يعمل مهدي وحميد اللذان تمتد علاقة الصداقة بينهما لسنوات طويلة، في شركة تختص بتحصيل الديون. يجوبان قرى جنوب المغرب الكبير بسيارتهما القديمة، ويتشاركان غرفًا مجاورة في فنادق بسيطة. رغم دخلهما المحدود، يتظاهران بأدوار شخصيات لها قوة لتحقيق أهدافهما المادية. في إحدى الأيام، يتوقف أمامهما دراجة نارية في محطة وقود وسط الصحراء، وعلى حمالتها راكب مكمم اليدين. يظهر هذا الراكب تهديدًا وهو "الهارب"، ومن هنا تبدأ لحظة اللقاء هذه الرحلة غير المتوقعة والمليئة بالتحديات.
ما وراء الرمال: صحاري الغموض
مع مدى جمالها الشاسع وجفافها المميز، تترك صحراء المغرب أثرًا نفسيًّا عميقًا على أي مغامر يتخذها وجهة له. أمام قوة الطبيعة المتواصلة، يبدو اهتمام الإنسان بأمور تافهة من حياته اليومية وكأنها تفاصيل عابرة. هذا الاستدراج الذي يفرضه المكان يثير تواضعًا فوريًا في وجه كل من يدخله. يأخذ مهدي الذي يجسده فهد بنشمسي وحميد الذي يقوم بأدائه عبد الهادي طالب، الشخصيتان الرئيسيتان في فيلم "Déserts" للمخرج فوزي بنسعيدي، هذه الجاذبية بكل جدية. ينتقل الرجلان عبر هذه الأرض القاسية بسيارتهما البالغة القدم، مرتدين ثيابًا بسيطة، يجوبون القرى بحثًا عن فرصة لإقناع الأهالي بسداد الديون التي قد يكونون عاجزين عن تسديدها بالفعل. هذه المهمة البسيطة والعديمة الجدوى تقودهما بسرعة نحو مجموعة من الأفعال الهمجية والساذجة، وفي الواقع، يمثل النصف الأول من الفيلم، الذي تم تقديمه لأول مرة في قسم "كاميرا الأقليات" بمهرجان كان السينمائي، سلسلة مسلية من المشاهد الكوميدية التي تسلط الضوء على مغامراتهما بطريقة رائعة.
بين أصفاد الرمال وأسرار الجمال
تصوير المخرج فلوريان بيروتي، الذي أخرج أيضًا فيلم "L'Autre Laurens"، والذي تم عرضه أيضًا في قسم "كاميرا الأقليات"، يعكس بدقة جمال وصرامة الديكورات بتفاصيلها المدهشة. وهذا الجانب المذهل يمثل واحدة من القلائل النادرة التي تُلمح إلى أن البداية الممتعة لن تستمر بنفس الطريقة. تكمن علامة أخرى في استمرار الفيلم في تبني نمط المراقبة من خلال تقريب الكاميرا من الشخصيات بشكل منتظم، لتسليط الضوء على عبثية جهودهما، مع التحول إلى تكوينات أقرب. يظهر وجوه مهدي وحميد بوضوح أكبر في هذه اللحظات، ليصبحا فردين لديهما مشاكل حقيقية، بدلاً من مجرد تجسيدات مبالغ فيها يمكن السخرية منها. وإذا كان مهدي هو الأكثر تفاؤلاً بينهما، فذلك يعود إلى سبب بسيط: ليس لديه شيء آخر يفقده، إذ انفصلت زوجته وربما لن تعود أبدًا، لذا يجب عليه ضمان رعاية ابنته بمفرده.
عبور الصحراء بين الكوميديا والدراما
النصف الأول من "Déserts" يجمع بين الفكاهة والسرور، دون أن يصبح مظلمًا: تعتبر الوضعية الاقتصادية الهشة للبلاد خلفية للنكات والمواقف. يظهر التغيير المفاجئ في النصف الثاني كخطوة غامضة، حيث يُعاد نفس الأفكار ولكن بلمسة أكثر جدية وتركيزًا تقريبيًا. يتطلب الأمر من الجمهور الذي اعتاد على وتيرة أكثر مرحًا وتعاطفًا أن يبدي صبرًا إذا ما أراد متابعة الفيلم واستيعاب رسالته الجديدة.
يظهر التغيير المفاجئ في الوتيرة مع دخول شخصية مركزية ثالثة وغامضة، والتي لا يُكشَف عن اسمه في البداية (ربيع بنجهيل). يتفق الثنائي مهدي وحميد على نقل هذا الغريب المكمم إلى السلطات، بهدف مساعدة الرجل العجوز في اعتقاله وبالتالي الحصول على المكافأة الموعودة. تتبقى أسلوب الفيلم هنا دون تغيير كبير، ولكنّ المعانيّ والانطباعات التي يستحضَر تتغير بشكل كبير. في اللحظات الكوميدية السابقة، كان غياب الحوار يُسلط الضوء على العناصر البدنية للكوميديا. أما هنا، يخلق نفس الصمت جوًا من التوتر المتوقع، إذ تتحول المشاهد إلى أوجه أقل طرافة. وبالتالي، في هذا النصف الثاني من الفيلم، تظل الكاميرا بعيدة عن الأحداث تمامًا، تمامًا كما كانت في مشاهد رحلتهما البادية في البداية، ولكن هذا البعد البصري يعكس الآن شعورًا متناقضًا بالعجز أمام تصاعد العنف على الشاشة.
عوالم الصمت والقرارات
من خلال المشاهد الصامتة المتجاورة، نتعلم ببساطة أن الرجل المكمم قد تم فصله بالقوة عن زوجته على يد شخص معين قدم خطبة لها. تم إجبارها بعد ذلك على الزواج من هذا الشخص. وعندما ينجح الغريب الغامض في الفرار من الحراسة، يترك الفيلم مهدي وحميد تقريبًا بمفردهما ليتبع رحلته الخاصة، وهو ما يضيف تعقيدًا إلى القصة. قصته تحمل أجواء الحكايات الشعبية، وهو يتناغم تمامًا مع جمال اللقطات المرئية. ولكن التغيير المفاجئ في اللهجة يجعل هذا النصف الثاني من الفيلم، الذي يأتي بعد النصف الأول الدينامي والمشوق، يتطلب فهمًا أكثر عمقًا. على وجه الخصوص، كشف أن هذه القصة ترتبط أيضًا بموضوع الديون والمال تم تقديمها بشكل رائع، ولكنها لم تضف الكثير من العناصر الجديدة. يبرز مصير الغريب أكثر رومانسية، وسلوكه يتسم بالكرامة أكثر من تلك التي حاول المزارعون الحصول على تعاطف مهدي وحميد من خلالها في البداية. وعلى الرغم من ذلك، ينتهي بمصير محزن يشبه إلى حد كبير مصائر الأشخاص الفقراء الذين يضطرون للتخلي عن ممتلكاتهم الثمينة.
فيلم "Déserts" يتميز بطابعه الحاد وإيقاعه المتسارع. يعكس الإخراج ثقافة المخرج المسرحية والمليئة بالحيوية. يقوم المخرج بابتكار مشاهد مرحة وحوارات لذيذة في كثير من الأحيان، حيث يتم تصميم كل جزء من الفيلم لجلب الضحك لدى المشاهدين بقدر ممكن. وفي الوقت نفسه، يثير الفيلم تساؤلات عميقة حول وضع بلد معين، المغرب على وجه الخصوص، حيث يظهر تأثير الوضع الاقتصادي الصعب على سكان الريف الذين يجبرون على الديون والاستسلام للظروف القاسية التي يفرضها الديون والائتمان.
يمتاز الفقر بأنه يمس غالبية الشعب في البلاد، ويعيش بعضهم في منازل بدون أسقف، مما يبرز التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي يواجهها المغاربة. على الرغم من أن المغرب يعتبر جزءًا من الدول الناشئة ويمتلك إمكانيات كبيرة، إلا أنه لا يزال يعاني من الفقر والتهميش في بعض المناطق.
يجمع الفيلم بين المزاح والجدية بطريقة مميزة، حيث يقدم مزيجًا من المشاهد الكوميدية واللحظات الحساسة. يعرض الفيلم بشكل فريد وخصب تحديات المجتمع والوضع الاقتصادي، مما يجعل المشاهدين الغربيين يفكرون في وضعهم الاقتصادي الخاص.