الصراعات النفسية في "ورق الذكريات"

للروائية صالحة عبيد غابش

ريم عبيدات


رواية "ورق الذكريات" للكاتبة صالحة غابش تفتح أمام القارئ أبوابًا إلى عالم أدبي متشابك ومعقد، حيث تتداخل الأزمان وتذوب الحدود بين الواقع والخيال. من خلال سردها العميق، تنقلنا الرواية إلى متاهة الذكريات، تلك الشرارات الخافتة التي تضيء مسارات حياتنا، وتترك أثرًا لا يُمحى في الروح.
 

تأخذنا غابش في رحلة حسية عميقة مع شخصية "آمنة"، التي تمثل رمزًا للحالة الإنسانية المثقلة بالألم والوحدة. في خضم فصول الرواية، نجد "آمنة" تتنقل في صحراء الذكريات بعد أن تفرّق أفراد أسرتها، متورطة في صراع داخلي متواصل. تظل "آمنة" في صراع مع أحلامها وأشباح ماضيها، حيث تصبح وحدة الماضي في الرواية مرآة لحالتها العاطفية العميقة.

يبرز في الرواية عنصر آخر من التعقيد البشري يتمثل في تشظي حياة "آمنة" بعد زواج زوجها المفاجئ من امرأة أخرى كانت تعمل معه. هذا الزواج، الذي جاء بمثابة صدمة عنيفة، يضيف إلى حياة "آمنة" عبئًا نفسيًا جديدًا، حيث تُلقى في دوامة من الألم والإحباط. في إطار هذا الصراع، تسلط الرواية الضوء على الأثر العميق الذي يخلفه هذا الزواج على حياة "آمنة"، وهو ألم مضاعف يتجسد في مشاعر الخيانة والإقصاء.

تزيد الأمور تعقيدًا عندما يحاول الزوج العودة إلى "آمنة" بعد زواج ابنهما، محاولًا إعادة بناء علاقة سابقة بعد فترة طويلة من الغياب. هذا الموقف يثقل كاهل "آمنة" ويزيد من إحساسها بالخذلان، خاصة بعدما اكتشفت أن الزوجة الجديدة قد خانته وسرقت أمواله، مما يجعله في موقف ضعف يحاول فيه استعادة ما فقده. هنا، تتداخل الدراما الشخصية مع الصراعات النفسية، مما يضيف عمقًا إلى معاناة "آمنة" ويجعل من هذه الأحداث تجسيدًا لصراع الإنسان مع الأمل والخيانة.

تُبرع الكاتبة في تقديم هذه الصراعات من خلال تقنيات استرجاع واستشراف تُمزج بين الماضي والحاضر، مما يخلق نسيجًا زمنياً متشابكًا يعزز من طابع الرواية الحواري الداخلي. هذا التداخل الزمني يتيح للقارئ استكشاف أعماق الشخصيات وفهم الصراعات الداخلية التي تواجهها.

تقدم الرواية تساؤلات حول كيفية تأثير الذكريات على حاضرنا ومستقبلنا، وتطرح صورة الرمزية للوافدين في سياق الرواية، حيث يظهرون كأصداء غير مكتملة في إطار نمطي. هذا التصوير يُثير تساؤلات حول كيفية استقبال المختلف، ويعكس نزعة ربما تكون انعكاسًا للتردد في دمج "الآخر".

تختتم الرواية بنهاية مفتوحة، مما يترك القارئ في حالة من التأمل العميق والتساؤل حول مصير الشخصيات ومعنى التصالح مع الماضي. هذه النهاية لا تقتصر على إغلاق الأحداث، بل تدعو للتفكير في أبعاد أعمق للوجود الإنساني، مما يجعل "ورق الذكريات" تجربة أدبية تتجاوز حدود الرواية التقليدية لتصبح رحلة فكرية ونفسية غنية.

من خلال "ورق الذكريات"، تُثبت صالحة غابش قدرتها على تحويل السرد البسيط إلى تجربة فلسفية عميقة، حيث تصبح الذكريات كائنًا حيًّا يتفاعل مع الشخصيات ويحرّك الأحداث بطرق غير متوقعة. الرواية، بمزيجها الفريد من الرموز والتصورات، تدعو القارئ إلى الغوص في أعماق النفس البشرية واستكشاف دور الذكريات في تشكيل حياتنا اليومية.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها