محمد أحمد المرزوقي، شاعر نبطي من أولئك الذين تأسرهم الكلمة منذ نعومة أظافرهم، في رحلته مع الشعر، لم يكن مجرد شاعر عابر يكتب قصائده لتمضي مع الرياح، بل كان عاشقاً لكل حرف ينطق به، محباً لكل بيت ينسجه قلمه.. القراءة والاطلاع كانا زاده اليومي، فهما نافذته التي يطل بها على عوالم شاسعة من الإبداع والمعرفة، من خلالها تبحر أفكاره وتسمو مخيلته.
ديوانه الأول "نبض"، جاء كما يوحي عنوانه، ليكون مرآة لما ينبض به قلبه من مشاعر وأفكار في قصائد نبض، تجد الحب والشوق، الألم والأمل، وتجد صورة واضحة للإنسان البسيط الذي يعبر عن نفسه دون تصنع أو تكلف، كان ديوانه بمثابة صدى داخلي لصوت مرزوقي الخاص، الذي يحمل في طياته هموم الحياة العصرية وفي الوقت ذاته حنيناً لجذوره وقيمه، واليوم، ينتظر عشاق شعره صدور ديوانه الجديد بعنوان صباحيّات، ومن الواضح أن هذا الديوان الجديد سيكون مختلفًا بطابعه عن سابقه، فالمرزوقي في قصائد صباحيّات، يصطحبنا معه إلى لحظات الصباح الهادئة، حيث تنساب الكلمات مثل أشعة الشمس الأولى، دافئة وملهمة، إنه يتأمل في تفاصيل الصباح، في الضياء الذي يتسلل بين الستائر، وفي أصوات الطبيعة التي تبدأ يومها هناك، بين دفتي ديوانه الجديد، سوف نجد تلك المشاعر البكر التي يولدها الصباح، حين يكون العالم كله في بداية جديدة، تماماً كما هي قصائده، محمد أحمد المرزوقي ليس شاعراً يكتب القصيدة فقط، بل هو أيضاً قارئ نهم يستقي من بحر الأدب والفكر ما يعمق تجربته الشعرية. الرافد التقت به، وكان لها معه الحوار الآتي:
⊙ كيف ترى دور الشعر النبطي في تعزيز الهوية الوطنية الإماراتية؟ وهل يمكن للشعر النبطي أن يكون أداة للتغيير الاجتماعي؟
الشعر النبطي "الشعبي " يلعب دوراً مهماً في تعزيز الهوية الوطنية الإماراتية؛ إذ يُعتبر مرآة لتراث المجتمع وقيمه وتاريخه، فهو يعبر عن مشاعر الأفراد وآمالهم وتطلعاتهم بلغة محلية تصل مباشرة إلى الروح، ومن خلاله يتم الحفاظ على الروابط القوية مع الماضي والتراث الأصيل، مما يساعد في ترسيخ الهوية الإماراتية وإبراز خصوصيتها، أما بالنسبة لكون الشعر النبطي أداة للتغيير الاجتماعي، إجابتي نعم فالشعر النبطي، بما يحمله من قدرة على التأثير في مشاعر الناس وتحفيزهم على التفكير، يمكنه أن يكون وسيلة فعالة للتعبير عن قضايا اجتماعية وتحفيز التغيير عبر تناول قضايا مثل الوحدة، العدالة، التعليم، حقوق المرأة، أو القضايا البيئية. يمكن للشعر النبطي أن يوجه رسائل قوية تعزز الوعي الاجتماعي وتحفز على اتخاذ خطوات نحو التغيير، الشعراء النبطيون يمكنهم من خلال أعمالهم تعزيز القيم الوطنية والاجتماعية، وإلهام الجمهور للتمسك بالهوية والتقاليد، وفي نفس الوقت الدفع نحو التحديث والتغيير الإيجابي
⊙ قصيدة كتبتها وكنت تعتبرها عادية، ولكن بعد إلقائها تفاجأت بتفاعل كبير من الجمهور، حدثنا عنها؟
هناك قصيدة كتبتها في لحظة هدوء، ولم أكن أعتبرها مميزة بشكل خاص، كانت تتحدث عن لحظة تأمل في حياتي، ومشاعر مختلطة بين الشوق والرضا، عندما ألقيتها أمام الجمهور، تفاجأت بردة فعلهم القوية، والتفاعل الكبير الذي لم أكن أتوقعه، يبدو أن تلك المشاعر الصادقة والبسيطة لامست شيئاً عميقاً في قلوبهم، تلك اللحظة جعلتني أدرك أن الشاعر قد لا يكون دائمًا قادرًا على تقييم تأثير كلماته بنفسه، فكل نص يحمل تأثيرًا قد يتخطى توقعاتنا.
⊙ هل تكتب فقط لحظة الإلهام؟ أم أن هناك مواقف تجعل الكتابة الشعرية عندك قراراً فتكتب؟
بالطبع الإلهام هو المحرك الأساسي، ولكن هناك أوقات أجد نفسي أمام مواقف أو تجارب تستفزني للتعبير عنها، فتتحول الكتابة إلى قرار واعٍ وليس فقط لحظة إلهام، في تلك اللحظات، أستخدم ما تعلمته من تجاربي السابقة، وأمزجه مع ما أشعر به في الحاضر.
⊙ الماضي دائماً يبدو جميلًا عند مقارنته بالحاضر، كيف يتجلى تأثير التراث الإماراتي العريق في تشكيل معاني وأبعاد الشعر لديك، ليصبح مرآة تعكس روح الأرض وروعة الإنسان؟
أرى أن الإبداع في النص الشعري يعتمد على المزج بين التراث والحداثة بطريقة تحترم الماضي وتستلهمه، وفي الوقت ذاته تفتح آفاقاً جديدة للخيال والتعبير، الشعر ليس مجرد التزام بقواعد وأوزان، بل هو مساحة حرة للابتكار، أركز على تنويع الصور الشعرية والخيال بشكل يتجاوز الحدود التقليدية، مع استثمار التنوع اللغوي الذي يسمح لي بإضافة أبعاد مختلفة للتعبير، تأثير التراث الإماراتي العريق في تشكيل معاني وأبعاد الشعر النبطي يتجلى في ارتباطه العميق بالبيئة والقيم التي عاشها الأجداد وورثها الأحفاد، الشعر النبطي يُعتبر مرآة تعكس روح الأرض التي عاش عليها الناس، بأفقها الصحراوي الواسع، وأمواج بحرها التي حملت الصيادين والتجار، وصمودها أمام التحديات، هذه التفاصيل البيئية تنعكس في رمزية اللغة والصور الشعرية التي تعبّر عن حياة البدو ورحلاتهم، عن الكرم والشجاعة، وعن الحب والتضحية. الشعر النبطي يستمد قوته من تلك الأصالة، فهو لغة الناس التي تنقل حكاياتهم وتجاربهم بحب وصدق، هذه الروح التراثية تنغرس في كل كلمة وقصيدة، فتجعل الشعر ليس مجرد كلمات تُقال، بل وثيقة تاريخية نابضة بالمشاعر، تجسد عظمة البدايات وصعوبة التحديات التي واجهها الأجداد، وفي الوقت نفسه تحتفي بقدرتهم على الحفاظ على هويتهم، وهكذا، يصبح الشعر النبطي ليس فقط أداة للتعبير عن الحاضر، بل أيضاً نافذة نطل من خلالها على ماضينا المشرق، ما يمنح الحاضر بعداً جمالياً أعمق حين نرى في كل تجربة معاصرة صدى لتراثنا الأصيل وروح الأرض وروعة الناس الذين صنعوا تاريخنا، وهكذا أنا استمد في تجربتي الشعرية كل ما ذكرت.
⊙ لم تعد البيئة الشعرية القديمة التي أتت بالشعر التقليدي موجودة، وأين وجدت لا تمثل إلا القليل من المجتمعات، لذلك نرى أن التطور غير الكثير من الملامح، كيف تسوق الإبداع إلى نصك الشعري ليظهر التجديد في الخيال مع تعدد الأوزان؟
في تقديري ليس لتعدد الأوزان قيود بل فرصة للتجديد، حيث أستخدم تفاعلات الأوزان المختلفة لإيصال نغمات وأحاسيس تتناسب مع طبيعة النص، التنويع في الأوزان يعزز من الموسيقى الداخلية للقصيدة، ويسهم في بناء تجربة شعرية تجمع بين عمق المعنى وحداثة الأسلوب.
⊙ هناك مساحات متنوعة تمثل مصدراً ساحراً لإلهام الشاعر مثل (الحب، الجمال، الشجاعة، المروءة، الحكمة)، ما الذي يشعل جذوة الإلهام في داخلك ويحفزك للكتابة؟
بالنسبة لي، تتجسد مصادر الإلهام في تجارب الحياة والمواقف التي تحمل عمقاً معنويًا، قد تكون لحظة تأمل في الطبيعة أو مشاعر مختلطة تثير في داخلي الرغبة في الكتابة، الحب بتنوعاته، الجمال الذي أجده في التفاصيل الصغيرة، والشجاعة في مواجهة التحديات، كلها تفتح لي أبوابًا جديدة للإبداع، لكن الأهم هو الحكمة التي تخرج من التجارب الحياتية، تلك اللحظات التي تجمع بين الفهم العميق والأحاسيس القوية، هي ما يشعل جذوة الإلهام ويحفزني للتعبير عن أفكاري ومشاعري من خلال الكلمات.
⊙ معلوم أن الشعر النبطي يتسم بالبساطة في استخدام المفردة العامية وتطويعها بأسلوب إبداعي جاذب يعكس عمق القصيدة ومدى قوتها وتأثيرها، ما تقييمك للقصيدة التي تحظى بتفاعل الجمهور؟
القصيدة النبطية التي تحظى بتفاعل الجمهور تعتمد على الجمع بين البساطة في استخدام المفردة العامية والإبداع في تطويعها لتقديم معنى عميق وقوي، القصيدة التي تنجح في جذب انتباه المتلقي وتفاعله هي تلك التي تعبر عن مشاعر وأفكار قريبة من حياته اليومية بلغة مألوفة، وفي نفس الوقت الاهتمام في تركيب الصور والأساليب، ما يجعلها تحمل بعدًا فنيًا مختلفاً. التفاعل الجماهيري مع القصيدة يعكس قدرتها على التأثير والمساس بالمشاعر والقضايا التي تشغل الناس. فالشعر النبطي، رغم بساطة مفرداته، يمتلك قدرة عظيمة على تحويل تلك البساطة إلى وسيلة تعبير مؤثرة تعكس الواقع بإبداع وجاذبية.
⊙ ما القيمة الأهم التي ترى أنها يجب أن تكون حاضرة دائماً في الشعر النبطي؟
أرى أن "الصدق" هو القيمة الأهم التي يجب أن تكون حاضرة دائماً في الشعر النبطي، وهنا أقصد الصدق في التعبير عن المشاعر والتجارب؛ لأنه يضفي على الشعر أصالة وجاذبية خاصة، حيث يصل بشكل مباشر إلى القلوب ويعكس واقع الحياة اليومية للأفراد والمجتمع، الشعر النبطي نابع من البيئة والتراث، وبالتالي يجب أن يظل صادقاً في نقله للقيم والتجارب الإنسانية والمجتمعية، ليبقى وسيلة فعالة للحفاظ على الهوية وللتواصل مع المتلقي بطريقة تلامس إحساسهم بالواقع والوجدان.
⊙ كلمة أخيرة؟
الشعر بالنسبة لي ليس مجرد كلمات تُكتب، بل هو وسيلة لفهم الحياة والتواصل مع الآخرين، فالكلمات قد تكون بسيطة، لكن القوة تكمن في الصدق والإحساس الذي نحمله خلف تلك الكلمات.