عبد النبي عبادي شاعر وكاتب مسرحي ومعلم مصري، حاصل على جائزة مهرجان الفجيرة الدولي لنصوص المونودراما (2018)، وجائزة التأليف المسرحي للكبار من الهيئة العربية للمسرح (2019)، وجائزة الشارقة للإبداع العربي في فرع أدب الطفل (2021م)، كما حصل على جائزة مسابقة المجلس الأعلى للثقافة دورة بهاء طاهر 2015 المركز الثاني عن ديوان "من حُزن الحظ"، وجائزة "الهيئة المركزية لقصور الثقافة" بالقاهرة 2014م.
تخرج في كلية التربية ويعمل مُعلما للغة الإنجليزية، نشر له عددٌ من الدواوين الشعرية منها: "على بُعد فاطمة أو أقل"، "ولا هي تشتهيك ولا هم يعرفونك" والذي حصل على المركز الأول في جائزة المسابقة المركزية لقصور الثقافة 2014، وكتاب «الشعر والعولمة» وهو دراسة نقدية وكتاب "شِعر المساكين.. تأملات ثقافية في شعر عبد الرحمن مقلد" وهو دراسة نقدية أيضاً، ورواية للفتيان بعنوان "يُطلُّ على كوكبٍ أحمر"، ومسرحية للطّفل بعنوان "حتّى لا تنهار مملكةُ النّحل".
ولكي نقترب أكثر من تجربته الشعرية، كان له معه الحوار الآتي:

✦ ماذا يمثّل الشعر بالنسبة لك؟
هذا سؤالٌ صعب لأنّه سؤالٌ "وجوديّ" يتعلّق بالشّاعر والشّعر، لكنّني أستطيعُ أن أقول لك إن الشّعر هو مُبرّري القويّ لقبول خسارات الحياة، حيثُ إن الفنون جميعها تُعدُّ نوعاً من أنواع التّسامي فوقَ ما يحدُّ طاقَتنا أو يُقيّد خطواتنا. الشّعرُ لديّ ليس بحثاً عن الذّات، بل هو صناعتها وتشكيلها مع كلّ جُملة شعرية تحملُ معنى كبيراً وهو طاقتي التي تُستحدَث كل لحظة من الرّوح والفكر والتجربة ممتزجين بقهوة اللّغة التي تُنبّه فينا مكامن الجمال وتسقي حدائق الإنسانيّة.
✧ إلى أي مدى يستوعب جيل الشباب القصيدة العمودية؟ وكيف يستقبلونها؟
لقد ساهم جيلٌ من الشّبّاب في بثّ الرّوح في القصيدة العموديّة بعد أن كاد يقتلها "النّظم" وكادت أن تعصف بها "المناسبات". طبعاً لن نستطيع أن نقولَ كلاماً كثيراً حول وعي الشّباب المُبدع بطبيعة عصره وحاجته لكتابة قصيدة مُتجدّدة ومتدفقة، لا تُمعنُ في قطيعة التّراث بالجُملة ولا تستسلم لوباء "التّسليع" الذي أنهكَ جسد الإبداع وأضرّ بروحه. هُناك عددٌ لا بأس به من الشّباب الذين يكتبون القصيدة العمودية انطلاقاً من اللحظة الرّاهنة وليس انطلاقاً من الماضي، بمعنى أنّ "الشّكل" لا يُقيّد طاقتهم الشعريّة.
لكننا لو نظرنا للأمر من زاويةٍ أُخرى، سنجدُ أن عدداً كبيراً من نفس هذا الجيل يكتبون القصيدة العموديّة استجابةً لشروط ومعايير بعض المُسابقات دون وعيٍ بضرورة الانفلات من التعبيرات والمجازات والاستعارات المقولبة والجاهزة لكي ترقص في حضرة أي لحن!
✦ كيف ترى مقولة: "إن هذا العصر هو عصر الرواية"؟
هذه مقولة أطلقها النّاقد الرّاحل الدّكتور جابر عصفور استناداً إلى معايير إحصائيّة وكميّة بحتة في الغالب، لكنني أستطيعُ أن أقول لك إن هذا هو عصر النّص المفتوح العابر للأجناس، ليس انتقاصاً من قدر الرواية ولا تزكية للنص العابر للأجناس، ولكن استناداً إلى طبيعة العصر الذي تُشكّل السّرعة والتشظّي المُتنامي سمتين واضحتين فيه. صحيح أن الرّواية تحظى بمقروئية واسعة لكن ليس لدينا بيانات واضحة توضّح لنا دلالات تلك المقروئية، وتحدد لنا مثلاً أي تيارات الكتابة الروائية أكثر قبولا.
أظنُّ أننا نعيش منعطفاً تتشكّل فيه ذائقة جديدة، ذائقة القارئ وحده، بينما يغيبُ شيئاً فشيئاً دور النّاقد لأسباب كثيرة من بينها سطوة وسائل التّواصل الاجتماعي وسيطرة فكرة "صناعة النجم" - حتّى في مجال الكتابة والإبداع- وفق آليّات ومقاييس قد تكون الجودة الإبداعية آخرها.
✧ بيت الشعر بالإمارات وحكومة الشارقة هي الحارس الفعلي للقصيدة العربية.. ما صحة هذه المقولة؟
أقول لك إن مبادرة بيوت الشّعر في العالم العربي التي أطلقها صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمّد القاسمي حاكم الشّارقة، قدّمت الفُرصة الحقيقيّة لكثير من الشّعراء في الوطن العربي والشباب منهم على وجه الخصوص، حيثُ صارت منصّات بيوت الشّعر مطمحاً لكثير من شباب الشعراء في وقتٍ انحسرت فيه كثيرٌ من فُرص لقاء الشاعر بجمهوره، لقد منحت بيوت الشعر حيوية للمشهد الشعري على مستوى الحضور والتلقّي والتقدير المعنوي والمادي الحقيقي للشّاعر المُبدع، حيثُ تطبع بيوت الشعر عشرات الدواوين الشعرية سنوياً للشعراء الشّباب بعد تحكيمها من قِبل لجان متخصصة من النّقاد والشعراء، وبالتالي تفتح نافذة يقرأ من خلالها الوطن العربي نتاج الشعراء الشباب في كل وطننا العربيّ.
ولم يكُن فوز بيت الشّعر بالشّارقة بجائزة الأمير عبد الله الفيصل للشعر العربي هذا العام إلا تتويجاً كبيراً ومُستحقاً لمسيرة ذلك البيت، وللجهد الذي يبذله الشّاعر محمد عبد الله البريكي مدير بيت الشعر بالشارقة خدمة للشعر العربي.
✦ علمنا أن هناك نصاً تم تصعيده وفوزه ومنحه جائزة خاصة بالهيئة العربية للمسرح بعنوان «سيدة اليوتوبيا»، حدثنا عن ذلك؟
لقد فاز نص مسرحية "سيدة اليوتوبيا" بالمركز الثالث في النسخة الثانية عشرة 2019م من مسابقة تأليف النص الموجه للكبار، التي تنظّمها الهيئة العربيّة للمسرح بالإمارات.
النص يرتكز على فكرة اللاجئين والأسباب التي تؤدي بهم إلى أن يتركوا أوطانهم ويرحلوا تجاه المجهول في مواجهة الفوضى والموت، والخط الدرامي الرئيس يرصد صراعاً من مستويين، الأول: العنف الذي يسم بعض الفكر الديني في الوطن العربي والتشدد غير المبرر، وفي نفس الوقت يحاول النص أن يذكرنا بأن التعصب الديني ليس حكراً على العرب أو المسلمين فيرصد التعصب الديني من الأوربيين الرافضين لأي فكرة مخالفة لهم، أما الثاني: فهو صراع بعض الجماعات الدينية مع الشباب في الوطن العربي: هل يعتبرونهم وقود الثورة، خلقوا الفوضى وأضاعوا الأوطان، أم يعتبرونهم الأمل في الغد وأصحاب الصرخة المدوية التي تبحث عن نهار جديد.. في حقيقة الأمر كثير من الأصوليين يعتبرون أن الثورة هي سبب الفوضى لأنهم يروا بشكل تقليدي.. ليس هناك قدرة على الفصل بين الدين كمفهوم ثابت وبين التدين كمفهوم متغير، والنص يحاور كل هذه الأفكار وينتصر للإنسانية بغض النظر عن العرق والجنس واللون والدين، فالأصل في الإنسان هو إنسانيته وليست هويته.
✧ بما أنك شاعر في الأساس أين تكمن الأزمة في ندرة المسرح الشعري؟ وهل لك تجارب في كتابة النص المسرحي الشعري؟
الشعر المكتوب في خطر وعوامل الحداثة التي دخلت وانتشار قصيدة النثر واستسهال كتابة الشعر، جعل من العثور على نص جيد، ومخرج يفهم النص، وممثل لديه القدرة على نطق اللفظ الفصيح بشكل جيد أمر صعب ومعقد، كما أن السينما جعلت المسرح في مأزق.
لدي تجربتان في كتابة المسرح الشعري، فقد كتبت عام 2018 أول نص مسرحي بعنوان «مليكة»، وهو مونودراما شعرية من شعر التفعيلة، وحصل على المركز الثالث لجائزة الفجيرة الدولية للمونودراما، ولدي نص مسرحي شعري آخر غير مطبوع.
✦ كيف ترى أزمة استيعاب الشباب للغة العربية؟ وأسباب تراجع هذا الجيل عن اللغة العربية وانغماسهم في أقبية اللهجات العامية والكتابة النثرية؟
لا يمكن أن نصف ذلك بـ"الأزمة"؛ لأن لدينا من الشّعراء الشباب الحقيقيين من يكتب القصيدة الفُصحى بوعي مُغاير، لكن وسائل التّواصل الاجتماعي وانفتاح الثقافات المغايرة والتماهي الحاصل بين الأجناس الأدبية وانتشار ثقافة "التريند"، هو ما يُغري كثيراً من الكتّاب الشباب بالاستسهال، ومن ناحية أُخرى نريد أن نقول إن استثمار اللهجات المحكية العاميّة في كتابة نصوص شعرية فارقة مكسبٌ مهم؛ لأن حفاظنا على هويّتنا يقتضي صون "اللغة" و"اللهجة" جنبا إلى جنب. أقول لك أيضاً إننا يجب أن نستثمر "التريند" لصالحنا لا أن نعتبره شراً مُستطيراً، فلو كان "المتنبي" بيننا اليوم لكان هو "التريند" وهذا أمر جيد من وجهة نظري.
✧ هل أفادك إتقانك للغة الإنجليزية وأنت تعمل بها معلماً وبالتأكيد قرأت الأدب الإنجليزي فكيف أفادك الأمر في مشروعك الشعري؟
هناك إشكالية في ثقافتنا كعرب وشرقيين، وهي أن الروحانيات لدينا أعلى، وحضارتنا تُعلي من قيمة الروح، لكن قدرتنا ككُتاب على التعبير عن هذه الروحانيات أقل من الغرب رغم أن ثقافتهم مادية، لكن قدرتهم على رصد التجارب الاجتماعية والنفسية والعاطفية بديعة، ويتعاملون بحسابات موضوعية، في المقابل نحن نعاني ازدواجية بين الروح والجسد، المادي والمعنوي، المقدس والمبتذل، والديني وغير الديني، هذه التناقضات تخلق خفوتاً إبداعياً أحياناً، قراءة النص الإنجليزي أو النص المخالف لثقافتنا في العموم تجعل لدى الكاتب إحساساً بموقعه في الكون، بينما قراءة نصوص بنفس السياق الاجتماعي والثقافي قد تعزلك عن الآخر وعن القضايا الإنسانية والكونية، فنصوص شكسبير باقية حتى الآن لأنها ناقشت قضايا جوهرية إنسانية، وكل ما هو إنساني بالضرورة عالمي وباقٍ، حين أكتب عن الفقير في جنوب مصر بشكل شفاف وحقيقي سيشعر بالنص الفقير في أمريكا أو فرنسا، المبدع في أوطاننا يكتب وعينه على المترجم، يحاول مغازلة الغرب وهذا مما يقيّد الإبداع.
✦ نبارك لك وصولك إلى هذه المرحلة في برنامج أمير الشعراء.. ما تقييمك للتجربة؟
لم يُقدّر لي الوصول إلى حلقات البث المُباشر في هذا الموسم (الموسم العاشر من برنامج أمير الشعراء) ووصلتُ مرحلة الأربعين شاعراً، لقد قدّمتُ نفسي بنصّي، وسعدتُ بتجربة مُثيرة التقيت فيها أكثر من 100 شاعر عربي من الشّباب، وهو ما أضاف لي الكثير على مستوى الوعي الإبداعي والتلاقي الإنساني.
✧ ما أحلام وطموحات الشاعر عبد النبي عبادي بالنسبة للكتابة؟
انتظر حالياً صدور مجموعتي الشعرية الثالثة (والريح تهتك حكمة الأبواب) عن الهيئة المصرية العامّة للكتاب ضمن سلسلة "كتابات جديدة"، وكُلّي أمل أن أتجاوز فيها وفيما بعدها عثرات التجارب الأولى، كما أن لي مجموعةً شعرية للطفل أرجو أن ترى النّور قريباً.
✦ مثلك الأعلى في الكتابة الشعرية؟
المثل الأعلى في الكتابة أو "الأب الشعري" قد يكونُ عقبة في طريق الشّاعر لكنّني مُخلص في قراءة شعر القدامى وشعراء العصر الحديث، والشعراء المعاصرين جنباً إلى جنب كيّ أحصل على نص يكتشفني قبل أن أكتشفه، ولُغةً تحلّق بالخيال ولا تقيّده.
أنا مُتابع جيد وشغوف جداً بمنجز جاسم الصحيّح وعدنان الصائغ، ووديع سعادة وفتحي عبد السّميع وأحمد بخيت، وإيهاب البشبيشي ونزار الندّاوي وجمال الملا وغيرهم كثير، إلى جانب شعراء شباب كثيرين في مصر وفي العالم العربي منهم محمود الكرشابي ومحمد عرب صالح وأحمد حافظ، وطه الصيّاد وحسن عامر وعبد الرحمن مقلد، ومحمد أبو العزايم ومحمد ملوك وياسر عبد القادر، وشيريهان الطيّب ومحمد إسماعيل وغيرهم كثير.
✧ لِمَن تُهدي فوزك في المسابقات؟
كلُّ فوز أهديه للإنسان الذي يُقاتل من أجل أن يظلّ إنساناً!