عَينُ النَّقدِ لـ د. صلاح فضل

مقاطعٌ من سيرة فكرية

ناديا عمر



 

في كتابه "عين النقد" تناول النّاقد د. صلاح فضل مقاطعَ شيِّقةً من سيرته الذَّاتية، روى من خلالها أهم المحطات وأبرزها في مسيرته الأدبية، وجهوده الثقافية في المجتمع، وقسّمه إلى ثلاثة فصول رئيسة هي: عشق التميز، مقاطع من سيرة فكرية، أبناء وبنات الأفكار، واندرج تحتها أبواب عديدة، تحدّث من خلالها عن تجربته الشخصية، بدايةً من طفولته يتيم الأب، وحياته في كنف جده الأزهري في الريف، والتحاقه بالكتّاب وحفظ القرآن الكريم والتعليم الأزهري، ثم استمتاعه بقراءة مجلة رسالة للزّيات، ومقالات الرافعي وطه حسين، وزكي مبارك والمازني، واطلع على مواد القانون أثناء دراسة عمه الحقوقي، وقال إنه دخل بوابة العصر الحديث بعد أن أعادت الحقوق صياغة عقله بالنظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والوعي بمراحل تطور الحضارة الإنسانية، كما تكفّلت قراءاته بالانفتاح على الحيوات الفنية الإبداعية في السينما والمسرح والشعر والفنون التشكيلية، إضافةً إلى حضوره اللاهث على الندوات والمحاضرات العامة بالقاهرة، نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات.
 

بعدها التحق بكلية دار العلوم لتبدأ المرحلة الجامعية؛ لينمو معها الوعي النقدي في كل نواحي الحياة: السياسة والاجتماع والأدب والإبداع، وذكر تأثره الشديد بناقديْنِ رسما له حدود الرسالة التي يؤمن بها هما: أستاذه المباشر محمد غنيمي هلال والناقد محمد مندور.

وأضاف: إنه حصل على منحة دراسية لإسبانيا؛ ليعيّن بعد عامين بموقع أكاديمي في الكلية كأستاذ مساعد لتدريس الأدب العربي وترجمته، لاحظ بعدها نشاط حركة الترجمة إلى الإسبانية من كل اللغات الحية، فكانت سبباً ليتعرف بها على البنيوية والسيميولوجية، والتفكيكية والجمالية في النقد، قبل أن تشيع في اللغات الإنجليزية والألمانية كمثال، وتحدث عن تجربته في التأهيل الحقيقي لتلقي دعوة البنيوية، وكان ذلك عند عمله مضطراً كعميد في قسم اللغويات بدار العلوم قبل البعثة، وتفحصه الدقيق لأهم المصادر العربية والمترجمة خلال إعداده لرسالة الماجستير التي لم يكملها عن الرسالة الشعرية، وهذا الشيء ساعده على فهم محاضرات أساتذة الأسلوبية في جامعة مدريد، والتدريب على تقنيات التشكيل والتعبير الشعري، فأصبح أكثر قابلية لاستيعاب نظرية "دي سوسير"، ومدرسة "براغ"، والتلهف على قراءة أبحاث جاكوبسون في الشعرية الألسنية، ومن ثم اطلاعه على أعمال "بياجيه" في علم نفس الطفل، و"ليفي ستراوس" في الأنثروبولوجيا، و"ميشال فوكو" في الاجتماع، و"لوسيان جولدمان" الذي انبهر المؤلف بنظريته التوليدية، واقتضى الأمر عِقداً كاملاً من البحث والكتابة والمحو؛ ليستطيع ترويض نمرة البنيوية على حد تعبيره.

وبعدها توجّه إلى المكسيك في بعثة جديدة، وقال: إن من يريد أن يشهد تجاور الثقافات والأعراق وتحاورها وثقافتها فليذهب إلى أمريكا اللاتينية، أو المكسيك بصفة خاصة، وتحدّث عن العديد من المواقف التي عاشها في المكسيك، ومنها تقديمه كلمة ترحيبية باسم الجالية المصرية لمؤتمر المرأة العالمي بحضور السيدة جيهان السادات، ولقاؤه مع إحسان عبد القدّوس الذي وصفه قائلاً: كان إحسان يمتلك قدرة فذّة على أن يأسرك بجاذبية حديثه الوديع الهادئ، وبتلقائيته الصادقة في البوح والتواصل، والأهم من ذلك قدرته على الإصغاء لمحدثه، وتمثّل ما يقوله باستيعاب كامل، وتوظيفه بعد ذلك في كتاباته.

وأضاف: لعل أبرز ما يربط الثقافة العربية بأدب أمريكا اللاتينية وواقعيتها الغرائبية "أن بها مساً عربياً أصيلاً تمثّل في تراث الأندلسيات المحفور في أصلاب ثقافتها الإسبانية من جهة، وعرقاً نابضاً جديداً انتقل إليها مع الهجرات الشامية المكثفة في القرن الماضي من جهة أخرى، مما ألّف قوساً حضارياً من التشاكل والتماهي بيننا، وبين إبداعهم الممتع الجسور على حد قوله.

وذكر المؤلف أنه ناقش رسالة الدكتوراه لكتابين متزامنين، أحدهما عن منهج الواقعية في الإبداع الأدبي، والثاني وهو نظرية البنائية في النقد الأدبي.

وأضاف: إن باكورة أعماله كتاب "نظرية البنائية" الذي كتبه عام 1977م، وهو كتاب الفورة الأولى للبحث العلمي الشاق، والطموح المنهجي، للقبض على رقبة التطورات المتلاحقة للفكر النقدي في عالمنا المعاصر على حد تعبيره.

وكتابه هذا انقسم إلى جزأين:
◅ أولهما: مداخل لأصول النظرية في مدرسة سوسيير، وميراث الشكلية الروسية، وحلقة براغ اللغوية، وعلم اللغة الحديث، وعرض لقوام النظرية لتوضيح مفهوم البنية وتطبيقاتها في العلوم الإنسانية، فضلاً عن مشكلة البنية والتاريخ.
◅ وثانيهما: القسم الخاص بالأدب والنقد، تحدّث فيه عن البنية الأدبية ومستويات التحليل، وشروط النقد ولغة الشعر وتشريح النص، والنظم السيميولوجية التي بشرت بها نظرية البنائية (البنيوية).

إلى ذلك فقد أشار إلى أن ما يدعوه إلى ممارسة لعبة نقد الذات، هو نوع من القلق المشروع تجاه التغيرات المتسارعة في نسق الحياة اليومية، إذ نشهد نقلة نوعية من الثقافة الأدبية التي ظلّت مسيطرة طيلة قرون عديدة، إلى ثقافة جديدة بصرية ورقمية ذات طابع معلوماتي معولم، مما يعني أن تغيراً كبيراً في الحساسية الجمالية قد حصل.

وبعد عودته لمصر قال د. فضل: إن الفرصة أتيحت له في أوائل الثمانينيات للمشاركة في تجرِبة نقدية فاصلة، هي تأسيس مجلة فصول، مع رفيق دربه: عز الدين إسماعيل وجابر عصفور، برعاية الشاعر صلاح عبد الصبور، وإعلان مولد الحركة النقدية الجديدة في الوطن العربي، والتي أصبحت أهم المنابر الفكرية الرصينة لحركة النقد الطليعي، بل تحوّلت إلى مدرسة فكرية امتد أثرها إلى أطراف الوطن العربي، صنعت نخبتها وأفسحت المجال لبروز أسماء جديدة، وتكريس مكانة الرواد الأوائل الذين أسسوا نمطها الصعب الجميل على حد قوله.

وكان قد شارك في الكتابة لفصول كل من عبدالسلام المسدّي من تونس، وكمال أبو ديب من سوريا، ومحمد برّادة من المغرب.

ختاماً؛ د. صلاح فضل هو أستاذ في الأدب النقدي والأدب المقارن بكلية الآداب بجامعة عين شمس منذ عام 1979، وعضو المجلس الأعلى للثقافة بمصر، وأحد مؤسسي الجمعية المصرية للنقد الأدبي ورئيساً لها، لديه العديد من المؤلفات منها:
"نظرية البنائية في النقد الأدبي"، و"علم الأسلوب: مبادئه وإجراءاته"، و"ظواهر المسرح الإسباني"، وشعرية السرد وغيرها.
◅ ومن الترجمات:
"القصة المزدوجة" للدكتور بالمي، تأليف بويرو باييخو، "الحياة حلم" لكالديرون دي لاباركا، "أسطورة دون كيشوت" تأليف بويرو باييخو، و"نجمة إشبيلية" تأليف لوبي دي فيجا وغيرها.
◅ كما نال عدة جوائز كجائزة الدولة التقديرية في الآداب، وجائزة البابطين للإبداع في نقد الشعر.



التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها