الخلود الرقمي: هل هناك حياة بعد الموت في عالم الكمبيوتر؟

بقلم: أناستازيا أندرييفا

ترجمة: رسلان عامر


لقد كانت الحياة الأبدية وستبقى هي الحلم الرئيس للإنسانية، ونحن لا نريد أن نعيش حياة طويلة وحسب، بل نريد أن نكون دائماً شباباً وبصحة جيدة؛ فمن الذي يعمل الآن بالفعل على حل مشكلة الشيخوخة؟ وكيف نعتني بكوكبنا حتى يكون لدينا ولأطفالنا مكان صالح لنعيش فيه؟ وما الذي يجب أن نتعلمه لمنع الروبوتات من الاستيلاء على وظائفنا؟


في هذا الاتجاه، الذي يشكل إطاراً جامعاً لجميع الاتجاهات الأخرى، نحن لا ننظر إلى العمليات بقدر ما ننظر إلى الإنسان نفسه، وهو الذي يقع في مركز كل التحولات؛ فكيف سيغيرنا المستقبل وكيف سيغير حياتنا؟ وكيف سيعمل تحديد الاتجاهات وهل ستحقق توقعات علماء المستقبل؟ دعونا نحاول العثور على الجواب معاً. [قسم "علم المستقبل" (Futurology)، في بوابة إر. بي. كا. الروسية](1).

يعدّ تحميل الوعي إلى جهاز كمبيوتر أحد الطرق المحتملة لخلود الإنسان، ولكن كيف يمكننا أن نقوم بالمسح التصويري (scanning) لعقولنا؟ وهل نحن مستعدون لذلك حقًا؟ هذا ما يحدثنا عنه العالم الأمريكي مايكل غرازيانو (Michael Graziano).

ومايكل غرازيانو هو أستاذ علم النفس وعلم الأعصاب في جامعة برينستون، وهو يدرّس الأساس العصبي البيولوجي للوعي ووظيفة الدماغ.

فتخيلوا مستقبلا لا يموت فيه أحد، بل على العكس من ذلك، يتم تحميل وعي الإنسان إلى العالم الرقمي، وهناك يمكنه أن يتواجد في جسد أفاتاري (avatar body)(2) في واقع اصطناعي محاكٍ للعالم الحقيقي، بل ويمكنه أيضاً أن يعود للتأثير على العالم البيولوجي.

إنّ إمكانية تحميل الوعي إلى الكمبيوتر كبيرة جداً، ولكن ما الذي تتطلبه عملية المسح التصويري للدماغ ونقل وعيه؟

تكمن الصعوبة الرئيسة بالقيام بعملية المسح التصويري للدماغ بدرجة من الدقة تكون كافية لالتقاط الوعي ثم إعادة إنشائه بدقة، ولكن عليكم أولا تحديد ما يجب مسحه تصويرياً بالضبط.

يتكون الدماغ البشري من حوالي 86 مليار خلية عصبية متصلة ببعضها البعض من خلال ما لا يقل عن 100 تريليون مشبك عصبي، ويُسمى هذا النموذج من الاتصال بين الخلايا العصبية في الدماغ، أو بالأدق، هذا التركيب من الخلايا العصبية وترابطاتها البينية، بالشبكة العصبية البشرية؛ ولم يتم حتى الآن وضع خارطة اتصالات لهذه الشبكة العصبية، كما أن آلية نقل الإشارة بين الخلايا العصبية ليست مفهومة تماماً بعد.

هناك المئات، وربما الآلاف، من الأنواع المختلفة من الوصلات أو المشابك العصبية، وكل واحد منها يعمل بشكل مختلف؛ البعض يعمل بشكل سريع، والبعض الآخر يعمل بشكل بطيء؛ بعضها ينمو أو يتقلص بسرعة أثناء عملية التعلم، بينما يكون البعض الآخر أكثر استقراراً خلال مرور الوقت؛ وبالإضافة إلى تريليونات الروابط المزدوجة المباشرة المحددة جيداً، هناك خلايا عصبية تطلق نواقل عصبية تؤثر في الوقت نفسه على العديد من الخلايا العصبية الأخرى؛ ولنسخ وعي الإنسان، فمن الضروري إنشاء خريطة لكل هذه الأنواع المختلفة من التفاعلات.

ومن المرجح أن أنماط النشاط بين الخلايا العصبية تتأثر بنوع من الخلايا يسمى الخلايا الدبقية، حيث تحيط الخلايا الدبقية بالخلايا العصبية، ويعتقد بعض العلماء أن عدد الخلايا الدبقية أكبر بعشر مرات من عدد الخلايا العصبية؛ وكان يُعتقد سابقًا أن الخلايا الدبقية توفر الدعم البنيوي فقط، لكن على الرغم من أنّ وظائف هذه الخلايا لا تزال غير مفهومة جيداً حتى اليوم، إلا أن بعضها يمكنه بالتأكيد توليد إشارات خاصة به تؤثر على عملية نقل المعلومات.

كيف تتم عملية مسح الدماغ؟

إن الفهم الحالي للدماغ ما يزال غير كافٍ بعد لتحديد ما هو مطلوب فعلياً لنسخ الوعي، ولكن تخيلوا أنّ المعرفة قد وصلت إلى المستوى المطلوب، فكيف يمكننا عندها إذنْ مسح الدماغ؟

في الوقت الحاضر، باستخدام التقنيات المتقدمة غير الجراحية مثل التصوير بالرنين المغناطيسي، أصبح من الممكن الحصول على صور واضحة ممسوحة ضوئياً للدماغ البشري الحي بدقة تبلغ حوالي نصف ملليمتر.

ولكن قد يتطلب اسكتشاف المشابك العصبية مسحاً بدقة تصل إلى حوالي ميكرون؛ أي جزء من الألف من المليمتر، فتحديد نوع المشابك العصبية ومدى نشاط كل واحد منها بدقة سيتطلب مثل هذه الدقة الأعلى حتماً.

يستخدم التصوير بالرنين المغناطيسي مجالات مغناطيسية قوية، والمسح بالدقة المطلوبة لتمييز تفاصيل المشابك العصبية الفردية سيتطلب مجالاً قوياً جداً لدرجة أنه يمكنه صهر أنسجة المخ، لذلك، فمن أجل تحقيق تقدم كبير في جودة دقة الصورة، هناك بشكل أساسي حاجة إلى تقنية مسح ضوئي جديدة.

إن الأسهل بكثير هو مسح دماغ غير حي باستخدام المجهر الإلكتروني، لكن هذه التكنولوجيا ليست صالحة؛ لأنها ستتطلب أولاً قتل الكائن الذي تتم دراسته.

كيف تتم عملية رقمنة الدماغ؟

لنفترض أننا درسنا الدماغ جيداً وفهمنا ما يجب مسحه ضوئياً، وأننا أيضاً اخترعنا تقنية المسح الآمن بدقة عالية، ولكن هنا ستظهر مشكلة إعادة إنتاج البيانات الرقمية، وستكون العقبات الرئيسة هي قوة الحوسبة وحجم تخزين البيانات، ولكن في حقيقة الأمر كلا المعيارين هذين يتحسنان كل عام.

وفي الواقع، نحن على مستوى تكنولوجيا الكمبيوتر أكثر تقدماً بكثير مما نحن عليه على مستويي الفهم العلمي للوعي ومسح الوعي، فالشبكات الذكية الاصطناعية تقوم اليوم بالفعل بالتحكم بتشغيل محركات البحث على الإنترنت، وبالمساعدين العينيين (visual assistants)، وبالسيارات ذاتية القيادة، وبالتداول الخوارزمي في وول ستريت، وبالهواتف الذكية؛ إلا أن أحداً لم يتمكن حتى الآن من بناء شبكة اصطناعية مكونة من 86 مليار خلية ذكية، ولكن إذا استمرت تكنولوجيا الكمبيوتر في التحسن، فسيكون من الممكن إدارة مثل هذه الكميات من المعطيات.

في كل مرحلة من مراحل عملية المسح والتحميل، أنتم تحتاجون إلى التأكد من جمع المعلومات الضرورية بدقة، وإلا فقد ينتهي بكم الأمر عن غير قصد إلى الحصول على نسخة تالفة من الوعي.

وعلى أية حال، فعلى الرغم من أن تحميل الوعي ممكن من الناحية النظرية، إلا أن تنفيذه العملي سيتطلب على الأرجح مئة من السنين الإضافية من تطوير التكنولوجيا والفهم العلمي؛ وكل هذا سيواجه مشاكل أخلاقية وفلسفية من قبيل: من ستتاح له إمكانية تحميل الوعي إلى العالم الافتراضي؟ وما هي الحقوق التي سيتمتع بها الوعي الافتراضي؟ وما هي التجاوزات المحتملة لهذه التكنولوجيا؟

وهكذا، فحتى لو أصبح تحميل الوعي ممكناً في يوم من الأيام، فمع ذلك، إمكانية القيام بذلك ستبقى سؤالا مفتوحاً.

 


إيضاحات من المترجم:
[1] مجموعة إر. بي. كا. (RosBiznesConsulting) هي إحدى أكبر المجموعات الإعلامية في روسيا، وقد تأسست في عام 1993، ومقرها في موسكو؛ وهذا المقال منشور على بوابتها الإلكترونية بتاريخ ‏26‏/04‏/2021.
[2] الأفتار (Avatar)، هو الشخصية الرمزية التي تمثل الشخص الحقيقي في الواقع الافتراضي والألعاب الرقمية ومنصات الإنترنيت؛ والجسم الأفتاري المقصود في هذا المقال هو الجسم الرقمي الإلكتروني الذي سيتخذه الوعي عند انتقاله إلى العالم الافتراضي.

رابط النسخة الأصلية (الروسية) لمقال "الخلود الرقمي.. هل هناك حياة بعد الموت في عالم الكمبيوتر": https://trends.rbc.ru/trends/futurology/5e2825d29a7947f9fe755f87

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها