"مراد" الموظف المتلوّن الذي يبحث عن مصالحه.

وفي المقابل، هناك فئة من الموظفين الشرفاء أو المغلوبين على أمرهم مثل "بخيت" الذي يتمسك بمبادئه، و"جمعة الشامسي" مدير مكتب المدير العام المغلوب على أمره، و"فوزية" مديرة إدارة ساذجة تم وضعها بشكل صوري رئيسة للجنة تنظيم المعرض بدون مناقصة لتسهيل الاختلاس، و"راشد" الذي جمدوه عندما طالب بتقديم الفواتير.

تتداخل المجموعتان بشكل غير مباشر: الأولى مجموعة الأصدقاء الذين يكافحون من أجل لقمة العيش، والثانية التي تمثل الجشع والفساد، وفي بعض الأحيان يشعر القارئ بأنها مجموعة واحدة، تشكل الصراع الأبدي بين الخير والشر، الحلم والواقع، الأمل والإحباط.

 منظومة أخلاقية

تصاعد الأحداث بطريقة أفقية، فكل شخصية تواجه التحديات الخاصة بها، وهي نفس التحديات التي تواجه المغتربين في كل مكان، كفراق الأحبة، وقلّة الدخل، والبحث عن وظيفة، والضغوط الأسرية، وتوزّع المغترب بين بلد الإقامة وهموم الأهل في بلده الأصلي.

وقد يبدو لأول وهلة أن مجموعة الأصدقاء الأربعة مثالية، إلا أن من يعرف دبي تدريجياً يدرك أن هذه المدينة العجيبة بما تتضمن من قوانين وقيم تساعد على "الالتزام الاجتماعي"، حيث ينخرط الجميع في منظومة قيمية أخلاقية، لذلك ليس غريباً أن نجد هذه المجموعة المتآلفة والمتصالحة.

ووجود أشخاص مثاليين كأبطال الرواية الأساسيين، لم يمنع وجود شخصيات سلبية، ومنها مجموعة "بوركات" التي كانت تسكن الغرفة المجاورة والتي تورطت -كما يبدو- في إحدى السرقات، وهو ما استدعى تدخل الشرطة.

 العقدة والمعاناة

الحبكة (العقدة) أحد عناصر الرواية، وهي المشكلة الكبرى التي تواجه البطل، والصراع الذي يضفي على العمل جوًا من الإثارة، والمشكلة التي تحثّ القارئ على البحث عن حل.

وعادة ما تتضمن الرواية عقدة مركزية، ولكن في رواية "المظلّة" لا توجد عقدة رئيسة، فلكل شخصية عقدتها الخاصة، فبكر "السوداني": زوجته استولت على أمواله وهربت، ومظفر "العراقي": تخلت عنه حبيبته "زهرة" وتزوجت المحسن الكبير أبو جلال، أما محمود "المصري": فتلقى مكالمة من أخته في القاهرة تفيد باختفاء زوجها "عبد المقصود"، فذهب إلى مصر للبحث عنه فانقطعت أخباره، بينما عاد زوج أخته إلى دبي. وقاسم "السوري" استولت زوجته على مدخراته بعد أن سافرت إلى فرنسا، وطلبت الطلاق "كانت والدته قد تخلت عنه صغيرًا بعد أن تطلقت من والده وتزوجت من صديقه".

والعقد الفرعية في الرواية تتصاعد أحياناً لتصل إلى التشويه والقتل، وهذا ما رأيناه في شخصية بابو "الهندي" مسؤول المقهى الذي انتحر بعدما علم بأن زوجته "لاكشمي" استولت على البيت وتزوجت من قريبها الشرطي المستأجر لديها، ونراه أيضاً في "زهرة" محبوبة مظفر السابقة التي شوّهت "سهيلة بنت عدنان" التي كانت مرشحة للزواج من مظفر، وقتلت والدها، وحاولت قتل "صبيحة" والدة مظفر.

ويظهر ذلك أيضاً في "راجو" ابن عم "بابو" الذي أرسل أشخاصاً إلى الهند لقتل لاكشمي وزوجها الجديد ليحصل على الورث منهم، فقتل أبوهم واستولى على البيتين وسيارات الأجرة والفلوس والدكان. و"سعاد" شقيقة مظفر وزوجها "عباس" اللذان كانا يتجسسان على مظفر لصالح "زهرة"، وتسببا في تشويه سهيلة بنت عدنان المرشحة للزوج من مظفر.

