الترجمة.. طريقنا لتغيير الصورة النمطية بين الأتراك والعرب

حوار مع المترجم المصري أحمد زكريا

حاوره: حسن الوزاني


أحمد زكريا، شاعر ومترجم مصري مقيم في تركيا، في نهاية الثلاثينات من عمره. صدر له العديد من الترجمات من التركية إلى العربية، من بينها "حقائق التاريخ التركي الحديث" لإلبر أورطايلي، و"سيّد قطب بين غلوّ محبّيه وظلم ناقديه - اللاهوت السياسي" لياسين أقطاي. كما صدر له بالاشتراك مع ملاك دينيز أوزدمير، العديد من الترجمات عن التركية، من بينها رواية "الحفرة - عودة ياماتش" لجوكهان هورزوم، و"ثلاث سنوات ونصف مع ناظم حكمت" لأورهان كمال، ورواية "غجر إسطنبول" لعثمان جمال قايجلي، ورواية "أيام السلطان عبد الحميد الأخيرة" لناهد سري أوريك، ورواية "فندق القسطنطينية" لـ زولفو ليفانلي، ورواية "الشيطان الذي بداخلنا" لصباح الدين علي (مرايا، 2022). فاز، بمشاركة ملاك دينيز أوزدمير، بـ"جائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة" (2020 - 2021) في فرع "الريبورتاج الرحلي المترجم - الرحلة الصحافية" عن ترجمتهما لكتاب عزيز نيسين "الدنيا قِدر كبير وأنا مغرفة".
 

وقد كان لنا معه الحوار الآتي، الخاصة بمجلة الرافد:



✦ ما الذي قاد اختيارك للغة التركية كلغة للترجمة؟

بحكم إقامتي في تركيا، بدأتُ في تعلم التركية، ومع الوقت ازداد شغفي بتعلُّم هذه اللغة وحبي للثقافة التركية. منذ أن كنتُ مقيماً في مصر، اطلعتُ على بعض الأعمال المترجمة عن التركية، لبعض الأسماء المعروفة، وبعد تعلمي التركية وعندما قرأت بعض هذه الأعمال بلغتها الأصلية، شعرتُ أنني قرأتُ شيئاً آخر من قبل. من هنا بدأت التفكير في العمل بالترجمة، وخصوصاً أنني بعد قراءة أوسع للأدب التركي، أدركتُ أننا تقريباً لا نعرف عنه شيئاً.

والحقيقة أنني أجد نفسي سعيداً باختياري للغة التركية، وترجمتي عنها؛ لأنها فتحت لي آفاقاً جديدة، وخصوصاً في المساحات التاريخية التي أهتم بها، والتي تتناول تاريخ البلدان العربية تحت الحكم العثماني. وأشعر أنني من الممكن أن أقدم شيئاً جديداً من خلال ترجمتي عن هذه اللغة، سواء في الأدب أو التاريخ. وبحكم اهتمامي بالشعر، واطلاعي على الشعر التركي، أعمل حالياً على ترجمة أنطولوجيا للشعر التركي الحديث، الذي لم يُترجم منه إلا القليل. 

ترجمتَ مجموعة من الأعمال الأدبية من التركية إلى العربية بالاشتراك مع ملاك دينيز أوزدمير، من بينها: "ثلاث سنوات ونصف مع ناظم حكمت" لأورهان كمال، ورواية "الشيطان الذي في داخلنا" لصباح الدين علي، و"فندق القسطنطينية" لزولفو ليفانلي، وذلك بالإضافة إلى ترجماتك الخاصة، ومنها: "حقائق التاريخ التركي الحديث" لـ إلبر أورطايلي، و"سيّد قطب بين غلوّ محبّيه وظلم ناقديه - اللاهوت السياسي" لياسين أقطاي. هل استطاعت هذه الأعمال تغيير الصورة النمطية بين العرب والأتراك؟

بالفعل، أتصور أن من شأن هذه الترجمات وغيرها أن تغيَّر الصورة النمطية بين العرب والأتراك، التي تكونت على مدار عقود القطيعة بين الشعبين. فمن المعروف أنه بعد نشأة الجمهورية التركية، تم إبعاد تركيا عن محيطها العربي، رغم التاريخ المشترك الطويل بين الشعبين. وحدث نفس الشيء في العالم العربي بعد ذلك. وبدأ كثير من المثقفين الأتراك ينظرون إلى الثقافة العربية باعتبارها ثقافة "رجعية" في كل جوانبها، كما تبنى كثير من المثقفين العرب وجهة النظر التي تجعل من العثمانيين سبباً لتخلف البلاد العربية خلال فترة وجودهم فيها. الأدب في رأيي هو الذي يذيب الجليد المتراكم بين تركيا والعالم العربي. 

✧ تترجم أغلب أعمالك رفقة ملاك دينيز أوزدمير. كيف تتم عملية الترجمة المشتركة؟

كما ذكرتَ، فأنا أترجم مع شريكتي ملاك دينيز أوزدمير، وهي تركية مُستعرِبة. بعد أن نقرأ العمل جيداً، نقوم بترجمته بشكل كامل ترجمة أوَّلية، ثم نعود، في المرحلة الثانية، إلى بعض التفاصيل التي توقفنا عندها في المرحلة الأولى، وأخيراً أعمل على تحرير النص العربي بمفردي بعيداً عن الأصل التركي. وفي بعض الأحيان يتطلب الأمر أن أقرأ العديد من الكتب والمقالات حول مادة الكتاب الذي سأقوم بترجمته، وهذا ما حدث في ترجمتي الأولى، التي أنجزتها بشكل منفرد دون شريكتي، والتي خصت كتاب المؤرخ التركي البارز إلبر أورطايلي، وهي الترجمة التي صدرت عن الدار العربية للعلوم ناشرون في بيروت، بعنوان "حقائق التاريخ التركي الحديث"؛ إذ قمتُ بقراءة العديد من المواد حول المرحلة التي يتناولها المؤرخ والمصطلحات التي يستخدمها، قبل الشروع في الترجمة. 

✦ هل تلقى من الناشرين هامشاً لاختياراتك على مستوى الترجمة؟

الحقيقة أنني أستند إلى المعايير الفنية في المقام الأول، وبما أنني أترجم الأدب في المقام الأول فلا أحب أن أصطدم بالسياسة ومعاييرها، لكنني في نفس الوقت لن أترجم لكاتب فاشل مثلا. أحب أيضاً ترجمة الأعمال الأدبية التي تعبر بشكل ما عن روح وثقافة المجتمع التركي، وخصوصاً أن اهتمام العرب يزداد يوماً بعد يومٍ بالثقافة التركية، وهناك أكثر من أربعة ملايين عربي يعيشون في تركيا الآن، وهذا يعني أنه بعد سنوات ستكون هناك أجيال عربية جديدة في تركيا، وينبغي أن تكون معرفتنا جيدة بهذا المجتمع الذي جهلناه لعقود.

✧ أغلب أعمال ترجمة النصوص التركية تتم عن طريق لغة وسيطة. هل يسيء ذلك لقيمة النصوص الأصلية؟

بالفعل، نجد أن كثيراً من دور النشر العربية لا تحرص على الترجمة عن التركية مباشرة، حيث تقوم بترجمة الأدب التركي من خلال لغة وسيطة -الإنجليزية غالباً- وهذا ما يجعل الأعمال تفقد الكثير من روحها بعد نقلها عبر لغة وسيطة. بالإضافة إلى أن كثيراً من المثقفين العرب ودور النشر لا يأخذون الترجمة عن اللغات الشرقية بشكل عام، على محمل الجد، لأنهم لا يحترمون -في رأيي- الأدب الشرقي من الأساس. كما أننا في العالم العربي لا نهتم إلا بأسماء الأدباء الأتراك الذين وصلوا إلينا من الغرب، وكأنه شرطٌ أن يُقبل هذا الكاتب في الغرب أولاً حتى نهتم به ونقوم بترجمته.

✦ لا ينسجم حجم الأعمال المترجمة بين اللغتين العربية والتركية مع التاريخ المشترك الطويل بين العرب والأتراك. ما الذي يحد من إمكانيات توسيع أفق هذه الأعمال؟

يرجع ذلك في رأيي إلى مرحلة القطيعة بين الشعبين التي ذكرتها قبل قليل، حيث اقتصرت الترجمات من العربية إلى التركية على بعض كتب التراث العربية والكتب الإسلامية، وفي المقابل اقتصرت الترجمات من التركية إلى العربية خلال تلك العقود على بعض الأسماء اليسارية البارزة، كناظم حكمت، ويشار كمال وعزيز نيسين، بحكم النشاط الثقافي اليساري في الستينيات والسبعينيات. ورغم ذلك، نلاحظ أن هذه الحالة بدأت تتغير شيئاً فشيئاً في السنوات الأخيرة، حيث نجد ازدياداً ملحوظاً في الأعمال المترجمة، وخصوصاً من التركية للعربية، وازدياد في عدد المترجمين بين اللغتين. ويجب أن نذكر هنا، دور بعض الجوائز العربية التي تُشجع على الترجمة بين اللغتين، على رأسها جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي في قطر، التي جعلت اللغة التركية لغة رئيسة منذ دورتها الأولى عام 2015.

✧ أنت أيضاً شاعر. كيف تدبر العلاقة بين مشروعك الشعري ومشروعك على مستوى الترجمة؟

في الحقيقة لا أجد أي تعارض في الأمر. بالعكس تماماً، الترجمة هي التي أعادتني لكتابة الشعر بعد أن توقفتُ عن كتابته في آخر سنواتي بمصر. لقد حسمتُ الأمر بداخلي. أنا شاعرٌ في كل تفاصيل حياتي، وعملي هو الترجمة. كما أن كتابتي للشعر أفادتني كثيراً في ترجمته، وهذا ما ألاحظه في تعليقات القراء على ترجماتي الشعرية حتى الآن. 

✦ أنت قارئ جيد للأدب التركي الحديث. هل أنت راض على قيمته؟

أتصور أن الشعر في تركيا الآن في وضع جيد للغاية. هناك أصوات جديدة مهمة ولها خصوصيتها. أما الرواية فأهم ما يميزها أنها تتفاعل مع الواقع التركي بشكل كبير، وهناك سمة أساسية للأدب التركي على اختلاف مدارسه وتكمن في تضمنه لروح مقاومة، وهو يتناول موضوعات تشبه الموضوعات التي يتعرض لها أدبنا العربي.

✧ أنت تقيم بتركيا. ما الذي منحه لك هذا البلد على المستوى الثقافي؟

أولاً، القراءة بلغة جديدة تجعلك شخصاً آخر، تفكر وترى الأشياء من أكثر من زاوية. وبحكم عملي في الترجمة بين التركية والعربية، انخرطت سريعاً في الأوساط الثقافية التركية، وهي أوساط لها إيجابياتها وسلبياتها، مثل كل الأوساط في جميع البلدان، بطبيعة الحال، وإن كانت السلبيات أقل بكثير مما رأيتُه في مصر والعالم العربي. في الحقيقة أنا لا أُخفي امتناني الدائم لتركيا وتجربتي فيها، وتعاون كثير من المثقفين الأتراك معي على مستويات عديدة من أجل التعرف على الثقافة التركية عن قرب، والتفاعل معها. 

✦ حصلتَ، بمشاركة ملاك دينيز أوزدمير على "جائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة" عن ترجمة لكتاب عزيز نيسين "الدنيا قِدر كبير وأنا مغرفة". ما الذي تعنيه الجائزة بالنسبة إليك؟

أعتز كثيراً بهذه الجائزة، نظراً لمكانتها في العالم العربي من ناحية، ولأنها جائزة عن أول تجربة لي مع شريكتي في ترجمة أدب الرحلة من ناحية أخرى، وخصوصاً أنها لكاتب بحجم عزيز نيسين، الذي تُرجم للعربية منذ نهاية السبعينيات، وأحبه القراء العرب كثيراً، وشعروا أنه يعبر في كتاباته عن واقعهم أيضاً. 

✧ ما الذي يمكنه أن تقدمه الترجمة والثقافة على مستوى تيسير الحوار بين العالم الإسلامي والغرب؟

بغض النظر عن هذا الصراع القديم، أتصور أن أهم ما تقوم به الترجمة بشكل عام هو عرض صورة أمة ما بلا أحكام نمطية مسبقة. 

✦ هل يمكم للثقافة أن تكون ملجأ في زمن الحرب؟

أتصور أنه في زمن الحرب، كثيراً ما يهرع الناس إلى الثقافة، بمفهومها العام، بعد أن يشعروا بأن السياسة قد خذلتهم. لكنني أعتقد أن الربط المباشر بين الثقافة وتغيير الواقع لا يكون في صالح الثقافة، التي تعمل داخل روح الإنسان، ولا يمكن أن يظهر دورها سريعاً.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها