المسرح السوري وأزمة كورونا

حـوار مـع الناقد جـوان جان

حاورته: فرات غانم

تركت أزمة كورونا خلفها خسائر مختلفة، خصوصاً في مجال العمل الفني الذي توقف بشكل شبه كلي في الآونة الأخيرة، بسبب إجراءات العزل المنزلي والتباعد الاجتماعي التي فرضت على الجميع، وتراجع الإقبال على الفنون الأدائية عامة والمسرح خاصة، جراء التهديد الذي بات يطرحه الوباء لمفهوم الحضور الجماهيري عموماً وضرورة التباعد الاجتماعي الذي هو لب التفاعل الجماهيري في العروض المسرحية.

فيروس كورونا أثر على جميع أشكال الحياة، وتأثرت دور العرض سواء الفن المسرحي أو السينما، والقطاع المسرحي أصيب بالشلل التام بتوقف كل الأنشطة والفعاليات التي تهدف إلى وجود جمهور، وهو ما حصل تقريباً في كل مكان في العالم. والنهوض مجدداً يحتاج إلى سنوات لإعادة الأمور إلى ما كانت عليه في السابق، وهي معادلة يصعب التكهن بها إلا إذا تم وضع استراتيجية جديدة توضح الأولويات في المرحلة الحالية والمستقبلية، وذلك ما سنتعرف عليه انطلاقاً من جولة في المسرح السوري، يصحبنا فيها الناقد والكاتب المسرحي جوان جان، وهو أحد الفاعلين في فضاءات مسرحية مختلفة.


 



بدايةً؛ كيف كانت نشأة وتطور المسرح في سوريا؟

بدأت مسيرة المسرح في سورية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر على يد الرائد المسرحي أحمد أبو خليل القباني، الذي أخذ على عاتقه زرع بذرة المسرح والفن بشكل عام في أرض لم تعتَد على هذا النوع من النشاط الإبداعي، فكان القباني أول من حاول زرع قيم الجمال والإبداع. وقد قدم ابتداءً من العام 1871 عدداً من الأعمال المسرحية التي اعتمدت على حكايات التاريخ العربي الشفاهي والمكتوب، كما اعتمد على الحكايات الواردة في كتاب "ألف ليلة وليلة"، وقد جمع في أعماله المسرحية بين فنون الأداء والغناء والرقص باعتباره كان موسيقياً قبل أن يكون رجل مسرح.

بعد مرحلة القباني تعرض المسرح في سورية إلى فترات تراجع بسبب الحصار الذي مارسته السلطات العثمانية المحتلة، ومن ثم السلطات الفرنسية على الفنانين المسرحيين مما دفعهم للهروب خارج الأراضي السورية، ولم يعودوا إليها إلا بعد زوال قوات الاحتلال الفرنسي.

في أربعينيات وخمسينيات القرن العشرين ازدهرت في سورية النوادي والجمعيات الفنية التي أخذت تقدم أعمالاً مسرحيةً ذات طابع شعبي بهدف إعادة بناء الثقة مع الجمهور الذي أقبل على حضور أعمال هذه الفرق المسرحية الناشئة، واستمر الحال على ما هو عليه حتى العام 1960 عندما أخذت الدولة على عاتقها رعاية النشاط الثقافي عامة والمسرحي خاصة، فتم تأسيس فرقة المسرح القومي في وزارة الثقافة، وهي الفرقة التي انتسب إليها معظم العاملين في الفرق الخاصة آنذاك، وأخذت الفرقة الوليدة على عاتقها تقديم أعمال من عيون الأدب المسرحي العالمي، فتم تقديم أعمال كبار كتّاب المسرح في العالم مثل: أريستوفانيس وألبير كامو، ومانويل روبلس وموليير وطاغور.. وبرزت في تلك المرحلة أسماء رواد الإخراج المسرحي في سورية: رفيق الصبان ونهاد قلعي وعلي عقلة عرسان وغيرهم، وما زالت مسيرة المسرح القومي في سورية مستمرة حتى يومنا هذا، وقد تفرعت عن الفرقة الأم في دمشق فرق للمسرح القومي في معظم المحافظات السورية.
 

كيف كان المسرح القومي والمشهد المسرحي في الماضي قبل جائحة كورونا؟

لم تمنع الحرب التي شُنَّت على سورية منذ عام 2011 وحتى يومنا هذا الفنانين المسرحيين السوريين من الاستمرار بتقديم أعمالهم المسرحية سواء في إطار المسرح القومي أو خارجه، فقد شهد المسرح السوري في السنوات العشر الأخيرة قفزات على صعيد النوع والكمّ، وتوسعت القاعدة المسرحية لتشمل أماكن لم تعرف النشاط المسرحي بشكل مكثّف في العقود الماضية، وأقيمت مهرجانات عديدة للمسرح سواء من قبل مديرية المسارح والموسيقا أو من قبل نقابة الفنانين، ومن أهم إنجازات المسرح السوري في العقد الأخير ولادة مشروع "دعم مسرح الشباب" في مديرية المسارح السورية، حيث يهدف هذا المشروع إلى رعاية المواهب المسرحية الشابة على صعيد الإخراج تحديداً وإعطائهم فرصاً لتقديم أعمالهم إلى الجمهور.
وبطبيعة الحال تعثرت مسيرة المسرح في سورية مثلها مثل أي نشاط ثقافي أو اجتماعي بسبب جائحة كورونا.

ماذا عن النهضة المسرحية للمنظمات الشعبية التي واكبت ازدهار المسرح القومي والشعبي؟

لمسرح المنظمات الشعبية حكاية طويلة وجميلة في الحركة المسرحية السورية، فقد انطلقت فرق المنظمات الشعبية في سبعينيات القرن الماضي، والمقصود هنا الفرق المسرحية الجامعية والعمالية والشبابية (أو الشبيبية كما تمت تسميتها)، حيث أخذت هذه الفرق تقيم مهرجانات سنوية استقطبت جمهوراً كبيراً، وهذه المهرجانات تقام بالتناوب بين المدن السورية وقد أفرزت فنانين أصبحوا نجوم الدراما التلفزيونية اليوم أمثال: أيمن زيدان وسلوم حداد وبسام كوسا وعباس النوري... وغيرهم.

ماذا عن دور الكاتب المسرحي؟ خاصة في أعمال تختص بالجائحات المرضية أو الأوبئة؟

من الصعوبة بمكان أن يكون تأثير الأمور الطارئة مباشراً وسريعاً على الكاتب المسرحي؛ لأن هذا الكاتب بحاجة إلى فترة من الزمن كي يستوعب الحالات الطارئة ويعيد إنتاجها ضمن سياقات فكرية وفنية بعيداً عن التوثيق والتأريخ.

كيف واجهت خشبة المسرح أزمة كورونا بعد أن توقف بشكل كامل في الآونة الأخيرة؟

على صعيد المضمون لم تظهر حتى الآن عروض مسرحية تتناول هذا الموضوع؛ لأن الأعمال التي تُقدَّم هذه الأيام كان قد تم إقرارها قبل أزمة كورونا، أما على صعيد الإجراءات الوقائية بعد عودة النشاط إلى الحركة المسرحية السورية فهناك مجموعة من الاحتياطات الصحية، ومن أبرزها: الاكتفاء بحضور ثلاثين بالمئة من القدرة الاستيعابية للمسارح.
 

نشطت الوسائل المؤقتة كمنصات عروض إلكترونية للعرض الرقمي.. هل يمكن أن تغني عن متعة الفرجة؟

هذه وسائل مؤقتة مرتبطة بالوضع الطارئ الناجم عن تفشي المرض، وعندما ينتهي الوضع الطارئ ينبغي أن يعود النشاط المسرحي الحيّ إلى القيام بدوره كاملاً، دون الاعتماد على أية وسائل أخرى لا تعتمد على التواصل الحي والمباشر بين الخشبة والصالة.

هل ستظهر مدارس فنية وأساليب جديدة تغير ما عرفناه عن أبي الفنون؟

بالتأكيد ستظهر على الصعيد العالمي مدارس فنية جديدة؛ لأن المسرح لم يتوقف عن التطور على مدى تاريخه وإن بدا هذا التطور بطيئاً في كثير من الأحيان، فقد تستغرق القفزات على صعيد العمل المسرحي عشرات السنوات تبعاً لمدى تطور الوسائل التقنية الضرورية لإنجاز العرض المسرحي.

الحرب وكورونا كيف أثّر كل منهما على المسرح السوري؟

لا يمكن المقارنة بين تأثير الحرب وتأثير المرض على المسرح السوري، بل ويمكن القول إن تأثير الحرب يتناقض تماماً مع تأثير المرض، فالحرب كان تأثيرها ذا طابع تحريضي للمسرحيين السوريين، الذين وإن انكفأوا على أنفسهم قليلاً في السنة الأولى للحرب إلا أن السنوات اللاحقة شهدت انطلاقة جديدة للمسرح السوري، حيث أدرك المسرحيون السوريون أن السلبية والانكفاء لا ينبغي أن يكون لهما وجود في الحياة اليومية للسوريين، رغم كل الضغط الإعلامي الخارجي الذي حاول تشويه الحقائق والوقائع اليومية. وقد جسّد المسرحيون السوريون موضوعة الحرب على بلادهم بأسلوبين أساسيين: مباشر وغير مباشر، وإن كانت الغلبة في النهاية للأسلوب الثاني.

أما كورونا فقد كان تأثيرها سلبياً بالمطلق، إذ توقف النشاط المسرحي في سورية لعدة أشهر بسبب الإجراءات الاحترازية، إلا أن هذا النشاط عاد اليوم إلى ما اعتاد عليه من ألق.

ولا شك أن الأزمات بمختلف أشكالها وألوانها تترك أثراً سلبياً على طبيعة نسبة وأعداد حضور الفعاليات الاجتماعية والثقافية، ومنها المسرح، وهو الأمر الذي يمكن تلمسّه في الأعمال المسرحية التي تلت أزمة كورونا وفور عودة النشاط إلى صالات المسارح، إلا أن وضع الجمهور يتحسن شيئاً فشيئاً عرضاً بعد آخر، ومن الصعب التكهّن، ولكن ما أتوقعه هو ظهور أعمال مسرحية تتناول جائحة كورونا بأسلوب كوميدي ساخر بهدف كشف النقاب عن السلبيات التي رافقت عملية التعامل مع المرض في كل دول العالم، والبديل المؤقت إذا حدثت عزلة مسرحية هو بث أعمال مسرحية مصورة عبر وسائل التواصل الإلكتروني.

كما أعتقد أن تأثير المرض على الأعمال المسرحية سيكون على المضامين أكثر من تأثيره على الأشكال؛ لأن المسرحيين سيهتمون بتقديم المقولات التي تتناسب وتأثير المرض على العلاقات الاجتماعية وعلى النواحي الاقتصادية.


ما جديد مديرية المسارح بدمشق؟ وجديد الناقد والمؤلف جوان جان؟

آخر عمل قدمته مديرية المسارح كان في المسرح القومي بدمشق بعنوان: "بيت الشغف" إخراج هشام كفارنة، وقبله قدم مسرح الطفل في المديرية مسرحية "الموجة وطائر النورس" للمخرجة هدى الخطيب، واستضافت المديرية على مسارحها عرضاً مسرحياً من مدينة حلب بعنوان: "منحنى خطر" إخراج حكمت نادر عقاد، وعرضاً آخر من مدينة حماة بعنوان: "عطر الليل" إخراج يوسف شموط.
أما على الصعيد الشخصي فقد قدم لي مسرح الطفل في مديرية المسارح مسرحيتي "مغامرة في مدينة المستقبل" وأخرجها الفنان نديم سليمان، كما قدمت لي مؤخراً فرقة "أليسار" في مدينة اللاذقية مسرحيتي "الضيوف" الموجهة للكبار إخراج الفنان نضال عديرة.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها