مي مجدي.. قصة فنانة تعيد صياغة الهُوية عبر الألوان

جيهاد عبد الونيس


يُعتبر الفن التشكيلي أحد أقوى أشكال التعبير الإنساني، فهو يتجاوز الكلمات ليحكي قصصاً عن الأفراد والثقافات. في هذا السياق، تبرز الفنانة مي مجدي كصوت إبداعي يُعيد تعريف فن البورتريه، ليس فقط كشكل فني، بل كأداة لتوثيق الهوية الثقافية والتراث. من خلال أعمالها، لا تكتفي مي مجدي برسم الوجوه، بل تستخدمها كنوافذ تطل على قصص مجتمعات بأكملها، لتُقدم رؤية فنية عميقة عن الجمال الكامن في الملامح العربية.

 

البورتريه، أو الصورة الشخصية، ليس مجرد نقل مادي للملامح. إنه حوار صامت بين الفنان والروح التي يمثلها، يتطلب من الرسام أن يكون عالم نفس وباحثًا في طبيعة الإنسان. فمن خلال ضربات الفرشاة، يستطيع الفنان أن يجسد المشاعر الداخلية، والحالة الاجتماعية، وحتى تاريخ الشخص. هذا العمق هو ما يجعل فن البورتريه خالدًا، فقد كان في البداية وسيلة لتخليد حكام وملوك، لكنه اليوم أصبح يُعبر عن كل فرد، مهما كانت مكانته. الفنانة الإماراتية مي مجدي، من جهتها، اختارت هذا الفن لشغفها العميق بفكرة أن الوجوه هي أفضل مرآة للمجتمعات، فهي تحمل بصمات الزمن وتاريخ الشعوب.

الجمال في الأصالة:

لعبت نشأة مي مجدي في دولة الإمارات العربية المتحدة دورًا أساسيًا في تشكيل رؤيتها الفنية. فبدلًا من البحث عن إلهام في ثقافات بعيدة، وجدت مي مجدي أن الجمال الحقيقي يكمن في محيطها القريب. لقد تشبعت بروح الإمارات، بثقافتها وتقاليدها، وظهر هذا التأثر جليًا في اختيارها لوجوه عربية أصيلة لتكون محور أعمالها. لوحاتها ليست مجرد تجسيد بصري، بل هي تكريم للتراث الإماراتي. إنها تلتقط قوة ملامح السكان المحليين، وتألق نظراتهم، وحكمتهم التي تتحدث عن تاريخ حافل بالصمود والأمل.

استلهام من فان جوخ:

لا يمكن الحديث عن أسلوب مي مجدي دون ذكر تأثرها بالفنان العظيم فنسنت فان جوخ. لكن هذا التأثر لم يكن مجرد تقليد سطحي، بل كان بمثابة حوار مع فنان استخدم الألوان للتعبير عن أدق مشاعره وأعمق صراعاته. على غرار فان جوخ، الذي كان يرسم ذاته ليعبر عن روحه المضطربة، تستخدم مي مجدي ضربات فرشاتها العفوية والسميكة لإظهار المشاعر الداخلية لشخصياتها. هذا الأسلوب يضفي على أعمالها حيوية فريدة، ويجعل الألوان تتحدث وتتفاعل مع المشاهد، مما يجعل كل لوحة تجربة بصرية وشعورية غنية.

تتجاوز مسيرة مي مجدي كونها مجرد رسامة. فهي فنانة فاعلة في مجتمعها، تؤمن بأن الفن ليس مجرد هواية، بل هو أداة للتغيير والتعليم. من خلال تقديمها للورش الفنية والمحاضرات، تساهم في إعداد جيل جديد من الفنانين وتنمية مواهبهم. هذا الدور الاجتماعي يعكس إيمانها العميق بأهمية نشر الوعي الفني. إن عرض أحد أبرز أعمالها، وهو بورتريه للشيخ زايد، على مبنى ناسداك في نيويورك لم يكن مجرد إنجاز شخصي، بل كان بمثابة رسالة ثقافية للعالم، تؤكد أن الفن العربي قادر على الوصول إلى العالمية ونقل هويته المميزة إلى كل مكان.

 

الصور © حسابات الفنانة على وسائل  التواصل الإجتماعي

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها