فنون الترفيه الشعبية

صراع البقاء والانقراض

أسامة الفرماوي


في محاولة للمحاكاة سعى الإنسان منذ أن بدأ يدرك إلى إنتاج وإعادة إنتاج حياته مرات عدة، في محاولة منه للوصول إلى الأفضل، وهو لا يصل إليه أبداً بحكم الطموح والطمع الذي يغلف كيانه. وتسعى الشعوب إلى تسجيل ما تفخر به، ولحظات الانتصار والانكسار في أشكالٍ شتّى: ملاحم، أشعار، قصص شعبية، وعروض الفرجة الشعبية.


والمسرح: "فن شامل كامل يحوي بين جوانبه المتعددة ألواناً شتّى من المهارات الفنية، والقدرات المهنية، والمواهب الأدبية، فهو -أي المسرح- مرآة عاكسة تحكي في صدقٍ وجرأة قصص الشعوب في مختلف الأجيال"1، فإذا أردت أن تعرف أصل شعب من الشعوب وكيانه، واتجاهاته، وميوله، وطموحاته وجب عليك دراسة المسرح عند هذا الشعب، أو فُرجَتَهِ الشعبية التي تنبع من أفراده بتلقائية شديدة ودون تكلف.

ويرتبط المسرح بالشعب ارتباطاً كبيراً فلا بُد من وجود نص، ومؤدّ (مجموعة) كأدوات لتوصيل مفهوم هذا النص، وجمهور متذوق لهذا النص. وهذا العنصر هو الذي يعطي قيمة للنص والمجموعة أو يُعَرِّض بهما.

ولا يتقيد العمل الفولكلوري بالأصول العلمية المستقرة في علوم الدراما، بل بالتلقائية، مجهولية المؤلف، أو أن يكون النص منسوباً إلى مؤلف لسنا واثقين من أنه صاحبه، وأماكن عرضه: المقاهي أو السمر، أو أي مكان يصلح للعرض2.

ومما لا شك فيه أن الإرهاصات الأولى للمسرح الشعبي تتمثل في العروض الطقوسية التي كانت تقدم داخل المعابد وخارجها. وقد سجل الرحالة الدانمركي كارستن نيبور3 ملاحظاته عن بعض أنواع الفنون الشعبية ومنها: فرق الغوازي وهي: فرق شعبية تتكون من نسوة ينتمين إلى الغجر، يعملن نظير أجر بمصاحبة الموسيقى في الشوارع والميادين العامة. وفن القراقوز (الأراجوز): ويؤدى تمثيل هذا اللون بواسطة دمى من الخشب يتم تحريكها بواسطة اليد، ويصاحب حركتها حوار منغم. ويعد هذا النوع فناً مرتجلاً يهدف إلى إلقاء الضوء على حدث، أو أحداث معينة وإبراز السلبيات لمعالجتها.

يعد الفنان محمود شكوكو أشهر من ارتبط اسمهم بهذا الفن. وفن الحاوي والقرداتي: من الفنون التي كانت متواجدة ومنتشرة، ولكن دورها قد انحسر الآن داخل جدران السيرك وفي الموالد الشعبية المصرية. وفن خيال الظل: الذي يعتبر قنطرة بين المسرح والسينما كما قال أحمد رشدي صالح. وقد كانت شخصياته تصنع من جلود الحمير والبقر في الغالب، وكان المخايل يثقب ثقوباً في مفاصل هذه الشخوص (الشخصيات) ليغرس فيها أسنان العِصِي ويحركها بها. ويجمع هذا الفن بين تحريك الدمى والتمثيل البشري، وكان المخايل ومساعدوه يقلدون الأصوات الرجالية، والنسائية، والحيوانية. ويعتبر بن دانيال الموصلي (1248م - 1311م) أشهر من قدم هذا اللون من الفنون. وكان عرض "البَابَاتْ" المنسوبة له يستغرق بين ثلاث وأربع ليال.

هل انقرض مسرحنا الشعبي؟

تكتسب الفنون الشعبية أهميتها من التفاف الناس حولها؛ إذ إن لها دوراً بارزاً في تشكيل وعي الناس بمشاكلهم وقضاياهم. وفي ظل ثورة تكنولوجية ومعلوماتية هائلة -في كافة مجالات الحياة- يبرز سؤال في غاية الأهمية: هل انقرض مسرحنا الشعبي؟ هل فنوننا الشعبية في طريقها إلى الانقراض؟ والحقيقة أن الفنون الشعبية -لأي شعب- لا تنقرض؛ لأن الشعب يطوِّرُ فُنُونَهُ وأدواته بما يلائم طبيعة العصر الذي يحياه، بحيث تؤدي له وظيفة، وتشبعُ حاجته بما يجعله قادراً على مواجهة أعباء الحياة.

وللحفاظ على الهوية العربية، والإسلامية لا بُدّ من الاهتمام بالأطفال، وتقديم أعمال فنية شعبية خالصة لهم "أراجوز، خيال الظل، والشكل المتطور له وأعني به الرسوم المتحركة"، وابتكار شخصيات أثرت في تاريخنا كالخوارزمي، وابن الهيثم، وابن سينا، أحمد زويل... أو شخصيات تحمل معاني البطولة والتضحية والكرم كعنترة بن شداد، وخالد بن الوليد، وعقبة بن نافع، وحاتم الطائي... أو حتى شخصية مثل الشخصية الكارتونية (بكَّار) التي التف حولها الصغار والكبار، وللأسف الشديد ماتت هذه الشخصية بموت من ابتكرتها "د. منى أبو النصر"؛ فمشكلتنا في وطننا العربي الكبير: أنه ليس لدينا مشروع متكامل يُبْنَى عليه، بل هي مجرد اجتهادات فردية تنتهي بموت أصحابها، ومن يأتي يبدأ من جديد، وهَلُمَ جَرَّا.

لا بد إذن؛ أن نبدأ من حيث انتهى الآخرون ونكمِل، شريطة أن تكون هذه الأعمال نابعة من تراثنا الثقافي بما يحمل من قيم، وعادات وتقاليد أصيلة، وبث هذه الأعمال في صيغ (ميديا) عصرية عبر قنوات الاتصال الجماهيرية (تليفزيون، فضائيات، انترنت...)، وذلك لترسيخ قيم، وعادات وتقاليد، ينبغي لها أن تبقى في ذاكرة حاملي التراث؛ لنؤثر ثقافياً في الآخر، ولا نصبح مجرد وعاء يستقبل فقط ما يريده لنا الآخر.

                                            


الهوامش: 1. د. عبد المعطي شعراوي، المسرح المصري المعاصر أصله وبداياته (الألف كتاب الثاني)، الهيئة العامة للكتاب، 1986م، ص: 7.2. أحمد رشدي صالح، المسرح الشعبي، مجلة الفنون الشعبية، عدد 23، ص: 7.3. د. عبد المعطي شعراوي، مصدر سبق ذكره، ص: 40:46

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها