الصالونات الأدبية.. موروث قديم يتجدد

ثناء عبد العظيم




 

تعدُّ الصالونات الثقافية في الوطن العربي من أهم المنابر الأدبية التي يلتقي فيها المفكرون والشعراء والأدباء لطرح رؤاهم وكتاباتهم، ومناقشة قضاياهم الفكرية، وهي وسيلة لمناقشة أحوال البلاد، وما طرأ على المجتمعات من متغيرات وتحديات ثقافية.

الصالون الأدبي له دور كبير في إحياء الثقافة العربية والنهوض بالوعي المجتمعي.. وكان الأدباء قديماً يتخذون من المقاهي مجالس ثقافية مفتوحة، ثم تحولت بفعل خصوصية الأدب إلى صالونات للتحاور وسماع الشعر والأدب.. وكان من أوائل الصالونات الأدبية بالقرن التاسع عشر صالون "نازلي فاضل" ابنة مصطفي فاضل باشا، و"مي زيادة"، و"العقاد"، و"طه حسين"، و"أحمد تيمور" وكثيرين.

ومع تطور الحياة أخذت الصالونات الأدبية في الانتشار بالوطن العربي، فما أحوجنا في هذه الأيام إلى المزيد من الصالونات الأدبية لمواجهة التحديات، بعد التطور التكنولوجي والعولمة وثقافة التغريب، فما هو الدور الذي تقوم به في وقتنا الحاضر للحفاظ على هويتنا وثقافتنا العربية؟

تقارب بين الشعوب:

تقول الدكتورة سهير غنام: "إنها أقامت صالونها الثقافي في أبوظبي عاصمة الثقافة والأدب والتي تزخر بالأنشطة الثقافية والأدبية، ومنشأ للعديد من الجوائز الثقافية والفنية، فهي تحتضن ثقافات متعددة وجاليات من جميع أنحاء العالم، مما سهل على الصالون دوره في خلق تقارب بين الشعوب، مستلهماً أهدافه من الواقع الفعلي للإمارات". وأضافت: "إن النهضة المتنوعة في الإمارات والأنشطة الثقافية جعلت صالوني الأدبي زاخراً بالأدب الإنساني، ونشر الجماليات والارتقاء بالذوق العام، وساهم في دعم كتاب مئوية زايد، وخيمة التواصل العالمية، والكثير من الفعاليات حتى أصبح له بصمة خاصة مشهود بها عربياً وعالمياً، من خلال التعاون مع اتحاد أدباء أمريكا، واتحاد الكتاب والمثقفين العرب بفرنسا والبرازيل".
وأشارت غنام "إن صالوني الثقافي له دور فاعل في أزمة كوفيد 19 فأقام الحفلات الموسيقية لرفع الحالة المعنوية، واستعان بالاستشاريين لدعم الأسرة العربية، وعرض القضايا الاجتماعية، ومناقشة الأعمال الأدبية والنتاج الأدبي على المختصين، مما سمح بتبادل الخبرات والثقافات المتنوعة بين أبناء الدول العربية".

وقالت غنام: "إن الصالونات الأدبية دورها تثقيفي ومعرفي يختلف عن الكيانات الاجتماعية الأخرى، وعليه فإن القوة الناعمة والمؤثرة والمتمثلة في مساري الثقافة والأدب لها دور فعّال في التوعية ضد ما يطلق عليه حروب الجيل الرابع".
وأوضحت: "أن الصالونات الأدبية تكشف عن مواهب ثقافية أدبية كثيرة، وقد اكتشفت عدداً لا بأس به من المواهب في الشعر والقصة، من خلال مسابقات تذيل بهدايا مادية وعينية للتشجيع على الإبداع، كما يقدم الصالون فقرات موسيقية ومسابقات فنية، ويهتم بالجماليات والارتقاء بالذوق العام، ولم يغفل قضايا المجتمع ومناقشتها وإيجاد الحلول لها، وتبنى حالات مثل الأسرة أمانة، والمرأة نموذجاً، والرحمة في فكر زايد، والطاقة الإيجابية وكيف نحافظ عليها، ومعالجة الطاقة السلبية".

لم الشمل:

وتابعت الكاتبة البحرينية الدكتورة سهير المهندي: "إن تجربة الصالونات الأدبية ملهمة، فهي أساس لمجتمعات متطورة، تبني من خلالها فكراً مستنيراً يساهم في نهضة وطنية ووجه حضاري قيم". وأضافت: "إن الصالونات الثقافية الأدبية لم يكن وجودها عبث؛ وإنما هي لتهذيب النفس البشرية، والارتقاء بالمستوى الفكري والإبداعي، ومستوى الإحساس المرهف الناعم الرقيق الذي يموج على أوتار السمع، ويترنم على نبض القلب حتى يتجسد في صورة ساحرة للتعابير الأدبية، والأقاويل التراثية لخلق أجواء سحرية فالإنسان بحاجة لها لصفاء ذهنه، وهدوء نفسه، ورفعة شأنه".

وأشارت: "إلى أن الصالونات الأدبية خلطة سحرية لمجموعة من الأديبات والأدباء من أصحاب الفكر الذين يجتمعون في أوقات مرتقبة على بيانو النغم، ورقص الكلمات، وهي ليست وليدة اللحظة أو هذا الزمان؛ وإنما هي حركة نهضوية متطورة للثقافة نشأت في إيطاليا من القرن السادس عشر على أيدي الطبقة الأرستقراطية حتى انتشرت في فرنسا في القرن السابع عشر، فكانت فرصة للشعراء والأدباء لمناقشة وتبادل إبداعاتهم الأدبية والفكرية، فكان أقدم صالون في التاريخ الفرنسي "فندق رومبيو" القريب من قصر اللوفر في باريس، وفي العالم العربي جاءت الصالونات على شكل مجالس أدبية يتم فيها مدح الملوك والأمراء كمجلس المأمون في العصر العباسي، ومنها أيضاً سوق عكاظ، كما كانت القاهرة أبرز العواصم العربية التي اجتهد فيها المبدعون لإنشاء صالونات ثقافية، وعلى رأسها كان "صالون مي زيادة".

وأضافت: "في منطقة الخليج كانت المجالس الثقافية لها دور كبير في مناقشة الكثير من القضايا العربية والمجتمعية والأدبية، فشملت كل أنواع الثقافة وإبداعاتها وشؤونها بكل شغف، فتعددت في كل مناطقها باهتمام من ذوي الفكر والثقافة، ومن المهتمين بشؤون المجتمع فكانت المجالس الثقافية النسائية ومنها الرجالية وغيرها من الشبابية".

وقالت المهندي: "إن الصالونات الثقافية فرصة للم الشمل المجتمعي، وتعزيز الكثير من القيم الأخلاقية، والمبادئ الإنسانية في مجتمعاتنا العربية والخليجية، بجانب التثقيف لكثير من قضايا الشأن العربي، وتقديم التوصيات والمقترحات إلى جانب التثقيف الأدبي، وإبراز المواهب، والإبداعات والكشف عن الشخصيات الملهمة، وإبراز المواهب المجتمعية من الناحية الفكرية والإنسانية، وتعزيز التعاون المجتمعي للمناطق المختلفة التي تنشأ فيها هذه المجالس الثقافية.

وهي فرصة لتعزيز وتقويم سلوكيات الأفراد، وخصوصاً الشباب لمواصلة النهضة المجتمعية والبنيوية في وطنهم، وتأسيسها على قواعد وأسس معينة، فهي أداة سحرية تستقطب كل فئات المجتمع من خلال ما تمزجه من خلطة فكرية وثقافية مختلفة بأزمان ومراحل عمرية متفاوتة، تجعلك تعيش في عوالم مختلفة من الأدب والثقافة".

إثراء الفكر:

وقالت الكاتبة والشاعرة هويدا عطا: "كانت فكرة الصالون الأدبي حلم يراودني كثيراً، حتى بدأت تكوين المؤسسة التنويرية عام 2014 في القاهرة، تحت مسمى (صالون هويدا عطا للحرية والإبداع) تيمناً باسم الجائزة التي تحمل اسمي والتي أطلقها صالون الخريف الفرنسي بباريس". وأضافت: "إن صالوني الأدبي يضاهي الصالونات الثقافية الحقيقية التي تربينا عليها واستقينا الآداب والفنون والفكر والعلوم من نهرها، حيث كانت تلح على مخيلتي تلك الصور القديمة المسكونة بلوحات الإبداع بمختلف ألوان الفنون، والتثقيف الحقيقي في الزمن الجميل، الذي كان له وجه مختلف تماماً عما يحدث الآن مثل صالون العقاد، ومي زيادة، وطه حسين وغيرها، والذي أثرى الحركة الثقافية المصرية والعربية، ومنحته صفحات مضيئة مشرفة نعيش عليها ونباهي بها الأمم".

وأكدت عطا: "أنها قدمت 27 صالوناً ثقافياً في مختلف مجالات الإبداع وروافده، من شعر وقصة ورواية وفن تشكيلي وغنائي، وقضايا فكرية وعلمية واجتماعية متنوعة وغيرها، في القاهرة وخارجها بالمحافظات المختلفة". وقالت: "استضفت بعض رموز الإبداع كالراحل سعيد كفرواي راهب القصة العربية، وكاتب الأطفال يعقوب الشربوني، والشاعر أحمد غراب، والشاعر عميد الضاد الدكتور صابر عبد الدايم، وعالم المصريات بسام الشماع، والدكتور أيمن البشبيشي الخبير الاستراتيجي بالأمم المتحدة، والفنان محيي إسماعيل، وأقيم لأول مرة بمصر والوطن العربي معرض فن السلويت للفنان أحمد زعبل، وتم تكريم الدكتور أحمد عمر هاشم الأستاذ بجامعة الازهر".

وأوضحت عطا: "أحرص دائماً على رعاية المواهب واكتشافها، وأمنح لهم الفرصة من خلال تقديم فقرات إبداعية كإلقاء الشعر وقراءة النصوص القصصية، ومناقشة الكتب وتقديم النقد، بجانب الغناء والتمثيل والحرف الفنية، وإقامة المسابقات وتكريمهم، وقد سعدت بظهور أحد أصحاب البصيرة المهوبين على الساحة الفنية الفنان أحمد عشري، وهو أول مكفوف بالعالم يرسم وينحت في نفس الوقت، وقد احتفلنا لأول مرة في مصر بأصحاب البصيرة أعضاء حملة (نورك نوري شوف بعيوني)، وبأبطال نصر أكتوبر في جوٍ مليءٍ بالإبداع والغناء والمحبة. ويحرص الصالون على تقديم ما هو مفيد للمجتمع بشكل عام، فيناقش القضايا الثقافية والمجتمعية الهامة على أيدي خبراء وكتاب ونقاد.

وقالت عطا: "هناك حضور من أصحاب الإبداعات الحقيقة، والجمهور الواع المثقف الذي يمتلك ذائقة أصيلة، ويبحث دوماً عن الغوص في وليمة أدبية، وعادة ما يحضرها كتاب وأدباء عرب من سوريا والسعودية والعراق والسودان، ولا أنسى الندوة التي أقامها الصالون على هامش مهرجان الفن في عيون إفريقيا، وكنت راعية له ببيت السناري بالسيدة زينب في ديسمبر 2015، حول الإبداع المصري الإفريقي دعا إلى وحدة التقارب الفني الثقافي الإنساني بين مصر وأفريقيا". وأكدت عطا: "للأسف في الفترة الأخيرة اختلط الحابل بالنابل والغث بالسمين، وكل من هب ودب يستطيع بكل سهولة أن يقيم صالونا أدبياً حتى إن بعضها خرجت عن أهدافها الحقيقة النبيلة التي خلقت من أجلها، ولا بُدّ من مراقبتها لتحديد إذا ما كانت جادة، وتحقق التثقيف الراقي بعيداً عن الهزل، وتشويه الاسم العريق للصالون الأدبي، وتحقيق أغراض أخرى غير لائقة".

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها