"بثينة خضر مكي" اسم لامع وبارز في الثقافة السودانية، وعلى ساحة الإبداع العربية، لها باع طويل في الممارسة الأدبية، والعمل الثقافي والتربوي، حازت وسام العلوم والفنون والآداب من رئاسة الجمهورية السودانية 2003، كما فازت بجائزة الإبداع والتميز العلمي في مجال آداب اللغة العربية عن إجمالي نتاجاتها في الأدب العربي على مستوى العلميين 2003، وتم تكريمها ممثلة للسودان في مهرجان المبدعات العربيات بالقاهرة 2019. وقد شمل إنتاجها: القصة القصيرة، والرواية، وكتب الأطفال، والترجمة. وشاركت في عديد الملتقيات العربية للقصة القصيرة والرواية، وملتقى حوار الثقافة العربية بين المشرق والمغرب بسوريا 2008، والمهرجان الثالث لثقافة الطفل (دائرة الثقافة والإعلام بدولة الإمارات العربية المتحدة 1990)، وندوة الطفل العربي والتراث بالكويت 1989، وندوة اتحاد الكتاب التونسيين (صورة المرأة في كتاباتها) 2010 بتونس، وغيرها.

وقد صدر لها عديد الإصدارات الأدبية المهمة في مجال السرد: "النخلة والمغني" (قصص) (1993)، "أشباح المدن" (قصص) (1994)، "أطياف الحزن" (قصص) (1996)، "أهزوجة المكان" (قصص) (2001)، "رائحة الخريف" (قصص) (2006)، "عودة لجين" (قصص) (2017)، "صحوة قلب" (قصص) (2019)، "أغنية النار" (رواية) (1998) "صهيل النهر" (رواية) (2000) "حجول من شوك" (رواية) (2005)، "بوابات الرحيل" (رواية) (2018)، "حصار الأمكنة" (رواية) (2019). فضلا عن مؤلفات أخرى: "غطاء الصمت" (نصوص أدبية) (1996)، "مقاطع على السلم الخماسي" (نصوص أدبية) (2003)، "تأصيل التراث في التربية والتعليم" (مقالات أكاديمية) (2004) أنساق الكلام (مقالات منشورة) (2016) وفي مجال الكتابة للطفل: "فتاة القرية" (قصص طويلة للأطفال) (1993)، "الأمير الثعبان" (قصة مترجمة)، "فاسيليسيا الجميلة" (قصة مترجمة للأطفال)، فضلًا عن خبرات عملية متعددة في العمل والنشر التربوي.
● البداية دائمًا مع الإبداع، حدثينا عن وهج البدايات، كيف ترين رسالة الكاتب أو دوره الفاعل في بيئته، خصوصاً وقد ارتبطت أعمالك بمظاهر البيئة وانحيازك لها ووجودها في جل أعمالك بملامح محلية مغرقة في خصوصيتها وارتباطها بالموروث بصفة خاصة؟
الموهبة الأدبية هبة من الخالق سبحانه وتعالى. ولكن نشأتي الأولى في بيئة زاخرة بالموروث الشعبي والحكايات والتاريخ الشفاهي، كان لها أكبر الأثر في إخراج الموهبة الأدبية والاتجاه إلى الكتابة والتدوين، واستيحاء شخوص وأحداث ومكونات القصص والروايات التي كتبتها.
● تعددت أعمالك الأدبية، ولكن ربما كانت البداية مع القصة القصيرة.. وربما كان إنتاجك منها على مستوى الكم أكبر عدداً. هل هذا يعد انحيازًا وحباً لها أم اعترافاً بأهميتها في تشكيل الوعي والذائقة للمبدع كنوع من التأسيس لسماتها العديدة وتقنياتها.. وأي مجموعاتك القصصية أقرب لك؟ وماذا عن الانتقال إلى كتابة الرواية؟
كتبت أولا المقال ونشرت في كثير من الصحف السودانية والعربية. ثم استهوتنى كتابة القصة القصيرة، وبعد نشر أكثر من ثلاث مجموعات دخلت إلى عالم كتابة الرواية، ولكني أحن إلى كتابة القصة القصيرة، وأعود إليها بين كتابة الروايات. ربما كانت آراء المتابعين لتجربتي الأدبية وبعض النقاد في كثير من القصص القصيرة التي نشرتها؛ أنها تحمل أبعاداً أكثر عمقاً وفيها نفس الرواية. كان أحد الأسباب التي دفعتني إلى كتابة الرواية؛ لأنها تعطي مجالا أكبر لوصف التفاصيل الدقيقة النفسية والمعيشة، وتصور حالة المجتمع وتؤرخ للتاريخ الاجتماعي. الكاتب لا يستطيع تفضيل نص أدبي على آخر؛ لأن كل الكتابات مثل أبنائه لكل منها سمة وتأثير وجداني مختلف، ولكني أجد في مجموعة "رائحة الخريف" الكثير من القصص التي عبرت عن وجداني. وهذه كتبتها بعد وفاة زوجي وأنا أكابد الفقد والحزن الشديدين، وأحاول مواصلة الحياة دون وجوده في حياتي؛ لأني تزوجت صغيرة ووعيت الدنيا معه.
● ما موقفك من الجوائز الأدبية التي باتت تؤرق جل الكتاب والأدباء، وتقوم الدنيا وتقعد قبل إعلان نتائج أية جائزة منها تحفزاً وترقباً.. هل تمثل الجوائز الأدبية لديك شيئاً، وكيف ترين أهميتها بالنسبة للكاتب المبدع الذي لا يخضع لموضوعات معينة في كتاباته من تلك التي تغازل الجوائز الأدبية؟ وكيف ترين ميزان الجوائز؟
الجوائز الأدبية قد تكون سبباً في فتح أبواب الشهرة للمبدعين، كما أن الحافز المادي يساعدهم كثيراً في عمل منتوجهم الأدبي والكتابي، وهذا شيء جميل. أما عن نفسي فلم يحدث أن تقدمت إلى جائزة أدبية أو مسابقة. وما يعجبني في مسألة الجوائز الأدبية هو الترجمة؛ لأنها عامل توصيل مهم للثقافات الأخرى التي يعبر إليها المبدع.
● هل أثر العمل التربوي، على مسار العملية الإبداعية لك، خاصة وأن رصيدك منه زاخر بالعديد من المساهمات والإنجازات؟ وما مدى إيجابية المحصلة المعرفية والثقافية منه والتي من الممكن أن تفيد العملية الإبداعية لديك؟
نعم؛ العمل في مجالات مختلفة له دور كبير في إثراء عملية الكتابة للمبدع.. اهتمامي بمجال ثقافة الطفل جعلني أنتقل من سلك التدريس بوزارة التربية إلى قسم المجلات بدار النشر التربوي. وعملت في إدارة وتحرير مجلات تصدرها الوزارة للأطفال والشباب. مثل مجلة الصبيان والجيل كما قمت برئاسة تحرير مجلة "رسالة المعلم"، وأيضاً تم انتدابي من وزارة التربية إلى دار النشر بجامعة الخرطوم لإنشاء وتأسيس قسم نشر للأطفال. وأيضاً الفترة التي عملت فيها كأول رئيسة للجنة الثقافية في اتحاد المرأة، ثم عملي لاحقاً كنائبة برلمانية أتاح لي الفرصة للالتقاء والانفتاح على عمل مغاير تماماً عن المجتمع الذي كنت أعيش فيه وسط الكيانات الثقافية. ومثل هذا الاختلاف يثري ذهنية الكاتب ويرفده بمواضيع مختلفة في الكتابة الأدبية.
● الكتابة للطفل أيضًا ارتبطت لديك بالترجمة، وهي مهارة لديك ربما أتت من تخصصك باللغة الإنجليزية، كيف ترين مدى استفادة الطفل العربي بما تقدمه الترجمات، وبما أنك كتبت للطفل أيهما أفيد له.. الإبداع المكتوب له خصيصاً بلغته العربية؟ أم المترجم له من لغات أخرى خصوصاً مع اختلاف القيم والثقافات؟
كتابة قصة للطفل تعتبر أصعب كثيراً من الكتابة للكبار؛ إذْ إن هناك ضوابط كثيرة ينبغي مراعاتها عند الكتابة للطفل؛ أهمها الجانب التربوي والتوعوي والأخلاقي. يجب انتقاء المفردات بصورة دقيقة حتى لا تؤدي لأي تفسير شاذ أو خادش، يقود إلى كسر قيمة تربوية لدى الطفل القارئ. وعندما انتقلت إلى العمل في رئاسة وزارة التربية قسم المجلات. عملت كمترجمة لقصص الأطفال.. عملي في التدريس في المرحلة الثانوية ودراستي لآداب اللغة الإنجليزية، وتسجيلي لدراسة الماجستير في علم الفولكلور ساعدني كثيراً. وكنت أستعين بالمركز البريطاني والمركز الأمريكي بالخرطوم في استعارة الكتب التي تتحدث عن الحكايات الشعبية للأطفال. ثم أعمل بعد تنقيتها وفرزها من العبارات التي تحكي عن العادات والسلوك الذي لا يتماشى مع التربية والقيم الدينية والاجتماعية في مجتمعنا المحلي، بترجمتها ونشرها في مجلة الصبيان، وهي مجلة خصصتها الوزارة للأطفال. وبعد ذلك قمت بتأليف وإعداد ونشر مجموعة من القصص المترجمة للأطفال.