صِنَاعةُ "المَدفعيّة"

في كتاب "العزّ والمنافع" للرياش ابن غانم (11هـ/ 16م)

د. أبو بكر خالد سعد الله

من الأعلام الأندلسيين الذين تركوا لنا إرثاً فريداً الرياش ابن غانم المعروف أيضاً بـ"ابن غانم الأندلسي". فمن واجب جيلنا أن يتعرف على أمثال هؤلاء وعلى ما قدموه لأمتهم من عمل جليل. لقد ولد إبراهيم بن أحمد بن غانم بن محمد بن زكريا الأندلسي في قرية "نَولِش"، الواقعة في إقليم غرناطة خلال أسوأ فترة عرفها العرب المسلمون في الأندلس، وهي السنوات الممتدة من 958هـ/1550م إلى 1008هـ/1599م. فإبّان هذه الفترة اكتشف رؤساء محاكم التفتيش الإسبانية أن أغلبية الأندلسيين الذين ظلوا ماكثين في غرناطة وما حولها، قد حافظوا على ديانتهم ومقدساتهم الإسلامية رغم تظاهرهم بالتنصّر، وأنهم ما زالوا يدرسون ويدرّسون اللغة العربية في بيوتهم سرًا، فتم إعدام كبار القوم فيهم، وأجبِر معظمهم على الهجرة إلى خارج حدود غرناطة، فلجأت عائلة ابن غانم الرياش إلى مدينة إشبيلية عام 1582م.

 

حياة الرياش

كان الرياش ابن غانم محباً للبحر والأسفار البحرية منذ طفولته، ولعلّ ذلك راجع إلى رغبته في الهجرة خارج الأندلس نظراً لما شهده من اضطهاد بني جلدته على يد الإسبان. وقد تظاهر الرياش، كباقي أبناء شعبه بالتنصر، وبذل جهوداً لتعلم اللغة الإسبانية حتى يتمكن من الإلمام بالعلوم البحرية. وبفضل هذه الجهود، تم توظيفه في إحدى كبريات السفن المتوجهة إلى القارة الأمريكية التي كانت قد اكتشفت حديثاً، وكان الرياش يسميها "الهنود المغربية البعيدة".

من الواضح أن الرياش المغامر قد أتقن فنّ التمويه لإخفاء أصوله العربية الإسلامية. وخلال أوائل القرن السابع عشر، عبَر المحيط الأطلسي عدة مرات أثناء عمله على متن هذه السفينة التي كانت تحمل الفضة إلى إسبانيا. وخلال هذه الرحلات، اكتسب معرفة نظرية وعملية بالمدفعية حتى أصبح خبيرًا في الأسلحة النارية. كما أتيحت له الفرصة لمراجعة العديد من المخطوطات الإسبانية المتعلقة بالمدفعية. وقد اضطره الطرد النهائي للموريسكيين من إسبانيا عام 1609 إلى الفرار نحو تونس.

وخلال رحلاته تنقل الرياش عبر البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي، وتجول بين الموانئ الأندلسية والأمريكية، ولم يتعلم علوم البحر فحسب، بل غاص أيضاً في فنّ المدفعية بفضل مرافقته لربابنة البحر الإسبان وتأمله لطرق التدريب على المدافع. يقول الرياش في هذا السياق: "وكانوا يجتمعون مع أكابر القوم للكلام في تلك الصناعة (يقصد فن المدفعية)، وتارة يأتون بالكتب المؤلفة في ذلك الفن، وهي كثيرة، لأن العارفين بالعلم، المباشرين للعمل، وغيرهم، لما رأوا أن ملوكهم يعظمون أهل ذلك الفن ومن يؤلف فيه فُتنوا به، وكنت أجالسهم وأحفظ بعض ما يتفقون عليه، وأشتغل بيدي في المدافع، وجميعهم لا يظنون بي أنني أندلسي".

والظاهر أن أمره اكتشِف وعرِف أنه مسلم فأُودع السجن، ومن حسن حظه أن أحد كبار الإسبان في السفينة وقف إلى جانبه فأطلق سراحه. وبعد خروجه من السجن لاحظ الرياش أنه تحت الرقابة، فحاول الحصول على إذن للهجرة إلى المغرب الأقصى، واضطر إلى دفع الرشوة لتحقيق ذلك عام 1016هـ/1607م. ومن ثم هاجر الرياش مع مجموعة من العرب والمسلمين إلى تونس، فوصلها في عهد الداي عثمان (قبل عام 1017هـ/1608م).

ويصف الرياش أحداث هجرته واستقبال أهل تونس له بالقول: "فخرجت من تلك البلاد (يقصد الأندلس) إلى بلاد المسلمين مع جملة من الأندلس، وكانوا منعوني من ذلك... ثم أنفقت دراهم في الرشوات، وخرجت من بينهم، وجئت إلى مدينة تونس، حرسها الله، فوجدت فيها كثيراً من الأصحاب والأحباب من الأندلس، وأقبل علي أمير المدينة عثمان داي، رحمه الله تعالى، وقدمني على مائتي رجل من الأندلس، وأعطاني خمسمائة سلطانية، ومائتي مكحلة (أي بندقية)، ومائتي سكين، وغير ذلك مما يحتاج إليه في سفر البحر".

نلاحظ أنه خلال القرن السابع عشر، توجّه المسلمون بشكل كبير إلى الحروب البحرية ضد السواحل الإسبانية، وتوسعت حركة الشحن في البحر الأبيض المتوسط، والمحيط الأطلسي من حيث الحجم والنطاق، مما شكل تهديدًا خطيرًا للدول الأوروبية. وهكذا شرع الرياش في القيام بعمليات عسكرية هجومية في البحر الأبيض المتوسط ضد الإسبان تحت رعاية حاكم تونس، الداي عثمان، واضطر ذات مرة إلى العودة بغنائم قليلة بعد أن أصيب بجرح خطير كاد يقضي عليه. وبعد أن برئ من جرحه عاد إلى البحر في حوالي عام 1612، وشارك في قتال بحري ضد إحدى عشرة سفينة إسبانية. وكانت المعركة بالغة الشراسة وانتهت بانتصار الإسبان.

وبعد الانسحاب، أصيب الرياش بجروح خطيرة وتم أسره واحتجازه في إسبانيا مع بقية الطاقم لمدة سبع سنوات. ثم جرت عملية تبادل الأسرى بين داي تونس وملك غرناطة الإسباني، فرجع الرياش إلى تونس، واستقر في ميناء حلق الوادي التونسي إذ عيّنه الداي يوسف رئيساً لمفرزة المدافع الرابضة هناك. وفي مدينة حلق الوادي تمكن الرياش من تأليف كتابه عن المدافع بعد أن لاحظ -حسب قوله- جهل رجال المدفعية التونسيين وعدم إلمامهم بأصول المهنة.

وقد وصف الرياش حملته الجديدة بقوله: "وبعد أن برئتُ ركبنا أيضاً البحر، وسافرنا فيه في طلب الكفار وأموالهم، ونحن بقرب مدينة مالقة، وهي على حاشية هذا البحر الصغير (أي البحر الأبيض المتوسط)، تلقينا بإحدى عشر غراباً (أي قارباً حربياً)، وذلك في نصف شهر أغشت والبحر ساكن، ولا شيء من الريح، ووقع الحرب الشديد، ومات من الجانبين خلق كثير، ودام الطراد الكبير حتى لم يبق منا إلا القليل، وأسرونا، وصحَ أن من الكفار أعدائنا مات في ذلك اليوم أكثر من ستمائة رجل كان بينهم أكثر من عشرين من أكابرهم، وأسرونا وأنا مثقل بالجراح". تشير بعض المصادر إلى أنه توفي في تونس حوالي عام 1641م.
 

كتابه "العزّ والرفعة والمنافع"

لقد ألّف الرياش أول كتاب ظهر باللغة العربية في علوم المدفعية، اختار له عنوان "العزّ والرفعة والمنافع للمجاهدين في سبيل الله بآلات الحرب والمدافع". غير أنه ألّفه باللغة الإسبانية ما بين 1630 و1632م، ثم تمت ترجمته إلى العربية. وكان أصل الكتاب باللغة الإسبانية؛ لأن الرياش كان يتحدث الإسبانية وغير ملم باللغة العربية، مثل معظم الموريسكيين. أما مكان تأليف الكتاب فكان قلعة حلق الوادي التونسية.

ويصف المؤلف الأسباب التي دفعته لتأليف كتابه هذا بقوله: "ولما رأيت الطائفة المسماة بالمدافعين المرتبَين (أي جنود المدفعية) لا معرفة لهم بالعمل، وأنهم لا يعمَرون، ولا يرمون بما يقتضيه العمل، عزمت على تصنيف هذا الكتاب؛ لأن كل مدفع له قيمة مال وتعب في إيجاده، ثم يوكل على تسخيره والرمي به من يكسره ويفنيه في الرمية الأولى أو في الثانية، والموكل عليه الذي يعمره (أي يلقمه) ويرميه قريباً من الهلاك، فحملني على تصنيفه النصح له ولمن وكله عليه. نسأل الله أن يقبل النية، إنها أبلغ من العمل، وأن ييسر لي من يعرّبه بالعربية من الكلام الإسبانيول... ولا قصدت به نفعاً دنيوياً، بل الإخلاص لله تعالى بترجمته، لنكتب منه نسخاً ونبعثها إن شاء الله لبعض المواضع في بلاد المسلمين، ونذكر فيه ما يحصل النفع من وجوه، وللمدافعين القائمين بما يوجب عليهم من الحقوق فيما تصدَروا إليه وتكلفوا به من خدمة أمراء المسلمين، ويحصل لهم الأجر عند الله سبحانه بتفريج المسلمين بإتقان أعمالهم وتخويف أعدائهم الكافرين".

يحتوي الكتاب على خمسين باباً في وصف البارود، والآلات الحربية القاذفة، وتركيب المدافع واختلافها، ووصف أدواتها، وطرق تعميرها، والرمي بها إلى غير ذلك، ويتخلل ذلك 51 رسماً توضيحياً لمختلف أجزاء المدفع. وأضاف المترجم في متن الكتاب نصين قصيرين، فضلاً عن فصل جديد وضعه في ذيل الترجمة تناول فيه موضوع الجهاد وثوابه، وكذا الأسباب التي دفعته إلى أداء هذه الترجمة. دعنا نتعرف على بعض ما جاء في الكتاب من مواضيع: ففي الباب الأول مثلاً قدم المؤلف توصيات وتذكيرات للمجاهدين بآلات الحرب البارودية، وما يحتاجه هؤلاء ليتقنوا صنعه والعمل به.

وذكر في الباب الثاني الآلات البارودية، ومركباتها عندما تكون معدنية، وأوضح المؤلف ما يضاف للنحاس من القصدير عند تفريغها وتذويبها. وفي باب آخر تطرق إلى كيفية تعمير المدافع، تلاه باب آخر تناول فيه المؤلف طرق أخذ القياسات للرمي بالمدافع. كما أوضح الرياش معادن أنواع المدافع. وخصص باباً لاستعراض كيفية تبريد المدافع عندما يتوالى الرمي بها من غير توقف. وفي الباب الثالث والثلاثين عرفنا المؤلف بالبارود وبكيفية عمله. ولم يهمل الرياش موضوع حمل المدافع في البر فخصص له باباً كاملا. كما تحدث في باب آخر عن عمل الجسور لعبور الوديان وعما يحتاج إليه رجال المدفعية لدى السفر براً وبحراً بآلات البارود.

وهكذا نرى بأن الكتاب كان يكتسي أهمية كبيرة لأنه جمع الكثير من التجارب الحربية التي أجراها الرياش بنفسه وتلك التي سبقت عهده. ويظهر من أسلوب الكتاب ومنهجه أنه ملمّ بصفة جيدة بالعمليات الحربية، من اختبار المعادن المناسبة لنوع المدفع إلى طرق صناعتها، ومن مراحل إنتاجها إلى استعمالها ميدانيا. وقد أورد الرياش في كتابه أنواعاً عديدة للمدافع في تصنيفه انطلاقاً من وزن عمارة البارود التي تتطلبها حسب حجم القذائف، آخذاً بالحسبان طول المدفع واتساع فوهته، وغير ذلك من المقاييس، فصنفها إلى اثنين وثلاثين نوعاً.

تعتبر هذه الدراسة أول دليل مصور بشكل دقيق لحرب المدفعية وحرب الحصار ينشر باللغة العربية. ومن الناحية التاريخية؛ فإن هذا العمل مهم لأنه المرجع الوحيد الذي يعرفنا بحياة المؤلف وثقافته. ولذلك يرى المؤرخون أن هذا العمل يمثل تحفة أثرية في علم الآثار التاريخية إذ إنه يشكل أحد المخطوطات القليلة في شمال إفريقيا التي تحتوي على رسوم توضيحية ينظر إليها مؤرخو الفن من زاوية الإبداع.

وما يبيّن أهمية الكتاب أيضاً أنه تم استنساخه عبر القرون، والآن توجد نسخ كثيرة من مخطوطه في كل من القاهرة والرياض وجدة والمدينة المنورة، وتونس والجزائر والرباط والإمارات العربية المتحدة ومدريد ودوبلن ولندن وفيينا وإسطنبول. من جهة أخرى، يلاحظ المؤرخون أن كتاب "العز والمنافع" لم يكن معروفًا لدى العلماء المعاصرين حتى عام 1865. ففي هذا التاريخ اكتشف المخطوط المستشرق الألماني غوستاف ليبرشت فْلوجِل Gustav Leberecht Flügel‏ (1802-1870) في المكتبة الوطنية النمساوية. وفي عام 1902، قدم اللغوي المصري أحمد زكي باشا (1867-1934) هذه الوثيقة كورقة بحثية في المؤتمر الثالث عشر للمستشرقين الذي عقد في ألمانيا. وتظهر نتائج البحث أن المؤلف اعتمد في عمله على الكتابات الإسبانية المعاصرة، وخاصة عمل لويس كولادو Luis Collado، الذي كان كتابه Platica Manual de Artilleria (دليل المدفعية) الصادر في نهاية القرن السادس عشر وطبع في إيطاليا، أحد أهم الأعمال الإسبانية عن المدفعية خلال ذلك القرن والقرن الموالي.
 

شخصية مترجم الكتاب أحمد الحجري

تمت ترجمة الكتاب من الإسبانية إلى العربية على يد أحد الموريسكيين، وهو أحمد بن قاسم بن الشيخ الحجري الأندلسي (توفي 1642م). إنه شخصية مثيرة للجدل، اشتهر بأنه كان مؤلفاً ومترجماً سابقاً ومبعوثاً لسلطان المغرب، وأدى دورًا بارزاً في المغرب خلال القرن السابع عشر. ونظرًا لغياب المصادر، لا نعرف إلا القليل عن حياته في إسبانيا. وقد ولد في الأندلس تحت الاسم المسيحي دييغو بيخارانو Diego Bejarano وقضى هناك الثلاثين عامًا في بداية حياته. وفي غرناطة، عمل كمترجم معتمد من العربية إلى الإسبانية وأيضاً من الإسبانية إلى العربية لدى رئيس أساقفة غرناطة. ولما كان مسلمًا في إسبانيا خلال تلك الفترة العصيبة، فقد عاش في وسط مضطرب ومليء بالمخاطر. وفي آخر المطاف حكمت عليه محاكم التفتيش بالإعدام حرقًا. لذلك قرر الفرار إلى شمال إفريقيا (دار الإسلام)، ووصل عام 1599 الأراضي المغربية بشق الأنفس. وبمجرد وصوله إلى المغرب، انضم إلى بلاط السلطان المغربي كأمين ومترجم من وإلى الإسبانية، وأطلق عليه لقب "ترجمان سلاطين مراكش".

وبين عامي 1611 و1613، أرسل سلطان المغرب أحمد الحجري في مهمة دبلوماسية رسمية إلى أوروبا حيث سافر إلى فرنسا وهولندا. وكان عالماً عميق المعرفة بالديانات وبالإنجيل والتوراة. وأثناء وجوده في أوروبا، أسهم في مناقشات لاهوتية وجدلية مختلفة مع علماء مسيحيين ويهود. وفي عام 1635، غادر مراكش وأقام لفترة قصيرة في قلعة سلا قرب العاصمة المغربية الحالية الرباط. وفي عام 1636 توجه نحو مكة المكرمة لأداء فريضة الحج، ثم مكث في مصر فترة قبل أن يغادرها متجها إلى تونس.

وفي مصر، قام أحمد الحجري بناءً على طلب أحد أصدقائه من العلماء المصريين، بالكتابة عن أهم رحلاته، وظهر ذلك في مؤلفه "ناصر الدين على القوم الكافرين"، الذي ركز فيه على استعراض مناقشات أجراها مع المسيحيين واليهود في أوروبا. وفي تونس، كرّس السنوات المتبقية من حياته لترجمة الكتب من العربية إلى الإسبانية (والعكس بالعكس) لزملائه الموريسكيين. وفي عام 1637، التقى الحجري بالرياش في إحدى المناسبات بتونس، فاتفقا على ترجمة عمل الرياش من الإسبانية إلى العربية بمساعدة المؤلف، وأكمل الترجمة في 13 ربيع الأول 1048 هـ/25 يوليو 1638م.

وقد جرت العادة في المخطوطات على أن يذكر المؤلف العنوان في مقدمته، لكن المترجم هنا أعطى عنواناً آخر للكتاب، بموافقة المؤلف، حيث سماه "العز والمنافع". ومنذ ذلك الحين، قام ابن المترجم بإعداد عدة نسخ عربية، أهديت إحداها وأرسلت إلى السلطان العثماني الحاكم مراد الرابع (حكم خلال الفترة 1623-1640 م). وفي نهاية العمل أدرج الحجري ملحقًا بسيرته الذاتية مع سلسلة من الأحاديث النبوية والآيات القرآنية الكريمة. ومن اللافت للنظر أن ترجمة النص كانت صعبة؛ لأن المترجم لم يكن يعرف المرادفات العربية المقابلة لمصطلحات المدفعية الإسبانية. إلا أن التعاون مع المؤلف مكنه من إنهاء ترجمته.

يروي المترجم أنه كان يجد من حين لآخر صعوبات في الترجمة، حيث يصطدم بتعابير تقنية غير مألوفة في اللغة العربية، مثل أسماء وأنواع المدافع المختلفة التي تحدث عنها مؤلف الكتاب والتي تجاوزت ثلاثين نوعاً. ويصف أحمد الحجري في الخاتمة التي ذيّل بها ترجمته للكتاب هذه الصعوبة وكيف تغلب عليها فيقول: "وبعد أن اشتغلت بعض الأيام بترجمة الكتاب توقفت من أجل أسماء المدافع، وما يتعلق بها، لأنه لم نعرف لها أسماء عربية، حتى طرحت القلم، وأردت أن أتركه".

ويواصل المترجم قائلا: "ثم تذكرت في الحين لرؤيا رأيتها قبل ذلك اليوم، كنت أقرأ في قوله تعالى: "الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل"، فتقوى عزمي على ترك البخل من نفسي، واشتغلت به، وسهل الله علي من تلك الساعة حتى اختتمته، وكنت إذ يُشكل علي شيء من الكتاب نسأل الريس مؤلفه، ويبيّن لي في الحين بياناً شافياً كل ما نسأله عليه. وعلمت أن كل ما ذكر وكتب هو عنده بالقول والفعل.. وفي اليوم الذي عزمت على تمام تعريب الكتاب فقتُ من النوم عند الصباح، ولساني يقول قوله تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً}، ففهمت من الآية أن الله تبارك وتعالى قبِل الكتاب ورضيه. نسأله سبحانه أن ينفعنا به في الدنيا والآخرة، وللمسلمين بفضل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وسميت الكتاب بإذن الريس مؤلفه "العز والمنافع للمجاهدين بالمدافع".

تلك هي قصة هذا الكتاب وصاحبه ومترجمه التي تذكرنا بما كان عليه الأندلس في عهد محاكم التفتيش، وما عانى منه المسلمون من اضطهاد. ونحن ندرك من خلال هذا الكتاب الصفحة الناصعة التي سجلها ضمن تاريخ أمتنا في الغرب الإسلامي.

 


بعض المراجع:
1. الغنيمي، عبد الفتاح: موسوعة تاريخ المغرب العربي: دراسة في التاريخ الإسلامي، المجلد 3، مكتبة مدبولي، القاهرة، 1994.
2. سعد الله، أبو بكر خالد: نفحات من تراثنا العلمي المجيد، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، تونس، 2011.
3. Mansour Mohamed Sabri, Khairil Husaini Jamil, & Ahmed Jomaa Abd Al-Hamid: Journal of Islamic Thought and Civilization, Al-Shajarah istac, Volume 27, Number 2, 2022
4. Nuria Martínez de Castilla Muñoz : al-Ḥajari Aḥmad ibn Qasim, Kitab Nasir al-Din ala l-qawm al-kafirin, , CSIC (Fuentes Arábigo-Hispanas, 35), Madrid,2015

 

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها