✧ في الخريف تبدو الأشجار أضعف ✧
كانت جدتي ذات الأصول البريطانية دائمة الشجار مع جدتي ذات الأصول التركية، إحداهما ولن أذكر جنسيتها، كانت تصر على فتح نوافذ البيت من أجل هواء طبيعي وإن كان حارًا أو ملوثًا، والأخرى كانت تصر على إغلاق نوافذ البيت من أجل هواء صناعي غير حار ولا ملوث.
كنت في حيرة من أمرهما، وفشلت كثيرًا في صنع التوافق بينهما، هذا إلى درجة أنني تمنيت أن لو كان البيت بلا نوافذ.
مؤخرًا هرعت إلى جدي، وهو مصري الجنسية على حد علمي، وصاحب تقاليد على حد اعتقادي، ومتمسك بهويته على حد افتخاري الذي لا يقبل التشكيك، فقلت له: ألن تصدر قرارك وهو الأصلح لبيتنا؟
قال لي: ما زلت أفكر أيهما ستغضب أكثر، حينها فقط سأتخذ القرار.
صفقت له بلا تفكير في المبررات والعواقب، وظللت أفتخر.
✧ العارية ليست تلك التي بلا ملابس ✧
ذهبت لغسل ملابسها فأخذ ملابسها البحر، فماتت خجلاً.
كانت قد قابلت الرجل الذي له خمس آذان ودون عينين، ومع ذلك يسير ويتحرك بشكل طبيعي، قابلته عشرات المرات من أجل الظروف، وكل مرة كان يعطيها موعدًا جديدًا في فجر جديد، وشهر جديد، وعام جديد.
كان لديه في كل عين أذن، بل وعلى وجه الدقة كانت في بداية الأمر أربع آذان، يرى بالكلمات التي يسمعها، إنه لأمر خطير؛ إذ كنا نستشعر خطورة ما يصل إليه، إنه لا يرى شيئًا آخر حتى لو كان حقيقيًا، كان يسمع بأذنيه ويرى بهما. ترى هل يسمع بشكل طبيعي من يستخدم نفس حواس السمع في كل شيء؟ وهل يفيد ذلك حاسة السمع لتصير أقوى أم أضعف؟
هو كان له شأن آخر وهو: (لما رأى كيف أن الأذن مفيدة ممتعة ورائعة؛ إذ يبدو أنها تكتفي بنفسها عن كل الحواس الأخرى). لذا؛ فقد ثقب رأسه ووضع بدلاً منها أذنًا خامسة بها يفكر.
كان بكل هذه الآذان الخمسة مؤهلاً لأن يرتقي ويصير الرجل المهم في الوزارة، كان كل شيء يدار ويتم ويتطور بهذه الأذن، وبهذا صرنا جميعًا مثله لا نرى ولا نتكلم ولا نتحرك؛ لأن لا عين ولا عقل ولا لسان، إنما هي الأذن في كل مكان.
ورغم ذلك حصد كل شيء، وحصدنا نحن أنفسنا.
ترى، هل استغنى الجميع عن حواسهم طمعًا في الوصول إليه، أم اعتقادًا في أن الرجل هو القدوة الصالحة التي وهبها الله للأرض؟ أما السيدة المسكينة بطبيعة الحال، صارت كنبتة قديمة لا تستطيع التحرك من الأرض، تيبست وصارت لا تبالي بالألم.
إنها السيدة التي ذهبت لغسل ملابسها التي كانت ترتديها، وهي جميع ملابسها وجميع أملاكها في الوقت ذاته، فأخذ البحر ملابسها بلا تردد وبلا شفقة، أما هي لم تنجح في المقاومة، بل ورفضت اللجوء للرجل الوحيد المتاح أمامها.
ربما يئست من مقاومة الحياة فاستسلمت للموت كسمك البحر الصغير، ماتت خجلاً وعارية تمامًا، وقبل أن تعلم حقيقة الرجل.
لما كان البحر غولاً كبيرًا لا يعترف بالظروف، فقد أخذ كل ملابسها وظل يضحك.
لم يهتم البحر بتوسلاتها وصراخها وبكائها، لم يهتز بشأن جسدها العاري الذي يصير منتهكًا من جميع المارة وأصحاب الكاميرات والفضائيات، ووحوش البحور. ترى، هل ما دونه الطبيب بأن الوفاة طبيعية هي طبيعية!
✧ قوة خارجية ✧
استيقظ القط ذات صباح على قطة بالخارج، ففرح كثيرًا، وقال: إنها ستجدد حياتي، ستنسيني تمرد القطة البائسة التي معي، تلك الغبية النكدية الحمقاء.
فقفز القط سريعًا للذهاب إليها، لكن فوجىء بوجود سور حديدي، وشبكة حديدية على الشباك والباب، إنه يرى القطة وهي تراه، يتبادلان نظرات الإعجاب والحب، لكن دون لمسة واحدة.
صرخ وصرخت القطة أيضًا، حاول كلاهما تحطيم الحديد، لكن هيهات وهل توافق الدنيا على سعادتهما؟
ظل البكاء والناس نيام، وظل البكاء والناس مستيقظون لكن بلا صوت.
حتى بعد رحيل القطة لسبب مجهول، فقد ظلت الأسوار والسجون ماثلة في الأذهان؛ كأنها الحقيقة رغم افتراق البطلين بالقوة الخارجية.