الكنز الدفين

سعيد اتليلي


كان علاء الدين يمشي بخطى متثاقلة وسط مكان موحش لا يعرفه. لا بُدّ أنه قد تاه في تلك الأنحاء المقفرة. لم ينتبه إلى الطريق التي سلكها، فقد كان منشغلاً بهموم حياته اليومية التي لا تنتهي مشاكلها. دخل منطقة مليئة بالصخور فلاح له شيء يلمع بينها. اقترب من مصدر اللمعان بخطى حثيثة. كان شيئاً معدنياً محصوراً في صخرة. لا يبرز منه إلا جزء مقعر أصفر. فكر علاء الدين "لا بد أنه كنز دفين في هذا المكان الخالي". شرع يهشم ذلك الصخر ويحاول إخراج كنزه المزعوم.

بدا له وهو يفعل ذلك لساعات أن الشيء المعدني أشبه بقنديل زيتي قديم. عندما أخرجه تماماً من الصخرة تبين له أنه ربما يكون واحداً من تلك القناديل التي تحدثت عنها الحكايات والأساطير وأنه ربما يكون سحرياً. تحمس كثيراً لتلك الفكرة التي ربما قد تجعله من أغنى أغنياء البلاد. وضع القنديل أمامه على صخرة وصار يتأمله. كانت به نقوش غريبة لم يجرؤ على نفض الغبار عنها، أو حتى محاولة قراءة الكتابات التي تزركشها. فكر: "إن كان الأمر فعلاً كذلك، كيف سيبدو الجني الذي سيخرج لي من القنديل ليلبي ما أطلبه؟" تردد كثيراً قبل أن يقوم بأي حركة، فلطالما قد سمع عن الجن حبيسي القماقم بأمر من سليمان النبي عليه السلام. فعلاء الدين يعي ربما أن الله كان قد سخر لنبيه الإنس والجن والحيوان والطير، وجعلهم تحت تصرفه طيلة الفترة التي دامت فيها رسالته. إنهم أولئك الجن الذين عصوا أوامره وهم لن يتوانوا لحظة عن تحقيق رغبات مخلصهم من الأسر ولو بعد قرون. "وما أدراه أن الجني لن يفتك به بعد تخليصه من ذلك القنديل؟" ربما لا يعلم علاء الدين إن كان الجن يدرك أن زمان النبي سليمان عليه السلام قد ولى منذ قرون؛ لأنه في تلك الحالة سوف يفتك به دون شك ودون حسيب ولا رقيب.

قرر الرجل فرك القنديل رغم الخطر المحدق به. فركه مطولاً، ثم أزال الغبار الملتصق به من أثر السنين بل اضطر إلى استعمال ثيابه ليجعل القنديل يلمع. لم يحدث شيء حينها لكنه بدأ يحس بعد ذلك بشيء يتحرك، ويقترب صداه إلى أن صار كزلزال انبثق معه غبار كثيف أصبحت معه الرؤية مستحيلة. ثم بدأت الأرض تهدأ وبدأ الغبار ينقشع شيئاً فشيئاً. رأى علاء الدين أمامه هيئة مخلوق ما لكنه لم يتبين جيداً ملامحه، وقد سمعه يقول: "سيدي". ها قد تحقق جزء مما تمناه علاء الدين وهو عدم فتك الجني به، فتلقيبه له بـ"سيدي" دليل على أن الجني مستعد لخدمته. أعاد الجني كلامه: "سيدي". انقشع الغبار تماماً فلم يصدق علاء الدين ما رأت عيناه. كان أمامه كائن أخضر ينظر إليه بعينين واسعتين. أعاد الكائن قائلاً: "سيدي؟ هل أنت بخير"؟ تفاجأ علاء الدين بما سمع، فقد كان كلام الجني ككلام البشر، ثم تأكد من ذلك عندما رأى خلفه. خاب أمله في أمانيه فلم يكن الجني فعلا جنياً، بل كان بشراً يرتدي بدلة خضراء. قال لعلاء الدين: "لقد رأيتك من بعيد تسير وحدك في هذه القفار فأوقفت شاحنتي. عذراً على الغبار ففرامل شاحنتي بحاجة إلى تصليح. هل أقلك يا سيدي"؟

فَرح علاء الدين بقدر ما حزن على ضياع ثروته المستقبلية، فهو على الأقل قد ضمن توصيلة له من وسط التيه الذي وقع فيه!!

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها