الصِّرَاع مِنْ أَجْل الحُلْم

في الفيلم الإماراتي "عَاشِق عَمُّورِي"

عبد الهادي شعلان


ماذا ستفعل إذا اكتشفتَ داخل روحك موهبة ما؟ ووجدتها تسيطر على كيانك وأفكارك؛ حَتَّى إن هذه الموهبة بدأت تتشكَّل أمامك حُلْماً يوشك على التحقُّق داخلك، وأنت الوحيد الَّذِي ترى هذا الحُلْم، ستجد من يقاوم هذا الحُلْم داخلك، ويريدك أن تتخلَّى عنه، وتترك موهبتك؛ وحُجَّته أن هدفك صعب المَنَال، رُبَّما يكون من يحاول إبعادك عن حُلْمك هو أقرب الناس إليك، والدك نفسه، الَّذِي فَشلَ في تحقيق حُلْمه هو، ويخاف عليك من الفشل وكسرة الحُلْم؛ فيمنعك من الدخول في منطقة الحُلْم؛ رأْفَةً بك، ماذا ستفعل ساعتها؟ هل ستتخلَّى عن حُلْمك؟ أم ستقاوم كل الظروف المحيطة بك والمُحْبِطَة لك، ثم تحاول إثبات أنك جدير بتحقيق هذا الحُلْم؟ هذا الصراع من أجل الحُلْم هو ما يعرضه فِيلْم "عاشق عَمُّورِي" سيناريو وإخْرَاج: عامر سالمين المرّي.
 

بذرة الموهبة

يبدأ الفِيلْم بموسيقى راقصة تميل للحزن، تمتد مع شريط أسفلتي أسود طويل كثعبان لانهائي، يخترق قلب صحراء شاسعة كتلال من ذهب خالص بلون المشمش الجميل، بحر من رمال لا تنتهي، أَبَديَّة كحدود الموهبة، شاسعة كمساحة الحُلْم، وكأننا نتجه بالسَّيَّارَة لآخر الدنيا.

نجد شابين يهربان بسيارة، ثم يتم القبض عليهما في الطريق، ويبدأ الفِيلْم الحكي الاسترجاعي لما يرويه عَمُّورِي، ينقلنا لغرفته العاشقة الَّتِي يرى فيها مستقبله، فجميع الجدران مغطَّاة بصور لاعبين لكرة القدم، إلى جانب الكرات الَّتِي يتمرَّن بها، بدا أن عَمُّورِي يحب كرة القدم بشغف لا مثيل له، فكل حُلْمه أن يلعب في الفريق الوطني، استعرض الفِيلْم مدى موهبة عَمُّورِي وثقة من حوله به، حَتَّى صار الأمر بالنسبة له حقيقيَّة داخل روحه، حُلْم واجب التحقيق، لا يستطيع الانفصال عنه، فهو يرى الكرة في كل ما حوله.

خلف السِّيَاج

جاءت أزمة الفِيلْم مبكرة في لقطة مهمة حين كان عَمُّورِي يلعب الكرة، وحصل على ضربة جزاء، وضع الكرة كي يسددها في المرمى، وإذا بنا نجد سيارة تقتحم المكان، تدخل بقوة خلف سياج مكان اللعب، وجد عَمُّورِي قبل أن يضرب الكرة والده ينزل من السَّيَّارَة، يقف خلف شبكة حارس المرمى الَّتِي يريد عَمُّورِي تسديد الهدف فيها.

وقف الوَالِد كحائط صَد خلف المرمى، وإذا بعَمُّورِي حين يراه يترك الكرة ويركع على ركبتيه في حسرة، كانت اللقطة معبِّرة عن وقوف والده المتحدي للعب عَمُّورِي، وكأنه يقف خلف الشبكة ليمنعه من التسديد واللعب، هذه اللقطة هي ما سيتكئ عليه الفِيلْم في أزمة عَمُّورِي، فوقفة والده هنا لم تسبِّب سعادة لعَمُّورِي، وإنما انكسر من داخله، وكأنَّ والده اكتشف فعلاً شائناً يقوم به عَمُّورِي.

علمنا أن عَمُّورِي عاشق الكرة يجد مقاومة وممانعة كبيرة من والده، لقد انكسرت روح عَمُّورِي أمام الكرة في لحظة رؤية والده، ولم يستطع تسديد الهدف، وكأنه أصابه الشلل المؤقت، واستكمل الفِيلْم مشهد انكسار عَمُّورِي حين وقف والده أمام البيت ونهره عن لعب كرة القدم أبداً، قالها الوَالِد واضحة إنه سيكسر قدمه لو شاهده يلعب.

بدا أن هناك صراعاً قادماً في الفِيلْم بين الموهبة الَّتِي يمتلكها عَمُّورِي وبين إصرار والده على ترك اللعب، الرياضة تمثل الموهبة، والوَالِد يقف جانب إنكار الموهبة، من سينتصر في النهاية، الموهبة أم الوَالِد المتجمِّد؟ كانت قلوب المشاهدين مع هذا الموهوب الَّذِي يمتلك ما يميزه، وفي الوقت نفسه يجد المقاومة من والده، الَّذِي من المفترض أن يساعده ويقف بجانبه.

دخل عَمُّورِي غرفته بعد أن نهاه والده عن اللعب وكان غاضباً، يريد أن ينفجر، جلس كمكسور، ثم انتقل المشهد ببراعة لشجرة جافة يجلس تحتها عَمُّورِي كعصفور حزين مكسور الأجنحة، كأنها تمثل حالة الجفاف الَّتِي وصل إليها، في مشهد جاف آخر دخل والد عَمُّورِي لغرفة عَمُّورِي، وكان أصدقاء عَمُّورِي معه في الغرفة، يتحرَّكون حركات رياضية، ويتكلَّمون عن كرة القدم، كان دخول الوَالِد عليهم بمثابة كتمة الروح، خرجوا وقلوبهم ترتجف من قسوته.

سجن الحُلْم

أراد الكابتن أن يجعل عَمُّورِي يذهب للأكاديمية، ووجدناه يحاول أن ينير قلب الوَالِد، أخبره أن عَمُّورِي موهبة حقيقيَّة وأنه لا يجب أن يقف أمامه، كان عَمُّورِي في تلك اللَّحْظَة يحمل العنزة الصغيرة، وكان الوَالِد يريد لعَمُّورِي أن يصبح طبيباً أو مهندساً، كان المشهد مميزاً، رأينا الفاصل بين الكابتن والوَالِد عبارة عن سياج حديديَّة، ذكرتنا بالشبكة الفاصلة بين عَمُّورِي ووالده في الملعب حين لم يستطع إحراز الهدف، وانكسر واقعاً على ركبتيه، هنا رأينا الوَالِد خلف السِّيَاج وكأنَّه يمنع عَمُّورِي المحبوس معه داخل السِّيَاج من إحراز هدف حياته، يمنعه من خلف السِّيَاج الحديديَّة من تحقيق حُلْمه بدخول الأكاديمية.

كانت السِّيَاج تمثِّل المعتقدات والتقاليد الخاصَّة بالوَالِد، شبكة المنع من الوصول للموهبة، والكابتن محجوز لا يستطيع الوصول للموهوب، وعَمُّورِي خلف السِّيَاج ينظر للفرصة وهي تضيع منه، خلف السِّيَاج يحبس الوَالِد حُلْم ابنه، لا يريد أن يتركه ولا يريد أن يسمح له بالعبور، ثم كان منظر الخرفان حين مال الوَالِد عليها، وكأن الخرفان تعترض على ما يحدث من الوَالِد تجاه عَمُّورِي.

حين حاول عَمُّورِي أن يذهب للكابتن حَبَسَه الوَالِد، في مشهد سجن آخر، أغلق عليه بالمفتاح وأصدر الحديد صوتاً مزعجاً، وظل عَمُّورِي يصرخ يريد أن يخرج، والباب مُغْلَق، لحظات وانسحبت الكاميرا للخلف واتسعت الدنيا أمام عَمُّورِي، وكأنَّ السجن قد زال، وانفتح باب الحُلْم أمام عَمُّورِي، وعَلِمَ المُشَاهد أن والدته هي من فتحت له الباب دون أن نراها، فقام عَمُّورِي وركب دراجته يسعى لحُلْمه بكل قوة وعزيمة، يدبّ في الماء الراكد على الأرض كأنه يتخطَّى الصعاب، وخرج من نفق للنور، انطلق عَمُّورِي خلف السَّيَّارَة الَّتِي تحمل زملاءه، بقوة الحُلْم، وكأنما روح عَمُّورِي نادت على أحد الركاب في السَّيَّارَة، التفت أحدهم وكأنه سمع صوتاً خفياً.

الأحلام تحتاج للمقاومة

في الأكاديمية، وكأنَّ الحُلْم تحقَّق حين وقف عَمُّورِي أمام قميصه الَّذِي يحمل الرقم عشرة، ومكتوب عليه عَمُّورِي، أعطانا ظهره وهو يحمل الكرة، وبدأ يرى حُلْمه يتحقَّق في خياله وهو ينزل الملعب ويسمع تصفيق الجماهير له، والمذيع ينطق اسمه، وكان عَمُّورِي يتدرَّب في الليل مع الكرة حَتَّى تنطفئ الأنوار، ومع ذلك لم يتم اختيار عَمُّورِي ضمن الفريق في الأكاديمية، وسار على جسر مائي يبكي في الهاتف لوالدته ويعتذر، وشعرنا أنه سيلقي نفسه وسيفقد الحُلْم والحياة.

حين قرَّر والده أنه سيذهب عند الجدّ في العامرية تأكَّد عَمُّورِي أن الحُلْم قد انتهى تماماً، وأن حياته الكرويَّة لم يعد لها وجود، وجاء مشهد مهم للوالدة وهي تنشر قميص عَمُّورِي رقم عشرة، وكأن دموع قلبها تقطر حزناً وهي تعطينا ظهرها، كانت الشمس تواجه القميص في حزن، وفي لحظة صاعقة أخذ الوَالِد كل أدوات الكرة وألقاها في المزبلة، لقد تخلَّص بالفعل من كل ما يجعل عَمُّورِي يفكر في الكرة، حَتَّى إن عَمُّورِي نفسه سلك سلوكاً يائساً حين أَحْرَقَ كل ما يخصّ لعبة الكرة في المخزن، وجاءت والدته في كَرْب وهي تضربه في محبَّة غاضبة، بكت لأن ابنها أحرق حُلْمه الأثير، وظلت تصرخ: "لماذا حرقت حُلْمك"؟

انتصار الحُلْم

تأتي بشائر تحقُّق الحُلْم حين يختفي الأخ الأصغر لعَمُّورِي، فيبحثون عنه طوال النهار، وفي النهاية وجدوه عند المزبلة الَّتِي ترك عندها الوَالِد أدوات الكرة الخاصَّة بعَمُّورِي، هنا انفتحت البصيرة أمام الوَالِد وشعر بأنه يكسر حُلْم ولده، قام الوَالِد وأصلح الملعب، وأعاد لعَمُّورِي كل ما أراد وبدأت ابتسامة الفِيلْم ترتسم على وجه عَمُّورِي، وارتدى الوَالِد ملابس رياضية في مشهد حميمي، ودخل وأيقظ عَمُّورِي، وبدأ عَمُّورِي التدريب الحقيقي.

حين يجتمع الفريق في مشاهد التدريب تبدأ الصورة السينمائية تدخل في إطار التحفيز الجماعي، لتعطي حماساً للفريق الَّذِي سيلعب، ولتهيئ المشاهد للفوز النهائي، فعند الفوز حدثت جملة الفِيلْم الداعية للحُلْم المرغوب، مع التصاق الموسيقى بالمشاهد الداعية للحماسة.

الفِيلْم باعث على الحماسة وعدم الاستسلام والهزيمة لقتل الحُلْم، يدعو للإصرار على ممارسة حُلْمك مهما كانت الظروف المحيطة بك، أيضاً يدعو الفِيلْم الآباء ألا يقفوا في طريق موهبة أولادهم، فالموهبة لا تقدَّر بثمن، ويجب علينا أن نحافظ عليها، يقول الفِيلْم، قاوم بكل ما أوتيت من قوة من أجل حُلْمك، وستنتصر، ثق في أحلامك وقاتل من أجل حُلْمك حَتَّى النهاية.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها