الساعة الصناعية الآن هي: الرابعة! إنها الثورة الصناعية الرابعة، ثورة الرقم وقوة الرقم وخفة الرقم اللامحدودة، فاليوم العالم يتغير ويغير نمط تفكيرنا ونمط حياتنا ونمط علاقاتنا، ونمط أخلاقنا وعواطفنا ودوافعنا كلها.
من كان يتخيل أن الرقم لديه كل هذه القدرة على الاختراق والتغيير! نعلم أن الأرقام مهمة، ونعلم أنها مخفية في أجواف كل شيء في الكون، ونعلم أن هناك سلاسل حسابية رياضية تربط الأكوان كلها، وأن الكون كله رهين رقمين طبيعيين لا دخل للإنسان فيهما، الرقم "باي" الذي يرصد الأشياء الثابتة الجامدة غير الحية الدائرية في الكون، وله قيمة ثابتة "3.14" لقطر كل شيء دائري سواء كان صغيراً لا يُرى أو كبيراً عملاقاً. والرقم "إي" الذي يرصد كل شيء حي ينمو ويتطور ضمن ما يسمى الرقم الذهبي للحياة "2.71" الذي يستطيع إحصاء كل شيء حتى عدد الأوراق المتساقطة من شجرة.
وبالتالي فالكون رقميٌّ أيضاً والكوكب الأرضي رقميٌّ، والأحياء رقمية من حيوانات ونباتات وحتى الإنسان هو أيضاً رقمي.
إنَّ الأرقام تمتلك قوة السحر في طي المكان واختزال الزمان؛ أي لها قدرة ضمِّ أطراف الخريطة الزمكانية في نقطة أو في معلومات، أو في كودات رقمية من مصفوفات الثنائية صفر وواحد.
هذه القوة الرقمية حيادية وغير قابلة للاستقطاب والتحيز العاطفي والإيديولوجي، وهي القوة الوحيدة السائدة في العالم القادرة على تكوين عالم بل عوالم افتراضية يمكن توظيفها خدمياً وصناعياً وتعليمياً وإعلامياً.
إنه إذاً عصرٌ رقمي بامتياز؛ وإنها الثورة الصناعية الرابعة التي تفرض ظلها السابق لها بخطوة تغيير تحويلي.
اليوم لم يعد العالم فقط كما كان في الثورة الصناعية الثالثة قرية كونية أو بيتاً كونياً فقط، بل أصبح العالم كله قابلاً للاختفاء في سحابة افتراضية غير مرئية خالية من المكان والزمان والمساحة ولكنها تضمُّ العالم أجمع!
اليوم هناك ثقبٌ رقمي صغير بلا حدود.. خفيٌّ بلا حدود، ولكن له قوة جاذبية رقمية بلا حدود تستطيع ابتلاع محيطٍ من المعلومات، وتخزينه في سحابة غير ماطرة إلا عند التنزيل والتحميل والتخزين.. اليوم تتشكل حياة بشرية جديدة.. وموازين قوى جديدة.. وينساب في أجواف المستقبل أفرادٌ وشركاتٌ وحكوماتٌ لديهم جميعاً قوة رقمية غامضة وعظيمة، وقادرة على إحداث سلاسل تحويلية تغير وجه العالم.
علينا اليوم أن نفهم، أن نتوقف ونراقب ماذا يحدث، أن نكون مؤثرين في الحدث ولسنا متأثرين فقط، أن يكون لنا بوصلة أخلاقية ومعرفية في التوجه، وهوية في الحفاظ على الوجه والملامح.
ولعمري ما وجدت في محيطنا العربي والإقليمي مثل الإمارات العربية الهوية والهوى.. سبّاقة وريادية في سيرها بخطوات استشرافية راسخة نحو المستقبل، وضرب وتدٍ في أرض "الرابعة" ولكن ضمن بصمتها الأخلاقية والمعرفية القيمية، حيث لا يتم فقط التمهيد لعصر الصناعات الجديدة الثورية، بل ولعصر صناعة الإنسان المقترن برقم، اقتران حياة وتوجهات، في واحدة من أعظم وأخطر التحولات المصيرية في تاريخ البشرية والبشر، والكوكب الأزرق المرئي ونظيره المخفي في ثقب الزمكان الرقمي.