فنانة مبدعة أنتِ، تبددين أوجاعي بكل رشاقة، تلملمين تيهي باشتياق شهي، تتوغَّلين في ينابيع المحبة والجمال، مثلَ غيمة معبّقة بأريجِ اليانسون والبابونج البري، وتشبهين النسيم فوق اخضرار المروج، وكلما تأتين، يشتعل العشب تحت قدميكِ، وتبدأ الأغاني والمواويل.
ويا أغنيتي الصعبة.. ها هو الشتاء قد أقبل، ومواسم الفراش في الشتاء تكون بديعة، وأنا لا أتعب من الإبحار على سـفين الشوق، وأنتظر ما بقي الغمام هطول غيمة معبأة بالمطر، فأنت غيمتي وأنا حقلكِ، أو أنت حقلي وأنا غيمتكِ، أو أنت الغيمة والحقل وأنا الندى.
صوتكِ أشبه ما يكون أنشودة عشقٍ مفروشة على مآقي الغمام،
وهمساتكِ ألحان مستنبطة من تلألؤات الروح في ليلة صيفية،
كأنها حوار الروح مع الكائنات كل الكائنات، وكلما أسمع صوتكِ، تنقشع أحزاني لمدة عام كامل، بيني وبينك تتمدد مساحات من الوجع والشوق، وما زلتُ أعلن ولائي للريح التي تحمل إليّ نسماتك الدافئة، وإذا التقينا، سنسكن في جزيرة العشق والنوارس، وسنترك عشرة أصابع تناور عشرة أصابع، ونستدرج الوقت إلى عناق، والعناق إلى الدفء، والدفء إلى السكينة.
البارحة.. أقصد البارحة تحديداً، اكتشفتُ أنكِ نسغ القلب المؤدي إلى ديمومة الاخضرار، وحين
والان تعالي واسمعي دقات قلبي
كأنه على تماهٍ مع موال فرح
كم أشتهي أن ترتمين بين أحضاني
أو أرتمي بين أحضانك
كما تشتهي موجة البحر أن تغفو تحت ضياء الغدقتِ عليّ شهقة من نكهة الليل، ورعشة من لون السماء، جعلتكِ نجمتي المضيئة فوق اخضرار الكروم، وزهرتي البرية المجبولة من أسرار النسيم، عندئذ ارتعش القلب من شدة الارتعاش، وصدحت نقاوة الروح.
آه يا تغريدة نهاري، وليلي المبرعم بالوفاء، حضوركِ أبهى من ضياء الهلال، يحلق فوق غمائم القلب، ويظل مثل نسائم الصيف العليل، فما أجمل العيش في أرخبيلات عينيكِ بين أحضان الليل.
هل تذكرين، حين جئتِ إليّ وأنتِ نقية كدموع الأطفال، بهية كاخضرار الغابات، رائعة مثل ابتسامة الشفق، وحين أضئتِ ليلي الغارق في خيوط الحنين، وارتميتِ في أحضاني، وهمستِ لروحي الهائمة في تلال صدركِ، وتمددتِ فوق أغصاني العطشى إلى أسرار الليل ودفء الحياة، عندها عزفنا عناقات طويلة على إيقاع سيمفونية باذخة في شهقات الليل.
قلت لكِ وأنتِ أبهى غيمة تهطل فوق أرقي:
- يا صاحبة الأنوثة، هل أنتِ حبق المروج أم منبعثة من لهيب الجمر، وهل كنتِ يوماً حمامة أو فراشة أو وردة أو سنبلة أو فاكهة، أو شجرة دائمة الاخضرار ولا نعلم بذلك، وإلا كيفَ تلألأت هذه الكائنات الرائعة في صيغة التأنيث، والبهاء، والجمال العجائبي؟ وأنا من أجلكِ وحدك، سأتعلم كتابة القصائد حتى تكوني قصيدتي الأولى.
ازداد قلبكِ جموحاً على إيقاع هفهفات الليل ولم يستطع إلا أن ينثر بخور المحبة فقلتِ:
- كلما يأتي المساء ويبتسم القمر، سنرسم أنتَ وأنا فوق تهاليل الليل فرح الخلاص من غدر هذا الزمان.
وهأنذا الآن، أحن إليكِ مثلما تحن بتلات الورود إلى النسيم،
تعالي كي أضمكِ إلى خصوبة الروح، ثم نحلّق في سماوات العناق، فأنتِ وحدكِ تخففين من بؤس النهار وملل الليل، ومعكِ تكون كل الفضول خضراء
أنا الأرض العطشى وأنتِ المزن الجليل، وما أجمل رعشات الوئام فوق مرافئ الأحضان، وكوني على ثقة أن الأنهار دائماً تأخذها التضاريس إلى التلاقي.
وبتلات زهوري
وهديل حمامتي
وموجتي الهائجة
الآن القلب يرقص رقصة الابحار
كي يبحر في ارخبيل العناق
عندما يأتي المساء
نظرتُ الى عينيكِ الطافحتين بالعشق
وثغركِ المندّى بأزاهير الرمان
عندها رقص قلبي فرحا
وزرعتُ خديكِ قُبَلاً
ولم أعرف هل كنتُ على الارض
أم في عرين السماء