 نهاية مفتوحة

وتتفاعل أحداث الرواية لتنتهي بنهاية مفتوحة، فبينما تحاول المجموعة الأولى المتمثلة في المغتربين تضميد جراحها والاستمرار في العمل يحدوها الأمل في حياة أفضل، مع لمحة أمل تتمثل في قيام البعض بنقل أسرهم إلى دبي، تستمر المجموعة الأخرى المتمثلة في مديري وموظفي الشركة في مخططاتها الفاسدة، رغم ظهور بارقة أمل في انتباه المدير الأعلى لما يقوم به المدير العام، وهو ما أسفر عن نقل مارجريت، ولكن وفقاً لوصف السارد "مارجريت لا زالت هي مارجريت".

وفي ذلك إشارة إلى أن الخير سيستمر والشر سيستمر، ولكن رغم الصورة الرمادية، تنتهي الرواية بصورة مفعمة بالأمل باحتماء الجميع من المطر في مشهدية ترمز إلى قيم الخير والتسامح والتنوع والعطاء وقبول الآخر التي تتميز بها دبي، يقول السارد العليم:

"ازداد هطول المطر سخاء، فأخذ الناس المارين على الأرصفة، يبحثون عن مكان يقيهم زخات المطر التي بدأت تشتد، فاتجه أحدهم إلى مظلة الانتظار الصغيرة على الرصيف القريب من مطعم راوي، والتي وضعتها هيئة الطرق والمواصلات بالقرب من موقف الحافلات، فما لبث أن لحق به بكر ثم تبعه جمعة وعبيد، ولم يتأخر قاسم ومظفر في الهروب من المطر صوبهما، وماهي سوى لحظات حتى لحقت بهم مجموعة من الفلبينيين والهنود والباكستانيين، والأفارقة والعرب، وبينهم جنسيات أخرى.

دهش الجميع مما حدث، فبالرغم من صغر تلك المظلة، إلا أنها احتضنتهم كلهم دون عناء، لم يشعر أي منهم بضيق تلك المساحة، أو بالتنافر، أو بالانزعاج أو بالقلق، لقد ضمتهم بمحبة وحمتهم من البلل والبرد والعواصف" [الرواية، ص: 225].

 المعالجة الفنية

الأفكار العامة للروايات غالباً ما تكون شائعة، وما يفرق بين روائي وآخر المعالجة، ونجحت شيخة الإحبابي في "المظلّة" في معالجة القضية بأسلوب خاص، ساعدتها الواقعية في ذلك، ففي كثير من الأحيان يتضمن الواقع الكثير من الأفكار الجديدة.

وفضلًا عن الشخصيات ومدلولاتها الثقافية وأهمها اللهجة، تطرقت الكاتبة لزوايا ربما لا تكون شائعة في المجتمع، ومن بينها ظاهرة من يغيرون أسماءهم ليحصلوا على أسماء قبلية.

يقول السارد العليم:
"لم يتأكد المدير العام من مصدر الصوت ولا صاحبه، فسأل:
- منو يرمس؟
فرد عليه جمعة مشيرًا بيده إلى شخص
- هذا سهيل المهيري
اعتدل المدير العام في جلسته، متسائلًا:
- منو سهيل المهيري؟
وقف ذلك الرجل رافعًا يده مجيبًا:
- أنا أنا سهيل
ضحك المدير العام ثم جمعة، وضج الجميع بالضحك، أشار إليه المدير العام بالجلوس، ثم سأله:
- انته مب عبد الصبور؟
- نعم. كنت عبد الصبور
- يعني أنته من كم سنه غيرت اسم عايلتك وحطيت اسم قبيلة، والحين غيرت اسمك وحطيت اسم يديد أخاف الاجتماع الياي تغيّر ويهك وما نعرفك. ثم قهقه ضاحكًا" [الرواية، ص: 77]

 قطع الفسيفساء

التكنيك الروائي أو "الأداء المهاري" الذي اتبعته الكاتبة تميز بالرشاقة، وكشف عن خبرة بتقنيات الرواية، وتمثل في القدرة على الانتقال من حكاية إلى أخرى، ومن مكان إلى آخر دون شعور بالقطع، على سبيل المثال الانتقال من مشهد في دبي إلى آخر في السودان، والانتقال من لقطة في العراق إلى أخرى في دبي.

وتتجلى مهارة الكاتبة -كمثال- في الربط بين المطر في "العراق" والمطر في "دبي"، يقول السارد العليم:

"لم يتوقف مظفر أو يتردد أثناء المسير أو يلتفت إلى الوراء، بل ظل سائراً حتى دخل غرفته. أضاء النور ثم توضأ وصلى. كان لجوءه إلى الله سلاحه الوحيد، ظل على ذلك الوضع حتى سمع طقطقة المطر، فخرج من غرفته مبتهجاً، ينظر إلى السماء الماطرة، كانت قطرات الماء تنساب على وجهه، كأن الله أراد بها غسل همه.

لم يقتصر المطر على الزهيرات وحدها بل عمّت أرجاء الوطن العربي كله، فها هو جمعة يقف في غرفة الاجتماعات الكبيرة، أمام النافذة المستطيلة، ينظر إلى السماء، يتأمل هطول حبات المطر المتلاحقة، اقترب منه بعض المديرين. لا صوت يعلو الآن على صوت المطر ووقعه في النفس، سوى صوت مارجريت الملعلع:
- وين جمعة. شو ها الفوضى؟ ليش لهلأ ما اجو المدراء" [الرواية، ص: 128].

بغض النظر عن المبالغة في "عمّت أرجاء الوطن العربي كله" انتقل السارد من شخصية إلى أخرى وواقع إلى آخر بطريقة سلسة بعيدة عن المباشرة والتقريرية، لتصبح القصص المتجاورة مثل قطع الفسيفساء التي تتجمع لتقدم لنا الصورة الكاملة.

هذا الوصل الذكي بين القصص تجلّى أيضاً في الربط بين الاعتقاد بالسحر، فبينما تهدد "زهرة" في العراق حبيبها السابق مظفر بإجباره على العودة إليها حتى ولو باستخدام السحر، ينتقل السارد من نفس الفكرة إلى قصة أخرى في دبي ذات صلة، وهي اعتقاد بعض المدراء في الشركة في دبي بالسحر.

يقول السارد العليم:
"فزهرة ومنذ زواجها لا تزال تغدق عليهما الأموال والهدايا الثمينة من أجل استعادة مظفر، الذي تعلم أنه لن يرجع إليها بسهولة، وهي تحاول وصاله بالوسائل السلمية أولا؛ فإن استمر على عناده وصدّه، فسترجعه عن طريق السحر الذي سبق أن استخدمته والدتها مع أبو جلال.

ليست زهرة وأمها فقط من يؤمن بالسحر والسحرة فهناك الكثير من الناس ممن لا يزالون يؤمنون بشعوذات كهذه، على الرغم من نشأتهم في مدن حديثة، كبعض المديرين الذين يعملون مع جمعة في الشركة" [الرواية، ص: 155].

ومن المظاهر الأسلوبية الجيدة في الرواية أنها جاءت في نفس سردي واحد، فلم تلجأ الكاتبة إلى الفصول والعناوين الفرعية، فكانت الرواية دفقة شعورية وسردية واحدة، وهو ما جعل العمل مترابطا قوياً مشوقاً في كثير من الأحيان.

ومن السمات الفنية في الرواية الاهتمام بتوظيف الصوت، وبدا ذلك في تقليد جمعة لصوت حذاء مارجريت، وكان سيكون أفضل لو ورد التوظيف على لسان السارد، وليس على لسان إحدى الشخصيات، أنظر المقطع التالي:
"بتمايل، تحث الخطى صوب المدير العام، تسبقها طقطقة حذائها ذي الكعب العالي المسنن، أخذ جمعة يتابعها بنظراته وهي تسير بغنج مقلدًا مشيتها بيديه مرددًا صوت حذائها: "جك جك جك جك"، وبعد أن دخلت وأغلقت الباب رفع يديه إلى السماء داعيًا ربه":
- اللهم اسخطهم" [الرواية، ص: 146].

 ثقافات الشعوب

تميزت الرواية بلغة سرد سلسة واضحة، بلا تعقيد، تجلّت فيها دراية الكاتبة بثقافات الشعوب وهو ما مكّنها من تجسيد اللهجة الخاصة بكل شخصية، فقدمت ببراعة اللهجات الإيرانية والسورية والمصرية، والعراقية، والإماراتية والهندية.

ومن الأمثلة على ذلك هذا الحوار بالفارسية على لسان إيراني وصديقه: درود برتو تو حسين، خوبي: السلام عليكم كيف الحال، خوبه خدا رو شكر: "الحمد لله بخير"، وتطرقت الرواية أيضاً إلى الأكلات الشعبية ومنها "المشاوة" الإيرانية، و"الدولمة" العراقية، و"الكشري" المصري، و"الفول" السوداني.

وفيما أوردت الكاتبة حوارات بالفارسية وفق النطق العربي، أوردت عبارة باللغة الإنجليزية، وذلك في المقطع التالي:
"تناول واحدة انزل الفنجال على الطاولة التي أمامه حرّر قطعة الشوكولا من مغلفها الفضي التهمها دفعة واحدة أمسك بفنجان القهوة ارتشفه ثم أعاده للعامل شاكرًا إياه".

Thankyou" [الرواية، ص: 171].

ولم يكتف السارد بذلك، فاستعرض أيضاً ملامح من ثقافات هذه الشعوب تتمثل في أدوات وأزياء وعادات وقصائد محلية، من الثقافة الهندية مثلًا: السفر طاسم وهو "وعاء من طبقات لحفظ الطعام، والآجار: المخلل، والكنجوس: البخيل، ويتجلى ذلك أيضاً في حوارات الشخصيات، ومنها حوار بين مظفر العراقي وأمه باللهجة العراقية:
- مظفر عيني.. لويش ما خبرتنا إنك جاي.

- ما حبيت اشغل بالج.

- أكو شي خلاك تجي عيني

- اشتقت لكم هوايه.. قلت أجي أقعد معاكم جم يوم" [ص: 124].

ولا شك أن ذلك يعكس إلمام الكاتبة بثقافات الشعوب ولهجاتهم، وذلك قد يكون طبيعياً في مجتمع متعدد الثقافات مثل دبي، ولكنه يؤكد أيضاً على عنصر مهم في الرواية الحديثة وهو البحث.

وأحسنت الكاتبة بتوضيح معاني بعض المفردات في الهامش، وهو ما ساعد القارئ على الفهم، وساهم في إثراء الثقافة اللهجوية عن الشعوب، وهذا كله أضاف للرواية الصدق الفني.

 المباشرة والفن

الفن لا يعرف المباشرة؛ لأنه لغة المجاز والتأويل، ورواية "المظلة" تميزت بقالب فني متسق على طول الخط، ولكنها وقعت في بعض الأحيان في المباشرة، مرة في الفكرة الرئيسية للعمل، ومرة أخرى في حوارات بين الشخصيات.

للكاتب الحرية في قول ما يريده، ولكن بلغة الفن، التي تنطوي على الكثير من الأدوات، وقد وفقت الكاتبة في ذلك من خلال الرمزية التي اختتمت بها روايتها عندما لجأ الجميع إلى المظلّة للاحتماء بها من المطر، في إشارة إلى دبي التي تحتوي العديد من الجنسيات وتحنو عليهم وتوفر لهم حياة أفضل.

نجحت شيخة الإحبابي في تقديم رواية واقعية بلغة سرد شيقة، وبناء فني محكم، تجسد قسوة الاغتراب ورفق المدن، وتعكس التعدد الثقافي في الإمارات، وقيم التسامح والعطاء والإنسانية فيها.

وإذا كانت الواقعية تنطوي على جماليات فنية وتعبيرية؛ فإن من مزاياها الهامة التوثيق والتأريخ، وهو ما حدث في رواية "المظلة" التي وثقت -بصدق- الحياة الاجتماعية الإماراتية الغنية بالقيم والتجارب الإنسانية.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها