تكادُ قصيدة الشاعر الإماراتي خالد البدور (من مواليد دبي سنة 1961)، أن تكون العاصفة بحدّ ذاتها؛ إذْ ثمّة هديرٌ على طول الصفحات، جنباً إلى جنب مع تلك اللغة العذبة التي تشبه صوت تدفّق النبع وما يرافقه من أصوات أخرى قادمة من عوالم الطبيعة الصرفة: "الموجة"، و"الغيمة"، و"الجبل"، و"أرواح الأشجار"، و"النهر"، و"المطر"، و"الساحل"، و"الهدهد".. ومفردات أخرى كثيرة تأتي في ذات السياق، نجدها بارزةً لدى الشاعر، دوناً عن غيرها.
![](https://arrafid.ae/ContentImages/77cbe70c_في هدير عاصفةٍ تقترب-قراءة-2.jpg)
في كتابهِ الشِعريّ الأحدث "في هدير عاصفةٍ تقترب"، الصادر مؤخراً عن منشورات المتوسط في ميلانو/ إيطاليا 2024، يواصل الشاعر خالد البدور كتابة الطبيعة؛ لكأنّ قصيدته مرأةٌ لتلك الأجواء البريئة والموحشة في الآنِ معاً، يقول في الإهداء الذي تصدّر الكتاب: "في كل دقيقة / تُقطَع مئة شجرة في كوكبنا / هذه القصائد / إهداء لأرواح الأشجار التي رحلت / وإلى تلك التي لا زالت حية".
ما نجدهُ هنا من محاولةٍ للشاعر في إرسال رسالةٍ/ برقيّةٍ عزاء للقارئ، على ما حلّ ويحلّ بالجوانب الروحيّة التي تكادُ أن تنقرض من الحياةِ/ حياتنا، ينسحب على مجمل قصائد الكتاب، الواقع في 136 صفحة من القطع المتوسط.
نهايات مفتوحة:
يكتب خالد البدور وكأنّهُ في رحلةٍ لا نهائيّة، يكتبُ دونما توقّف أو ملل، فيما يترك قصيدته ذات نهايةٍ مفتوحةٍ غالباً، تاركاً باب التأويل موارباً أمام القارئ، أليسَ "الشِعر" في أحد أبرز وجوهه، يكتفي بطرح المزيد من الأسئلة، تتعلق بماهيّة الوجود، دونَ الإجابة عنها.
يكتب بمفرداتٍ تندرج تحت بند "السهل الممتنع" فيما جُمله غايةً في البساطة والإدهاش، وهو ما يؤكّده الشاعر محمد علي شمس الدين على أنّ "البدور" يكتفي "بالقليل القليل من المجاز، والتأمل الهادئ، وملامسة الموج والأفق والريح والرمل بالأصابع أو بالأهداب، يمضي في مركبه الشعري، كما لو أنه يقلّب في ألبوم حياته اليومية، ويتأمل صورها المحفوظة في خاطره، ينظر إلى مطارح الحب، ويستعيد اللمسات المؤثرة، ويشدّ البحر من يده ليجلسه على كرسي بين اثنين عاشقين، أو ليشهده على كلمة من كلمات الحب، أو وضع يد على يد، أو ضمة للحبيب"، عدا عن اهتمامه الجليّ بتلك التفاصيل اليوميّة المتناهية في الصغر. يقول: "بعدَ شِتاءٍ طَويلٍ/ لماذا لا تَذهَبُ/ إلى الصَّحْراءِ/ هكذا دُونَ شَيءٍ/ وتُكافئُ نفْسَكَ/ بإِشْعالِ نارٍ في اللَّيلِ/ وإلْقاءِ كَوْمةِ الذِّكْرَياتِ/ تاركِاً إيّاها/ تَحْترِقُ".
استراتيجية العنونة:
انطلاقاً من أهميّة الدور الذي تلعبه "العنونة" كجسر يعبر عليه القارئ إلى النص، على حدّ تعبير أمبرتو إيكو؛ يشتغل الشاعر خالد البدور على عناوينه كما لو أنها مفاتيح دخولٍ إلى ردهة النصّ، أو بوصفها "ممرات يدلف منها النص إلى العالم" ويمنحها أولوية اهتماماته، حيثُ يبدو جليّاً لدى الشاعر ذلك الشغف في التقاط جوهر النص ووضعه في العنوان، فهو يبوّب الكتاب في أربعة أبواب، هي "دون شيء"، و"فنجان فارغ"، و"في يدك الشمعة"، و"فوق الموجة.. تحت الغيمة"، في الباب الأخير يكتفي بمقاطع شعرية قصيرة ومتحرّرة من العنونة، فيما تتضمن الأبواب الأخرى قصائد ذات عناوين لافتةٍ، حيثُ نقرأ منها -على سبيل المثال لا الحصر- : "خَيالاتُ لَيلةِ الْبارِحةِ"، "الهُدهُدُ بمِنْقارهِ الطَّويلِ"، "أَلوانُكِ"، "ذاكَ الظِّلُّ في اللَّيل"، "مَطرٌ فوقَ زُجاجِ النّافِذةِ"، "أمام بيت مالارميه"، و"ذاهِبٌ إلى النَّهرِ".
الملاحظ هنا أنّ كل عنوان هي قصيدة بحد ذاتها، ولعل "الفهرس" أجمل قصائد الكتاب.
كتاب "في هدير عاصفة تقترب" في جوهره الإنساني يتجاوز حدود "الكتابة من أجل الكتابة" إلى ما هو أسمى من ذلك، حيثُ الوقوف على وجع الكائنات وما حلّ بالبشر من ظلم هنا أو هناك، طالما أنّ "الكاتب مُنجّمٌ يحفر الأعماق ليأتي لنا بالجواهر، وصائغ يحول الأفكار إلى مضامين ودلالات من ذهب، ذات قيمة، تجعل لحياتنا معاني نبيلة وأهدافاً سامية"، على حدّ تعبير الشاعر البدور في حديثٍ سابقٍ له.
ــــــــــــــــ
![](https://arrafid.ae/ContentImages/fbd49142_في هدير عاصفةٍ تقترب-خالد البدور.jpg)
الكتاب: في هدير عاصفةٍ تقترب (شِعر).┃المؤلف: خالد البدور (الإمارات).┃الناشر: منشورات المتوسط - ميلانو (2024).