مدهشة أنتِ يا من تنثر في فضاءاتي ألحان الهوى، كل ما فيَّ يحن لتلك الطفلة فيكِ، انظري إلى لهفتي كيف تناديكِ، ألا تسمعين آهاتها المرسومة فوق أجنحة الريح؟ الليالي دونكِ متعبةٌ ولو ظلت أقماركِ غائبة لن يطيب لي في بُعدكِ مَشربُ، ليتكِ تأتين مثل أغنية ميّاسة القدّ، ترسم ابتسامتها وتزين الليالي بالألحان والصور. قولي لي من أنتِ؟ هل أنتِ غيمة تغني للمروج أنشودة المطر، أم نهر عذب يجوب ثنايا الروح؟ أم وردة تداعبها ابتسامة الصباح؟ مُدّي خُطاكِ لي واطفئي نار الجوى، أو زوريني طيفاً في الكرى ودعيه يواسي موجعي.
ما زلتُ أنتظركِ كي أستعير من كفيكِ دفئاً، ومن عينيكِ القصائد، ثم أرسمكِ لروحي العطشى بحيرة يعانقها وميض القمر، وقبل ابتسامة الصباح، أكتبكِ أغنية حنونة اللحن، لعلها تهدئ قليلاً من نبضات هذا القلب.
أيتها البهية كأزهار الكرز، لهفتي إليكِ أنقى من لون الندى، ولا أعرف متى سألتقي بذاك البياض المنبعث من وجنتيكِ والذي رأيته فجأة بقلبي، فهو دائماً يدور من حولي كشمس صغيرة وحنونة.
دائماً تتلألئين أمامي وأنتِ مبللة بالندى، فتشهق الروح وتحتار بما تبوح، ودائماً أرى وجهك شامخاً بهياً مثل رفرفات العلم، فأقف بابتهاج وأؤدي له التحية بقلب يوجهه النغم. لمَ تغيبين؟ وما بكِ تزدادين بهاءً كل حين، وكأنكِ خارجة من بين أوراق زنبقة مجبولة بحكايات النسيم، وتأكدي تماماً، حتى لو اختفيتِ خلف تلألؤات النجوم، ستظلين في عينيَّ غيمة ترفرف فوق مروج الروح.
يراودني أحياناً أنكِ لستِ من لحم ودم؛ وإنما منبعثة من ينابيع تتفجر من مآقي الغيم.
كلما يأتي الليل، أرسمكِ أمام عينيّ بألوان أستعيرها من حكايات الاشتياق، ثم أذهب معكِ في عناق، يشبه عناق الندى مع وردة آتية من فراديس النعيم.. أتذكرين حين كنتِ تأتين إليَّ وتبتسمين، حينها كنتُ أرى الزنابق تنمو على نافذتي وبشائر الخير تحوم من حولي، ولا أنسى حين قلتِ لي وقوس قزح يسبق ابتسامتكِ:
- ماذا وجدتَ فيَّ حتى أحببتني؟
- ألا تكفي ابتسامة عينيكِ؟ فعلى أنغامها ترقص أجمل أيامي، وأروع ما فيكِ بحار عينيكِ، تسير فوق أمواجها مراكب أحلامي.
في كل لحظة اشتياق أراكِ واقفة أمامي وتبتسمين، فأغفو بين ألق عينيكِ وكأنني أغفو على هديل الحمام، ليتكِ تأتين، كي نرسم لوحة حب يتسلى بها السهارى.
حين أرى غيوماً ماطرة في الأفق، أتذكر كل ما فيكِ من بهاء وسرعان من تتفتح الورود في أوردتي، فلا أملك سوى أن أهمس بحسرة: "أنتظركِ عند منعطفات لهفتي؛ كي أفرش فوق عينيكِ هسيس الكلام".
البارحة رأيتكِ في الحلم، كنتِ غيمة ترتدين أجنحة مبرعمة بنكهة التين، انبهرتُ بكل ما فيكِ وكحلتُ عينيَّ بألوانكِ الرائعة، فرأيتُ فيكِ بهاء حقول الحنطة، واخضرار المروج، وتوهجات أزهار الكرز، وحين وقفتِ بهدوء فوق وردة حمراء، تساءل القلب! هل هذه فراشة أم غيمة تريد أن تلاعب اخضرار الحقول وجمال الورود ونقاوة الندى؟
واليوم حالما فتحتُ عينيَّ رأيتكِ زنبقة مرسومة فوق وجنة الصباح، فأصبح بيني وبينكِ وشوشات المحبة ولحن الناي وهديل الحمام. ولأنكِ أنا؛ ولأنني أنتِ، وأحببتكِ، سأهديكِ كل مساء همسة وقصيدة وأغنية.
متى سيتحقق الحلم وأرى العالم الجميل في عينيكِ، يا لقناديل عينيكِ، كيف غيّبتها الأيام وتركت لي الظلام؛ ولأنكِ غيمة بعيدة، ستظل رياح الحنين تثورُ، وفي كل ليلة من ليالي الانتظار الصعب، أجلس وحيداً وأستعير من عينيكِ أربعة أبيات حتى تكتمل القصيدة التي أتمناها.
ستظلين مدهشة وإن كنتِ بعيدة، وها أنذا الآن أتخيّل وجهكِ على مقاس قمر أسمر، يزرع في عينيَّ أسراب ضوء تلاعب الشفق، فكيف لا تكونين مدهشة! وقد خلقكِ الله من طين ثم زرع فيكِ الياسمين.