شعرية المجاز.. في ديوان "ثم قال الغريب"

د. عبده منصور المحمودي


يحيل المجازُ -في مفهومه الاصطلاحي- على أنه "الكلمة المستعملة في غير ما وُضِعتْ له، لعلاقةٍ بين المعنى الموضوع له والمعنى المستعمل فيه مع قرينة مانعة من إرادة المعنى الموضوع له"1. وفي سياق ذلك، تأتي إحالة المجاز على نسقه الجمالي، حينما يكتنز طاقةً شعرية فاعلة في تشكيل التجربة الإبداعية.


وإلى ذلك، استندت تجربة الشاعر ياسين البكالي، في ديوانه الصادر مؤخرًا "ثمّ قال الغريب"2. الذي قامت جمالياته -في بعض من تجلياتها- على شعرية (المجاز/ والمعنى)؛ إذ يرتبط المجاز بالمعنى ارتباطًا نسيجيًّا؛ كون المعاني هي مادة المجاز، التي يُشكّل منها فضاءاته وإحالاته المختلفة.

وقد تخلّق من هذا الارتباط -بين المجاز والمعنى- نسقٌ من الحيوية الشعرية، في نصوص هذا العمل، في صورٍ ثلاث: الأولى في شعرية المجاز، والثانية في شعرية المعنى، أمّا الثالثة ففي شعريتهما معًا، وتشاركهما في صياغة فكرة شعرية واحدة.


1. شعرية المجاز

تسمو العلاقة الحميمة بين الذات الشاعرة وألوان المجازات، في التماهي بينهما؛ إذ لا ينام الشاعر إلا على مجازاته، ولا يصحو إلّا عليها، ومن خلالها يتمكن من استيعاب تجارب الحزن السائدة في محيطه الإنساني؛ إذ يقول:
"أنام على مجازاتي وأصحو
وكم خبّأتُ حزن الناس فيها"
[الديوان، ص: 173].

لا شك في أن مجازات أي شاعر، هي وسيلته، التي يستطيع من خلالها التعبير عن كثيرٍ من المضامين، لاسيما تلك التي تحول دون الإفصاح عنها عوائق وعقبات معينة. وعلى ما يتجلى من استيعاب هذه الدفقة الشعرية لهذا الأفق من المواربة التعبيرية، إلّا أنها لا تقف عنده؛ وإنما تتسع لتشمل باستيعابها مشاعر الحزن الإنساني العام، الذي يعصف بالسياق الاجتماعي المحيط بالذات الشاعرة.

من ناحيةٍ أخرى، تضمنت هذه الدفقة الشعرية نسقًا جماليًّا، تمثّل في تميُّز ماهية استيعاب الحزن؛ إذ لم يستهدف هذا الاستيعاب إخراج هذه الماهية إلى العلن، بقدر ما استهدف الاحتفاظ بها في الذات الشاعرة. وقد استندت هذه الخصوصية الاستيعابية إلى بعدين فاعلين في تخلُّقها، تمثّل البعد الأول في أن هذه الأحزان لم تعُد بحاجة إلى الإعلان عنها، بعد أن صارت معلومةً ومُطَّرِدةً حد الاعتياد عليها. ويعود البعد الثاني -وهو الأهم- إلى رغبة الذات الشاعرة، في الوصول إلى مستوى متقدم، من انصهار هذه الأحزان العامة فيها، لتعيد تجربتُها الشعرية صياغتَها نصوصًا رافلةً بحيوية الحزن الإنساني، مستمدةً منه روحها الجمالية والوجدانية.

 وتنحو علاقة الذات الشاعرة مع المجاز منحى أكثر رقةً، في تشخيصه امرأةً مجبولة على مشاعر الشوق والحنين إلى الشاعر، وهو يقول (ص: 75):
أمسكتُ بامرأة المجاز فهالني.. أني أراها بالحنينِ مُصابةْ

وفي النص الشعري الذي عُنون بـ"بيت المجاز"، تصل علاقة الذات الشاعرة مع المجاز إلى ذروتها. فلم يكن البيت المراد سوى البيت الواقعي، الذي أقام فيه الشاعر شطرًا من حياته، وأطلق عليه مسماه "بيت المجاز"؛ إحالةً على ما يمثّله من حيّز مكانيٍّ مهمٍّ، لاستيعاب الكتابة فيه كثيرًا من نصوصه الشعرية. ثم تأتي لحظةٌ فارقة، تُحَتِّم على الشاعر مفارقة هذا المكان والسفر بعيدًا عنه إلى أرض بعيدة، فوجد نفسه ــ في هذا النص ــ مودِّعًا أقرب الأماكن الحميمة إلى قلبه؛ إذ يقول مزهوًا بدار مجازاته، وهو يخاطبه:
"مسافرًا عنكَ
كُلّي عبرةٌ ورجا
كأنني حاكمٌ
من قصرهِ خرَجا"
[ص: 29].

هذا الاستهلال يكتنز مشاعر حسرة طافحة، وحزنًا عارمًا؛ فالشاعر سيفارق مكانًا استثنائيًّا، طالما تمكن فيه، من تجاوز كثيرٍ من محطات المعاناة والألم، يقول:
"مسافرًا عنكَ
يا عُمرًا قطعتُ بهِ
شوطًا من الحُزنِ
حتى الآنَ ما انبلجا"
[29].

وفي سياق استعداد الشاعر لمغادرة منزله، وخطابه له بحسرة وأسى، يصل إلى محورية علاقة الذات الشاعرة مع المجاز من جهة، ومع بيت المجاز من جهةٍ أخرى، يقول حاثًّا المنزل على التذكُّر:
"وكم كتبنا معًا نصًّا
وكم تَعبِتْ
أمّ البنينَ
لكَي تُخفي بكَ العَوَجا"
[ص: 31].

يصل الشاعر -هنا- إلى فاعلية (المكان/ البيت) ودوره في تجسير علاقته مع مجازاته، التي أحالت عليها الذكرى، المتسقة مع ماهيتها الماثلة في الكتابة.

 

2. شعرية المعنى

من تجليّات الشعرية في هذا العمل، ما اتّصل من وهجها باستدعاء "المعنى" وتضمينه إحالاتٍ على سياقين: سياق العلاقة بين المعنى والذات الشاعرة، وسياق التوصيف لصور من أحوال المعنى.

2-1 الإحالة على العلاقة بين المعنى والذات الشاعرة:

تجلى اكتناز تضمين استدعاء "المجاز" إحالةً على علاقته الحميمة مع الذات الشاعرة، ومثل ذلك كان الأمر في تضمين استدعاء "المعنى" إحالاتٍ على علاقته مع الذات الشاعرة نفسها. مع ملاحظة نوعٍ من التمايز بينهما (المجاز/ والمعنى) في علاقة كلٍّ منهما مع هذه الذات؛ إذ يغلب عليها في حال (المعنى) أن تأتي متسمة بطبيعة حركية، متوترة، غير مستقرة، محكومة بعدد من الصور الفاعلة في اضطرابها.

ولعل أبرز تجليات شعرية المعنى -التي تجلت من خلالها العلاقة بينه والذات الشاعرة- ما يمكن مقاربته في صورٍ جماليةٍ ثلاث، هي: مطاردة المعنى، والدوران فيه، والمراوغة الفاعلة في تحاشي مخاوفه.

تضمّنت الصورة الأولى (مطاردة المعنى)، محاولة الذات الشاعرة الوصول إلى المعنى، والقبض عليه بشكل أو بآخر، يقول الشاعر:
"سأطاردُ المعنى ولو مُتسلّلًا في زيّ لفظٍ هاربٍ من قارئٍ لا يستفيدْ" [ص: 143].

تجسّدت العلاقة -هنا- بين المعنى والذات الشاعرة، في تتبعها له، ومحاولتها اللحاق به، طامعةً في الفوز به، ومن ثم تأطيره في كينونة نصية. كما أنها تسلك كلّ ما يمكنها الاستئناس به، من أجل إنجاز ذلك. كأن تأتي متسللةً إلى المعنى، متقمِّصةً هيئة لفظٍ نزقٍ، كثير التذمُّر من قارئٍ، لا يتمكن من الوصول إلى أغواره ولا الانتفاع بجوهره.

أمّا الصورة الثانية (الدوران في المعنى)، فمن خلالها لا تطارد الذات الشاعرة المعنى، لتقبض عليه، بل تدور في المعنى نفسه، إن لم تكن في قبضته، كما يتجلى في قول الشاعر [ص: 16]:
ندور ندورُ في المعنى كلفظٍ.. يتيمٍ ذابَ في وقتِ اختناقِ

تحيل الدلالة في هذا البيت على لحظة اختناقٍ معنوي، أفضى إلى حلول الذات الشاعرة في قلب دائرة المعنى، فلم تجد مناصًا من الدوران فيه، منزوعة القدرة على اجتراح ما يمنحها قدرًا من التجيير له؛ إذ تظهر في ماهيته لفظًا مسكونًا بانكسارٍ، لم تستوعب مرارته سوى الصيغة الشعرية، المؤسسة على تقنية التشخيص، التي انتقلت به من ماهيته اللغوية إلى طبيعةٍ إنسانية مكثفة في حال يتيمٍ منكسر.

والمُلاحظ أن هذه (الصفة/ الحال/ اليتم) قد نالت قدرًا من الاستدعاء المتكرر في مواضع مختلفة من هذا العمل، فنجدها في هذه الصياغات الشعرية: "الآن تقطِفُني الآهاتُ... لفظًا يتيمًا" [ص: 32]. و"أمنيةٌ يتيمةٌ" [ص: 22]. و"كم جهدُ البطولة أن تعيشَ يتيمةً؟" [ص: 145]. و"ما أقسى الوجودَ على يتيمٍ" [ص:170]. و"إليكَ ما بيَتيمٍ خافَ مِن غدِهِ" [ص: 174]. و"بي انكسارُ يتيمٍ" [ص: 187]. وفي هذا الاستدعاء المتكرر لحال "اليُتم" مساحة مأهولة بممكنات تأويلية، تأتي في صدارتها إمكانيةُ أن تكون هذه الحال مرتبطة بالذات الشاعرة، محيلة على حرمانها من حنان الأم، التي يُرجَّح أن يكون الموتُ قد ارتقى بروحها إلى بارئها.

وفي الصورة الثالثة -من العلاقة بين الذات الشاعرة والمعنى، المتمثلة في (مراوغة المعنى)- تتمتّع الذات الشاعرة، بقدرٍ محدود، من التداعي مع التواءات المعنى، من خلال مراوغةٍ محسوبة [ص: 81]:
خيباتُك اعتمدتْ عليكَ فراوغِ.. المعنى لكي يجدَ التفاؤلُ مأمَنَه

إنّ الخطاب -هنا- موجهٌ من الذات الشاعرة إلى الذات الشاعرة نفسها، في صيغة محيلة على الشاعر إحالة مباشرة. مع إقرارٍ ضمني بانتماء خيباته إليه وحده، وتخلُّقها في مداره. وتأسيسًا على هذا الإقرار الضمني، تأتي الإشارة إلى ما تتمتع به ذاتُه، من قدرة على المناورة؛ ليتخذ من مراوغة المعنى نافذةً يطل التفاؤل منها، على ما يمكن أن يرى من مساحةِ أمانه المحدود.

2-2 الإحالة على حال من أحوال المعنى:

اكتنزت شعرية المعنى -التي وردت في عدد من المواضع في هذا العمل- صورًا مختلفة من أحوال المعنى. منها ما كان مرتبطًا بنوعية خاصة من المعاني، تلك المتعلقة بماهية الصبابة، في ذهن المحبوبة [ص: 168]:
إن الصبابة في مداركِ فكرةٌ.. عفوية المعنى تهيءُ خمائلا

يوجه السياق الشعري -في هذا البيت- الخطاب إلى المحبوبة، مؤكدًا صفة المعنى في فضاءات استيعابها الوردية، التي تتمركز فيها الصبابة مفهومًا ذهنيًّا موسومًا بنسقٍ من العفوية والإحالة على استشرافٍ جمالي قادم. وقد اتّسق هذا التوصيف ــ بماهيته الوردية واستشرافه الجمالي- مع كينونة الذات المتخلّق فيها، ذات الأنثى وجوهرها الإنساني، المجبول على غلبة الطبيعة العاطفية فيه.

وفي سياق آخر، تضمّنت شعريةُ المعنى إحالةً على حال المعنى نفسه، في لحظات المكاشفة به، ذلك هو ما تجلى في قول الشاعر [ص: 96]:
وتطاير المعنى الشفيف كأنه.. ريشُ الفجيعةِ في الحمامِ الزاجلِ

من المتفق عليه أن المعنى الصادق غير المتكلّف، المتعلق بما لا ينسجم مع فلسفة المحيط الاجتماعي، ليس من السهل أن يتجلّى، إلّا في نسقٍ من المكاشفة غير المبالية بالقيود السائدة. وعلى ذلك، فإنه يتمزق، ويتناثر بتناثر حالٍ من الارتباك، التي تداهم صاحبه الذي يجرؤ على التفوّه به.

وقد برعت الملكة الشعرية، في تصوير أبعاد لحظة المكاشفة، من خلال إسقاطها على مشهدٍ مؤثّثٍ بفاعلية الحمام الزاجل، الذي يُسَلِّم (الرسالة/ المعنى)، فيتطاير المعنى كما يتطاير ريش هذا النوع من الحمام برعب اللحظة نفسها، التي يسلم فيها الرسالة إلى صاحبها.

ومشهد تطاير الريش في الحمام -وفي المعنى- قائمٌ على جوهر الرسالة ومضمونها، الذي لن يخرج عن أن يكون مأساة أو فجيعة أو خبرًا صادمًا؛ لتحدث مثل هذه التداعيات، انعكاسًا لهذا المضمون في محيطه، الذي سيكون بلا شك الحمام الزاجل هو أقرب ضحاياه، بما هو عليه من استيعابٍ لرمزية المعنى الشفيف لحظة المكاشفة به.

وإلى هذه الصور الثلاث التي تضمّنت العلاقة بين المعنى والذات الشاعرة، تظهر لقطاتٌ مختلفة منسوجة بهذه العلاقة. منها هذا التجلي، الذي اكتنزت شعريّتُه إحالةً على حال المعنى ممزقًا بمشاعر الحزن، في قول الشاعر [ص: 118]:
يكادُ وانكفأ.. وانكفأ المعنى كأنّ على.. عينيهِ لا شيءَ إلا دمعُ حَسرتِهِ

يلوح المعنى -هنا- في مشهدٍ حزين، بعد أن أسقط عليه السياق الشعري الطبيعة الإنسانية؛ استئناسًا بتقنية التشخيص، التي منحتْه عيني الإنسان وحال بكائه ومشاعر حسرته، وبذلك، تكامل ظهوره بهذه الحال الإنسانية منكفئًا دامع الحسرة. كما تكتنز حال المعنى -هنا- إحالة غير مباشرة على الذات الشاعرة، بوصفها المرجعية الأولى، المخوّلة بتطويع المعنى؛ لاستيعاب مشاعر الحزن، واحتدامها في أية ذاتٍ من الذوات الإنسانية.

3. شعرية المجاز والمعنى

اجتمعت هاتان الأيقونتان (المجاز/ والمعنى)، في عددٍ من المواضع في هذا العمل، فتشكلت بهما -معًا- شعرية السياق وجمالياته. من ذلك، هذه الصيغة التي استقامت بها هذه الدفقة الشعرية:
"وشاعرٌ ما له أمّ
يقول لها
أريد دفئًا
ولا قومٌ به اقتنعوا
مكدَّسٌ
في حوانيتِ المجازِ وكمْ
على معانيهِ غَطَّى
شارعٌ جَشِعُ"
[ص: 52].

تشكّل المضمون الشعري -هنا- بتوصيف حال الشاعر البائسة؛ إذ لا قومَ لديه يتحمسون لما يقول، ولا أمّ لديه تمنحه الدفء. وفي استحضار غياب الأم -هنا- ملامسة لحال اليتم، التي تلحق صفةً بأولادها بعد وفاتها.

لقد فتكت هذه الحال بالشاعر، فاعتزل الحياة، واحتسى مرارة المعاناة وحيدًا في عوالم إلهامه الشعري، الذي عبّر عنه باستحضار المجاز في التركيب "حوانيت المجاز". ثم تلتقي الأيقونتان (المجاز/ والمعنى)، في صيغة الكشف عن مصير المعاني الشعرية، المتشكّلة في هذه الحوانيت الخاصة بالشعر. ذاك المصير المغبون، المتكدّس تحت طبقةٍ من الأهواء المتسابقة على غاياتها البعيدة عن ماهية الإبداع، شعريًّا كان هذا الإبداع أو غير شعري.

وتتجلى شعرية المجاز والمعنى معًا، في هذا البيت الذي يخاطب فيه الشاعر رفاقه، قائلًا لهم [ص: 150]:
لملمتُكم من عناقيد المجاز ومن.. معنى اللقاءِ قريبًا جئتُ مُغترفا

تجسّد المجاز -هنا- في ماهيةٍ نباتية مثمرة بفاكهة العناقيد، التي لم تكن سوى أصدقاء الشاعر، الذين يسارع في تجميعهم واحدًا واحدًا. ثم ينتقل السياق الشعري بهؤلاء الأصدقاء، من ماهيتهم النباتية إلى طبيعة ذهنيةٍ، استوعبها اقترانُهم بالمعنى (معنى اللقاء)، الذي كان هو الآخر حيّزًا للشاعر، تمكن أن يجمع منه أصدقاءه أيضًا.

كذلك، هو الأمر في الشعرية المتشكّلة من (المعنى/ والمجاز)، في مخاطبة الشاعر للأنثى المحبوبة، متعجبًا [ص: 150]:
كم يشبه المعنى التفاتُكِ لي وقد.. أفصحتُ فاستدعى المجازُ جنابَك!

لقد انتقل السياق الشعري، بالمحبوبة من طبيعتها المادية البشرية، إلى طبيعة ذهنية، حينما التقط وجه الشبه بينها والمعنى. كما تضمّنت الصياغة الشعرية -هنا- خيطًا من الارتباط بين (المعنى/ والمجاز)؛ فبعد أن صارت المحبوبة مفهومًا ذهنيًّا، اضطلع المجاز باستدعائها، مستندًا في ذلك، إلى رمزية الإحالة عليها.

وفي النص "طلاسم المعنى"، يكشف السياق الشعري، عن العلاقة الحيوية بين (المعنى/ والمجاز)؛ في قول الشاعر [ص: 165]:
يسعى على يده المجازُ مُحاولًا.. أن لا يرى وقتَ الحديث تَلَكُّئي

مرجعية الضمير الغائب في "يده" -هنا- هي (المعنى)؛ وبذلك فإن يد المعنى -هذه- هي الأرضية، التي يعتمد عليها المجاز، في سعيه إلى الذات الشاعرة. وغايته الكامنة وراء سعيه -ذاك- لا تحيد عن رغبته، في الاطمئنان على أنه قادرٌ على توفير التعثر على هذه الذات، حتى لا تتلكأ في أي حديث، أيًّا كان مستوى التعثر الذي يمكن أن تفضي إليه أيّة مكاشفة مربكة.

لقد حظي المجاز -في هذا الديوان- بتكثيفٍ ملحوظ من الاشتغال الشعري عليه. وأيّا كان هذا الاشتغال -واعيًا أو راشحًا من اللاوعي- فإنه قد بثّ في لفظ المجاز شعريةً، منسوجةً بما ارتبط به من أحوال وسياقات شعرية وجمالية. كما ارتبطت شعرية المجاز بشعرية المعنى، التي تكاثفت في أكثر من موضعٍ من هذا العمل. لاسيما في سياقات حضورها مقترنةً بشعرية المجاز في دفقةٍ شعرية واحدة.

 


هوامش: 1. عبد الفتاح لاشين، "البيان في ضوء أساليب القرآن". ط2، دار الفكر العربي، القاهرة، 1998م، ص: 141.  ┇ 2. ياسين محمد البكالي، "ثم قال الغريب". ط1، مؤسسة يسطرون، القاهرة، 2024م.

 

 

 

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها