"فولفجانج كولهاسي".. الحوار ليس دوره دائماً "الشرح"

ترجمة: شيرين ماهر


أجرى الحوار: مادلين براس


إذا كنت تُريد أن تَعرف المزيد عن الألمان، عليك بمشاهدة أفلامهِ.. إنه كاتب السيناريو والمخرج والكاتب الألماني ذائع الشهرة "فولفجانج كولهاسي Wolfgang Kohlhaase"، أحد أبرز المنتمين لجيل ما بعد الحرب في أوروبا، والحاصل على العديد من الجوائز الوطنية والدولية، والذي غادر عالمنا في الخامس من أكتوبر 2022.... انفرد "كولهاسي" بكتابة السيناريو بطريقة تشبه الألغاز والأقوال العميقة التي تخفي أكثر مما تظهر، ليجعل المتلقي شريكاً معه في لعبة ذهنية تَحُضّه على التفكير طيلة الوقت... وفي حوار سابق، يتحدث "كولهاسي" عن أعماله وعناصر قوة الحوار وأسباب نجاحه، والعوامل التي تصنع قصة جيدة.




 

 سيد كولهاسي، هل تتذكر اللحظة التي أصابتك فيها عدوى السينما؟

لقد كانت السينما جزءًا من طفولتي. تكلفة دخول دور العرض، آنذاك، كانت 40 فينيغ، وهو رقم كبير في ذلك الوقت. ولكن مع ذلك، حرصت على الذهاب إلى السينما مرة كل أسبوعين. كان ذلك في خضم الحرب. شاهدت أفلامًا مثل  (Romance in a Minor Key) لـ"هيلموت كوتنر". هو فيلم جيد، وما زلت أتذكر ماريان هوبي، التي لعبت دور الشخصية الرئيسة.. لقد تركت انطباعًا هادئًا وقويًا داخلي.

 في الخمسينيات من القرن الماضي، قدمت مع المخرج "جيرهارد كلاين" أحد أنماط الواقعية الجديدة، التي جلبتها، في ذلك الحين، إلى سينما ألمانيا الشرقية، وكانت موازية بقوة للواقعية الإيطالية الجديدة.. حدثني إذن، ما الذي أدهشك في فيلم "The Bicycle Thief" للمخرج فيتوريو دي سيكا و"روما.. المدينة المفتوحة" لـ"روسيليني"؟

بالنسبة لي، كان التعرف على الواقعية الجديدة الإيطالية مفيدًا للغاية. كنت قد بدأت للتو العمل في (DEFA)، وبذلت وقتها الكثير من المحاولات لاكتشاف ما إذا كان بإمكاني صناعة الأفلام، وكيف يمكنني القيام بذلك. حتى ذلك الحين، كان يسيطر عليّ اعتقاد أن الأفلام عبارة عن أشخاص يرتدون أزياءً تاريخية ويركبون خيولًا شامخة. أما في أفلام "الواقعيين الجدد"، رأيت لأول مرة قصصًا تشبهنا وتشبه تفاصيلنا التي تدور أحداثها في المنازل. هذا كان مشجعاً للغاية.. ولكن في الوقت نفسه، لم يكن يناسبني آنذاك.

 في عام 1957، مع المخرج "غيرهارد كلاين"، قمت بتصوير فيلم (برلين - ركن شونهاوزر). هل كان واضحًا منذ البداية أن الفيلم سيعرض في برلين، كما حدث لاحقًا مع العديد من أفلامك الأخرى؟

نعم، لقد جاء كلاين من برلين، حيث جئت أنا.. هذا الواقع المتنوع بين الشرق والغرب، كان يشبه فنون المغامرة. وبما أن الواقعيين الجدد صوروا أيضًا، إلى حد كبير، داخل المدن الكبرى، قلنا لأنفسنا: "بالتأكيد، برلين لا تقل جمالاً وأهمية عن روما". لقد أنقذني الواقعيون الجدد أيضًا من أخذ هذا النوع من السينما على العقيدة السوفيتية في الفترة الستالينية المتأخرة كـ"نموذج"، لقد أوجد لي الإيطاليون الجدد مخرجاً كنت أبحث عنه ووجدت معه ضالتي؛ لأنني في ذلك الوقت كنت لا أعرف سوى أنني لا أريد أن أصنع هذا النوع من الأفلام. نعم، لدي رغبة قوية في محاكاة ذلك، ولكن بطريقة أخرى.

 سبق أن صرحت في مقابلة إن المخرج "أندرياس دريسن" جاء من "مقاطعة شعرية مماثلة". هل هذا مطلب ملحٌ بالنسبة لك، للتعاون مع المخرجين الآخرين؟

بالتأكيد.. من المهم أن يكون لدينا شاعرية مشتركة. يبدأ الأمر بإيجاد أفلام مشابهة "سيئة"، لأنك هنا تعرف جيداً ما لا تريد القيام به. إذا كان هناك مجموعة من عشر نقاط حول مسألة ما، فعليك الاتفاق على ثماني نقاط على الأقل قبل البدء. يمكن أن تظل النقطتين المتبقيتين قيد التقييم؛ وصدقني ستظلان عصيتين بما فيه الكفاية.

 تتميز أفلامك بالحوار الرائع والغريب، فالحوار في أعمالك مصمم بشكل جيد للغاية. كل شخصية من شخصياتك لها موقف، حيث تقول المواقف أكثر مما يقول الأبطال.. فكيف لك هذا؟ وكيف تولدت لديك هذه الخبرة في حياكة نصوص الحوار؟ وما أفلامك المفضلة؟

إنه مخزون من العبارات التي ربما سمعتها واختزنتها ذاكرتي انتظاراً للحظة المناسبة لاستدعائها، ومن ثمة يتكون الفن والحرفة معاً في قوالب الجمل والعبارات التي تستخدمها أنت شخصياً وتستدعيها وتكيفها بطريقة أُخرى عندما تحتاج إليها. فهناك حوار تعلن فيه الشخصيات، بصورة مباشرة، عن مشاعرهم ويمكنهم التعبير عنها. لكنني، في الواقع، أؤمن بأن للغة دوراً آخر لا يقل أهمية وهو فن إخفاء الأفكار. الحوار الجيد لا يفسر المواقف باستمرار ويشرحها. يجب أن يكون للحوار ثغرات ودهاليز تجذب معها المستمع.. يمكنك أن تقول كل شيء. ولكن ليس كل ما تقول يَنطق بكل شيء. أما بخصوص أفلامي المقربة إلي، فهي الأكثر شهرة، مثل Ich war neunzehn، Der Aufenthalt، Solo Sunny. ولكن هناك أيضًا فيلم لا يعرفه الكثير من الناس، لكن القلة ممن يعرفونه يحبونه، وهو Der nackte Mann auf dem Sportplatz.

لم يلق الفيلم حقًا النجاح الكافي في السينما، لكنه قريب من قلبي - بسبب قالبه الخاص، وذكرى التوقيت الذي صنعناه فيه، وكذلك الأشخاص الذين صنعناه معهم. في المجمل، لم يكن أي من هذه الأفلام عصريًا، وبالتالي لا يمكن أن نقول عليهم اليوم أنه قد عفا عليهم الزمن. فدائماً ما رأيت القصص التاريخية تكتسب خلوداً نضراً يحررها من محدودية الزمن.. الرهان دائماً كان على طريقة السرد: يمكنك سرد قصة بسيطة بطريقة معقدة، ويمكنك سرد قصة معقدة بطريقة بسيطة. لكن أفضل ما في الأمر، كما يبدو لي أحيانًا، هو سرد قصة بسيطة بطريقة بسيطة.

 قلت ذات مرة: "الموضوعات العظيمة، التي تُعاد مرارًا وتكرارًا، تكون عن الحب والموت والطقس".. فما الذي يجعل قصة الفيلم جيدة؟

تحكي العديد من الأفلام فقط ما تدور حوله حرفيًا.. لكن القصة الجيدة توجهك أيضًا إلى شيء ما لا وجود له فعلياً داخل الأحداث. أحيانًا تكون القصة الجيدة في الأفلام أكثر ذكاءً من الأشخاص أنفسهم الذين يصنعون الفيلم. وهو ما تحلم به دائمًا كأحد صُنّاع السينما، ألا وهو، أن تشعر بالحياة في وقتها الحالي. لهذا السبب تُصنعَ الأفلام. حالياً، أشعر بأنني أكثر قرباً من السينما التي لها علاقة وثيقة بالحياة اليومية، بالروعة والصدفة في الحياة، مع كل القصص الصغيرة التي تخبّئ خلفها رسالة أكبر وأكثر عمقاً. وكذلك مع الأفلام التي لا تغيب عن بالنا فيها القصة الكبيرة - ولا أعني بذلك أفلاماً سياسية. إن صناعة فيلم يحمل موقفاً سياسياً تختلف عن صناعة فيلم سياسي. فأنا مهتم بالأفلام التي تحقق الوعي بحالة الشأن العام والتعامل معه بمرونة الحياة اليومية. وعلى أية حال، لقد صرت أكبر سنًا الآن. وهذا لا يغير من جدية الانخراط في مهنتي، لكنه يغير الإلحاح قليلاً. لست مضطرًا لبذل نفس الجهد للحفاظ على تواجدي. وأعمالي في الوقت الحالي مرهونة أكثر بالشغف والظروف المواتية لظهور العمل على الشاشات.
 



DEFA

هـو "Deutsche Film-Aktiengesellschaft" وهو أستوديو الأفلام المملوك للدولة
لجمهورية ألمانيا الديمقراطية (ألمانيا الشرقية) قبل عهد التوحيد وسقوط سور برلين.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها