المرأة الصحراوية ودورها في تنمية مجتمعها

حفيظة بوعمامة


تسعى هذه الدراسة إلى تسليط الضوء على الدور المحوري الذي تؤديه المرأة الصحراوية في تنمية مجتمعها على المستويات الاجتماعي، والاقتصادي، والثقافي، والسياسي. وقد اعتمدتُ في طرحي هذا على ما أعلمه بحكم انتمائي إلى المجتمع نفسه، وعلى بعض الأبحاث السابقة، وأيضاً على مجموعة من المقابلات الميدانية مع نساء من المنطقة.


وقد أظهرت النتائج أن المرأة الصحراوية ظلت تجتهد -رغم كل التحولات- في استدامة الهُوية الثقافية، وتنشيط الاقتصاد المحلي عبر الكثير من المساهمات؛ منها ما هو قديم وما زال مستمراً إلى اليوم، مثل: تربية المواشي، والحِرف التقليدية، والتجارة، والتعليم في الكتاتيب.. ومنها الجديد الذي يساير التمدن، مثل دورها المتنامي في الدفع بعجلة التنمية في كل المجالات: تكوين شركات خاصة، مقاولات، مشاريع متفاوتة الحجم، وفي الوظيفة العمومية والوظائف الخاصة، وأيضاً داخل بيتها، الذي تحول من نظام الخيمة إلى بيت من البيوت الحديثة مع المحافظة على أهم التقاليد التي لم يُغيِّر منها التمدن الكثير. ولا ننسى المشاركة السياسية والمشاركة في المجتمعات المدنية.

وكل هذا بدعم من توصيات عديدة تدعم برامج التمكين الاقتصادي والتعليم الموجَّه للنساء، لضمان مشاركتهن الفاعلة في التنمية المستدامة.

خصصتُ هذا المقال للتحدث عن المرأة في المجتمعات الصحراوية بالتحديد؛ لأنها كان لها دور محوري في الحفاظ على مقوّمات الحياة وسط بيئة طبيعية قاسية، وخلال الترحال؛ إذْ تجمع بين مسؤولياتها الأسرية، والأشغال الموازية مثل تربية المواشي والعمل على الاستفادة من منتوجاتها أو الكسب من بيعها.. وأيضاً الأعمال اليدوية مثل صناعة الحصير، والخرز والنسيج بالصوف والجلد والوَبَرْ. ثم بعد التمدن، مساهمتها الفاعلة في الاقتصاد المحلي والثقافة الشعبية.

ورغم أن الدراسات حول التنمية في المناطق الصحراوية ركزت غالباً على الموارد الطبيعية أو الهجرة، فإن دور المرأة ظل أقل تناولًا من منظور علمي ممنهج.

تسعى هذه الدراسة إلى الإجابة عن الأسئلة التالية:
◅ ما أدوار المرأة الصحراوية التقليدية والمعاصرة في تنمية المجتمع؟
◅ كيف ساهمت هذه الأدوار في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية؟
◅ ما التحديات التي تواجه المرأة في الصحراء اليوم، وكيف يمكن دعمها؟

أشارت عدة دراسات إلى أهمية المرأة في المجتمعات التقليدية من حيث نقل المعارف والعادات، كما تناولت أبحاث أخرى مساهمتها في الأنشطة الاقتصادية، خصوصاً في الصناعات التقليدية وتربية المواشي. كما بيّنت وجود فجوة بين الدور الفعلي للمرأة الصحراوية والدعم المؤسسي المقدَّم لها، سواء في مجالات التعليم أو المشاركة في صنع القرار.

تستند هذه الدراسة إلى هذه المعطيات لتوسيع فهم دور المرأة من خلال تحليل ميداني ونظري متكامل، شمل:
◅ مقابلات شبه موجَّهة مع عدد من النساء، من مناطق صحراوية مختلفة (بين المجال الحضري والمجال القروي).
◅ تحليل وثائق رسمية وتقارير محلية عن التنمية في المناطق الصحراوية.
◅ مراجعة أكاديمية لأبحاث ودراسات منشورة في مجلات عربية ودولية.

أولًا: الدور الاقتصادي:

● الحرف التقليدية: كالنسيج وصناعة الزرابي والجلود، وتمثل مصدر دخل أساسي للعديد من الأسر.
● تربية المواشي: تشارك النساء في الرعي وجمع الأعلاف والعناية بالحيوانات، مما يسهم في الأمن الغذائي.
● الأنشطة التجارية: برزت نساء صحراويات كمقاوِلات في مجالات التجارة الصغيرة والأسواق المحلية.

ثانياً: الدور الثقافي والاجتماعي

● المرأة ناقلة أساسية للتراث الشفهي، بما فيه الشعر الحساني، والأمثال، والأغاني التقليدية.
● تدير الحياة الأسرية وتزرع قيم التعاون والتكافل، التي تشكل دعامة المجتمع الصحراوي.

ثالثاً: التعليم والمشاركة المدنية

● ارتفاع نسب التحاق الفتيات بالمدارس في العقود الأخيرة، مما أدى إلى بروز كوادر نسائية في التدريس والإدارة المحلية.
● مشاركة النساء في الجمعيات المدنية والمنظمات غير الحكومية تزايدت، خصوصاً في مجالات محو الأمية والتمكين الاقتصادي.

رابعاً: الدور السياسي

للمرأة الصحراوية مشاركة وازنة في العمل السياسي، مثلها مثل الرجل تماماً، وقد رأينا نساء بلباسهن التقليدي يمثلن المنطقة في البرلمان وفي المجالس البلدية والجهوية.

تُظهر هذه النتائج أن المرأة الصحراوية ليست مجرد عنصر مساعد، بل فاعل تنموي أساسي؛ فهي تسهم في استدامة الموارد، وتنقل الثقافة، وتشارك في بناء رأس المال البشري وفي التأثير المدني والسياسي.

غير أن هناك تحدياتٍ مستمرةً، منها ضعف البنية التحتية التعليمية في المناطق القروية، ونقص التمويل الموجَّه للمشاريع النسائية، واستمرار بعض العقبات الثقافية التي تحد من وصول المرأة إلى مواقع صنع القرار، وأيضاً تدني معدل المشاركة النسائية السياسية. لكنها تحديات لم تبقَ على حدتها، وتلوح في الأفق بوادر للتغلب عليها تماماً.

تتوافق هذه النتائج مع ما أشار إليه عدد من الباحثين إلى دور المرأة في حفظ الهوية موازاة مع مساهمتها في التنمية، رغم صعوبة ذلك، وهذا تحدٍ يجب التنويه به، لأن المرأة في الصحراء تدرك جيدًا قيمة ثقافتها المتوارثة وتستمر من أجل فرضها على المشهد التنموي في العالم؛ حضورًا كمشاركة أو كصورة.

وقد أكد البحث أن المرأة الصحراوية تؤدي أدواراً محورية في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية، وتسهم مع ذلك في التعريف بموروث المنطقة، وفي الحفاظ على هُوية المجتمع وبناء مستقبله.

مبادرات تمكين المرأة الصحراوية:

اتخذت مراكز القرار طُرقاً عدة لتمكين هذه المرأة من تحقيق برامجها، لأنها وجدت فيها روح العطاء وضمان الإنتاج. وقد يكون لطقس الصحراء دور كبير في تكوينها، بحيث تتأقلم مع الظروف وتُسخِّر الوسائل المتاحة لتوفير إنتاج تستمر به الحياة.

من هذه المبادرات التي توفرت لها:
دعم التعليم الموجَّه للفتيات في المناطق النائية.
تشجيع المبادرات الاقتصادية النسائية عبر التمويل والتدريب.
إدماج النساء في عمليات التخطيط المحلي والتنمية المستدامة.
توثيق التراث الشفهي الذي تحمله النساء لحمايته من الاندثار.
دعم مشاركتهن في اتخاذ القرار والعمل السياسي.

أخيراً؛ نستطيع أن نؤكد أن مكانة المرأة الصحراوية تتجلى في كونها ركيزة أساسية للتنمية، إذْ جمعت بين الحفاظ على الهوية الثقافية الأصيلة والمساهمة الفاعلة في الاقتصاد والتعليم والمجالين السياسي والمدني. فرغم التحديات البنيوية والثقافية، أثبتت حضورها في مختلف الميادين، وأسهمت في بناء مجتمع متوازن يجمع بين الأصالة والتطور. ويؤكد هذا الدور أن النهوض بالمجتمعات الصحراوية لا يتحقق إلا عبر تمكين المرأة ودعم مشاركتها الكاملة في مسار التنمية المستدامة.

 


المراجع:
- الزاوي، م. (2015). المرأة في المجتمع الحساني: دورها في نقل الثقافة. مجلة الثقافة المغاربية، 12(3)، 45-62.
- بوعلي، خ. (2018). المرأة والتنمية في المناطق القروية. الدار البيضاء: دار الفكر.
- حمادي، س. (2019). "المشاركة الاقتصادية للمرأة في الصحراء". مجلة الاقتصاد والتنمية، 6(2)، 87-103.
- الناصري، ف. (2021). تمكين المرأة في البيئات الهشة: دراسة حالة المناطق الصحراوية. الرباط: مركز الدراسات الاجتماعية.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها