كامي لورنس.. وهواجس الشخصية

رواية "فتاة FILLE" مثالاً

كامل عويد العامري




 

«فتاة FILLE» رواية جديدة

إن المتاهة والتعاقب السريع للانطباعات، من أحاسيس حية ومتنوعة. هما الـ"صورتان أزرعهما، وأكرس نفسي لهما أولاً؛ لأن المتاهة تبني أعمالي: ببناء تجمع فيه بين الخسارة والاكتشاف والبوح، إنها تأثيرات الإثارة والرومانسية التي تتشابك. إن التعاقب السريع للانطباعات، هو كل أعمالي منذ البداية، إنها قطع من الألوان أقوم بتحريكها لعمل روايات مختلفة. دائماً ذات الفقرات المرتبة. وما زلت أنا، ولا يزال الخيال يعتمد على الهواجس الشخصية".

وبعيدًا عن كلمات الكاتبة، وبعيدًا عن مسار التنقل الذي تريد توسيعه ليشمل قراءها، يبدو أن هذين الشكلين من الانطباعات السريعة والمتاهة قادران على تفسير تحديات كتابة كامي لورنس؛ لأنهما يميلان من ناحية، نحو بنية ليست سردية فقط؛ وإنما معرفية أيضاً أي الأسطورة. بالمتاهة تحيي أسطورة المينوتور (في الميثولوجيا الإغريقية مخلوق نصفه رجل، ونصفه الآخر ثور)، التي لا نعرف أي كيان يظهر في العمل: الكاتب؟ القارئ؟ الموت؟ الجنون؟... ومن ناحية أخرى؛ فإن الانطباعات المتعاقبة تلجأ إلى أداة بصرية، وهي أداة إدراكية تقدم معالجة خاصة للواقع. وشاهدة على كل هواجس المؤلف الخاصة، وعلى هذا الهوس الخاص بالكاتب الحقيقي؛ أي ربط الكلمات بالواقع. مرة أخرى، فإن التعبير عن الخيال والواقع هو الذي يحدد عمل كامي لورنس تمامًا، مثل ذلك بين الواقعي والافتراضي. فضلاً عن ذلك إن كتاباتها المتنوعة تتميز بخصوصية الجمع بين التباين والتكرار، والتشكيك الذي يعد من صميم عمل الكاتبة.

في هذه الرواية، تكشف كامي لورنس عن مصير امرأة ولدت في أوائل الستينيات، واجهت المتغيرات الحياتية في المجتمع الفرنسي على مدار الأربعين عامًا الماضية. تحمل الراوية في صوتها القضايا الرئيسة المتعلقة بتعليم المرأة، وهيمنة الذكورية، ونقل القيم النسوية إلى الأجيال الشابة. لقد أصبح مسارها يجمع أصداء جميع اللواتي نشأن على فكرة التفوق الذكوري.

 تلتقط كامي لورنس بدقة هذه اللحظات المحورية من فترة الطفولة، والتي يمثل من خلالها الشخص البالغ ما سيصبح عليه الحال. ونشهد المراحل المختلفة لبناء الهوية، دون أن يطغى عليها أي شكل من أشكال النظرية. تبدو المواقف الإنسانية مؤثرة ومربكة. إن كتابات كامي لورنس بارعة بشكل ملحوظ، وهي تحيي وتصور بدقة خطوات الحياة العظيمة.

ولدت لورانس باراكيه في عام 1959 في عائلة برجوازية صغيرة في روان.. والدها طبيب وأمها ربة منزل. لقد فهمت في وقت مبكر جدًا، من خلال لغة والديها وتعليمهما، أن وضع الفتيات أدنى من وضع الأولاد. وتستمر هذه التجربة في المدرسة، في دروس الرقص، في مكتبة البلدية، حيث تفرض اللغة المكانة المهيمنة للجنس المذكر: "إن كلمة (الساقطة) تعود وتطاردها؛ إنها إهانة. ولكن ألم تكن صيغة المؤنث للفتى بالدرجة الأولى"؟

- في وقت مبكر جدًا، شعرت لورانس، الراوية، بأنها فتاة، ويعني أنها أقل شأناً. فهل بدا لها هذا الشعور له علاقة بجيل محدد أم أنه لا يزال ساريًا؟

لقد ساهمت المتغيرات في العقليات والحركة النسوية بالتأكيد في تحطيم النموذج التقليدي القائم على تنمية الذكورية، لكن استطلاعًا حديثًا يظهر أن آباء المستقبل يستمرون في تمني ذلك، ربما بدافع الرغبة التقليدية، في إنجاب ولد. ويعني هذا؛ أن هذه الرغبة كانت أكثر عنفًا في الستينيات، عندما بسطت الأبوية نفوذها دون قيود. ثم استوعبت النساء فكرة التفوق الذكوري؛ لأن الرجال يتمتعون بامتيازات في القانون. ويذكر أن المرأة لم يكن لها حق التصويت حتى عام 1945، وليس لها حق التوقيع على الشيك حتى عام 1965! وإذا أردن العمل، كان عليهن الحصول على إذن من أزواجهن. كما أوضحت سيمون دي بوفوار بوضوح في كتابها (الجنس الثاني -1949)، "نحن فتيات" بشكل افتراضي؛ أن تولد فتاة يعني أن تكون مجرد فتاة.. المرجع هو المذكر.

تكتشف الراوية في طفولتها عن قانون الصمت الذي تفرضه النساء الأخريات في الأسرة، عندما تكون ضحية التحرش... نعم، وفي قانون الصمت يوجد الموت- موت نفسية الفتاة، موت الطفولة. لكن هذا الأمر بالسكوت نتج أيضًا عن النظام الأبوي، وفكرة أن الرجال لديهم "أعذار" لسلوكهم العدواني - دوافع متأصلة في الذكورة. ومن ثم تصبح الأسرة، مجتمعًا صغيرًا يصدر أحكامه الخاصة، ويسن قانونه الداخلي، وخاصة في حالة سفاح القربى. الشيء الرئيس هو إخفاء العار، أو إنكار خطورة الجريمة.

هناك موضوع حساس آخر هو استحواذ الأطباء الذكور على أجساد النساء، من خلال قصة ولادة دراماتيكية... تبدأ الإساءة أثناء الاستشارات، عندما ينظر إلى المريضة بازدراء، وتجريدها من الإنسانية، أو عندما يروي لها الطبيب قصصاً بذيئة. في الرواية، الطبيب المعالج غير قادر على بناء علاقة إنسانية حقيقية. في حين أنه سيكون من الحماقة توجيه نقد مانوي جنساني، ومع ذلك يبدو أن الأطباء الذكور سيستفيدون من الصفات المنسوبة تقليديًا إلى النساء.. العناية والاهتمام والاصغاء، وما يسمى بالرعاية.

إذن؛ كيف تنظر الكاتبة إلى تطور مكانة المرأة في المجتمع الفرنسي خلال العقود الماضية؟

لقد كان هناك تطور هائل، أولاً مع حركة تحرير المرأة في السبعينيات، ثم حركة أنا أيضاً MeToo ، وهو وسم (هاشتاج) مؤلف من كلمتين انتشر بصورة كبيرة وواسعة على وسائل التواصل الاجتماعي، حول العالم خلال شهر أكتوبر من عام 2017، لإدانة واستنكار الاعتداء والتحرش الجنسي، ومع ذلك؛ يبدو الأمر هشاً.. إذ يجب أن يشارك الرجال بدلاً من الخوف فقط من فقدان راحتهم.

- "الابنة" الأخرى في الرواية هي (أليس) ابنة لورنس. بالنسبة لها، كونها فتاة يعني ببساطة أن تكون. فهل كانت حرية أليس هي تحرير وانتصار لورانس؟

نعم؛ هكذا بنية تطور الرواية.. إن اغتراب الأم لورانس، وطفولتها المقيدة والمسيئة، تجد نوعًا من الهرب الرائع في حرية ابنتها، خارج مهام النوع الاجتماعي؛ إنها رحلة صعبة، وتدريب مهني يتم فيه عكس دور الأجيال: الأم هي التي تتلقى هدية الحرية التي ترسلها إليها ابنتها.

 

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها