◀ تعريف الرواية الإماراتية
الرواية الإماراتية نمطٌ من الكتابة الأدبية تتمحور حول قصص وأحداث تدور في الإمارات العربية المتحدة، أو من تأليف كتاب إماراتيين. وهي تمتاز بجمعها بين الأصالة الثقافية للبلد، وتطور الحياة الحديثة بعدما دخلت الدولة مرحلة الحداثة. وبذلك تساير الأدب الإماراتي ككل، والذي يعكس التراث الثقافي للبلاد، ويعلي القيم والتقاليد والتحولات الاجتماعية التي مرت بها الإمارات عبر العصور.
تعتبر الرواية الإماراتية أحدث فنون الكتابة في الدولة، وقد ظهرت مع صدور رواية "شاهندة"، لراشد عبد الله النعيمي. إلا أن هذا الفن الحديث استطاع سريعاً أن يفرض نفسه بين الفنون الإبداعية داخل الساحة الأدبية مع بروز وإصدار الكثير من الروائيين لأعمالهم الناجحة، مستفيدين مما أنتجته الثروة النفطية من تحولات اقتصادية، واجتماعية، وثقافية. إن هذه الحداثة التي دخلتها الرواية الإماراتية، بعدما تجاوزت مرحلة التأسيس لا يمكن عزلها عن محيطها العربي الذي دخل مرحلة التجديد في الرواية.
◀ تطور الرواية الإماراتية
تطورت الرواية الإماراتية، وانتقلت من السرد التاريخي، وغيره من المواضيع التراثية، إلى أن عكست التحولات الاجتماعية والثقافية في البلاد خلال السنوات الأخيرة. وباتساع آفاق النشر نتيجة انتشار دور النشر التي تضاعف عددها مع ثروة النفط ودخول الدولة عصر الحداثة، شهد الأدب الإماراتي زيادة في عدد الكتاب، والكتابات الروائية التي تناولت قضايا متنوعة مرتبطة بالموروث الثقافي، والقيم الاجتماعية، والتحولات الاقتصادية، والتنمية الحضرية، في الإمارات.
وقد عبرت الناقدة الإماراتية فاطمة خليفة عن هذا التحول في جريدة الخليج: "ملحق الخليج الثقافي، الرواية الإماراتية تواكب المتغيرات الاجتماعية" [16 يوليو 2012]. إن الرواية الإماراتية مرت بأطوار مختلفة، حيث بدأت عاكسة لهموم المجتمع وقضاياه؛ لأن الكاتب الإماراتي كثير التحنان إلى ماضيه وبيئته واصفاً ملامح التغير الذي طرأ على المجتمع بالتساوق مع طفرة النفط... وهناك روايات أخرى حديثة تتأرجح ما بين الواقعية والرمزية، كما نجد بعض الروايات التي تتوجه نحو السيرة الذاتية".
◀ رواد الرواية الإماراتية
استطاعت الروايات الإمارتية أن تفرض فرادتها بقوة السرد، ودقة التعبير عن الثقافة والتراث الإماراتي، مع الانفتاح على مظاهر التجديد في الحياة الإماراتية. فتوالت الأجيال المبدعة، وتراكم النتاج الأدبي السردي بتعدد الروائيين، ونذكر على سبيل الحصر:
◅ راشد عبد الله النعيمي: مؤسس الرواية الإماراتية، من أشهر أعماله: "شاهندة".
◅ ثاني السويدي: تطرق الكاتب في روايته "الديزل" لقضايا الثقافة، وصوّر بعض السلوكات في منطقة الجزيرة العربية. وقد قام ويليام هوتكنز بترجمتها للإنجليزية.
◅ محمد عبيد غباش: يعد من مؤسسي الرواية في الإمارات، وله رواية: "دائما يحدث في الليل".
◅ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي: تميزت أعماله بالسفر عبر التاريخ، من أعماله الروائية: "الشيخ الأبيض"، و"الأمير الثائر".
◅ علي أبو الريش: جمع بين العاطفة والإلهام في روايته: "امرأة استثنائية"، وفي رواية: "الاعتراف" التي تعد من أفضل الروايات باعتبار موضوعها الذي زاوج بين العلاقات الإنسانية المعقدة والصراعات الداخلية. ويعتبر الكاتب من رواد المحاولات الجادة لمرحلة بداية الثمانينيات.
◅ إيمان اليوسف: سلطت الكاتبة الضوء على القضايا الاجتماعية، حينما ألفت رواية من أنجح الروايات، وقد جعلت لها عنواناً: "حارس الشمس"، ورواية: "النافذة التي أبصرت".
◅ فاطمة الحمادي: تميزت الكاتبة بالقدرة على طرح الأفكار العميقة بشكل مباشر ومختصر، فكتبت رواية مثيرة وقصيرة تحت عنوان: "بين طرقات باريس".
◅ مانع سعيد العتيبة: فارس الشعر العربي، وروائي بارع. تناول في روايته: "كريمة" بعض التحولات الاجتماعية، وقضايا العادات والتقاليد، وهي الرواية التي حولت إلى مسلسل تلفزيوني.
◅ هدى سرور: روائية تتيح لك القدرة على تخيل الأحداث بطريقة إبداعية. تزاوج بين التاريخي والجانب الاجتماعي، وبين ما قبل قيام الاتحاد واكتشاف النفط واستخدام الكهرباء. من رواياتها: "الياه".
◅ ميسون صقر القاسمي: الشاعرة، والفنانة التشكيلية، والروائية التي سعت لتعزيز فكرة الأمل والتغيير في المجتمع. لها رواية: "ريحانة".
◅ حنان الشباح: ارتبطت جل روايات الكاتبة بتسليط الضوء على قضايا المرأة والمجتمع، ومن أشهر أعمالها: "بنت النهران".
◀ الأسلوب الفني والتقني في الرواية الإماراتية
تزجر جل الروايات الإماراتية بأسلوب الوصف، وبه استعانت لترسيخ الأحداث في أذهان المتلقين. أما على مستوى الموضوع فقد ركزت مجموعة من الأعمال على قضايا الهوية والانتماء، والبحث عن الذات، وكذا تفاصيل الحياة الثقافية، والتاريخ الإماراتي. هذه العوامل والمواضيع ساهمت في إغناء المتون السردية، وجعلتها طافحة بالحياة، وأقرب للمتلقين. أما على المستوى اللغوي فكل الأعمال تميزت باللغة الجميلة والعذبة، الشيء الذي يضفي على النص جاذبية تأخذ المتلقي إلى عوالم النص. ولإيصال المشاعر بشكل جميل وأنيق استعان الروائيون الإماراتيون بالتشبيهات والاستعارات وغيرهما من عناصر جمال اللغة العربية.
أمام هذا الزخم والكم الإبداعي مقارنة بعمر الرواية الإماراتية، ظهرت العديد من المقاربات والدراسات التي تطرقت لهذا الصنف الأدبي. فمنهم من صنفها من زاوية الموضوع؛ فخلص إلى رواية اجتماعية، ورواية تاريخية. وهناك من صنفها ضمن المكان فأعلن عن رواية المدينة، ورواية الصحراء، ورواية البحر، ورواية الريف. وآخر اعتمد مقياس الجنس فكانت نتيجة تصنيفه ثنائية الرواية النسائية والرواية الذكورية. فضلا عن الرواية التقليدية والحداثية حسب المدرسة الفنية، ثم الرواية الواقعية، والرواية الرومانسية.
◀ المواضيع المشتركة بين الروائيين الإماراتيين
تعددت المواضيع التي تطرق إليها الروائيون الإماراتيون. وتنوعت القضايا باختلاف الأجيال، وباختلاف حدث اكتشاف النفط الذي شكل منعطفاً في واقع البلد، وفي حياة الإنسان الإماراتي. لكننا سنحاول التماس قاسم مشترك بينهم، أو تيمة شاعت بين عدد منهم، ومنها:
◄ الهوية الثقافية: ذلك أن مجموعة من الروائيين تناولوا الهوية الثقافية والتحديات التي تواجهها خاصة مع سيول العولمة، وتياراتها التي جرفت مجموعة من الثقافات المحلية.
◄ الحياة اليومية: كباقي الروائيين في العالم، تطرق بعض الكتاب للحياة اليومية بأسلوب واقعي، وإن كان لا يخلو من دلالة عميقة، وهي الأعمال التي تدخل في النطاق السيرة، سواء أكانت ذاتية أو ذهنية.
◄ التاريخ الإماراتي: تناولت مجموعة من الروايات الأحداث التاريخية والقضايا الاجتماعية المشكلة للتطور الحضري للإمارات.
◄ مشكلات الأسرة والعنوسة كما هو الحال في رواية: "رائحة الزنجبيل" لصالحة غابش، أو تمرد الزوجات مثل: "للقمر وجه آخر"، وغيرها من الروائيين الذين خاضوا غمار مشكلات الأسرة في طابع سردي.
◄ المزاوجة بين المواضيع القديمة والمواضيع الحديثة مع التعبير بالرمز: مثلما نجده في أعمال الروائية: سارة الجروان، وغيرها ممن سلك طريقها.
◀ رسائل الرواية الإماراتية
عملت الرواية الإماراتية على نقل مجموعة من الرؤى والتصورات حول التراث، والهوية، والتحولات الاجتماعية والثقافية. وفتحت نقاشاً حول هذه المواضيع في أكثر من محطة أو عمل أدبي، وهي النقاشات التي عززت التسامح والمرونة الثقافية بين الأفراد والجماعات.
إن هذه القصص الماتعة ساهمت في إغناء الوعي الجماعي، وتهذيبه. كما عملت على تعزيز الثقافة الإماراتية في الذاكرة الجماعية، فضلاً عن كونها استطاعت أن تخلق وحدة مبنية على التسامح، والفهم العميق للهوية الفريدة، وللتراث، مع تمكنها بكل نجاح بأن تحلق بالهوية المحلية عالياً، وأن تحملها نحو العالمية.
عملت قوة وفرادة الرواية الإماراتية على امتداد إشعاعها خارجياً؛ إذ جذبت بعض الأعمال الانتباه العالمي، لتنشط عملية الترجمة. وبترجمة مجموعة من الروايات، عززت جسور التبادل الثقافي بين دولة الإمارات وباقي أقطار العالم، مما زاد من فهم وتقدير الثقافة والتراث الإماراتي.
ما قاله الروائيون الإماراتيون عن رواياتهم:
مما جاء في "العين الإخبارية"، الخميس 23 نونبر 2017، "الرواية الإماراتية.. قفزات نوعية وغزارة في الإنتاج" للكاتب: حسان محمد. يقول الروائي علي أبو الريش عن الرواية الإماراتية: "الرواية في الإمارات قطعت شوطاً كبيراً، وتمكنت من أن تتبوأ مكانها ليس فقط على المستوى المحلي والخليجي، وإنما العربي أيضاً، وتحديداً الرواية النسائية، حيث شهدنا في الفترة الأخيرة كثافة في إنتاجها؛ ما أثبت وجودها، وحققت المرأة من خلالها إنجازاً واضحاً على المستوى الفني، وهذا بلا شك أمر يبشر بمستقبل أفضل".
وعن نظرته المستقبلية، فهو يبدي تفاؤلا ما دامت قد خرجت من نمطها التقليدي. يقول: "في الواقع كانت بدايات الرواية بسيطة، وكانت جزءاً من الواقع، وفضاؤها كان محدوداً جداً لا يتجاوز حدود البحر والصحراء، لكن الأمر أصبح مختلفاً الآن؛ فقد أسهم الانفتاح في تعميق فكر الروائي الذي أصبح يتناول العديد من القضايا المجتمعية، وهو ما جعل الرواية الإماراتية تتماشى مع الواقع بشكل عام، لا سيما أنه أصبح لدى الروائي مساحات واسعة لأن يقطعها ويعمل بها، في ظل التغيرات المجتمعية والاقتصادية والسياسية التي نشهدها حاليا، وهذا بلا شك يعد عاملا مهماً في تطور الرواية، وفيه دليل آخر على نجاح الرواية الإماراتية في التعمق بالمجتمع المحلي وقضاياه المعاصرة".
أما الروائية فتحية النمر، فقد أثنت على تطور الرواية الإماراتية، وتحقيقها لطفرات نوعية خلال مسيرتها. تقول: "تطورت الرواية الإماراتية كثيراً مع مرور الزمن، وأصبحت تتناول قضايا مختلفة تماماً عما دأبت عليه سابقاً؛ حيث واكبت في ذلك تطور المجتمع نفسه، ولكن ذلك لا يعني أن التطور أصاب كل الروايات الإماراتية".
ومن زاوية مقارنة المتن السردي بأمثاله تقول: "أعتقد أن الروايات التي وضعت لها هدفاً منذ البداية وعملت على تقديم النقد للمجتمع وممارساته المختلفة، وتعيد ترتيب الأمور بطريقة جديدة، استطاعت أن تحقق قفزة نوعية، في المقابل، هناك روايات ضاعت هويتها تماماً؛ لأنها لم تحدد الهدف الذي تسعى إليه".
ويرى الكاتب الدكتور حمد الحمادي، صاحب رواية "ريتاج" التي اقتبس منها مسلسل "خيانة وطن" أن الرواية الإماراتية حققت طفرات نوعية، وتقدماً لافتاً بفضل تضافر مجموعة من العوامل. يقول: "إذا عدنا للوراء قليلاً؛ سنجد أن عدد الروائيين في الإمارات كان بسيطاً جداً، وكذلك الإنتاج الأدبي بشكل عام كان أيضاً محدوداً، بسبب ظروف النشر وصعوبتها في ذلك الوقت بحكم عدم وجود دور نشر إماراتية؛ الأمر الذي كان يفرض على أي كاتب إماراتي التوجه نحو الخارج لنشر إنتاجه وكتبه".
ويضيف مشيداً بكل عوامل نجاح الرواية الإماراتية: "الوضع الحالي أصبح مختلفاً مع انتشار دور النشر في الإمارات؛ حيث شكّل ذلك حافزاً لتعزيز الإنتاج الأدبي، خاصة من قبل الفئة الشّابة، وهذا زاد من تنوع الرواية الإماراتية، وأصبحت تتطرق إلى مواضيع جديدة ومختلفة، لم يسبق أن تطرقت إليه من قبل".
خاتمة:
تطورت الرواية الإماراتية بشكل مضطرد. فمن مرحلة التأسيس خلال السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، إلى مرحلة النضج والاكتمال مع نهاية التسعينيات وبداية الألفية الحالية، إلى مرحلة العالمية والتجريب انطلاقاً من 2010، راكمت هذه التجربة الفنية تجارب متعددة، وأعمال أدبية نافست بحضورها في المسابقات العربية والعالمية. وبذلك عبّرت هذه الطفرات عن ديناميكية الأدب الإماراتي وقدرته على التفاعل مع التحولات الثقافية والاجتماعية.