تعتبر الأعمال الدرامية، سواءً كانت مسلسلات تلفزيونية أو أفلاماً سينمائية، من أكثر وسائل الترفيه شيوعاً بين المراهقين، حيث تقدم هذه الأعمال عالماً افتراضياً مليئاً بالتشويق والإثارة، وتتيح للمتابعين الفرصة للهروب من ضغوطات الحياة الواقعية، والتعبير عن مشاعرهم وأفكارهم.
وإلى جانب فوائدها الترفيهية الكثيرة التي لا يختلف عليها اثنان، تخفي الأعمال الدرامية بعض المخاطر التي قد تؤثر سلباً على الشباب، خاصة المراهقين منهم.
وقد لا يدرك البعض أن تأثيرات الأعمال الدرامية على المراهقين تتخطى الجوانب الإيجابية لتصبح سلبية لأبعد حد، ما يستوجب على أولياء الأمور إدراك أين تضر الأعمال، وكيفية التخفيف من مخاطرها، والاستفادة قدر الإمكان من فوائدها.

التأثيرات الإيجابية للدراما:
تقدم الأعمال الدرامية للمراهقين معلومات عن مختلف الثقافات والحضارات، مما يساعدهم على توسيع مداركهم وفهم العالم من حولهم، كما تفيد كثيراً في تنمية مهارات التفكير النقدي، باعتبار بعض الأعمال الدرامية تشجع المراهقين على التفكير النقدي وتحليل المواقف والأحداث، ما يساعدهم أكثر في تكوين آرائهم الخاصة واتخاذ قرارات صائبة.
ومن جهة أخرى، تعزز الأعمال الدرامية مسألة التعاطف، فهي التي تساعد المراهقين على فهم مشاعر الآخرين والتعرف على تجاربهم، لتعزز بالتالي مهارات التعاطف لديهم، إضافة إلى التأثير على السلوك، فقد تؤثر بعض الأعمال الدرامية على سلوك المراهقين، خاصة إذا كانت تقدم نماذج سلوكية سلبية أو عنيفة.
كما أن متابعة الدراما تساهم كثيرا في تكوين الهوية، لأن الأعمال الدرامية تساعد المراهقين على تكوين هويتهم الخاصة من خلال التعرف على شخصيات تشبههم أو تلهمهم، وتتيح لهم أيضاً فرصة للتعبير عن مشاعرهم وأفكارهم، والتخلص من التوتر والقلق بشكل أو بآخر.
وعلى صعيد المجتمع، تعمل الأعمال الدرامية على تعزيز الترابط الاجتماعي، وقد تساعد المراهقين على تعزيز روابطهم الاجتماعية، من خلال مشاركة اهتماماتهم مع أصدقائهم وعائلاتهم، علاوة على دورها في تشجيعهم على مناقشة القضايا الاجتماعية، فبعض الأعمال الدرامية تثير قضايا اجتماعية مهمة، مما قد يشجع المراهقين على مناقشة هذه القضايا مع أقرانهم.
ومن الفوائد المهمة جداً للأعمال الدرامية، أنها ترفع مستوى التوعية بالمخاطر المحيطة بالمراهقين، وتعمل على توعيتهم بالمخاطر التي قد يواجهونها في الحياة، مثل المخدرات أو العنف أو الفساد بشكل عام.
فوائد الدراما لا تحصى، فهي تساعد المراهقين على الشعور بالانتماء إلى مجموعة من الناس تشاركهم اهتماماتهم، وتدعمهم للتخلص من التوتر من خلال إتاحتها فرصة للهروب من ضغوطات الحياة الواقعية والتخلص من التوتر والقلق، لتعزز الشعور بالسعادة والفرح، خاصة إذا كانت الأعمال الدرامية تقدم محتوى كوميدياً أو مسلياً.

سلبيات الدراما:
بعد الحديث عن الإيجابيات التي تتمتع بها الأعمال الدرامية، ودورها الهام في بناء الفرد والمجتمع، لا بد من استعراض أبرز الجوانب السلبية التي تجعل منها أداة تشوه المجتمع، وتحطم قيمه الأخلاقية والفكرية والسلوكية.
وأكثر ما لفت الأنظار في السنوات القليلة الماضية، وأثار الجدل الكبير، مسألة عدم مراعاة حياء المتابع، وظهور الممثلات بلباس خادش للحياء، وهو ما كان يعتبر أمراً ممنوعاً في الدراما القديمة، فبتنا الآن أمام مجموعة من الأعمال الدرامية التي لا يجب على المراهقين متابعتها، حفاظاً على تربيتهم وأخلاقهم.
كما أصبحت الجهات المنتجة تعمل على الإكثار من الاستعراض والإثارة كي يحقق العمل أكبر كم ممكن من المشاهدات، خاصة وأن عدد المتابعين أصبح على الصعيد الاقتصادي أكثر أهميةً من القيمة الفكرية والاجتماعية للعمل.
من جهة أخرى، أصبح التدخين وتعاطي المخدرات أمراً شائعاً في جميع الأعمال الاجتماعية وغيرها، في الدراما العربية والعالمية أيضاً، ما تسبب بارتفاع كبير في أعداد المدخنين والمتعاطين بين المراهقين ومن الأعمار المختلفة، خلال السنوات القليلة الماضية.
ومن الواضح لأي متابع أن الشخصيات الشريرة في الأعمال الدرامية، يسند تجسيدها إلى فنانين مشهورين لهم جمهورهم الكبير وشعبيتهم الجارفة، وهو ما يجعل المتابع يركز على الشخصية ويتابع أدق التفاصيل المتعلقة بها، ليحقق العمل بالتالي نجاحاً باهراً بغض النظر عن الضرر الكبير الذي يلحقه الأمر بالمجتمع وأفراده.
والمسألة الأكثر سوءاً لدى المنتجين، إغفال مسألة التقمص، والتي يقوم من خلالها الشبان اليافعون بتقمص الشخصيات ومحاولة تقليدها والتصرف مثلها تماماً، وهو أمر طبيعي ويدخل في صميم تكوين الشخصية.
ومن يتابع الأعمال الدرامية العربية في الفترة الأخيرة، يرى الفروقات الواضحة بين حياة الأخيار وحياة الأشرار، فالإنسان الطيب الخلوق والفتاة المهذبة يعيشون حياة بائسة فقيرة ذليلة، أما الفاسد والمتمرد واللص، والفتاة سيئة الأخلاق، يظهرون بمظاهر الرخاء والجمال والترفيه، لتتعزز صورتهم في أذهان المراهقين، ويتمنون أن يعيشون حياة شبيهة بحياتهم.
وهناك الكثير أيضاً من السلبيات التي تحملها الأعمال الدرامية الحديثة، والتي وصلت بعدد ليس بالصغير من المتابعين إلى مرحلة الإدمان على المخدرات والاغتصاب وتشكيل العصابات والقتل والسرقة، وحتى الانتحار في بعض الأحيان.
ولا نبالغ إذا اعتبرنا الدراما أبرز موجه للمراهقين في الفترة الحالية، خاصة مع سهولة الوصول إليها عبر الهواتف الذكية، والعدد الكبير من الأعمال التي ينتجها قطاع الدراما في كل عام، حيث أصبحت تسبق المدرسة والأسرة في بناء الفرد وتكوين شخصيته، وما إلى ذلك من انعكاسات على المجتمع ككل.

نصائح ذهبية للمراهقين:
وفي الختام، لا بد من توجيه عدد من النصائح للمشاهدين بشكل عام، وللمراهقين على وجه الخصوص، كي تكون الدراما خير معين لهم في الحياة، بدلا من أن تكون خطراً يحدق بهم في كل لحظة.
فمن المهم للغاية اختيار الأعمال الدرامية المناسبة، حيث يتوجب على المراهقين اختيار المسلسلات والنصوص التي تناسب أعمارهم وثقافتهم، وتقدم محتوىً إيجابياً وهادفاً بعيداً عن الابتذال والاستهلاك.
كما ينصح بمشاهدة الأعمال الدرامية باعتدال، وتجنب الوصول إلى مرحلة الإدمان، ومن الضروري للمراهقين تحديد وقت معين لمشاهدة الأعمال الدرامية، والابتعاد عن الشاشات في بقية الوقت، كي تصبح المشاهدة دافعاً جيداً في باقي ساعات اليوم.
إضافةً إلى أهمية مناقشة الأعمال الدرامية مع العائلة والأصدقاء، حيث يساعد الجميع أصدقاءهم وأقاربهم في عملية الفهم الصحيح للنصوص، والتوصل إلى الرسالة السامية التي تحملها الأعمال إن أحسن المشاهد اختيارها.