عتبة العنوان في العُروض المسرحية

قراءة نقدية لنُصوصٍ إماراتية

محمد سيد أحمد


مفردة العنوان في القاموس، جاءت بمعنى أخرج الشيء وأظهره، ويقول العرب، كلما استدليت بشيء تظهره، على غيره، فهو عنوان له، مثال، الشّيبِ عنوان الكِبر. واصطلاحاً يعرّفُ العنوان بأنه: كناية أو استعارة عن طريق اختزال غير محدود. وفي العصر الحديث، اهتمت مناهج الدراسات النقدية، بموضوع العنوان، وخاصة المناهج البنيوية والسيمائية... باعتبار العنوان عتبة نصية أولى، للولوج لعوالم النص أو العرض المسرحي، أو بذرة مولدة لتيمة العرض، ولكن العنوان يوحي فقط بأجواء الحكاية، ولا يؤسس لها، فتلك مهمة السرد والحوار والأحداث.
 

في اختصار ذكي، يقول المثل الشعبي "الجواب من عنوانو"؛ بمعنى أن متن الرسالة، يكمن في هامش ومبتدر العنوان. العنوان هو مصباح في بداية طريق الدخول لعوالم وأفكار العرض، هو مفتاح لشفرة النص، يعينُ القارئ أو الناقد لبداية علاقة تواصل مع العرض المسرحي.

لا يمكن اعتبار العنوان زائدة يمكن استئصالها من جسد النص؛ بل هو عضو أساسيٌّ، يستأذن ويستشار. وتُركز الدراسات النقدية الحديثة، على تمحيص هوامش النصوص والعروض، وتولي لها أهمية، تساعد في القراءة والتحليل.

 من وظائف العنوان

للعنوان وظائف متعددة، منها: الإعلانية، والإشهارية، والترويجية.. وفي قراءة سريعة لعدد من عناوين النصوص والعروض المسرحية الإماراتية؛ نجد العناوين جاءت بصور متعددة، منها عناوين بمفردة واحدة، ومنها عناوين من جملة، وعناوين من عبارات. بعض العناوين تقريرية مباشرة، وبعضها الآخر عناوين رمزية.

نسبة كبيرة من عناوين العروض المسرحية الإماراتية، استمدت من كلمات من اللهجة المحلية، مما يشير لاهتمام الكاتب المسرحي الإماراتي بالموضوعات المحلية، المؤكدة لمفهوم الوطنية والهوية، سواء جاءت بأسماء شخصيات.. مثال مسرحيات: (شما، عتيق، حنة، عائشة، قرموشة، حمدوس)، أو أسماء أماكن مثل: (باب البراحة)، أو أسماء مفردات مادية، مثل: (البقشة، دهن عود، خرزة الجن، حطبة التوبة، خلخال، طوايا، البوشية).

بعض العناوين اختزلت في مفردة واحدة، مثل: "النخاس، الملة، زمزمية، مجاريح". وعناوين أخرى، في جُملٍ أو عبارات، مثل: "كل الناس يدرون، لو خاس الملح بشنو بنملح، الأرض بتتكلم أوردو، بورشيد فوق النخلة، بومفتاح في المجلس الوطني، أشياء لا تصلح للاستهلاك الآدمي".

◄ العناية بالتراث

في ملمح مهم، لعناية الكاتب الإماراتي بالتراث؛ نجد عدداً من عناوين النصوص استوحيت من أمثالٍ وحكم شعبية، مثل مسرحية لو خاس الملح، ومسرحية عين منكبة وعين منتبة، ومسرحية اشربي نخل صالح، ومسرحية دق خشوم، ومسرحية، غصيت بك ياماي، ومن هب ودب، وخبز خبزتوه.

عند دراسة علاقة العنوان، بمتن العرض المسرحي الإماراتي، نجد بعض العناوين تقريرية، واضحة المعالم، لا يجد المشاهد أو الناقد عسراً في الوصول لمغزى العنوان، ولماذا يشير، فعناوين العروض بأسماء الشخصيات، تُشير مباشرة إلى مركز أو بؤرة العرض، وهو اسم الشخصية، سواء نسائية مثل، حنة أو شما، أو رجالية أمثال، عتيق، حمدوس، أو أسماء تفصح مباشرة عن موضوع المتن، مثل، محطات من حياة أبوي، أو عائلة خمسة نجوم، أو عشوا عيشة سعيدة.

المعاني الغامضة نجدها في عناوين بعض النصوص، فالمشاهد، بل حتى الناقد المتخصص، لا يجد تأويلاً يربط بين هامش النص وهو العنوان، ومتن النص وهو الحكاية، مثال عنوان مسرحية علكة صالح، للكاتب علي جمال. تدور أحداث المسرحية، حول إعلان نُشر في لوحة إعلانات المدينة، أثار الجدل واللغط، وفسر تفسيرات مختلفة، ولكننا لا نكاد نجد أي أثر لعلكة صالح، المتربعة في صدر العنوان.

كذلك نص مسرحية، كعب ونصف حذاء، للكاتب محمد صالح، فالبرغم من نطق الجملة، مباشرة في النص، إلا أن معناها يظل مبهماً.

◄ عناوين رمزية

عناوين بعض العروض، جاءت رمزية، تحتاج لقراءة ما بين السطور في متن الحكاية، للوصول لمغزى العنوان، مثل عنوان: مسرحية ناجي الحاي، ما كان لأحمد بنت سليمان، فأحمد اسم مذكر، فلماذا وصف ببنت سليمان، هذا ما سنعرفه عند قراءة كتيب المسرحية، وهو يشير لإعداد النص من رواية الطاهر بن جلون، ليلة القدر، وموضوعها الطفل الذكر، وهو يعامل كأنثى، وهذا ما تحويه حكاية النص. كذلك مسرحية زغنبوت، للكاتب إسماعيل عبد الله، يسعفنا كتيب المسرحية بشرح مفردة زغنبوت وهي نوع من الحبوب، تأكل في أزمنة القحط، وعنوان مسرحية غشمرة، يعود للمفردة المحلية الإماراتية، بمعنى المرح والحديث المهذار. مسرحية تلايا الليل، مفردة إماراتية حالمة، تشير لحديث النجوى في أسحار الليل. مسرحية جر محراثك، من إعداد مهند كريم، لزم الأمر بعض المشقة، لمعرفة علاقة العنوان بمتن الحكاية، فكتاب المسرحية يشير لإعداد النص من رواية لكاتبة بولندية، بعنوان جر محراثك، وتفاصيل أحداث وحوارات العرض، لا رابط بينها، وبين فعل الأمر، في جر محراثك.

بعض العناوين الشاعرية الموحية، نجد لها أمثلة في مسرحية، دهن عود، وهو العطر الإماراتي الأكثر شهرة. حوارات المسرحية، بين الزوج والزوجة، تحمل الكثير من الذكريات، بعضها ذكريات سعيدة، والبعض الآخر من الذكريات الحزينة، ودهن العود، عطر يستخدمه الإماراتيون في السراء والضراء. ومن العناوين الشاعرية، عنوان مسرحية رحل النهار للكاتب إسماعيل عبد الله، وأحداثها ترمز لرحيل أيام العرب الخالدة، وهنا رمز لهذا الأفول برحيل النهار. ومن العناوين الشاعرية، عنوان مسرحية ليلك ضحى، للكاتب غنام غنام. يتبادر لذهن القارئ أن العنوان يشير بطريقة رمزية، لليل يوصف بالضحى، وهذا العنوان المراوغ، نكتشف أنه اسم رجل يدعى ليلك وحبيبته المسماة ضحى.

الكاتب إسماعيل عبدالله، صاحب النصيب الأكبر لنصوص المسرح الإماراتي، يتميز باختيارات موفقة لعناوين نصوصه المسرحية، والمتنوعة بين نصوص باللهجة المحلية، ونصوص باللغة العربية الفصحى، ومن نصوصه المحلية نجد استعارته لمفردات، تشير لموجودات مادية محلية، مثل البقشة وهي صرة الملابس، البوشية، وهي غطاء الوجه للنساء. زغنبوت، وهو نوع من الحبوب. ميادير، أداة من أدوات صيد السمك. والسلوقي، نوع من أنواع الكلاب. ومفردة اللوال، وهي صيحات الفرح عند استقبال العائدين من رحلة الغوص. وعنوان البشخيتة، وهي صندوق من الخشب، كان النواخذة يستخدمونه لحفظ الأوراق المهمة.

كذلك عناوين نصوص إسماعيل عبد الله الفصيحة موحية وشاعرية، مثل عنوان لا تقصص روياك، في تناص مع آية قرآنية كريمة. ومسرحية رحل النهار في إشاراتها الرمزية العميقة. وعنوان مسرحية سمفونية الموت الحياة، الجامع لمتناقضات الموت والحياة. وعنوان مسرحية صهيل الطين، حينما يتحول الطين الجامد إلى كائن حي صائل صادح.

 

الصورة ◂ مسرحية " زغنبوت " لفرقة مسرح الشارقة الوطني

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها