الصورة.. تمثل ذاكرة للواقع الاجتماعي وللتراث الثقافي

حوار مع فنانة التراث البصري هالة القوصي

حاورها: محمد زين العابدين

الصورة تعتبر إحدى الوثائق التاريخية الهامة، تتحدث بلسانٍ بليغ، وتغني في كثيرٍ من الأحيان عن ألف كلمة، وهي شاهدٌ على العصور والبشر والأحوال. الصورة تثبت اللحظة التاريخية وتخلدها للأبد فنتعرف من خلالها أحياناً على أماكن اندثرت أو شوارع لم يعد لها وجود، أو ملابس لم يعد يرتديها الناس؛ إنها لسان العصر ومكون هام من مكونات التراث المرئي، وفي هذا الحوار نلتقي مع فنانة مصرية عالمية، وجهت جُلّ اهتمامها لحفظ هذا التراث البصري من خلال جمع وأرشفة وتوثيق آلاف الصور من مصر، وعن مصر وناسها البسطاء الطيبين في أفراحهم، ومناسباتهم ونزهاتهم، معظمها صور لأشخاص عاديين، ولكنها تنقل لنا صورة مدهشة الجمال عن العصر الذي عاشوا فيه بأحداثه وأزيائه وعاداته.

 

✦ في البداية نريد أن نعطي للقارئ نبذة عن الفنانة هالة القوصي وأهم المحطات في حياتها الفنية؟

ولدت في القاهرة عام 1974، بعد حصولي على بكالوريوس إدارة الأعمال من الجامعة الأميركية بالقاهرة عام 1996 عملت كمصورة في مجال الإعلانات حتى عام 2000، ثم حصلت في عام 2002 على شهادة الماجستير في التصوير وعلوم الاتصال من كلية جولد سميث بجامعة لندن، وقمت بإلقاء محاضرات عن التصوير الفوتوغرافي في الجامعة الأميركية ما بين عامي 2002-2003، وساهمت في عام 2004 في تأسيس مركز الصورة المعاصرة، وهو أول مكان معني بالصورة بكل أشكالها في الوطن العربي ويديره فنانون متخصصون، ثم حصلت في عام 2005 على منحة تفرغ لمدة عامين في برنامج (الرايكس أكاديمي فان بلدندى كونستن) بأمستردام في هولندا، وهو برنامج عالمي متخصص خاص بالفنانين البصريين.

 ما الذي تركزين اهتمامك عليه في صورك ومشروعاتك الفنية؟

أتناول في أعمالي الفنية بشكل أساسي التاريخ غير الرسمي لمدينة القاهرة من خلال تجارب حياتية عادية لسكان المدينة، وأستخدم في تناولها وسائط التصوير الفوتوغرافي، والتركيب في الفراغ، والنص المكتوب، والفيديو، وقد أسست مشروع (فوتو مصر)، وهو مشروع معني بجمع وتوثيق التراث الفوتوغرافي المصري في القرن العشرين، وقد أسفر المشروع عن نشر كتابين مصورين من صور مجموعة (فوتو مصر) الأول هو (صور الأفراح)، والثاني بعنوان (على البحر).
 

✦ هل لك مشروعات فنية أخرى بخلاف مشروعك الأساسي للتأريخ من خلال الصورة؟

نعم؛ فقد كتبت وأخرجت عدداً من الأفلام القصيرة عرضت في مهرجانات سينمائية عالمية، ومتاحف دولية منها فيلم (حكايات على الهامش) سنة 2005، و(تل النسيان) سنة 2010، و(البحث عن مدينة في أوراق) سنة 2011، كما أخرجت أغنية (فلان الفلاني)، أما فيلمي الروائي الأول فهو (زهرة الصبار)، وهو من تأليفي وإخراجي، وهو مشروع كبير اشترك في إنتاجه شراكة مصرية إماراتية نرويجية، وقد حصل على دعم من مهرجانين دوليين مرموقين هما مهرجان كان، ومهرجان روتردام، وتم عرضه بمهرجان كان السينمائي في دورته الأخيرة.

 ما الذي دعاكِ للتفكير في توثيق التراث المصري من خلال الصورة؟

أنا من جيل يشترك في أن تناوله للتاريخ كان من خلال الكتب المدرسية التي مرت مرور الكرام على التاريخ المعاصر، تكونت من النظرة الأحادية للعالم المفتوح متعدد المصادر المعرفية، وربما يكون هذا التضارب في المعلومات، والزوايا المختلفة للتاريخ هو ما وجهني للاهتمام به كجزء لا يتجزأ من مشروعي الفني. أنا فنانة أستخدم وسائل متعددة، منها الصورة والفيلم، والتركيب في الفراغ، والنص المكتوب، إلا أن مشروعي الفني في مجمله يتركز محوره الأساسي حول مدينتي، مدينة القاهرة، وأعمالي الفنية تعتمد على جمع المعلومات من مصادر مختلفة بشكل عام، وإعادة تشكيلها لفتح طرق مختلفة لقراءة حوادث معينة ثابتة في الوعي العام بشكل واحد. أنا متأثرة بشكل كبير بمفهوم "التاريخ من أسفل" أو "تاريخ الناس" أو "التاريخ الشعبي"، كلها مسميات لنفس المفهوم القائم على استقاء، وكتابة، ومراجعة التاريخ من مصادر تغفلها عادة المصادر الرسمية، هذا المفهوم الذي يعتمد على وجهة النظر التي تقول إن هناك قراءة أكثر صدقاً للسياقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية تكمن في الحياة اليومية للأفراد، والإفرازات التي تخلفها وراءها. إن "فوتو مصر" كمشروع كان نتاجاً طبيعياً لهذا الفهم.

✦ مِمّ يتكون المشروع الخاص بك؟ وما مصادر تمويله؟

مشروع "فوتو مصر" هو في الأساس أرشيف شخصي يضم ما يزيد عن خمسة آلاف صورة الآن، وكلها تمت رقمنتها، وهي ما أشارك به متابعي صفحة المشروع علي "الفيسبوك"، ولكن المشروع معني أساساً بالحفاظ على أكبر قدر ممكن من الصور في هيئة مرقمنة، ولفت انتباه الجمهور من خلال صفحة الفيسبوك، ومن خلال مقالات مكتوبة، ومحاضرات مصورة، وأيضاً من خلال إصدارات المشروع ليحافظوا على صورهم الخاصة، وليس هناك أي تمويل خارجي للمشروع فهو مشروع خاص بالكامل، وعوائده المحدودة تأتي من بيع الإصدارات.

 كيف يتفاعل الجمهور وأصحاب الاستوديوهات مع مشروعك؟

يتراوح تفاعل الجمهور بين من تثير فيهم الصور القديمة مشاعر الحنين للماضي، ومن يجدون فيها مصادر معلومات في مختلف المجالات المعنيين بها مثل العمارة، والتنمية العمرانية، وتاريخ الأزياء والحلي.. إلخ.

✦ ما أهم مصادرك للحصول على الصور والوثائق؟

مصادري في الأساس تنحصر في تجارة الأشياء القديمة والمستندات، وبائعي "الروبابيكيا"، وأحياناً يتبرع للمشروع بعض الكرماء بمجموعاتهم الخاصة لثقتهم أنها ستلقى منا عناية واحتراماً.

 هل يمتلك الغرب صوراً ووثائق عن تاريخنا أكثر مما نمتلك؟

بالطبع، وللأسف تم تبديد الكثير من المواد الأرشيفية المصرية بسبب الإهمال والفساد.

✦ من خلال الصورة كيف رصدتِ ملامح المجتمع المصري وتطوره؟

الإجابة على هذا السؤال يمكن أن تكتب فيها رسالة دكتوراة يا أستاذي، فمنذ أن بدأت التنقيب في تاريخ التصوير منذ بدايات الفوتوغرافيا في مصر في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وأنا أستخدم الصور كمفاتيح بصرية، حيث أستدل منها على التطور في التقنيات العلمية، والاعتبارات الجمالية في تنسيق الصورة، وأساليب المصورين، والتغير في طبيعة العلاقة بين المصور، وموضوع الصورة الماثل أمامه، وأيضاً المناسبات المختلفة للتصوير، وأستمد من كل ذلك دلالات على التغير في الأنماط الاجتماعية المختلفة مثل تكوين العائلات والعلاقة بين الجنسين في محافظات مصر المختلفة عبر تاريخ الصورة الفوتوغرافية.

 ما أطرف أنواع الصور التي اطلعت عليها من خلال مشروعك؟

من أطرف أنواع الصور التي اكتشفتها وقدمتها من خلال المشروع، مجموعة من الصور يرتدي أصحابها ملابس غير ملابسهم أو ملابس الجنس الآخر كنوع من الطرافة في الصورة، وهو نوع من الصور انتشر كثيراً خلال العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي، وكانت النساء أحياناً يرتدين ملابس الرجال في الصور.

✦ ما الذي نحتاجه لصيانة تراثنا والاستفادة منه؟

الأرشيف بما يشمله من صور ووثائق وغيرها كمكوّن هام من مكونات التراث يمثل ملكية عامة، وهو مثل معظم الأشياء في بلادنا يعاني من الإهمال، والنهب، والتبديد. لكنه بالإضافة لكونه ملكية عامة، فهو أيضاً مسؤولية عامة، مسؤولية إتاحة التعددية التاريخية للأجيال القادمة، وهو يمثل شراكة عامة بين كل الأفراد، كل في مكانه حسب مقدرته، والمحافظة على هذا الأرشيف لن تتحقق إلا باستخدامه وإتاحته للباحثين.
 

 ما أهم الإنجازات التي حققها مشروعك، وبماذا تحلمين له؟

من أهم الإنجازات التي حققها مشروع "فوتو مصر" إصدار كتابين مصورين بالتعاون مع إحدى دور النشر، الأول صدر سنة 2015 بعنوان "صور الأفراح"، أما الثاني فقد صدر سنة 2017 بعنوان "على البحر"، وأنا أتمنى أن تساعدني الظروف لكي أستكمل طباعة بقية الألبومات التي يضمها مشروعي، والتي عند الانتهاء منها سيصل عدد ألبومات المجموعة الكاملة إلى 12 ألبوماً، كما أحلم أن تنتشر بشكل فعلي فكرة الحفاظ على الصور في كل بيت في مصر والوطن العربي باعتبارها تمثل ذاكرة للواقع الاجتماعي وللتراث الثقافي المادي.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها