ألوّن الحُلم لأفهم الواقع!

خالد الأستاد.. بين الحقيقة والخيال

شيمازا فواز الزعل


خالد الأستاد فنان تشكيلي ومصوّر فوتوغرافي إماراتي بارز، استطاع أن يخلق لنفسه مساحة فريدة في عالم الفن. يمزج في أعماله بين الواقعية والحلم، ليقدم لوحات تحمل بعداً إنسانيًا ورسائل توعوية، مما أكسبه تقدير الجمهور والنقاد على المستويين المحلي والعالمي.

 

النشأة والإلهام

ورث خالد الأستاد عشق الفن من والده الفنان التشكيلي المعروف محمد الأستاد، الذي يعد من أبرز روّاد الحركة التشكيلية في الإمارات. منذ طفولته كان يجلس إلى جوار والده يراقب حركة أنامله على اللوحة، وكيف تمتزج الألوان لتولد منها عوالم من الجمال والإبداع. من تلك اللحظات الأولى، تفتّح وعيه الفني وبزغ شغفه، ليصبح اليوم من الأسماء البارزة في مجال الفن التشكيلي والتصوير الفوتوغرافي في الدولة.

تحدّث خالد عن بداياته الفنيّة قائلاً: كبرتُ في مدينة خورفكان، تلك المدينة التي ألهمتني بجمالها الطبيعي وسحر بحرها وجبالها. كنتُ مفتنوناً بتفاصيل الطبيعة منذ الصغر، فأخذت أبحث عن منافذ للتعبير عن رؤيتي الجمالية.

درس الهندسة ليوازن بين العقل والعاطفة، بين الدقة التقنية والحس الفني، ووجد في الجمع بينهما مساحة خصبة للإبداع. ويعتبر أن التلاقي بين العلم والفن منحه منظوراً فريداً في صياغة أعماله، إذْ يوظّف حسّه الهندسي في التكوين، وينسج في لوحاته روحاً شاعرية مُفْعمة بالخيال والرمز.

مزج الحلم والواقع

وحول سرّ المزج بين الواقعية والسريالية، يوضح الأستاذ: أميل في تجربتي التشكيلية إلى الأسلوب السريالي، مؤمناً بأنّ الخط الفاصل بين الواقع والخيال غير واضح كما نتصوّر. فالحلم والواقع يتقاطعان باستمرار، والفن هو تلك المساحة التي يلتقيان فيها. تعبّر أعماله عن المشاعر الخفيّة والتصورات اللّاواعية، وتدعو المتلقي إلى التأمل والتفاعل مع اللوحة كما لو كانت مرآة لداخله.

ويضيف: الفن بالنسبة لي ليس مجرد مهنة أو هواية، بل وسيلة لفهم العالم وإعادة صياغته من منظور شخصي عميق. بهذا النهج، يصبح كل عمل فني رحلة استكشافية داخل النفس البشرية، ووسيلة لإعادة ترتيب الأفكار والمشاعر في سياق بصري غنيّ.

جماليات الكائنات والطبيعة

وعن اهتمامه بالتصوير الفوتوغرافي للطبيعة؛ فقد برع خالد الأستاذ في مجال التصوير الفوتوغرافي للحياة البريّة، حيث يعكس اهتمامه بالطبيعة وتفاصيلها الدقيقة. أقام معرضه الفردي الأول بعنوان "جيراننا الصغار"، الذي خصّصه لتصوير الكائنات الصغيرة في بيئة الإمارات من طيور وزواحف وحشرات ومفصليات. تم عرض أعماله في الإمارات وسويسرا ضمن معرض مخصص للاستدامة البيئية. حيث وثّق أكثر من 700 نوع من الكائنات، وبعضها تم تسجيله لأول مرة في منطقة الخليج العربي.

يرى الأستاد أن التصوير الفني للحياة البرية ليس فقط توثيقاً جمالياً؛ إنما رسالة بيئية مهمة، تذكّرنا بمسؤوليتنا تجاه كوكبنا. كما يعتبر معرضه دعوة مفتوحة للتعاون بين الفنانين والعلماء، مؤكداً أن الفن يمكن أن يكون جسراً للتواصل بين الشعوب، وأداة مؤثرة في رفع الوعي البيئي.

التراث المحلي كمصدر للإلهام

يستمدّ خالد جزءاً كبيراً من إلهامه من التراث الإماراتي الأصيل، الذي يراه غنياً بالعناصر البصرية والرمزية. فهو يسعى إلى دمج الأصالة بالمعاصرة ليقدّم أعمالاً تحمل بصمة إماراتية واضحة، وفي الوقت ذاته قادرة على الوصول إلى الجمهور العالمي.

يؤمن الأستاذ بأنّ التراث ليس مجرد ماضٍ نحتفي به، بل نهرٍ متجدّد يمدّ الحاضر بالحكايات والألوان والرموز. ومن خلال لوحاته، يترجم هذا التراث في صياغة حديثة تعبّر عن الهُوية الإماراتية بروح معاصرة، فيصبح الماضي والحاضر جناحين يحلّق بهما نحو رؤية فنيّة مستقبلية.

تأثره بفنانين عالميين

حول تجربته السريالية، يعترف خالد بتأثره العميق بعدد من الفنانين العالميين مثل سلفادور دالي ورينيه ماغزيت، اللذيْن ألهماه كيفية تحدي الواقع وتوسيع حدود الخيال. كما يعجب بالمصور الأمريكي أنسل آدامز، الذي أتقن الموازنة بين التقنية والرؤية الفنية في تصوير الطبيعة.

من هؤلاء الفنانين تعلّم خالد أن الفن رحلة بحث دائمة، وأن الجمال يكمن في التفاصيل غير المرئية، في اللحظات العابرة التي قد لا يلاحظها سواه. هذه الرؤية جعلت أعماله غنيّة بالرمزية والبعد الإنساني، بينما تظلّ جذورها واقعية ومرتبطة بالبيئة المحلية.

مشاركات وجوائز

نال خالد عدة جوائز من بينها: جائزة البينالي الدولي لفن التصوير FIAP النمسا- مجال الطبيعة في عام 2013، كما مثّل الإمارات في الملتقى الشبابي الخليجي في عام 2013، وشارك كمصور فوتوغرافي في الملتقى السعودي الإماراتي في عام 2014. هذه المشاركات منحته خبرة واسعة وفتحت أمامه آفاقاً جديدة للتبادل الثقافي والإبداعي. كما ساعدته على تعزيز قدراته في مزج الرؤية الفنية بالتقنيات الحديثة، مما أضاف بعداً متقدماً لأعماله، ورفع من قيمتها على المستويين المحلي والعالمي.

الفن رسالة ومسؤولية

يرى خالد أن الفنان الحقيقي لا يكتفي بنقل الجمال؛ إنما يكون صوتاً للوعي ووسيطاً بين الإنسان والبيئة، وبين الواقع والحلم. ويؤمن بأن للفن دوراً تربوياً وثقافياً لا يقلّ أهمية عن دوره الجمالي، ويعتقد أن على الفنان أن يكون جزءاً من الحوار الإنساني حول القضايا الكبرى، مثل البيئة، والهُوية، والسلام.

وقال: حين نرسم الوطن، نحن لا نرسم مكاناً فحسب، بل نرسم الذاكرة والروح وكل ما يشكّل هويتنا المشتركة.

فالأعمال الفنية التي تمسّ الوجدان تظلّ خالدة؛ لأنها تعبّر عن الإنسان في جوهره، وتترك أثراً يتجاوز اللحظة ليخاطب الأجيال القادمة.

الرؤية المستقبلية

أما عن طموحاته المستقبلية، أفاد الفنان خالد أنه يسعى إلى تطوير مشاريعه في مجال الفن البصري والوسائط المتعددة، وربطها بمفاهيم الاستدامة البيئية مؤمناً بأن الفنان اليوم يجب أن يكون صوتاً للوعي الإنساني والطبيعي.

كما يطمح إلى إنشاء مركز فني في خورفكان يحتضن المواهب الإماراتية الشابة، ويوفر لهم بيئة خصبة للتجريب والإبداع.

ويختتم رؤيته بالقول: "الفن هو لغة المستقبل، والجيل الجديد.. ويحتاج إلى منصات تعبّر عنه وتمنحه الثقة والمساحة الكافية للابتكار".

 

الفيديو ◂ Video  ©  Abu Dhabi TV 

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها