الحَجُّ الشّامي.. تقاليد عريقة ومشاهد جميلة

هشام إسماعيل عدرة



لقد شكّلت مدينة دمشق في العصر العثماني ملتقى الحجاج القادمين من بلدان آسيا الوسطى والمغرب العربي، وشمال إفريقيا وبلاد فارس وتركيا وشمال سوريا، حيث كانوا يصلونها تباعاً على شكل مجموعات تحمل كل مجموعة اسم البلد القادمة منه قبل أربعة أشهر من موعد الحج للديار المقدسة، ويتم استقبالهم في التكايا ومنها التكية السليمانية التاريخية الكبيرة في وسط دمشق، والتكية السليمية في منطقة الصالحية بحي الشيخ محي الدين شمال غرب دمشق على سفوح جبل قاسيون، وكذلك في الخانات (فنادق أيام زمان)، والتي كان يصل عددها لحوالي 22 خاناً دمشقياً أكبرها خان أسعد باشا، وخانات سليمان باشا ومراد باشا والجمرك وغيرها، حيث تُقَدّم للوفود القادمة بقصد الحج للديار المقدسة المنامة والطعام والخدمات والرعاية الصحية من خلال البيمارستانات، والتي تعتبر (مشافي أيام زمان) ومن أشهرها البيمارستان النوري، الذي شيّده نور الدين زنكي في المدينة القديمة، والبيمارستان القيمري في منطقة الصالحية خارج أسوار المدينة القديمة.
 

ومن الملاحظ أنّ فترة مكوث الوفود في دمشق طويلة نسبياً، ولذلك كانت تشهد أسواق المدينة حركة تجارية غير مسبوقة كل عام، وتأخذ هذه الوفود تسميات حسب المناطق القادمة منها، وهي: الحجيج الرومي للقادمين من مناطق ما وراء طوروس، والحج العجمي من بلاد فارس، والحج الحلبي من شمال سوريا، وكانوا يأتون لدمشق ومعهم بضائع فاخرة ونفائس نادرة للاتجار بها فكانت فرصة لهم للبيع والشراء في دمشق التي تتحول لسوق تجاري حيوي في فترة وجودهم بها قبل بدء موسم انطلاق قافلة الحج، فكان أفراد الحج العجمي يجلبون معهم اللؤلؤ والأحجار الكريمة والأقمشة الحريرية والسجاد، فيما الأتراك يأتون بالشاي والزعفران والتوابل والحناء والكحل. كما تتسوق الوفود من أسواق دمشق المشهورة ببيع الأقمشة الحريرية والمصوغات الذهبية والفضية والمشغولات اليدوية وغير ذلك.

تستمر الخدمات تقدّم للحجيج حتى يحين موعد انطلاق موكب الحج بقيادة أمير الحج، وهو عادة والي دمشق العثماني والذي أطلق عليه لقب أمير الحج منذ عام 1120هـ، ومعه المحمل الشريف القادم من الباب العالي في استانبول، حيث يضم المحمل كسوة الكعبة المشرفة الجديدة والصرة السلطانية التي تحمل الهدايا إلى مكة المكرمة.

المحمل في دمشق.. ومظاهر الاحتفال

عندما يصل محمل الحج من استانبول يستقبله والي دمشق، حيث تقام له احتفالات شعبية ورسمية حتى خروجه مع الحجيج وأمير الحج والضيوف الرسميين خارج مدينة دمشق، وتتم هذه الاحتفالات التقليدية في مناطق وأسواق دمشق بإشراف الوالي العثماني، وتبدأ بتقليد الدورة للمحمل حيث يتم إخراج المحمل والسنجق النبوي الشريف في موكب حافل بمرافقة العلماء والأعيان والعسكر، وأصحاب الطرق الصوفية والفرق الموسيقية وجمهور غفير من الناس، فيسير المحل يتقدمه أمير الحج أو نائب الوالي منطلقاً من منطقة السنجقدار قرب ساحة المرجة الشهيرة وسط دمشق (والمنطقة أخذت تسميتها من كلمة فارسية وهي السنجق وتعني الراية، فهي مركز مكان الراية، وجاءت التسمية من خلال محمل الحج الدمشقي الذي كانت الراية تحمل إلى جانب المحمل)، والسنجقدار حالياً تعتبر من أهم مناطق دمشق التجارية، وتوضع فيها منذ خمسينيات القرن الماضي عشرات الفنادق الشعبية، كما كانت تضم مكاتب الصحف الخاصة والمطابع، بعد ذلك يتجه الحشد مع المحمل نحو أسواق وشوارع المدينة داخل السور والبوابات، حيث سوق الدرويشية والسنانية (وهما سوقان شعبيان أسسّهما واليا دمشق العثمانيين درويش باشا وسنان باشا بجانب باب الجابية).

ومن ثم يتجه الجميع نحو حارة البدوي ومنطقة الشاغور وباب كيسان ومنه إلى باب شرقي ليعود إلى شارع النصر، حيث قصر العدل ليستقر فيه المحمل والسنجق، ويقوم المؤذنون بالإنشاد أمام الجمع الغفير من الناس رجالاً ونساء وأطفالاً وشيوخاً وعساكر لتقدم لهم الضيافة الكبيرة والقيّمة في إيوان السرايا، وبعد الدورة التي تهدف-كما يؤكد المؤرخون والباحثون- إلى الإعلام بالحج وتحريكاً للاشتياق وإرهاباً للعدا، كان يتم طوي المحمل وتوضع جميع حليّه في صناديق مختومة لترسل مع الهدايا وصدقات السلطان العثماني في الصرّة إلى الديار المقدسة لتوزع هناك على الأعيان والعلماء والشرفاء وفقراء الحرمين الشريفين، ثم تنصب راية الحج (السنجق) تحت قبة النسر في الجامع الأموي.

الزيت من كفرسوسة والشمع من الشماعين وماء الورد من المزّة

بعد الدورة للمحمل الشريف والتي تتميز بمظاهر احتفالية في دمشق وقبل خروج قافلة الحج، كان يصرّ الدمشقيون على إضفاء الكثير من التقاليد الجميلة على هذه المظاهر لتضاف مظاهر رائعة إلى مظاهر وتقاليد أروع، ومنها إرسال الزيوت والشموع وماء الورد المحضّرة في دمشق إلى الديار المقدسة لزيادة التبرك وإضفاء مظاهر الفرح على الموكب، ولينال الشوام مباركة الديار المقدسة، حيث ترسل إليها الزيوت وماء الورد والشموع الدمشقية مع قافلة الحج الشامي، ولذلك يتم جلب زيت الحرم النبوي من قرية كفرسوسة (وهي منطقة زراعية تقع جنوب دمشق وكانت تشتهر بأشجار الزيتون، وتتواجد فيها المعاصر التي تنتج أجود أنواع زيت الزيتون وما زالت حارة فيها تحمل اسم المعصرة، وقد تحولت في الربع الأخير من القرن العشرين المنصرم إلى إحدى أرقى ضواحي دمشق السكنية)، وكان الزيت يخزّن في مستودعات بمنطقة البحصة (وهي منطقة تتوسط دمشق وتلاصق ساحة المرجة، وحالياً ومنذ نصف قرن تقريباً شهدت البحصة حركة عمرانية كبيرة وتحولت حالياً إلى السوق الرئيس الأول لبيع الحواسيب ومستلزماتها، كما شُيّد فيها عدد من الفنادق الراقية). كما يجلب الدمشقيون الشمع والذي عادة يحضّر بشكله اليدوي من قبل عائلات دمشقية تمتهن تصنيع الشمع، ومنها آل الشماع في سوق قديم يدعى الشماعين، حيث يرسل شمع دمشق للحرم النبوي، كذلك يحرص الدمشقيون على إرسال ماء الورد الذي يستخلصونه من الورود المشهورة بدمشق وغوطتها وكانت أشهرها ورود قرية المزة (وهي قرية قديمة تقع جنوب دمشق أيضاً وتجاور قرية كفرسوسة، واشتهرت بشجيرات الياسمين وغيرها، وبشجيرات الصبار وقد تحولت حالياً إلى واحدة من أرقى ضواحي دمشق السكنية).

انطلاق موكب الحج مع المحمل والهدايا

ويأتي اليوم الموعود وهو اليوم الرابع من شهر شوال حيث يخرج المحمل الشريف مع السنجق والهدايا الكريمة الأخرى، ويعطي أمير الحج إشارة الانطلاق، فتبدأ الحركة ويسير المحمل الشريف وسط حشد كبير من المسؤولين والمرافقين والمودعين. يمر الموكب العظيم من باب مصلى ومن ثَمّ نحو سوق الجزماتية أول حي الميدان ليتجه بعدها نحو بوابة الميدان والمسماة باب مصر، وهنا يتهافت الناس من كل صوب يملؤون الشوارع مهللين مكبرين مودعين، وأصوات المنشدين وقرّاء القرآن الكريم تضفي على سماء المدينة جواً روحانياً رفيعاً وتثير في القلوب عواطف شجية رقيقة.‏ لينطلق الموكب فيما بعد ومعه الحجاج القادمين من البلدان الأخرى حيث يتم التجمع في حي الميدان جنوب دمشق، وهي المحطة الأخيرة قبل الإقلاع ينتظر الموكب أن تكتمل عدة السفر عشرة أيام، كما يوضع المحمل الشريف وكسوة الكعبة المعظمة والصرة السلطانية في صناديقها الخاصة وسط احتفالات كبيرة، ومن ثم يتجه الموكب مباشرة بعد عيد الفطر من نهاية حي الميدان حيث البوابة أو باب مصر نحو قرية القدم (تبعد جنوباً حوالي 10كلم عن دمشق)، والتي تعتبر بوابة دمشق باتجاه الجنوب السوري، وخاصة نحو مناطق حوران وجبل العرب، ومنها إلى الأردن والجزيرة العربية، وقد أخذت القدم تسميتها نسبة لوجود صخرة في مسجد القدم الكبير عليها أثر يقال غنه لقدم الرسول محمد صلى الله عليه وسلم.

ينطلق الموكب والمحمل نحو الجنوب ومن ثم إلى منطقة مزيريب في حوران قرب مدينة درعا ليغادر بعدها الموكب ومعه الحجاج في رحلة تستغرق أربعة أشهر في الذهاب والإياب. بعد وصول المحمل مع قافلة الحجيج وأميرها إلى مكة المكرمة يُسْتَقْبَل هناك باحتفالات كبيرة كما هو الحال في استانبول ودمشق، وبعد أن يتم توزيع الصرة السلطانية على أماكنها المخصصة يرسل شريف مكة خطاب شكر ودعاء إلى السلطان يحمله إليه شخص يُدعى (حامل البشارة).‏


تسميات خاصة بالمرافقين ومهام موكلة لهم

بالتأكيد؛ فإن للقافلة مستلزمات حمايتها وخدمتها ورجالها والذين يأخذون تسميات معروفة، فإضافة لأمير الحج المسؤول الأول عن القافلة منذ خروجها من منطقة الميدان وحتى مكة المكرمة، هناك أمير الصرّ الذي يوصل هدايا وصدقات السلطان العثماني وهناك (السقاة - السقاباشية) المسؤولين عن تأمين المياه للحجاج في كل مرحلة، و(العكامة) ومهمتهم خدمة الحجاج والحفاظ على أمتعتهم ومساعدتهم في الحل والترحال والعناية بأمور الجمال، وهناك (الجوخدار) وهو حامل الرسائل من الحجاج والمبشّر بسلامتهم، و(المزيربتية) وهؤلاء عملهم يقتصر فقط ضمن الأراضي السورية، حيث يرافقون القافلة حتى محطتها الكبرى على ضفاف بحيرة مزيريب في منطقة حوران على الحدود مع الأردن، ويعودون إلى دمشق بأخبار الحجاج وتوصياتهم إلى أهلهم، وهناك (أمير الجردة) وهي النجدة السريعة، وتضم مجموعة من العسكر لمساعدة الحجاج وحمايتهم عند الضرورة في طريق عودتهم من الديار المقدسة، وكما تضم أشخاصاً يقدمون المأكولات الجاهزة والحلويات للحجاج العائدين.

العودة بالسلامة "حجاً مبروراً وسعياً مشكوراً"

عند قرب قدوم الحجيج بالسلامة يسبقهم (الجوخدار) الذي يبشر بمقدم الحجيج، فتخرج دمشق عن بكرة أبيها لاستقبالهم وتقام الاحتفالات والعراضة الشامية ورقصات المولوية على مدى عدة أيام، وتوزع الحلويات ومنها صحون المهلبية (حلوى دمشقية قديمة تحضّر من الحليب)، ويقوم الحجيج بتوزيع الهدايا التي جاؤوا بها معهم من الديار المقدسة للأصدقاء والأقارب في طقس احتفالي اجتماعي رائع. كما يغادر حجاج البلدان الأخرى والقادمين مع الموكب إلى بلادهم وأهاليهم بعد رحلة زمنية طويلة تستغرق عدة أشهر. وأما حجاج دمشق العائدين بالسلامة فيُسْتَقْبَلَون من قبل ذويهم وأهل حاراتهم بمظاهر احتفائية رائعة، ومنها استقبال الحاج بالعراضة الشامية وبألعاب السيف والترس منذ دخوله حارته وحتى وصوله لمنزله، الذي يكون قد زيّن بالورود وكتبت على جدرانه وفي لافتات الاستقبال الأحاديث النبوية الشريفة والعبارات المهنئة والمعبرة عن الفرحة بإتمام شعائر الحج، ومنها: (حجاً مبروراً وسعياً مشكوراً) وغير ذلك.

المحمل: حكايا وقصص وأعراف

لعلّ من أبرز مفردات الحج الشامي هو (المحمل)، ولهذا المحمل أعراف درج عليها المعنيون والمسؤولون عن حملات الحج الشامي إبّان الحقبة العثمانية، كما لها مفردات لا بد من الوقوف عندها، ومنها أن الجمل الذي يوضع على ظهره المحمل يُخْتَار من أفضل أنواع الجمال، ويُعفى هذا الجمل المميز من العمل طيلة حياته كونه حمل محمل الحج، أما المحمل فهو الرمز الأبرز لحجاج الديار المقدّسة في كل سنة، حيث يُبنى المحمل على شكل هيكل خشبي مغطى بقماش مطرّز بشكل رائع ومتقن وتتنوع ألوانه بين الأسود والأصفر والأحمر والأخضر، ويأخذ المحمل شكلاً مكعباً هرميّ القمة يزين غالباً بأشكال ذهبية وأقمار هلالية، كما تعلّق نسخة أو نسختان من القرآن الكريم على الإطار الداخلي للمحمل رمزاً لحضور وحماية الله للقافلة. استخدم الغطاء المطرّز للمحمل احتفالاً بابتداء رحلة الحج (مراسم الرحيل عن دمشق والوصول إلى مكة المكرمة لاحقاً)، ولكنه يُطْوَى أثناء الرحلة البرية حفاظاً عليه، وهناك جدل بين الدارسين حول محتويات المحمل، إلاّ أنهم متفقون على أنه يحتوي على رموز قوية تعبر عن هوية حجاج المنطقة.

لقد أصبحت قافلة الحج المنطلقة من دمشق ذات أهمية خاصة في الفترة العثمانية فهي أولاً تحمل المحمل الإمبراطوري للسلطان العثماني، كما كانت القوافل تحمل الضرائب المجموعة في استانبول وسورية لمساندة مواقع الحج المقدسة في مكة والمدينة والأموال والبضائع الممنوحة للبدو من أجل ضمان تعاونهم على طول طريق الحج، إذ منعت هذه النفقات وجنود الانكشارية التي تحميها القبائل البدوية في جنوب دمشق وفي الصحاري والبوادي على طول الطريق من الإغارة على قافلة الحج وسرقتها وقتل حجاجها، وسرقة الأموال المرسلة لدعم مواقع الحج المقدسة في مكة والمدينة، ويستقبل شريف مكة المحمل عند وصوله بمراسم احتفال رسمية.

في قصر العظم الأثري بدمشق حيث مقر متحف التقاليد الشعبية ينتصب في إحدى قاعاته التراثية الواسعة محمل الحج الشامي، بعد أن تَقَاعد في عام 1914 بسبب الحرب العالمية الأولى وانتهاء الحقبة العثمانية؛ أي قبل قرن ونيّف من الزمن وصار من مفردات الزمن الماضي، والمحمل الذي تحوّل لمقصد الزوار الباحثين عن مشاهدة أدبيات الحج الشامي في الفترة العثمانية يعتبر مثالاً جيداً للمحمل التقليدي السائد في القرن التاسع عشر، وهو مصنوع من مخمل أخضر غامق مطرّز بزخرفات فضية وذهبية معقدة الأشكال، زيّنت رؤوس الأعمدة الأربعة للمحمل بكرات مطلية بالذهب، كما تتركز جمالية محمل قصر العظم في الآيات القرآنية المطرزة بخط اليد على جوانب المحمل وقد طرز الجانب الأمامي من المحمل بالآيات [26ـ 27] من سورة الحج، والتي تتحدث عن التقليد الذي اتبعه النبي إبراهيم عليه السلام في شعائر الحج، وعن أمر الله لإبراهيم أن يعظَ الناس بأداء فريضة الحج الأساسية ليتخلصوا من ذنوبهم.

أمير الحج مسؤوليات ومؤامرات

ينظم أمير الحج قافلة الحجاج ويقودها وهو المسؤول عن نشر رايات ومعايير الحج، وتتضمن مسؤولياته الأخرى إعداد كل التجهيزات والحيوانات المخصصة للنقل، وإنشاء معاهدات الحماية، وإدارة الدفعات المخصصة لقبائل البدو الرحل على طول الطريق إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة، وتأمين الماء العذب للشرب وأماكن الراحة على طول طريق الحج، وتجهيز احتياجات الطعام والجمال والعناية الطبية لمن يحتاجونها، وبهذا يكون منصب أمير الحج مخصصاً لتنظيم المسيرة كاملة من دمشق للديار المقدسة، وحثّ الحجاج على التنقل ضمن مستويات الاحتمال المختلفة حتى وصولهم الآمن، ولذلك فأمير الحج منصب يتمتع بالاحترام والمسؤوليات البالغة الأهمية.

ولكن لا تخلو مراحل أمراء الحج وهم عادة باشا دمشق أو الوالي العثماني أو من يعينه الباشا نفسه من قصص ومؤامرات للحصول على رضا الباب العالي في استانبول، خاصة وأنه كان ينضم لقافلة الحج أفراد من عائلة السلطان العثماني والأفراد المهمين من النخبة العثمانية، وبهذا يستطيع باشا دمشق أن يطور علاقات سياسية قوية مع حكومة استانبول من خلال نوعية الضيافة المقدمة لهؤلاء الأشخاص النافذين أثناء وجودهم في دمشق، ومن ثم رحلة الحج حيث يمكن أن يبعد أمير الحج عن منصبه أو أن يُعْدَمْ إذا عانت قافلة الحج من إصابات غير متوقعة أو فشلت في مهمتها لأن سلامة هؤلاء المشاركين النافذين وشرعية السلطان العثماني الدينية والسياسية تعتمد على نجاح رحلة الحج.

من القصص الملفتة للانتباه في مجال الحج الشامي والتي كان بطلها أسعد باشا العظم (1705-1758م)، والذي كان والياً على دمشق (حيث قصره الأثري الشهير الذي بناه في عام 1749م ـ 1163هـ، واعتبر من أروع وأجمل وأكبر قصور دمشق الأثرية، ويضم محمل الحج حالياً بعد تحويله أواسط القرن العشرين المنصرم لمتحف للتقاليد الشعبية والصناعات اليدوية)، هذا الوالي خُلِعَ من حكم دمشق بعد أربع عشرة سنة من حكمها (من عام 1743ـ 1757م)، واتهم من قبل أعدائه السياسيين بالتنسيق مع البدو في عام 1757م بعد خلعه من الولاية لمهاجمة قافلة الحج من أجل تشويه سمعة خلفه واستعادة منصبه حاكماً لدمشق وأميراً للحج، وربما كانت الأدلة المقدمة ضده مزيفة ومحرضة من قبل منافسيه على السلطة في دمشق... وبالفعل فقد حصل هجوم دموي على قافلة الحج في رحلة الحج في ذلك العام 1170ه وماتت أخت السلطان العثماني، كما مات العديد من نخبة البلاط العثماني في الهجوم أو بعده في الصحراء؛ إذ أخذ البدو المغيرون ثيابهم وطعامهم ومياههم، واستدعي على إثرها في عام 1758م أسعد باشا العظم إلى أنقرة ليقوم أحد عملاء السلطان العثماني بخنقه وهو في الحمام، وتم إرسال رأسه هدية للسلطان في استانبول.

 


المراجع والمصادر:
1ـ كتاب (التعرف إلى قصر العظم - دليل المتحف) للكاتبة الأمريكية الدكتورة سنثيا فنلايسون، ترجمة لودا ومنال محفوض، إصدارات مديرية الآثار السورية العامة.
2ـ كتاب دمشق تاريخ وصور (الدكتور قتيبة الشهابي)، منشورات وزارة الثقافة السورية، عام 1986.
3ـ كتاب روائع التراث في دمشق (الدكتور عبد القادر ريحاوي)، منشورات دار التكوين دمشق، 2005.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها