مصطفى محرم.. عاشق السيناريو

محمود حسانين


✧ السيناريست مصطفى محرم، يعتبر من أشهر من كتبوا للسينما والتليفزيون في مصر وفي الوطن العربي. 
✧ ولد مصطفى محرم في يونيو 1939، وتخرج في كلية الآداب عام 1961، ثم نال دبلوم المعهد العالي للسيناريو عام 1964، وعمل بالمركز القومي للسينما، حيث كتب السيناريو للعديد من الأفلام التسجيلية.



عندما قرأت كتابه "حياتي في التلفزيون"، ورحلته في السينما من خلال كتابه "الفكر السينمائي نحو نظرية سينمائية"، استدعى إلى ذهني تلك الرحلة الشاقة التي قطعها في الحياة للوصول إلى تلك المكانة، حتى إنه أصبح ظاهرة في عالم المرئيات، يقول: "قد يظن الكثيرون بأن مسلسل "لن أعيش في جلباب أبي" بداية اهتمامي بالكتابة للتليفزيون، أو بالتحديد بداية الاهتمام بكتابة دراميات تليفزيونية يتم تصويرها بكاميرات الفيديو، فهناك أعمال تليفزيونية سينمائية، أو بمعنى آخر أفلام روائية للتليفزيون، وقد وُضعتْ تحت هذه التسمية لتحدد الموضوعات التي تطرحها، وخاصة من الناحية الرقابية".

لقد كتب مصطفى محرم الكثير من الأفلام للسينما، والكثير من الحلقات الدرامية والمسلسلات، وأيضاً الحلقات التاريخية والاجتماعية، وشارك العديد من الكُتّاب بتحويل نصوصهم إلى الشاشة مثل: نجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس، إسماعيل ولي الدين، ويوسف إدريس، ومحمد المنسي قنديل، ويوسف السباعي، وتوفيق الحكيم، وغيرهم

 

الكتابة للسينما

يذكر السيناريستْ مصطفى محرم عمله وانشغاله بالسينما بقوله:
"انشغلت أواخر الستينيات بالعمل السينمائي حتى إنني لم أعد أكتب للتليفزيون، وفي هذه الفترة اكتشفت شيئاً غريباً، وهو أن هناك فارقاً طبقياً بين الذين يكتبون ويخرجون للتليفزيون، وبين الذين يكتبون ويخرجون للسينما، بل إن العاملين في السينما من الكتاب والخرجين، كانوا يحصلون على لقب البكوية من الذين هم دونهم، ولذلك كنت ألاحظ من خلال عملي في السينما باحترام كبير من مخرجي التليفزيون الذين كنت أتعامل معهم، ونظرات الحسد من بعض كتاب الفيديو، وقد سكن هذا الإحساس في داخلي حتى الآن؛ ولذلك عندما عدت للتليفزيون كنت أشعر بشيء من الهوان، كملك ترك عرشه فترة ثم ما يلبث أن يعود إليه، وربما يرجع هذا الإحساس إلى المكانة الكبيرة التي حصلت عليها نتيجة أعمالي السينمائية، حتى أصبح كل مخرج في السينما يتمنى العمل معي".
 

أعماله السينمائية

يذكر مصطفى محرم في مقدمة كتابه "الفكر السينمائي" ربما ما دفعني إلى تقديم هذا الكتاب للقارئ العربي، هو رغبتي في أن أقدم مفهوماً يسهل على القارئ العربي الذي كثيراً ما يواجه بترجمات لكتب تتناول نظريات الفن السينمائي، بشكل في منتهى الصعوبة في كثير من الأحيان.. وهذه الصعوبة التي أتحدث عنها لست مقتصرة على القارئ العادي غير المتخصص، ولكن تُواجه أيضـاً المتخصصين في مجال الفن السينمائي. ويرجع هذا أحياناً لعدم دقة الترجمة التي يقوم بها أناس ليسوا مؤهلين لترجمة هذه الكتب، أو انخفاض المستوى العام في الثقافة السينمائية.

وأذكر منذ ما يقرب من العشر سنوات، حين أخبرني أحد أساتذة الفن السينمائي بأن معظم الكتب التي جرى ترجمتها على مستوى العالم العربي، كلها في حاجة إلى إعادة ترجمة. ويتناول هذا الكتاب الأفكار والآراء التي تدور دائماً في رأسـي حول طبيعة الفن السينمائي ووظيفته، أو بمعنى آخر عن مفهوم لهذا الفن وعلاقته بالفنون الأخرى، ودفعني إلى ذلك أنني مارست هذا الفن منذ أكثر من أربعين عاماً، وظللت أقرأ فيه منذ ما يقرب من خمسين عاماً، وحضرت معظم المهرجانات الدولية وعرفت وصادقت الكثرين من أعلام السينما العالمية، من خلال الندوات واللقاءات، وتحاورت مع مخرجين وكتاب وممثلين ونقاد، وحـاولت أن أقدم مفهومي هذا في أسلوب واضح متبعاً فيه النهج العلمي.

وكان أول أفلام مصطفى محرم فيلم "أغنية على الممر" عن مسرحية لعلي سالم، وكان ثاني فيلم له "ليل وقضبان" عن رواية لنجيب الكيلاني، ولقد صاغ الكثير من الأعمال الأدبية إلى سيناريوهات سينمائية، إلى جانب إعداد صياغة الحوار لها عن قصص لنجيب محفوظ كفيلم "الجوع"، وكذلك "الحب فوق هضبة الهرم"، و"أهل القمة"، وقصص لإحسان عبد القدوس. مثل "أيام في الحلال" "انتحار صاحب الشقة"، و"يا عزيزي كلنا لصوص"، و"حتى لا يطير الدخان" و"الراقصة والطبال"، وهناك أفلام لكتاب آخريين مثل "الباطنية"، و"أبناء وقتلة" لإسماعيل ولي الدين و"عنبر الموت" ليوسف إدريس، و"الحب وحده لا يكفي" لأحمد فريد محمود، و"الوحل" لفتحي أبو الفضل، و"العش الهادي" عن مسرحية لتوفيق الحكيم "الشرف" لمحمد البساطي، و"فتاة من إسرائيل" لمحمد المنسي قنديل، و"المجهول" عن مسرحية "سوء تفاهم" لألبير كامو. وأفلام كتبت للسينما مثل "الهروب"، و"جحيم تحت الأرض"، و"غداً سأنتقم" وغيرها.

الكتابة للتليفزيون

يذكر مصطفى محرم في كتابه "حياتي في التلفزيون":
"عندما كان ينجح لي عمل تلفزيوني، لم يكن هذا يثير اهتمامي أو غيرتي الفنية، بل كنت أنظر إلى الأمر كأنه شيء صغير لا يرقى إلى نجاح الأعمال السينمائية".

ثم يقول أيضاً:
"إن علاقتي بالتليفزيون قد تعود بقدر ما تسعفني الذاكرة إلى عام ١٩٦٢ عندما كنت أعمل بلجنة القراءة والإعداد بالشركة المصرية العامة للإنتاج السينمائي "في المُنتاج"، كان يتوافد على هذا القسم أكثر عدد من مخرجي الفيديو في التليفزيون، وبالتحديد من مخرجي "الرقابة العامة للتمثيليات" التي كان يرأسها في ذلك الوقت المخـرج نور الدمرداش، والذى جعل هو ومحمود مرسى وحسين كـمــال، من تمثيليات الفيديو فناً يقبل على مشاهدته جماهير غفيرة".

ولا شك أن مصطفى محرم قد شق طريقه بنفسه من البداية، وكانت مسيرته كما سبق أن ذكر كأنه يصارع الموج؛ لكي يحدد فنه ويفرضه على الساحة، فقد ذكر في حديثه:
"كان على الكاتب أن يراعي في كتابته الطريقة التي تسمح للممثل التنقل بسهولة من ديكور لآخر في الوقت المناسب، بحيث لا يشعر المتفرج بأن الكاميرات تنتظر وصول الممثل إلى الديكور؛ ولذلك كان من الضروري جداً للكاتب أن يكون دارساً لإمكانيات إخراج الفيديو في هذا الوقت".

ويذكر أيضاً أن أول عمل للتلفزيون له كان قصةً ليوسف السباعي، من مجموعة "هذه النفوس" اختار قصة "نفس مدمرة"، وبعد أن انتهى من كتابة السيناريو والحوار لها، عرضها على الأستاذ صلاح أبو سيف لإبداء رأيه، فطلب منه الكتاب ليقرأ القصة، وقرأ بعدها النص التليفزيوني، ووضع خطوطاً تحت بعض أسطر القصة طالباً منه إبرازها في النص، وأخذ يشرح له ما يجب له أن يفعله، بل إنه أوصاه بأن يحاول دائماً أن يتفوق على النص، أو على الأقل أن يكون السيناريو في نفس المرتبة.

يقول مصطفى محرم: "واكتشفت أن صلاح أبو سيف من الذين يقدرون النص الأدبي حق قدره، ويحاولون دائماً ألا يخرجوا عنه قليلاً إلا للضرورة القصوى. وأذكر أنه علل ذلك بأن السيناريست أو المخرج ما دام قد أعـجب بنص أدبي، فعليه أن يحترمه ويتقيد بما جاء فيه بأقصى ما يستطيع".
 

الأعمال التليفزيونية

كان مسلسل "لن أعيش في جلباب أبي" للمخرج أحمد توفيق، والمأخوذ عن رواية للكاتب إحسان عبد القدوس. يعتبره درة أعماله التليفزيونية، غير أنه قدم، بعد ذلك، عشرات المسلسلات منها: "رد قلبي" و"ميراث الريح"، و"برديس" و"عائلة الحاج متولي"، و"العطار والسبع بنات"، و"زهرة وأزواجها الخمسة"، و"ريا وسكينة" و"سمارة"، و"بريق في السحاب".

المسلسلات التاريخية

قدم خلال مسيرته عدة مسلسلات عن "ابن سينا" و"ابن خلدون"، و"صقر قريش" إلى جانب الدراما التسجيلية مع مركز التعاون الخليجي مثل "الجيش في الإسلام"، و"العمارة في الإسلام"، و"المرأة في الإسلام"، و"علم النباتات في الإسلام" وغيرها.

ورحل عنا السيناريست الكبير مصطفى محرم في 22 يناير 2021 عن عمر ناهز 82 عاماً، وترك رصيداً ضخماً من الأعمال السينمائية والتليفزيونية.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها