الدكتور عادل ضرغام؛ أحد أهم النقاد المصريين بالوقت الحالي، وُلد في محافظة المنوفية (1968م)، وحصل على الدكتوراه في الدراسات الأدبية (1999م)، وكان عنوانها (شعر الأبيوردي دراسة أسلوبية)؛ كلية دار العلوم جامعة القاهرة، وشغل منصب وكيل كلية دار العلوم جامعة الفيوم للدراسات العليا والبحوث والعلاقات الثقافية.

أشرف على كثير من رسائل الماجستير والدكتوراه في مصر والوطن العربي، وشارك في تحكيم عدد من الجوائز محلياً وعربياً، وله مجموعة من الكتب والمؤلفات الأدبية منها: (سلطة النموذج.. دراسة قصائد من الشعر الحديث 2004م)، (في تحليل النص الشعري 2009م)، (في السرد الروائي 2010م)، (بناء الوعي.. مقاربات في الأدب السعودي 2013م)، (الممارسة النقدية 2015م)، (الرواية وما بعد الحداثة 2020م).
⊙ كلية دار العلوم ماذا تمثل لك؟
إنها معهد تعليمي، ولكنه لا ينفصل عن وضع الكليات والمعاهد الأخرى، فهي تتأثر بالسياق العام وتحولاته، ولا أنكر أن لدي حنيناً خاصاً تجاه هذا المعهد العلمي الذي تخرجت فيه، وحصلت على الليسانس والماجستير والدكتوراه في رحابه. دار العلوم عبر التاريخ ليست واحدة وصورتها مرتبطة بأداء دورها. وفلسفة إنشائها قائمة على وجود بعد ثالث بعيداً عن القطبية الثنائية، بوجود منهج توفيقي في توجهاتها، بين الأزهر والآداب. ولكن هذا الهدف تأثر سلباً في العقود الأخيرة، لم تعد تؤدي دورها في تمحيص الجديد وصناعة سياق خاص له، ولم يعد حتى ارتباطها بالقديم مؤثراً؛ لأن هناك ثباتاً للأفق الذي تتحرك فيه.
⊙ كيف يتحول المنهج في النقد الأدبي إلى ممارسة؟
أي منهج له صلة بأسس وإجراءات، ولكن هذه الأسس وتلك الإجراءات يجب ألا تطبق بوصفها كتلا ثابتة في مقاربة الأعمال الفنية؛ لأن هذا الثبات ضد التجدد والإضافة. المنهج له إجراءات، وهي؛ لحظة الفعل والانفعال لا يمكن أن تكون ثابتة، بل تتغير تبعاً للنص ومنطلقاته الفكرية والبنائية.
تطبيق منهج جينيت بحذافيره على سبيل المثال لن يؤدي إلى نتائج ذات قيمة؛ إلا إذا تحوّل هذا المنهج من خلال التخصيب والتفعيل إلى سلسلة متوالية من التوالد الذاتي فتذوب الكتل المنهجية في تجل جديد، بحيث تبدو كل مقاربة للمنهج مقاربة جديدة، تنطلق من أسسه ومحدداته، ولكنها لا تبقي عليه. ينسحب هذا التوجه نفسه على الإبداع، هناك أنماط وأنواع كتابية، ولكن النمط ليس ثابتاً، فريديريك شليجل يقول عن قصيدة النثر: كل قصيدة نثر هي نوع في حد ذاتها. المناهج أيضاً تصبح جديدة مع كل مقاربة أو ممارسة نقدية.
⊙ لا شك أن الناقد له أهمية كبرى فهو الوسيط بين النص والمتلقي. هل ترى أن دوره تراجع في الآونة الأخيرة؟
للناقد أو المثقف وظيفتان: وظيفة سابقة على الإبداع، وربما تؤثر فيه؛ لأنها مرتبطة بالجانب المعرفي، وفيها يشعر القارئ بالإسهام الخاص للناقد أو للمثقف، لأنه يشارك في تهيئة وصناعة المناخ الإبداعي من خلال نقل المعرفة أو تحويرها أو استنباتها. أما الوظيفة الأخرى فهي وظيفة تالية للإبداع، ومرتبطة بفكرة المتابعة المستمرة للمنتج الأدبي، للقيام بدور الوسيط.
جاءت المشكلة وأصبحت قابضة ومقبضة بسبب أن عدداً كبيراً من نقادنا-إما تعالياً أو عجزاً- جذّر نفسه ووجوده لفترة طويلة في إطار الوظيفة الأولى، ولكنهم انتبهوا مؤخراً لحتمية هذا الدور التواصلي الوسيط بين النص والقارئ؛ لأنه لو استمرت العناية بالوظيفة الأولى لزادت مساحة التعمية، وزادت حدة الانفصال، نحن بحاجة لتوسيع دائرة الأدب من نسقه النخبوي إلى العام، وهذا لن يحدث إلا بوجود حضور فعال للوظيفة المفسرة الوسيطة، وفي وجود الوظيفة الأولى دون طغيان إحداهما على الأخرى.
⊙ كيف يكون العنف ضد النص. فسر لنا ذلك؟
لمعرفة ممارسة العنف ضد النص يجب أن ندرك أن الفن شيء خافت وبسيط جداً ومتحرك دينامي ليس ثابتاً، وهش جداً إلى درجة لافتة، وإدراكه أو الاقتراب منه يحتاج إلى وعي خاص، وإلى درجة من الرهافة في التعامل، هناك تشبيه يمثل الفن بالطائر فإذا تعاملت معه بغلظة خنقته، وإذا أصغيت إليه بهدوء يطير ويحلق ويمكنك من سماع الغناء الحقيقي. الغلظة أو العنف ضد النص تأتي من توهم ثباته، يتم النظر إليه من خلال التسييج الجاهز والمعد سلفاً فتخنق عطاءه وتمدده دون معاينة كاملة في ذاته بوصفها كاشفاً عن حركة وليس ثباتاً، وهذا قد يشد الناقد إلى عنف آخر انطلاقاً من الجاهزية والتنميط من خلال وصفه بما ليس فيه مدحاً أو قدحاً. هذا العنف قائم على الثبات في تناول الظاهرة النصية.
⊙ بأي فترة شهد الوطن العربي ازدهاراً ملحوظاً في النقد الادبي؟
النقد الأدبي ليس فرعاً علمياً يضرب في فراغ، ولكنه مشدود إلى مجمل الفروع العلمية الإنسانية والتجريبية، ولكن سأحوّل السؤال إلى أثر النقد الأدبي في الحياة الثقافية والفكرية. إذا بحثنا عن الأثر في القيام بدور الوسيط، والقيام بالدور المعرفي الريادي في أحايين ليست قليلة، فإن فترة طه حسين وجيله وتلاميذه هي أهم الفترات في القرن العشرين؛ لأن النقد- انطلاقاً من سياقات عديدة- بجانبيه المعرفي والتواصلي الوسيط المتابع كانا يشكلان ضفيرة، لا يؤثر أحدهما على الآخر.
المعرفي لا يؤثر على المتابعة الجادة بل يقويها، ويحدد منطلقاتها، ودور الناقد الوسيط ليس هشاً كما نراه الآن؛ لأنه يستند إلى معرفة متوارية بعكس ما نراه الآن من كونها أصبحت وسائل حماية وعجز عن المواجهة.

⊙ عبر كتابك "في السرد الروائي" تتوقف من خلال عدة دراسات عند الخصوصية المرتبطة بالفن الروائي. صحيح؛ أن فكرة الكتاب انطلقت من همّ ذاتي، يرتبط بشغفك بالرواية والمتعة الروحية والوجودية التي تمنحها للقارئ؟
هذا الكتاب جاء من شغفي الكبير بقراءة الرواية، ويتكون من ثلاث دراسات منفصلة، ولكن يجمعها موضوع عام يرتبط بالشكل والدلالة، وإلى أي مدى يمكن أن تسهم الأفكار في التأثير على الآليات الفنية أو العكس أو في حركة دائبة شداً وجذباً، ومن هنا؛ جاءت دراسة التوجيه السردي في رواية "الحب في المنفى" لبهاء طاهر، أو تشكيل الأيديولوجيا في رواية "النيل الطعم والرائحة" لإسماعيل فهد إسماعيل، وفي الدراسة الأخيرة إشكالية النوع والتجنيس هناك محاولة للإجابة عن سؤال النوع فيما يخص السيرة الذاتية وآلية تشكله لتصل في النهاية إلى أن النوع يحدده فعل التلقي، في إطار حركة من الثبات إلى الانفتاح اللانهائي.