القراءة الابتكارية.. المفهوم والاستراتيجيات

حواس محمود

للقراءة الابتكارية أهمية كبيرة في حياة الإنسان المعاصر، وذلك لما تتطلبه من مرونة في التفكير، والقدرة على اتخاذ القرار السليم، بالإضافة إلى التمتع بقدرة فائقة على حل المشكلات بطرق غير تقليدية، كما أنها تتيح للقارئ فرصاً أكبر للانفتاح على العالم، وتمنحه إمكانات أكبر على التفتح والفاعلية.


القراءة الابتكارية تعني التعمق في النص المقروء والتوصل إلى علاقات جديدة وتوليد فكر جديد، وإيجاد حلول متنوعة للمشكلات والمسائل العالقة، وتحويل هذه الحلول من سياقها الفكري النظري إلى العملي الممارسي، واعتبار كل شيء مقروء مصدراً للتفكير، والتغلب على ضغوطات الحياة ومنغصاتها.


 إذن؛ فالقراءة الابتكارية مفهوم جديد يختلف عن مفهوم القراءة "التقليدية" الذي يعني القراءة واستيعاب النص أو نقده، إنه مفهوم لم يحدد تحديداً دقيقاً مثل غيره من المفاهيم، فمن بين الرؤى العديدة للقراءة الابتكارية أنها عملية تكامل وتنظيم للمواد المقروءة بغية التوصل إلى استنتاجات وحل بعض المشكلات.

ويمكننا أن نذكر –هنا– بعض التعريفات عن القراءة الابتكارية، يعرفها روسل بأنها: "عملية تعامل وتنظيم للمواد المقروءة بهدف التوصل إلى استنتاجات وحل بعض المشكلات"، ويعرفها هيزتير بأنها: "تخيل واستدعاء للخبرات السابقة وتطبيقها"، ويعرفها سميث بأنها: "انطلاق القارئ بعيداً عن المادة المكتوبة للبحث عن أفكار جديدة بهدف الإجابة عن سؤال أو حل للمشكلة". كما أن برازل يعرفها بـ"إحداث شيء بالمادة المقروءة، وإعادة إنتاج المقروء خيالياً وتحويله وإعادة تنظيمه".

وبحسب د. إسماعيل عبد الكافي نحن بحاجة إلى تدريب الأطفال القُرّاء على طرح الأسئلة حول المعلومات التي لم تذكر في النص، وإضافة أفكار جديدة لمحتوى النص المقروء، وكتابة عناوين مختلفة لما يقرأ.

مستويات الفهم القرائي

إن مستويات الفهم القرائي تنقسم إلى خمسة مستويات:
– مستوى الفهم المباشر: ويقصد به فهم الكلمات والجمل والأفكار والمعلومات فهماً مباشراً.
– مستوى الفهم الاستنتاجي: ويقصد به التقاط المعاني والمباني الضمنية العميقة التي أرادها الكاتب ولم يصرح بها في النص، والقدرة على ربط المعاني واستنتاج العلاقات بين الأفكار، والتخمين والافتراض لفهم ما بين السطور.
– مستوى الفهم النقدي: حين إصدار حكم على المادة المقروءة لغوياً ودلالياً.
– مستوى الفهم التذوقي: ويقصد به الفهم القائم على خبرة تأملية جمالية، ويعبر التلميذ عن الفكرة بأسلوبه.
– مستوى الفهم الإبداعي: ويقصد به ابتكار أفكار جديدة، واقتراح مسار فكري جديد في ضوء الفهم الشخصي للمقروء.

الحاجة إلى القراءة الابتكارية

– تساعد القارئ على التعمق في النص المقروء والتوصل إلى علاقات جديدة.
– تساعد القارئ على توليد فكر جديد واقتراح حلول متنوعة للمشكلات.
– تتيح الفرصة للقارئ في أن يصل إلى استنتاجات واقعية من خلال قدرته على تركيب للمعلومات.
– تساعد على استدعاء معلومات ومزجها بتخيله.
– تنمي الطلاقة والمرونة وأصالة الفكر.
– تساهم في غرس الثقة بالنفس بإضافة فكرة للنص الأصلي.
– تحفز على طرح الأسئلة حول المعلومات التي لم تذكر في النص.
 

مراحل القراءة الابتكارية

يمكننا تقسيم مراحل القراءة الابتكارية إلى ثلاث مراحل أساسية:

المرحلة الأولى: وفيها يتم التخطيط للقراءة بتحديد الغاية والهدف منها، وقد يكون الهدف هو: المساعدة على الفهم أو تدوين ملاحظات أو طرح أسئلة على النص المقروء؛ إذ بحسب هذه الأهداف يتم اتخاذ إجراءات تحقيقها، فعندما يتعلق الأمر بالأسئلة يلجأ القارئ إلى رصيده الذهني السابق ليعينه في الإجابة عنها.

ويستخدم القارئ في هذه القراءة علامات استفهام بجانب الممرات أو المفاهيم التي تستوقفه بشكل خاص، ويستغرق الوقت الكافي لكتابة التعليق الذي يجعل الأمر واضحاً للمشكلات التي تثيرها الممرات والمشكلات التي يبرزها النص، ويلاحظ علاقتها بالمرور السابق هل تدعم أو تناقض.

وبهذا يقوم القارئ بتطوير إسهامه في القراءة، فهو هنا متلق منتج وليس مجرد مستهلك لأفكار الآخرين، أما القارئ الذي لا يستعمل الأسئلة في قراءته، فهو لا يقوم بالقراءة الابتكارية، ويكتفي بفهم ما يقوله المؤلف بترديده فقط، وبذلك يكون تقليدياً جامداً غير قادر على تحريك المفاهيم وطرح الأسئلة وإنتاج الأفكار.

المرحلة الثانية: وهي مرحلة أثناء القراءة، وفيها يقوم القارئ بعملية مسح كاملة للنص بغية إنشاء خريطة معرفية للنص المقروء، ولتكوين فكرة أكثر عن الموضوع، وملاحظات طريقة تنظيمه، واستعراض أفكاره الرئيسة، ويقوم كذلك بالقراءة الانتقائية وهو ما يمكن القارئ من تتبع انسياب الأفكار، واكتشاف العلاقات بين المعلومات في النص، وربط الخبرات السابقة بالموضوع المقروء. والتمييز بين تنقلات الكاتب بين أجزاء الموضوع المختلفة، وكيفية الانتقال، ومتى وكيف يعدل موقفه، أو يقدم الكاتب أسئلة جديدة.

وفي هذه المرحلة يقوم القارئ بمسح المادة المقروءة وتسجيل ملاحظاته الأولية حول أقسامها المختلفة، وعناوينها الفرعية وأفكارها الرئيسة، وأخذ نظرة عامة عن العلاقات داخل النص ونصوص أخرى مر عليها القارئ، وفي أغلب الأحيان لا يستطيع القارئ التوصل إلى ذلك إلا عندما يصل إلى نهاية النص، ومعرفة وتفحص مواقع القوة والضعف، والثغرات والتناقضات داخل النص، وهذا يتطلب أن يحمل القارئ بيده قلماً لكي يستطيع تدوين ملاحظاته واستفساراته وأفكاره على الهوامش، للتعليق عما ورد في النص المقروء.

المرحلة الثالثة: وهي مرحلة ما بعد القراءة، وفي هذه المرحلة يتم كشف العلاقات داخل النص وبناء مفاهيم جديدة قد تكون مكملة أو بديلة للنص، ويقوم القارئ بالتأمل وتقييم الحواشي التي كتبها، لبيان مدى دقتها واكتمالها، ويقوم القارئ بالتفكير في معلومات النص المقروءة، وبالتحديد المعلومات التي أثارته، والمشكلات التي توقف عندها، ويلخص الأفكار الرئيسة ويبحث عن معلومات إضافية، ويقيم أداءه القرائي ككل.

وفي هذه المرحلة يقوم القارئ بوضع ملخص مكثف بلغته الخاصة عن النص المقروء، مبيناً فيه الخيوط الجدلية الأساسية للموضوع المقروء، وتبيان كيفية تعلقها وتجادلها مع بعضها البعض للموضوع المقروء، ويكتب فقرة قصيرة عن المسائل التي قدمتها المادة المقروءة، ويقدم أفكاراً تدعم أو تتحدى أفكار المادة المقروءة، وإذا وجد أفكاراً تتعلق بالموضوع لم يناقشها الموضوع يسجلها.
ويعيد القارئ قراءة الأسئلة التي أحاط بها الموضوع، ويسجل ملاحظاته على الأجوبة المؤقتة التي قدمها لهذه الأسئلة.

وهكذا نرى أنّ مفهوم القراءة الابتكارية يتجاوز القراءة العادية بعدة نقاط أهمها: أنّ القراءة الابتكارية قراءة حيوية نشطة دينامية وفعّالة، قادرة على تحليل محتويات النص والكشف عن مكنوناته الداخلية، والغوص في أعماق الفكرة المطروحة، والإتيان بأفكار جديدة ومعاصرة، تعتبر مكملة ومنتجة وناقدة للنص الأساسي المقروء.

 


المراجع: 1. محمد الحاوري "عمليات القراءة الابتكارية" 29-7-2007، موقع منتديات ابن اليمن.┋2. حسن شحاته 2000، ص: 26، ص: 27.┋3. د . إسماعيل عبد الكافي (أحوال المعرفة عدد 41 / 2005).┋4. خلف حسن محمد "فعالية استراتيجيات تدريسية مقترحة في تنمية بعض مهارات القراءة الابتكارية لدى تلاميذ المرحلة الإعدادية".┋5.عمرو عيسى محمد عيسى "تنمية مهارات القراءة الابتكارية لدى طلاب المرحلة الثانوية باستخدام استراتيجيتى القراءة التبادلية والقراءة التفاعلية"، موقع مركز النظم العالمية لمفهوم البحث العلمي.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها