بين الحقيقة والخيال.. هل يمكن للبشر أن يعيشوا في الفضاء؟

مظفر إسماعيل


يكثر الحديث في أيامنا الحالية عن اضطرار البشر في المستقبل القريب إلى البحث عن كوكب آخر غير الأرض، لضمان استمرار الجنس البشري. ويؤكد الكثير من العلماء والباحثين أن الحياة على كوكب الأرض تصبح يوماً بعد آخر أمراً صعباً، بسبب ممارسات البشر التي ألقت بظلالها على مقومات الحياة بشكل عام، من مناخ وغذاء وماء وأمان وغير ذلك. وتبقى فكرة مغادرة البشر للأرض موضوعاً شائكاً ومعقداً ومثيراً للنقاش، خاصة مع انتشار عدد كبير من الآراء والتحديات المرتبطة بها.
 

الأسباب التي قد تدفع البشر إلى مغادرة الأرض

تتعد الأسباب التي قد تجبر الناس على جمع متاعهم والسفر في الفضاء، بحثاً عن بيئة مناسبة للاستمرار في الحياة. وتعد الكوارث الطبيعية أحد أبرز تلك الأسباب، وأكثرها منطقية، وتشمل الأحداث الكارثية مثل الاصطدامات الكوكبية، أو الثورات البركانية الهائلة، أو الزلازل التي تفوق قدرة البشر على التحمل، أو التغييرات المناخية المدمرة.

كما يعتبر التلوث البيئي سبباً هاماً جداً لهجرة البشر، فقد يؤدي النشاط البشري إلى تلوث الأرض لدرجة تصبح غير قابلة للسكن، وهو ما بدا واضحاً من خلال الدراسات الأخيرة، التي أثبتت أن تلوث الهواء، خاصة في المدن الصناعية الكبرى، بات يسبب أمراضاً جديدة، ويرفع نسبة الوفيات إلى درجة غير مقبولة.

ومن الأسباب التي يتفق عليها جميع الناس، نقص الموارد، تلك المشكلة التي باتت تهدد أمن البشرية، مع استمرار نمو السكان واستهلاك الموارد الطبيعية، وعدم الجدية في البحث عن مصادر وموارد متجددة.

وتطل الحرب النووية برأسها كسبب بارز قد ينسف الأرض عن الوجود، ويجعلها كتلة قاحلة غير قابلة للحياة، حيث يمكن أن يؤدي صراع نووي واسع النطاق إلى تدمير البيئة على الأرض بشكل لا يمكن إصلاحه، ومن يدري؟ فقد تكون الحرب النووية على بعد أيام أو ساعات منا، مع احتدام الصراعات بين الدول العظمى في السنوات القليلة الماضية.

ورغم سوداوية السيناريوهات السابقة، يوجد سبب إيجابي ومشوق ناتج عن التقدم التكنولوجي، قد يدفع بالبشر إلى تغيير مكان حياتهم، فقد تؤدي التطورات التكنولوجية المتقدمة إلى إمكانية استكشاف الفضاء، وبناء مستعمرات بشرية على كواكب أخرى، والعيش في بيئات أكثر جمالاً وأماناً من أرضنا.

التحديات التي تواجه مغادرة الأرض

ومن التكنولوجيا التي قد تكون سبباً في سفر البشر للفضاء، يبرز عامل تكنولوجي يعيق الفكرة، حيث تتطلب الرحلة إلى كوكب آخر تقنيات متقدمة للغاية، متعلقة بالسفر الفضائي ودعم الحياة وإنتاج الغذاء، ما يعني أن إكمال الحياة في الفضاء أمر يتطلب بحرا من التطورات التكنولوجية، التي قد لا يتمكن البشر من تحقيقها.

وتعد التكلفة التي تتطلبها مغادرة كرتنا الأرضية، والتي ستكون باهظة للغاية، خاصة وأن الأمر سيكون حكراً على دول أو مجتمعات معينة، عائقاً يستحق الذكر، ما يعني أن امتياز الهجرة سيتطلب التضحية بالكثير من الأموال.

ما استعرضناه من تحديات، أمور تحدث قبل الهجرة البشرية، أما في مرحلة ما بعد الهجرة، تبرز المخاطر غير المعروفة كأبرز التحديات التي ستواجه البشر، فأي كوكب جديد سيحمل مخاطر ومجهولات جديدة قد تغيب عن التحضير والاستعداد، ما يعني انعدام الاستقرار لزمن طويل.

كما أن جسم الإنسان لن يتمكن من العيش في خارج المجال الجوي للأرض، ما لم يتم تحضيره لمثل هذا الأمر، حيث أثبتت الدراسات أن الإنسان سيعاني من تأثيرات جسدية ونفسية متعددة عند العيش في الفضاء لفترة طويلة، مثل ضمور العضلات والعظام في بيئة انعدام الوزن، وإعادة توزيع السوائل. وسيؤدي انعدام الجاذبية إلى اضطرابات في الجهاز الهضمي، على مبدأ ما يعانيه رواد الفضاء من ضعف الجهاز المناعي، والتعرض للإشعاع ومشاكل في الرؤية، إضافة إلى التغيرات النفسية كالضغط النفسي والقلق، والتغيرات في المزاج واضطرابات النوم والإدراك المعرفي.. وبما أن مدة التعرض للفضاء تلعب دوراً رئيسياً في شدة هذه التأثيرات، فمن المؤكد أن البقاء مدى الحياة في الفضاء يتطلب إجراءات مختلفة كلياً أو مطورة عن تلك المتبعة مع رواد الفضاء الذين يقضون أشهراً فقط.

فلا يكفي هنا تصميم مركبات الفضاء بشكل خاص، ولا الرياضة المنتظمة والمخصصة، ولا جملة التمرينات النفسية والسلوكية المتبعة.. فجسم الإنسان سيصبح أطول بعد فترة بسيطة، وستتباعد الفقرات، وستتقلص الكتلة العضلية والعظمية، وتشير إحدى الدراسات إلى أن الإنسان يفقد عبر البول واحداً في المئة من كتلته العظمية كل شهر، ما يعني اختفاء عظامه خلال أقل من 9 سنوات.

وتعد الإشعاعات المسرطنة إحدى أبرز الأخطار التي تقضي على الإنسان خلال فترة قليلة من انتقاله إلى كوكب آخر، فعلى سبيل المثال، فإن الجرعة التي يتلقاها الإنسان من الإشعاع على كوكب الأرض تعادل نحو 3 ميلي زيفرت سنوياً، مقابل 30 ميلي زيفرت عندما يسكن المريخ.

ويعني ذلك بلغة الأرقام، أن الإنسان الذي يسكن المريخ سيتلقى خلال حياته خمسة آلاف ضعف الإشعاعات التي ستصله وهو على الأرض.

باختصار.. حياة الإنسان في الفضاء ستصبح أقصر، طباعه ومزاجه سيتغيران، شكله سيصبح قبيحاً، لونه سيصبح مختلفاً تماماً، فقد يبدو باللون البرتقالي على المريخ مثلاً، والأخضر أو الأصفر على كوكب آخر.

 

الخلاصة:

ما سبق يؤكد لنا أن الإنسان إذا أحب أن يغير كوكبه، فالأمر سيتطلب منه تغيير جنسه بشكل تام؛ لأنه سيتحول إلى كائن لا فقاري، قد يبدو عدائياً أو متوحشاً، وقد يصبح متوسط عمره بين خمس وعشرة سنوات فقط.

قد يصبح الإنسان عاجزاً عن التكاثر، وقد يفنى الجنس البشري عن بكرة أبيه في حال غادر كوكب الأرض.

لذا من الأفضل والأقل تكلفة وعناء، أن يحسن البشر الظروف على كوكب الأرض، وأن يعيدوا النظر في كل ما من شأنه أن يهدد تواجدهم وقدرتهم على الحياة على سطح الأرض، فالبشر خلقوا للأرض لا لكوكب آخر، مهما تقدم العلم واجتهد العلماء.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها