تُعدّ صناعة الخوص "أوراق سعف النخيل" من الحِرف اليدوية التي استطاعت المحافظة على وجودها في الأماكن التي يكثر فيها شجر النخيل، وتُسمّى بأسماء عدة مثل السعفيات. ولا تزال صناعة الخوص منتشرة، فلا يكاد يخلو بيت من البيوت الشعبية بالإمارات من منتجات سعف النخيل، كما أصبحت تلك المشغولات الفنية التراثية تحتل مساحاتٍ واسعةً بين العناصر التزيينية في ديكور البيت والمناسبات التراثية؛ لأنها تُضفي الجمال والبساطة على المكان، فضلاً عما تحمله من ملامح أصالة الآباء والأجداد.

صناعات يدوية:
يشير الباحث والمتخصص في مجال التراث الشعبي فهد المعمري؛ إلى وجود نوعان من خوص النخيل: الأول من لب النخل ويسمى "القلبة الوسطية"، وهو صغير الحجم وناصع البياض وهذا النوع تميّزه الليونة، فيسهل استخدامه في عمل منتجات معينة دون أن يتعرض للكسر، مثل: صناعة السرود والمخرافة والجفير. أما النوع الثاني؛ فهو بقية أوراق النخيل العادية، وهي أوراق أكثر خشونة، ويتم غمرها بالماء لتطريتها حتى يسهل تشكيلها وصنع أدوات منها: الخصف والملالة والسمة والحصير والمزماة واليلة. وهناك السعف الملون فيتم تلوينه قبل بدء عملية التشكيل باستخدام الصبغات ذات الألوان الزاهية وتترك لفترة حتى تكتسب اللون المطلوب، وبعد جفافها تبدأ عملية التصنيع اليدوي وهذه العملية تبدأ بعمل جدائل أو (ضفائر) من السعف ويختلف عرضها باختلاف المنتج المطلوب تصنيعه. وتابع المعمري؛ إنّ كثيراً من الحرف والمهن الشعبية التقليدية يدخل فيها أوراق شجر النخيل مثل؛ الشب، القحفية، ويصنع الحابول من ليف النخيل بعد نقعه في الماء، وكذلك تصنع المداخن؛ أي المباخر من جريد النخل بعد إزالة السعف. وحول كيفية صنع الخوص يشير المعمري؛ إلى أنّ الأمهات في الماضي؛ كنّ يصنعنه مما توفره البيئة المحيطة من مواد أولية تشمل احتياجات البيت ومستلزماته، لذا فقد أبدعن من خيرات النخلة في عمل العديد من المنتجات المنزلية الخفيفة، والأدوات القشّية التي تتوزع في مختلف أركان البيت، وتتزين بها حفلات حق الليلة والمناسبات والمهرجانات التراثية في الدولة. وقال المعمري؛ إنّ أهم المنتجات التي تصنع من الخوص: المشب وتستخدم في إيقاد النار، والمهاف كمروحة يدوية للتبريد أو التهوية بصفة عامة، والسلاسل التي تأتي بأحجام مختلفة لحفظ الفواكه والتمور الطازجة أو الملابس، كما صنع من ليف النخلة شباك الصيد، والمكبة مثلثة الشكل وتستخدم لتغطية الأطعمة وحفظها من الحشرات والغبار، وصنع منها أيضاً الجراب، وتقوم النساء بتخزين كميات وفيرة من الأطعمة داخله دون أن يسبب التلف، حيث يسمح هذا الإناء بدخول الهواء بنسبة بسيطة جداً.
ألعاب شعبية:
استطرد فهد؛ أمثلة عن الألعاب التي تعتمد على سعف النخيل منها: لعبة "خيل يريد"، وهي لعبة جماعية للأطفال، حيث يضعها الطفل بين الرجلين، ويمسك مقدمتها بيده اليمنى وعصا بيده الأخرى تستعمل لضرب السعفة من الخلف أثناء الجري. ولعبة "المروهة" خوص النخيل الذي يتم تقطيعه إلى أربعة أضلاع متساوية بحيث تأخذ شكل الريشات الأربع لمراوح الهواء المعروفة، وتثقب في منتصف الخوصات، ثم توضع العصا، وأثناء الجري تتحرك المروحة بسرعة. ولعبة أخرى تسمى "الكرب" فتصنع من كرب النخيل، وهي عبارة عن نموذج مصغر من الهودج. كما كانت الفتيات يعلقن الأراجيح على أغصان الشجر.
وأشار فهد؛ إلى أنّ الحِرف الشعبية لها تاريخ حضاري طويل، وتراثها الشعبي يتسم بالعراقة والثراء والتنوع، وبسبب قيمتها التراثية لا تزال حاضرة في المجتمع من خلال المناسبات التراثية بفضل دعم المؤسسات الثقافية، ولكن المشكلة تكمن في عدم وجود سوق للمنتجات، أو مشاريع إنتاجية خاصة تحتضن الحرفيين تحت مظلتها، ليتشجع الشباب على مزاولتها وجعلها مصدر دخل لهم.

النخلة أم الخير:
بيّن الباحث الدكتور الإماراتي سعيد الحداد؛ أن شجرة النخيل من أهم الأشجار التي اعتمد عليها الأهالي في الإمارات، ولذلك تُسمى بأم الخير؛ لأن عطاءها لا ينتهي. وتعتبر صناعة السعفيات من الصناعات القديمة وخاصة في المناطق التي يكثر فيها النخيل. ويقول سعيد: تصنع السعفيات من خوص النخيل، ويمكن تسميتها باسم (حرفة الخواصة) لارتباطها بالنخلة، وتتميز صناعتها بالدقة والجمال والإتقان". واستطاع الكثير من الإماراتيين قديماً ممارسة هذه الحرفة اليدوية لتوفر موادها الخام الناجمة عن انتشار زراعة النخيل في واحات واسعة. وذكر الباحث سعيد؛ أنّ الأهالي استخدموا من أوراق السعف صناعات كثيرة منها؛ الحصر والسجاد (كسجاد الصلاة)، والمخاريف والسراريد والمرامي، والجفران والمكانس، والعريش وهو غرفة تتكون من أربعة جذوع مرتكزة على الأرض، ويُغطى الجزء العلوي والجوانب بالسعف، حيث يتم ربط مجموعة من السعف بالحبال المصنوعة من الليف، والخصافة... إلخ، فالنخلة كانت وما زالت تُشكل أهمية بالغة للأهالي في الماضي والحاضر، فهي مصدر الرزق والعيش.
ويضيف الحداد؛ ترسخ المهرجانات أهمية ومكانة النخلة كجزء من الهوية الوطنية للإماراتيين، فهي تقدم الفرصة للحرفيين لعرض صناعاتهم التي تدخل فيها منتجات النخيل، كما تسعى إلى نقل هذه الثقافة للأجيال القادمة؛ لكونِها تمثل موروث الأجداد. ويشدد على أنّ صون التراث لا يقع على عاتق المؤسسات الرسمية فقط، بل هو واجب وطني ومسؤولية مجتمعية يتحملها كل فرد من موقعه.