الذكاء النباتي.. هل تتكلّم النباتات؟

حواس محمود



يبدو أن نظرة الإنسان إلى النبات غير دقيقة وغير صحيحة تماماً، بحسب الدراسات الحديثة عن حركات وتصرفات ومجريات التعامل النباتي مع المحيط الخارجي، فلقد كانت النظرة الانطباعية للإنسان إلى النبات تتمثل بأن النبات ذات قدرات محدودة للغاية؛ إذْ إننا نعتقد أن الحيوانات وحدها التي تمتلك القدرة على أن ترى، وتتحرك وتحس، وتتذوق العالم المحيط بها، ومعظمنا ينظر بعين الشك إلى أولئك الذين يدعون أنهم عندما يتحدثون مع نباتاتهم المنزلية؛ فإن هذه النباتات تنمو بسرعة أكبر.
 

وهنا يمكننا أن نشير إلى ما توصلت إليه إليزابيث فان فولكينبورغ، وهي عالمة بيولوجية نباتية أمريكية من أن السلوكيات المتطورة التي لوحظت في النباتات لا يمكن تفسيرها في الوقت الحاضر تماماً بآليات جينية وكيميائية حيوية مألوفة، النباتات قادرة على الشعور والاستجابة على النحو الأمثل لكثير من المتغيرات البيئية – الضوء – الماء – الجاذبية – ودرجة الحرارة وهيكل التربة، والمغذيات والسموم والميكروبات والأعشاب، والإشارات الكيميائية من النباتات الأخرى.

كما أشار باحثون إلى أن أنظمة الإشارات الكهربائية والكيميائية قد تم تحديدها في النباتات التي هي مماثلة لتلك الموجودة في النظم العصبية للحيوانات، وأشاروا أيضاً إلى أن الناقلات العصبية مثل السيروتونين والدوبامين والجلوتامين وجدت في النباتات على الرغم من أن دورها لا يزال غير واضح.

ونقل عن فون ليبينغ في ويفر (1926) أنه قال: "النباتات تبحث عن الطعام كما لو كانت لها عينان".

وهنالك مؤشرات إلى أن "حقول البطاطس المزودة بأجهزة تصدر أصوات موسيقى كلاسيكية أعطت محصولاً أكثر جودة من حقول البطاطس التي نمت بدون موسيقى".

وقد أثبتت الدراسات الحديثة أن النباتات تمتلك استجابات خاصة للضغوط، فعند قطع إحدى أوراق نبات ما، على سبيل المثال، يتم إفراز مادة كيميائية تسمى الإثيلين (أحد الهيدروكربونات البسيطة) في صورة غاز ينتشر على جميع أجزاء سطح النبات. ولا يحفز إفراز هذا الغاز تضرر النبات فقط، بل وتحلله أيضاً – فالنبات المتعفن يفرز كميات كبيرة من الإيثيلين أيضاً، يطلق بعض العلماء على هذا التصرف عند النبات الشعور بالألم.

والأكثر من ذلك أن العلماء الذين درسوا هذه الاستجابة لديهم طريقة غريبة للتعرف على وجود الإيثيلين – عن طريق "الاستماع" إليه؛ فقد قاموا باحتجاز الغاز في غرف زجاجية صغيرة وقذفوه بأشعة الليزر، والتي تردد صداها بفعل جزيئات الغاز، وانبعثت منها أصوات ذات ترددات معينة. وعند رؤية هذا التأثير، سرعان ما كان العلماء والصحفيون يطلقون على هذه الأصوات اسم "الصرخات" – وفجأة، بدت استجابة النبات لتعرضه للأذى أقرب ما تكون للألم كما نعرفه.

وباختصار، فعلى مستوى بسيط للغاية- ومع إغفال "مشاعر" الألم- يمكننا القول بأن النباتات تمتلك أنظمة واستجابات "تبدو" كالألم؛ فمن الصعب، في واقع الأمر، أن نسميها ألماً؛ إذ إن الألم ينطوي على أكثر من ذلك بكثير..

كما أن الأسس الجزيئية لعمليات التعلم والذاكرة متشابهة عند الحيوان والنبات؛ فعندما تتعلم الحيوانات أن تهرب بسرعة أكبر من تهديد متكرر، مثل طعام أصابها بالمرض من قبل، أو سياج مكهرب يفاجئها بين الحين والآخر، تزداد سرعة وحجم الإشارة الكهربية في خلال دقائق معدودة. وهناك منظومة تستخدم أيونات الكالسيوم ومواد كيميائية تسمى المراسيل الثانية، بالإضافة إلى عدد قليل من الإنزيمات التي تجعل القنوات الأيونية التي تنقل الإشارات الكهربائية، أكثر استجابة لفترة مؤقتة… أما إذا ظل التهديد قائماً، تصبح حالة الانتباه المؤقتة أمراً مستديماً عن طريق تغيير عمليات التعبير الجيني وبناء البروتينات لصنع المزيد من القنوات الأيونية أو المزيد من الاتصالات بين الخلوية. وعندما يستشعر النبات نقصاً في الماء مثلا، تقوم نفس جزيئات الإشارات بتوجيهه لصنع المزيد من القنوات الحساسة للمساعدة في التحكم في كمية المياه الموجودة في خلاياه. وعلى المدى البعيد، تتغير معدلات التعبير الجيني وتخليق البروتين، وتزداد سماكة جذر الخلايا ويتضاءل حجم أوراق النبات، وفي النهاية ينمو للنبات عدد أكبر من الجذور، وعدد أقل من البراعم والأوراق.

هل تتكلم النباتات؟

يشير بعض العلماء إلى أن النباتات تتحدث فيما بينها أو مع بعض الحشرات التي تنجذب إليها بلغة وصوت لا يفهما بني البشر، ومن بين هذه النباتات يشار إلى أن الفاصوليا والتبغ والورود، من أشهر أمثلة النباتات المتكلمة. وهي ثرثارة ولا ينقطع الحديث بينها. ومعروف أن الكلام ينتقل عن طريق الذبذبات الصوتية، ولكن طريقة النباتات المتكلمة في التحدث مختلفة عن ذلك. فهي تستخدم تواصلاً كيميائياً للتحدث مع ما حولها. فالكلمة هنا تخرج على شكل رائحة كيميائية، تطير نحو النبات أو الحشرة المقابلة. والإنسان لا يلتقط عبر أنفه هذه الروائح، ولكن النباتات الأخرى تمتلك مستقبلات حساسة تعمل على التقاط وفهم هذه الرائحة. وبالتالي تفهم الكلمة ويمكن أن ترد بنفس الطريقة، بعض هذه الروائح قد تكون سامة تجاه أنواع أخرى. - إعلانات - هي إشارات كيميائية، تستخدمها النباتات المتكلمة للتواصل فيما بينها، وبين الأنواع الأخرى كذلك. سواء كانت نباتات من فصائل أخرى، أو حشرات، وهي بالفعل تصل إلى العديد من أنواع الحشرات. موضوع الحديث يهدف في الأغلب إلى مقاومة العداء الخارجي لتحمي النباتات نفسها. تماماً مثل الحيوان الذي يقف ويصرخ في وجه عدوه، من أجل أن يخيفه ويهرب منه. هي أيضاً تتحدث فيما بينها لصد العدوان الخارجي من حشرات أو آفات زراعية محتملة. وهذه هي فكرة استخدام لغة النباتات المتكلمة في صنع مبيدات حشرية ومقاومة الآفات التي تضر بالزراعة، بدون أن تؤذي البيئة نفسها. وكأن الإنسان سيدخل كطرف جديد في حديث تلك النباتات، ويساعدها. ترسل النباتات تلك الإشارات عن طريق عملية هرمونية تتم بداخلها أولاً. فهي ترسل إلى جميع أجزائها بعض الهرمونات.

وهنالك أمثلة أخرى كثيرة، لا يتسع المجال لذكرها هنا، تشير إلى تصرفات وسلوكيات نباتية –إن جاز التعبير–.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها