الفن السابع.. والحاسة السادسة

حوار مع عبد الله الجنيبي

حاوره: شادي سلامي رزق


 السينما تحب المشاكسين 

بدأ بجملة تكاد تكون مقولة مؤثرة في صناعة السينما، "أنا لا أكتفي بالمشاهدة فقط، وأن بطل القصة لا يمكن له أن يكون جالساً على كراسي المشاهدين"..

كان يعمل سائقاً إلا أن الفضول قد أوصله إلى أن يكون مخرجاً بين مصاف مخرجي السينما الإماراتيين الكبار، فوضع بصمته بعد سنين طويلة، خاصة بعد أن كان يسمع تلك المصطلحات السينمائية الغريبة (Tilt up – Tilt down – camera rolling….Action)، فكان يقف في الأماكن البعيدة يراقب عن كثب كل ما كان يحدث في عالم صناعة السينما، إلى أن أعطى رأيه في مسألة ما فأصبح يتقرب من حلمه شيئاً فشيئاً..

عبد الله الجنيبي إنسان بسيط يسعى جاهداً ووحيداً ليصنع سينما إماراتية عربية متقنة وراقية فكراً وإنتاجاً.. عاش طفولة متوترة وصعبة وما زال يعاني بصمت، هو زوج وأب يحاول أن يبحر بعائلته إلى بر الأمان.

عالمٌ متجددٌ لا يشيخ

"نصيبي من الدنيا لم يُمكنّي من أن أعيش رفاهية التعلم والدراسة الأكاديمية، فتسلّحت بالإرادة واعتنقت الخيال، وتسلّحت بالعمل للتعلم في كل مجال أستطيع الوصول إليه لأحقق حلمي، وكم كنت أتمنى أن أنعم بعلم أكاديمي لإيماني بأهميته، ولكن تغلبت على ضعف المادة بقوة الإرادة، وتعلّمت ميدانياً وكان طريقاً شاقاً ومتعباً، ولكن الحمد لله أثمرت الجهود إبداعاً".

وعن نظرية الشخص الواحد يقول: "أنا تلميذ مجتهد أُتابع أدرس أتعلم يومياً وأبحث عن كل جديد، وأطبّق بكل شجاعة دون رهبة، فالكتابة والإخراج... عالم متجدد لا يشيخ".

 روح الفريق 

حصل على جائزة أفضل مخرج، وجائزة أفضل فيلم طويل عن "فيلم كيمرة"، ضمن مسابقة (المهر الإماراتي) في مهرجان دبي السينمائي، ففي تجربته الفريدة هذه يقول:
"أفلامي هي أفكاري، أتخيلها، أكتبها، أعيشها، أصنعها، ولكن إذا وجدت قصة تغريني يمكن لي أن أتبناها وأعيش بداخلها".
 ويتابع قائلاً: "فيلم "كيمرة" كان إعلاناً لوصول نوع جديد ومتطور فكرياً وفنياً للسينما الإماراتية، بعد ما عشنا فترة طويلة كانت الصفة العامة فيها للفيلم الإماراتي، هي أنه فيلم رخيص وفاشل ودون المستوى، بسبب عدم الفهم؛ أي أن هناك فرقاً بين صناعة فيلم سينمائي وتجربة فنية لهواة، فأصبحت كل تجربة تسمى فيلماً، وكان هذا ظلماً حقيقياً دفعتْ ثمنه سينما الإمارات، بأن تنسب لها هذه التجارب الرخيصة فكرياً وفنياً".

ويختتم به: "حصول فيلم "كيمرة" على الجائزة كان نتيجة عمل وجهد مطعم بإبداع من جميع العاملين في الفيلم، وفعلاً يستحقون هذا التكريم".

الفيلم الذكي.. هذا ما ينقص العالم العربي!

وعن الدعاية في الفيلم كان رأيه كالتالي: "هناك فيلم ذكي في الرسالة والفكرة، وفي كتابتها وفي إنتاجها، وللأسف نحن ننتج أفلاماً ولكن ينقصها الذكاء، ووجود الإعلان بذكاء يخدم الفيلم إنتاجياً، ولكن قد يدمره إذا نقصه الذكاء.. فالخدع البصرية مثلاً عالمٌ مكلفٌ، ومع نوعية المنتج والمعلن في عالمنا العربي، لا أعتقد أن له مكاناً في أعمالنا القادمة، إلا إذا تدخلت جهات ما لإنتاج فيلم ما لرسالة ما.. لذلك نذهب للواقعية لأنها أرخص. فكرة فيلم "كيمرة" نجحت لأنها قصة بشكل مختلف نُفذت بإتقان ودون تنازلات فنية وإنتاجية".

 علامة فارقة 

أفلامي القادمة سواء فيلم (أماني)، وفيلم (وسواس)، ومسلسل اللعنة هي أعمال ذات فكرة ورسالة متقنة ومختلفة، وستكون إن شاء الله علامة فاصلة للإنتاج العربي الخليجي الإماراتي المختلف والمتميز.
وبصراحة ما زلنا نعيش أزمة ثقة عند الجهات المعنية للإنتاج في الدولة، وبصراحة أكثر أعذرهم، ولكن الشجاعة الفنية مطلوبة خصوصاً في بدايات بناء قاعدة سينمائية للدولة.

دور المؤسسات المعنية

وعند سؤالي له عن دور ومسؤوليات المؤسسات السينمائية، سواء في مراحل إنتاج وما بعد إنتاج الأفلام السينمائية، مثل «TwoFour54» التي تعتمد سياسة "Cash back 30%" من قيمة العمل، وهي مسألة مهمة في عملية إنتاج الأفلام لتشجيع صناعتها، أو «إيمج نيشن أبوظبي»، و«لجنة أبوظبي للأفلام»، و«لجنة دبي للإنتاج السينمائي والتلفزيوني»، قال:
"السينما الإماراتية لم تولد بعد، وما زلنا نبحث عن إرادة ودعم وفهم لدور السينما في الدولة". أما (الكمين) فهو حالة استثنائية، ويسمى عمل دولة ولا يحسب للسينما المحلية بحكم أنه عمل عالمي بكل المقاييس".

 الميراث (الإمارات والسعودية في خندق واحد) 

وفي حديثنا عن المنافسة، وجهتُ له السؤال التالي: قمتَ بإخراج مسلسل "الميراث" السعودي وهو من نوع المسلسلات الطويلة التي يطلق عليها اسم "soap opera"، ماذا قدم لك هذا العمل من ناحية دخولك الفضاء السعودي إن صح التعبير، رغم كثرة المخرجين السعوديين؟ وكيف استطعت الوصول إلى هذه الفرصة؟

فأجاب:
"مسلسل (الميراث) عمل مميّز من كل النواحي، وبحكم أنه عمل سعودي فلم أجد أي صعوبة في التصدي له، والتفوق في إخراجه، وتحية خاصة للحركة الإنتاجية المميزة للمملكة العربية السعودية، وما يحدث الآن من طفرة إنتاجية سينمائية ودرامية في المملكة، يثير الإعجاب والتقدير، مبارك للوسط الفني السعودي وتميزكم من تميزنا".

المنصات مقابل المحطات

التلفزيونات المحلية للأسف تشكو من الفقر وهذا غير صحيح، أعتقد هم فقراء في فهم الدور الحقيقي للدراما في بناء الفكر المجتمعي، وأتمنى أن ينظروا إلى الكويت والسعودية وما حققته الدراما لهم..
 المنصات العالمية للأسف تبحث عما يخدم مصالحها، والسينما إما أن تخدم الوطن أو تساهم في دمار العقول والأخلاق، فيجب أن يكون السلاح الفني في يدنا لا علينا، فحاذرِ من أن نسلّم هذا السلاح للغير ونندم عليه فيما بعد.

 نظرة إلى المستقبل 

السينما عالم راقٍ، ومختلف فكرياً وثقافياً عن عالم "السوشال ميديا"؛ لأن هذا العالم عبارة عن شارع يلمّ في طريقه كل شخص، مهما كانت ميوله أو ثقافته فلا يوجد تلاقٍ بينهما أبداً.

المشاريع الفنية موجودة والبحث عن البداية الحقيقية مستمرة، وفي انتظار الصحوة والوعي لدور السينما للوطن والمجتمع.. وأتمنى أن نعلن قريباً عن انطلاق الحركة السينمائية بالدولة، بما يتناسب مع جميع الخطوات الجبارة والمذهلة التي تعيشها الإمارات، وأنا واثقٌ بإنّ الغد هو دائماً أفضل..

ويبقى الرهان والسؤال هل سيحقق الفن السابع حقاً نقلة نوعية في النهضة الإماراتية، وينبئ بوجود أفكار خلاقة تساهم في رؤية المرحلة المقبلة، وتحدد ملامح الخمسين سنة القادمة أيضاً؟!
 

فيلموغرافيا

عبد الله المؤمن الجنيبي مخرج وممثل تلفزيوني وسينمائي إماراتي، ولد في 1 يناير عام 1970 في دولة الإمارات العربية المتحدة، شارك تمثيلاً في العديد من المسلسلات التلفزيونية، وأخرج برامج تلفزيونية وإعلانات تجارية، ولديه خبرة ما يقارب 20 سنة في هذا المجال، فاز فيلمه (الطريق) الذي أخرجه بالاشتراك مع حميد العوضي بجائزة أفضل إخراج في مسابقة المهر الإماراتي في الدورة التاسعة من مهرجان دبي السينمائي الدولي.

●  من أعماله: (مسلسل الميراث 2020 - غمز البارود 2016 – عام الجمر 2015 – دبي لندن دبي 2015 – دنيا الألم 2012 – أحلام سعيدة 2010 – أزهار مريم 2007 – شمس القوايل 2003 – بنت الشمار 1999).

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها