المفكرة الإيطالية سابرينا لي

نموذج متفرد...

د. زين العابدين الهدوي


سابرينا لي Sabrina Lei

الولادة والنشأة

الدكتورة سابرينا لي مفكرة وكاتبة إيطالية ومترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الإيطالية، وصوت أوروبا لبناء خطاب جديد متجذر في المبادئ الإنسانية للإسلام، وتأييد الحوار المثمر بين الإسلام والغرب. وقد خرجت مبكراً بفكرها وقلمها إلى المجال العام واتخذت مواقف حاسمة دفاعاً عن الإسلام.
ولدت في عام 1977 أكتوبر لأبوين مسيحيين في أسرة ذات عز وشرف في إيطاليا، وحصلت على درجة الماجستير في الفلسفة من جامعة سابينزا في روما، وهي واحدة من أقدم الجامعات الأوروبية، وحصلت على دكتوراه في الفلسفة الأرسطية، وتترأس الباحثة البالغة من العمر 43 عاماً، مركز تواصل الدولي للنشر والبحوث، وزارت أمريكا وبريطانيا ودول أوربا ومعظم البلدان العربية والإسلامية في هذه المهمة العظيمة.

اعتناقها للإسلام

اعتنقت هذه الفتاة الإسلام في عام 2009، وهي الآن من أبرز العلماء الغربيين الناشطين المسلمين، وبعد حصولها على أسس شاملة في اللاتينية واليونانية، تعلمت الدكتورة سابرينا الفلسفة في جامعة لا سابينزا في روما، وحصلت على شهادة بحثية في الفلسفة. وقرأت العديد من الكتب عن الإسلام قبل اعتناقها الإسلام بثلاث سنوات وصامت في شهر رمضان، وبعد تجريبها الدين الإسلامي في هذه السنوات مع الدراسات العميقة المتوالية تقدمت إلى شاطئ الإسلام. وتعمل الدكتورة سابرينا لي في مركز التواصل مع زوجها الهندي الدكتور عبد اللطيف شاليكاندي، وهو باحث بارز في الإسلام الكلاسيكي، ورجل قانون وخبير في الأديان.
لم تكن سابرينا كاتبة ومفكرة وأستاذة وباحثة فحسب، بل نموذجاً نادراً وفريداً للمرأة المسلمة التي قدمت نفسها لإعلاء كلمة الله، وقد حظيت بمكانة رفيعة في أنحاء العالم العربي والإسلامي، وكرّمتها الدول والمؤسسات الإسلامية، كما كرّمتها المؤسسات الإسلامية المختلفة بعضوية ضنت بها على غيرها من النساء، فلها إسهامات كبيرة في مجال الدعوة والإرشاد، وقدمت عطاءً علمياً عظيماً في مجالات العلوم الإسلامية وغيرها.

مركز التواصل الدولي وأبرز الإنجازات

هو مركز فكري بارز مقره روما، والذي تأسس في عام 2013، وأصبح "تواصل" الدولي للنشر والبحوث الآن مؤسسة بحثية فريدة تعمل على بناء الروابط الثقافية بين الأديان المختلفة ومواجهة تحدي الإسلاموفوبيا. والمؤسسة مكرسة لإنتاج كتب مستنيرة وموضوعية عن الإسلام والحضارة الإسلامية، وتعزيز الروابط بين الأديان، وإنشاء شبكة جيدة من العلماء والأساتذة والطلاب البارزين وإجراء البحوث في مختلف فروع العلوم الإنسانية والدراسات الدينية والثقافية .

يهتم الباحثون والمفكرون والخبراء العاملون في "تواصل الدولي" بدراسة عميقة وبحوث مستمرة لتعزيز القيم الروحية، وحماية حرية الإنسان والعدالة بين الجنسين، وبناء روابط حقيقية بين الأديان مثل الإسلام والمسيحية واليهودية والهندوسية.

ولقد استطاع مركز التواصل أن يحقق عدداً كبيراً من الأهداف السامية، وذلك بإصدار كثير من الكتب الإسلامية ذات جودة عالية للاستعانة بها في الدعوة الإسلامية للناطقين باللغة الإيطالية لسد ثغرات غياب مؤلفات تجذب القارئين إلى قراءتها. وفي ضوء عدم وجود مؤلفات وكتب قامت الدكتورة بتأليف قرابة أربعين كتاباً إلى الآن في اللغة الإيطالية، ومنها ترجمة معاني القرآن الكريم والسيرة النبوية وكتب في التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية والعربية، بالإضافة إلى عشرة كتب باللغة الإنجليزية تتناول موضوعات مختلفة عن الإسلام. ومن جهة أخرى لقد تم توزيع مئات بل الآلاف من نسخ هذه الكتب في إيطاليا وفي بعض البلدان الأوروبية وحتى في أمريكا.
وفي العام الماضي أنتجت الدكتورة سابرينا دراسة أكاديمية نقدية للتاريخ المبكر والتطور للمسيحية، باللغة الإيطالية تسمى بـــBreve Storia del Cristianesimo Dalle Origini" "al Concilio di Calcedonia, 2019 (تاريخ موجز للمسيحية: من الأصل إلى مجلس خلقيدونية)، ويعتبر الكتاب انعكاساً لمعرفة أكاديمية ونقدية حول تطور المسيحية بناءً على مصادرها الكلاسيكية.

وصدرت حديثاً النسخة الإيطالية من كتاب "شعارات الحكيم" في الإنجليزية للكاتب الهندي مجيب جيحون في قمة السيد محمد علي شهاب الدولية بدبي، لقي هذا الكتاب الذي يتناول سيرة وفلسفة السيد محمد علي شهاب باناكاد، رحمه الله، قبولاً وإعجاباً كبيراً في أوساط الجمهور الدولي. وقالت المترجمة سابرينا لي: "ستتيح هذه الترجمة للقراء الإيطاليين فرصة التعرف على شخص عظيم مثل شهاب تانغل"، وهذا الكتاب الأصلي في اللغة الإنجليزية قد أصدر خلال معرض الشارقة الدولي للكتاب في 2019.

وقد احتفل المركز السنة الماضية كسنة للكتب الإسلامية في اللغة الإيطالية، ومن ضمن هذه الفعالية يقوم مركز التواصل بتوزيع 5000 نسخة لتفسير القرآن الكريم، و10000 نسخة من كتب الحديث والسيرة النبوية في اللغة الإيطالية، وهذه الكتب متوفرة حالياً في معظم مكتبات وطنية ومحلية وفي جامعات ومراكز التعليم في إيطاليا، ومن خلال هذا العمل يهدف المركز للتصدي لظاهرة الإسلاموفوبيا ومقاومة المستشرقين الذين يستهدفون الإسلام.

ترجمة القرآن إلى اللغة الإيطالية

ومن أحدث أعمالها ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الإيطالية من اللغة الإنجليزية لصاحبه العلامة عبد الله يوسف علي، العالم المشهور في مجال التفسير بآسيا الجنوبية، وهو يضم حوالي ألف صفحة، وتم توزيعه على نطاق واسع في إيطاليا، وترجمة عبد الله يوسف علي للقرآن في اللغة الإنجليزية (14 إبريل 1872-10 ديسمبر 1953) تعد ترجمة مشهورة في الدول الناطقة بالإنجليزية، ولد يوسف علي في مدينة ممباي- الهند في ظل الاستعمار البريطاني لعائلة ثرية مسلمة. تعلّم مبادئ الإسلام وهو صغير حتى حفظ القرآن الكريم كاملاً عن ظهر قلب. ودرس الأدب الإنجليزي في عدة جامعات أوروبية منها جامعة ليدز البريطانية. ركز عبد الله جهوده في دراسة القرآن الكريم ودراسة تفسيرات الصحابة الكرام للمصحف الشريف.
وفي عام 2016، قامت الدكتورة سابرينا لي بترجمة "القرآن مع المراجع التوراتية"، للعالم العربي المسلم الدكتور صافي قصقص إلى اللغة الإيطالية وقدمت إلى البابا فرانسيس في الفاتيكان، وأعرب البابا عن تقديره. كجزء من توسيع حوارها بين الأديان ترجمت الدكتورة سابرينا الملحمة الدينية الهندوسية "بهاكاوات غيتا" إلى الإيطالية مع ملاحظاتها في السنة الماضية.
وتبذل الدكتورة سابرينا لي وقتها للترجمة الإيطالية لكتاب تحفة الموحدين للمصلح الهندي رجا راما موهان روي، والذي كتبه راما موهان روي باللغة الفارسية، مع مقدمة باللغة العربية. وترجمت "إعادة بناء الأفكار الدينية في الإسلام" و"تطور الميتافيزيقيا في بلاد فارس" إلى الإيطالية، وهما كلاسيكيان فلسفيان لفيلسوف جنوب آسيا محمد إقبال، كما ترجمت أيضاً كتاب الممثل الماليالامي الشهير إناسانت "يضحك السرطان بعيدا". وقد سبق ترجمتها لأول رواية مالايالامية إندو ليخا، وتشيمين، ورفيقة الصبا إلى الإيطالية قبل عدة سنوات.
وتقوم سابرينا حالياً بترجمة الفلسفة الهندية لردا كرشنن، وشاكونتالا وغيرها من اكلاسيكيات جنوب آسيا، وقد نشرت عدة كتب حول الإسلام ومواضيع ذات صلة بالإسلام حتى الآن، بما في ذلك دراسة حول الفوائد الروحية والطبية للصلاة، والترجمات الإيطالية لأعمال بعض كبار العلماء المسلمين مثل الشيخ ناصر الدين الباني، ومحمد الغزالي، ومحمد إقبال، ومحمد الأسد.

على صعيد الحياة العامّة

وعلى صعيد الحياة العامّة، فإنّها دائمة الحضور والمتابعة، وهي على تواصل مستمر بالواقع، فإنّ الإسلام لم يحرّم المرأة من المشاركة بالحياة العامة، شريطة أن تحفظ عليها أنوثتها، وعفّتها، وتلتزم بمنهج الله تعالى، وما يرضيه. وتسعى لبناء المجتمع وصلاحه، وتعمل جادّة بصدق وأمانة للتأثير في المجتمع، ويتجلّى ذلك في حفاظها على القيم الإسلامية، فهي تقوم بأداء جميع الواجبات والتوجيه والإرشاد، فتصنع جيلاً يحمل القيم الإسلامية، ويسير عليها، وتنشر الدين الإسلامي.
ومن الإنجازات المهمة للدكتورة سابرينا هي ترجمة 30 كلاسيكيات رائدة إلى اللغة الإيطالية، والتي تغطي مجالات الدين والفلسفة والأدب واللاهوت والشعر والتاريخ. وكتبت تأملاً موسعاً حول الإسلام بعنوان: "تأملات حول الإسلام"، وناقشت الموضوعات الإسلامية الرئيسة، استناداً إلى رؤاها في الإسلام والفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا.

تشجيع ثقافة الحوار والتفاهم بين الأديان والثقافات

مركز التواصل يضع جُلّ اهتمامه في الحفاظ على إقامة علاقة قوية تربط المركز بالفاتيكان، والمستشار الثقافي لمركز التواصل الدكتور عبد اللطيف قد التقى ببابا فاتيكان مرتين كما أن كبار مسؤولي التواصل يقومون بالمشاركة في مؤتمر حوار الأديان وملتقيات أخرى، كما قام التواصل بتزويد الفاتيكان وبابا فاتيكان البابا فرنسيس بعدد كبير من المؤلفات وكتب دينية، وكتب الحديث في اللغة الإيطالية، والمركز يعمل على تقوية العلاقة مع فاتيكان من أجل نشر ثقافة السلام والمحبة والوئام، ومن المعلوم أن بابا فرانسيس يتولى شخصياً مهمة فتح الحوار بين الأديان ومع الإسلام خاصة، وذلك من منطلق قناعته وإيمانه القوي بأن الحوار بين مختلف الأديان هو السبيل الأمثل للتعرف على الآخر وبناء جسر الثقة والسلام والاحترام المتبادل، وذلك مما يساعد على القضاء على ظاهرة الإسلاموفوبيا، التي تنتشر وتتزايد حدتها في أوربا.

نظرة المركز في المجال الدعوي

 التواصل له نظرة فريدة وأسلوب حضاري في العمل الدعوي، ونتيجة لذلك اهتدى للإسلام عدد كبير من أصحاب الديانات المختلفة، فالكثيرون ما زالوا يقرأون الكتب الإسلامية ويحافظون على الأخوة والصداقة في التعامل مع أتباع الديانات الأخرى، كل هذا العمل مبني على أسس الأخلاق الإسلامية العالية النبيلة، من التسامح وقبول الآخر والانفتاح للآخرين، إيماناً بأنه من سنن الله الكونية الاختلاف بين البشر في الآراء والمعتقدات والمذاهب، كما أن الاهتمام المُنصب في هذا المجال هو العمل الجاد على توضيح الجانب الإنساني للإسلام، والرد على الشبهات التي تثار ضد الإسلام في العالم عبر الإعلام بمختلف وسائله وآلياته.

الوعي بخطورة الإسلاموفوبيا

ومن أهم الإنجازات التي حققها التواصل هو إقامة العلاقة الوطيدة بكبرى الجامعات العشر، ومراكز البحوث الأخرى مثل جامعة تور فرغتا ولاسابينزا، بالإضافة إلى فرع الجامعة الأمريكية في الروم، ويقوم التواصل بتنظيم دروس إسلامية وندوات وملتقيات تتناول التاريخ ودروس أخرى تهتم بنشر الوعي بخطورة الإسلاموفوبيا في مثل هذه الجامعات، وهناك عدد كبير من الطلبة يقومون بزيارة مركز التواصل الدولي لحضور الدروس المقامة فيه، ومن هؤلاء الطلبة من قام بإعداد بحوث ودراسات في الموضوعات الإسلامية، علماً بأن هناك جناح خاص بالفئة النسوية تقام فيها الأنشطة نفسها وذلك بإشراف الدكتورة سبرينا لي مديرة المركز.

 وأما قسم البحوث فله دور رئيس في إعداد المناهج الدراسية التي تتعلق بقضايا إسلامية تدرس في هذه الجامعات بطريقة مهنية عالية، ومن خلال هذا التعاون الأكاديمي يستطيع المركز أن يقدم للعالم صورة مشرقةً تبرز جوانب إنسانية لمحتوى أيديولوجيات الإسلام، وهذه العلاقة الأكادمية مع كبار الأساتذة الذين يعملون في هذه الجامعات مما يمكنهم من تقديم الإسلام للغرب وأوربا بعيداً عن منهج المستشرقين، الذي يشوبه العيوب والنقص في تعاطيهم للإسلام والمسلمين.

ويقوم المركز بتقديم الدروس القرآنية والدروس النبوية والملتقيات الأخرى لزوار الجامع الكبير، الذي يقع في الروم والذي يعتبر ثاني أكبر جامع في أوربا، إذ يزوره الآلاف من الزوار من مختلف دول العالم كل عام، من خلال لقاء مفتوح مع الزوار يتم فيه طرح الأسئلة والأجوبة لإزالة الشكوك والخفاء عن الإسلام، ويعمل التواصل أيضاً على إحضار الدبلوماسيين وكبار الضباط والعسكريين وشخصيات كبار إلى الجامع الكبير كجزء من البرامج والأنشطة التي تهدف إلى نشر تعاليم الإسلام.

وقيادة المركز قد ركزوا من خلال السعي لمد جسور التواصل بين مختلف الأديان والحضارات، منطلقين من رؤية الدين الإسلامي بالانفتاح والحوار والتواصل مع الآخر للبناء لعالم متضامن متلاحم يقوم على قيم التكافل والتعاون، وتقام الشعائر الإسلامية والدورات العلمية والدروس الشرعية والمحاضرات العامة واللقاءات الدعوية في المركز للمسلمين ولغير المسلمين، فالناس متشوقون لمعرفة الإسلام، وكان من نتائج ذلك دخول الكثير من الأوربيين الإسلام فلله الحمد.
 


المصادر والمراجع:
طلال مشعل: صفات الفتاة المسلمة، موقع موضوع، ٥ أكتوبر ٢٠١٨.
Hira Puthalath , Islam, Conversion, And Xenophobia – A Talk With Sabreina Lei, https://thecompanion.in/ - April 16, 2018
Husain Kodinhi, Dr Sabrina Lei: A voice from the west, July 7th, 2018, http://husainkodinhi.com
Dr Sabrina Lei, Iqbal’s classic work, The Reconstruction of Religious Thought in Islam, Cambridge Muslim College, 14 St. Paul’s Road, Cambridge, CB1 2EZ, 7 October 2019, 
https://www.alukah.net/world_muslims/0/43643/#ixzz6EnVQnxrL
Islam not an Arab tribal ideology but a universal religion, 
http://timesofindia.indiatimes.com/articleshow/64802784.cms?utm_source=contentofinterest&utm_medium=text&utm_campaign=cppst

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها