سعيد سالم.. مسرح الإبداع والصبر والإرادة

أحمد الماجد


صنْعته الفن.. ومجال اختصاصه المسرح.. ممثل لا يشق له غبار.. بحضوره الطاغي وأدائه الرشيق.. وبسلاسة الحوار الذي يجري على لسانه.. سعيد سالم.. المكنّى (بو ربيّع).. وفقاً لأكبر أبنائه.. شامل في حب رفاقه وزملائه.. متميز في وقفاته الإنسانية والفنية، ومتيم بحب مدينته ومجتمعه.

إن تجربة الفنان سعيد سالم تعود بداياتها إلى أكثر من ثلاثة عقود من الزمن، منذ سبعينيات القرن الفائت، منذ أيام المدرسة، ثم الأندية، وكذلك جمعيات الفنون الشعبية. وفي العام 1978 تحديداً نهض سعيد سالم بهاجس أرّقه، أخذ منه الوقت والجهد والعناء والكثير من التفكير، وهو إنشاء فرقة مسرحية تقيم حدود أبو الفنون في إمارة أم القيوين، كونها كانت في ذلك الوقت بلا فرقة مشهرة منضوية تحت لواء المسرح، فانطلق إلى الآفاق، يحمل حلمه الجميل في يد، واليد الأخرى كفاحه المستميت من أجل هذه الغاية التي سرعان ما رآها ماثلة أمامه واقعاً ملموساً على الأرض.

مزج الفنان "سعيد سالم" كل أشكال الفنون والأوجه المختلفة فيه، متنقلا في رحلته بين محطات الكوميديا والتراجيديا، ليكون بفنه مرآة للواقع الذي صوره عن طريق الفن، فكان صوت الإنسان بواسطة المسرح والإذاعة والتلفزيون، وكذلك السينما. فتكاثفت جهوده في تأسيس فرقة مسرحية، والعمل على ترسيخ دعائم نجاحها، كذلك هو عضو مؤسس في جمعية المسرحيين، وشارك في تجمع الفرق الأهلية في دول مجلس التعاون ومهرجاناتها، كما شارك في التظاهرات الفنية الخليجية، والمهرجانات المسرحية السنوية العربية من قرطاج إلى القاهرة إلى بغداد، وإلى دمشق وعمان ومسقط والدوحة.. وكان له تكريم وجوائز على أعماله الفنية هنا وهناك. كما توجت مسيرته الفنية الحافلة بالكثير من الإنجازات.

ومثل دولة الإمارات العربية المتحدة في مهرجان المغرب في مسرحية (مأساة أبي الفضل) لعام 1984. كذلك، مثل الفنان "سعيد سالم" دولة الإمارات العربية المتحدة في مهرجان قرطاج في تونس في مسرحية (غلط ×غلط) في العام 1985م. كما شارك في مهرجان المسرح العربي ببغداد 1988م. وشارك في دورة مهرجان مسرح دول مجلس التعاون للفرق الأهلية، الدورة الأولى في الكويت، ممثلا في مسرحية (حكاية لم تروها شهرزاد) في العام 1988م، كما مثل الإمارات في مهرجان المسرح التجريبي الأول في القاهرة 1988م. وشارك في دورة مهرجان دول مجلس التعاون للفرق الأهلية الدورة الثانية في قطر 1990م، ممثلا في مسرحية (عطس وفطس). بالإضافة إلى تمثيله للإمارات في مهرجان دول مجلس التعاون للفرق الأهلية في مسقط 1999م، وفي مهرجان الخرافي للإبداع المسرحي في الكويت 2007م، في مسرحية (مولاي يا مولاي)، وفي قرطاج بمسرحية (أشوفك) 2022، وغيرها.

ولأن مسيرته الفنية مسيرة مدعاة فخر واعتزاز له شخصياً وللمسرح الإماراتي كذلك، استحق "سعيد سالم" العديد من المناصب التي شغلها، وعلى مستويات متعددة على مر سنين الألق، ونلخص مسيرته المهنية بقليل من الأسطر كما يلي:
◅ مؤسس مسرح أم القيوين الوطني 1978م.
◅ رئيس مجلس إدارة مسرح أم القيوين الوطني حالياً ولعدة دورات سابقة.
◅ نائب رئيس مجلس إدارة جمعية المسرحيين لعدة دورات.
◅ عضو مجلس إدارة جمعية المسرحيين حالياً.

تألق سعيد وأبدع، وعانق مسرحه (مسرح أم القيوين الوطني) الجوائز بأنواعها في المهرجانات حتى أصبحت الفرقة من أهم الفرق المسرحية في الإمارات، والوحيدة التي صار لها صرح مسرحي شامخ، بمبادرة من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، حينما كرم سموه مسرح أم القيوين الوطني ببناء مسرح خاص بهم.

أسس سعيد سالم أول فرقة مسرحية تابعة لجمعية الفنون الشعبية بمساعدة والده، ومن العام 1984م اجتهد في السعي لاستقلالية فرقته المسرحية عن جمعية الفنون الشعبية، وفعلا نجح ومن معه في الحصول على استقلال المسرح عن الجمعية، تحت اسم (مسرح أم القيوين الوطني)، وبقي اسم المسرح بهذه التسمية إلى يومنا هذا.

شارك الفنان "سعيد سالم" في الدورة المسرحية الأولى، التي نظمتها وزارة الإعلام والثقافة، والتي تعد الحجر الأساس الذي بُني فوقه كل إبداع مسرحي إماراتي، وتخرج منها خيرة أهل المسرح من الذين لهم شأنهم الكبير ومقامهم المسرحي الجليل الآن، فكانت تلك الدورة المبهجة تحت إشراف الأساتذة المنصف السويسي، والدكتور يوسف عايدابي، ومحسن حلمي، والريح عبدالقادر، وعبدالكريم عوض، حيث استفاد سعيد سالم كثيراً من تلك الدورة، وتتلمذ على أيادي تلك الخبرات العربية.

وهنا نورد ما ذكره المخرج التونسي الراحل المنصف السويسي عن الفنان "سعيد سالم"، وهو يصف الشاب القادم من إمارة أم القيوين ليكون ممثلا، حين نعتوا المنصف السويسي بالتهور لما أسند شخصية "الوالي" في مسرحية "دوائر الخرس" لسعيد، إذ يقول: "بعد ما يقرب ربع قرن من الزمان أعود لألقى سعيد سالم نجماً متألقاً فاعلاً ومؤثراً في الحركة المسرحية، ومساهماً في إثرائها ومبعث اعتزاز لنا، وأعتز بأني كنت قد راهنت على سعيد سالم إدارياً ومسرحياً، إدارياً لأني ساهمت في بقائه في الدورة، ومسرحياً لأني أعطيته فرصاً ليأخذ أدواراً مناسبة؛ لأني كنت أحس أن هذا الشخص يختزن طاقة لا تراها العين المجردة، ولكن يمكن أن تحس بها إذا أردت ذلك، من خلال علاقته بزملائه وردود أفعالهم وأفعال من يعرفونه. لقد قالوا عنه أثناء الدورة التي قمت بالإشراف عليها في العام 1982، أنه لا يمكن أن يكون ممثلاً، وكان ردي بأنه سيستمر وأنا المسؤول عن هذه الدورة وأعرف ما أقول، فأخبرتهم بأن هذا الشاب ممثل وسترون ذلك.. وفعلاً صدق حدسي.. والنتيجة كما ترون.. قامة مسرحية اسمها الفنان "سعيد سالم".

أما أعماله المسرحية، التي بدأت منذ العام 1978م، في التمثيل والإخراج وكذلك الإعداد، فنلخصها فيما يلي: (مسرحية الطماعين 1978م، القضية الكبرى 1979م، كلمة الحق 1980م، الفيارين 1981م، دوائر الخرس 1982م، كلهم أبنائي 1983م، الكنز 1983م، الخوف 1983م، المحاكمة 1983م، مأساة أبي الفضل 1984م، غلط × غلط 1985م، بدون عنوان 1986م، للأرض سؤال 1987م، حكاية لم تروها شهرزاد 1988م، أوه يا مال 1988م، عطس وفطس 1990م، ميدان جلف 1991م، بوعكلوه في مهمة 1993م، سرقوا الكأس يا ماجد 1993م، ابن ماجد يحاكم متهميه 1993م، شمبريش 1994-1995م، يا ويلي من تاليها 1997م، فراش الوزير 1998م، ما كان لأحمد بنت سليمان 2000م، الياثوم 2000م، غصيت بك يا ماي 2003م، مولاي يا مولاي 2006م، مجاريح 2007م، خلطة ورطة 2013، أشوفك 2022، ميادير 2023، ناس وناس 2024).

كرمته أيام الشارقة المسرحية في دورة 2007، تقديراً لعطائه المبذول في خدمة المسرح الإماراتي، وما قدمه من جهود ساهمت في وصول الإمارات مسرحياً إلى ذروة الإبداع، ونال جائزة أفضل ممثل دور ثاني عن دوره في مسرحية (ميادير) 2023. واحتفى به وكرمه، ثم منحه لقب الشخصية المكرمة، مهرجان المسرح الخليجي الذي تنظمه اللجنة الدائمة للفرق المسرحية الأهلية لمجلس التعاون بدول الخليج العربي، في دورته الثانية عشرة في صلالة بعمان في عام 2012، حينما تم اختياره ليكون عريساً مميزاً في كرنفال الفرح المسرحي الخليجي.

سعيد سالم.. ذو القلب الكبير والعقل المستنير.. منح المسرح في الإمارات بشكل عام وفي إمارة أم القيوين بشكل خاص الجهد والوقت والكثير من الألق.. فهو من رجالات المسرح الذين أسسوا قواعد هذا الفن في دولة الإمارات العربية المتحدة.. ممثل من الطراز الأول في المسرح والإذاعة والتلفزيون.. في رحلة انطلقت في السبعينيات من القرن المنصرم، وما تزال عراها في الفن وثيقة حتى هذه اللحظة.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها